اللواء محمد كنجو حسن مسؤول المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا السابق
اسم كنجو ارتبط ارتباطا وثيقا بسجن صيدنايا

أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، الخميس، القبض على اللواء محمد كنجو الحسن في خربة المعزة بريف طرطوس في غرب سوريا، غداة اشتباكات في غرب البلاد اندلعت إثر محاولة سابقة لاعتقاله.

ويرتبط اسم اللواء الحسن الذي كان يرأس إدارة القضاء العسكري في سوريا، ارتباطا وثيقا بسجن صيدنايا، الواقع شمال دمشق، والذي أصبح رمزا للفظاعات التي ارتكبتها سلطات الرئيس المخلوع بشار الأسد ضد معارضيه، بعدما شهد على إعدامات خارج نطاق القضاء وعمليات تعذيب وحالات اختفاء قسري.

وكنجو من مواليد عام 1960 في قرية خربة المعزة التابعة لمنطقة الدريكيش بمحافظة طرطوس.

وشغل منصب مدير إدارة القضاء العسكري في سوريا وهو حاصل على شهادة في الحقوق، وانخرط في صفوف قوات النظام وتدرج في مسيرته حتى أصبح قاضيًا عسكريًا بارزًا، وفق تقرير من "تلفزيون سوريا".

ومع اندلاع الاحتجاجات السلمية في مارس2011، كان محمد كنجو يشغل منصب النائب العام العسكري في المحكمة الميدانية العسكرية بدمشق. وتولى محاكمة المعتقلين المدنيين والعسكريين، وارتبط اسمه بإصدار آلاف أحكام الإعدام والأحكام بالسجن المؤبد والطويلة على معتقلين.

وحسب شهادة أحد الضباط المنشقين، التي أوردها التلفزيون، كان كنجو يتعاون مع رؤساء أفرع التحقيق في الأجهزة الأمنية لتضمين إفادات المعتقلين عبارة موحدة تتهمهم بمهاجمة مواقع عسكرية، لتبرير إصدار أحكام الإعدام حتى بحق أبرياء. يُجبر المعتقلون على التوقيع على هذه الإفادات دون معرفة محتواها، مما جعل تلك الجملة "كلمة السر" لإصدار الأحكام القاسية.

وقال دياب سرية من رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا لوكالة فرانس برس، الخميس إن الحسن ترأس "المحكمة الميدانية العسكرية منذ عام 2011 حتى نهاية 2014 قبل ترقيته لرئاسة القضاء العسكري، وحكم على آلاف المعتقلين بالإعدام بمحاكمات شكلية لا تستغرق دقائق".

وكانت تلك المحكمة "مسؤولة عن محاكمة المعتقلين في صيدنايا"، وفق سرية، الذي أشار إلى أن الرابطة "قدرت حجم ثروته جراء ابتزاز أهالي المعتقلين لمعرفة أي معلومة عن أبنائهم، أو زيارتهم أو نقلهم إلى محاكم أو سجون أخرى، بنحو 150 مليون دولار أميركي بالتعاون مع ضباط استخبارات ومقربين" من الأسد.

 وعلى منصة أكس، اعتبر الائتلاف الوطني السوري، أبرز تشكيلات المعارضة السياسية في المنفى منذ اندلاع النزاع، أن توقيف الحسن "يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الشعب السوري".

وكشف أن اللواء الذي فرضت عليه بريطانيا عقوبات لارتباطه بنظام الأسد دفع للقصر الجمهوري 6 ملايين دولار لتمديد خدمته بعد وصوله لسن التقاعد، وأعفي من الخدمة في 2023.

واعتبر أن "محاكمة هذا المجرم هي إنصاف للضحايا وذويهم وتمهيد لبناء مستقبل قائم على العدالة والحرية والكرامة في سوريا".

وفي وقت سابق من الأربعاء، قال المرصد السوري لقوق الإنسان، إن "تسعة أشخاص قتلوا في اشتباكات بمحافظة طرطوس بعد أن حاولت قوات الأمن اعتقال ضابط عسكري تولى مناصب في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد مرتبطة بسجن صيدنايا".

وفتحت أبواب السجون السورية بعدما أطاح مقاتلو المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، بنظام الأسد هذا الشهر، بعد أكثر من 13 عاما على قمعه احتجاجات مناهضة للحكومة، ما أشعل حربا أودت بحياة أكثر من 500 ألف شخص.

مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز
مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز

التوجه نحو "الخصخصة" في سوريا قد يكون الخيار الوحيد المتاح لدفع العجلة الاقتصادية في سوريا وتحريك عمل المؤسسات المتهالكة، لكن في المقابل يجب أن تكون هذه العملية مبنية على شروط وإجراءات، وإلا.. "ستكون مدخلا للفساد"، وفقا لخبراء وباحثين.

وبعد سقوط نظام الأسد ألمح مسؤولو الإدارة الجديدة في دمشق إلى نواياهم المتعلقة بهذا الصدد، وبينما أشاروا أولا إلى اعتزامهم "تبني نموذج السوق الحر" كشفوا قبل يومين عن خطط يفكرون بها بالفعل.

هذه الخطط تطرق لها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قائلا لـ"فاينانشال تايمز"، الأربعاء، إن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وتسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية.

يهدف هذا المسعى، بحسب الشيباني لإجراء إصلاحات اقتصادية وإنهاء عقود من الزمن كـ"دولة منبوذة".

لكن الوزير أشار في المقابل إلى تحديات تتمثل بإيجاد مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة "تدهور" لسنوات في بلد "محطم ومعزول عن الاستثمار الأجنبي".

ما "الخصخصة"؟

"الخصخصة" هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة (مثل الشركات الحكومية أو الموانئ) إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة، جذب الاستثمار، وتقليل العبء المالي على الدولة.

وتشمل عادة، كما يوضح الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، بيع أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص أو إدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

لهذه العملية 3 مراحل تبدأ من "تحليل الأصول"، أي بمعنى تحديد القطاعات المؤهلة للخصخصة ودراسة جدواها الاقتصادية، وتليها عملية إعداد السياسات والتشريعات.

وبعد المرحلتين المذكورتين يتم تحديد القيمة السوقية للأصول من خلال دراسات مالية واقتصادية، وفقا للناظر.

الباحث يرى أن "الخصخصة أداة اقتصادية يمكن أن تكون فعالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس ومُحكم لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية".

و"إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية بشفافية وعدالة، فقد تُسهم في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات"، وفقا لما يشير إليه.

"فرص ومخاوف"

بلغة الأرقام فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة تزيد عن 50 بالمئة بين 2010 و2020، وأعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل منذ 2018.

كما انخفضت قيمة العملة المحلية، وارتفعت معدلات الفقر، وباتت البلاد الآن بين الدول الـ 10 الأكثر انعداما للأمن الغذائي عالميا.

علاوة على ذلك، كان البنك الدولي قدّر الخسائر التراكمية للناتج المحلي الإجمالي السوري بين 2011 و2016 بحوالي 226 مليار دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلي لسوريا في 2010 بأربع مرات.

ويقول الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو: "لدينا في سوريا الكثير من المؤسسات الفاشلة والمتهالكة. تكاليفها أكثر من إيراداتها".

ويضيف شعبو لموقع "الحرة" أن "الإدارة الجديدة عاجزة تماما عن إدارة كل شيء في البلد. لا مقومات ولا قدرة"، وعلى أساس ذلك من الطبيعي أن تلجأ إلى "الخصخصة"، على حد قوله.

هذه العملية ورغم أنها لم تكن معلنة على الملأ في عهد نظام الأسد المخلوع، إلا أن حكومته لجأت إليها بالتدريج خلال السنوات الماضية.

وكان ما سبق قد انعكس بمراسيم تشريعية وبقرارات فتحت الباب أمام مستثمرين داخليين وخارجيين للانخراط في قطاعات سيادية.

من بين هذه القطاعات مرفأ طرطوس الذي استثمرته شركة روسية لمدة 49 عاما، وأعلنت الإدارة الجديدة قبل أيام إلغائه من طرف واحد.

وتوجد أمثلة أخرى، بينها الاستثمارات الخاصة والمرتبطة بشركات، والتي استهدفت قطاعي الاتصالات والكهرباء. وأخيرا مطار دمشق الدولي.

ويعتبر الباحث شعبو أن "الخصخصة هي الحل المتاح حاليا في سوريا في ظل غياب الموارد والمساعدات".

لكنه في المقابل يشير إلى "إيجابيات وسلبيات" تكمن وراء التوجه نحو هذه العملية.

ولكي تسود الإيجابيات يجب أن "تضع الحكومة شروطا ناظمة لعملية الخصخصة، وحرصا على أن لا تتحول إلى بيع أصول وشروط إذعان"، وفقا لقول شعبو.

مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار ومن جانبه يسلط الضوء على "مخاوف" تتعلق بشق قانوني.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "حكومة تسيير الأعمال الحالية ليس من صلاحياتها أن تتخذ قرارات بهذا الحجم (الخصخصة)".

كما يقول إن "هذه العملية مرتبطة بشكل الدولة.. وبقرار جميع السوريين".

هل من تجارب سابقة؟

المخاوف ذاتها التي أشار إليها الباحث شعار تطرق إليها أستاذ القانون الدستوري السوري، سام دلة في منشور له على "فيس بوك"، يوم الخميس.

ويوضح دلة أن "أي حكومة لا تملك الحق بالتصرف بهذه الأصول (التابعة للدولة) إلا بناء على تفويض واضح من أصحاب الحق ويضمن عدالة إعادة توزيع الموارد المُخصخصة".

ولا يكفي أن يكون هذا التفويض نتاج عملية ديمقراطية (حرة وعادلة) وإنما أن تتم ممارسته في إطار حوكمي يضمن المشاركة والشفافية ويفرض المساءلة، وفق دلة.

ويؤكد أن "الخصخصة تحتاج بداية بناء مؤسسات الدولة/دولة قانون: لاسيما قضاء كفء وعادل، وإدارة حكومية كفؤة وغير فاسدة".

وفي حال كانت العملية خارج الإطار المذكور ستكون "مجرد بيع لأصول الدولة وخلق (أوليغارشية) تسيطر على المجتمع وتحكم الدولة"، بحسب دلة الذي لفت إلى المثال الروسي.

وتقول التجارب السابقة إن اللجوء إلى "الخصخصة" في الدول التي تشهد مستويات مرتفعة من الفساد وتكتل الثروة بأيدي أطراف محددة دون وجود عدل في توزيع الثقل السياسي تكون "مدخلا مذهلا للفساد"، بحسب شعار.

وبينما يضيف الباحث وهو مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" أن ما سبق تعكسه حالة ألمانيا بعد انهيار جدار برلين وما حصل في روسيا أيضا يوضح أن الأمر لم ينسحب على بريطانيا مثلا.

ويتابع: "في بريطانيا ورغم الإشكاليات التي كانت تعاني منها لم تكن عملية التوجه فيها نحو الخصخصة مدخلا للفساد".

وارتبطت الحالة، حينها، بالشروط والإجراءات والبرنامج الاقتصادي الليبرالي الذي سارت عليه، رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، في ثمانينيات القرن الماضي.

"فتح أبواب"

ولا يزال عمل الحكومة الجديدة في دمشق حتى الآن ضمن إطار مؤقت.

ومن المقرر أن تتشكل حكومة دائمة في شهر مارس المقبل، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الجديدة.

من ناحية أخرى، وفي وقت تعيش فيه سوريا أزمات اقتصادية ومالية وتعاني مؤسسات من حالة ترهل كبيرة تواجه في المقابل معضلة تتعلق بإرث العقوبات الدولية التي تركها نظام الأسد قبل سقوطه.

وقد يكون ما سبق عائقا أمام التحول باتجاه عملية "الخصخصة"، بحسب الباحث الاقتصادي، شعبو.

وبالإضافة إلى ذلك يوضح أن التحول أيضا بحاجة "مؤسسات قوية وقادرة على فرض شروطها" من أجل منع تشكل اللوبيات والاحتكار.

كما يؤكد شعبو على فكرة أن تكون "الخصخصة مدروسة لا عشوائية"، مع مراعاة تشغيل الإيرادات وتشغيل العمالة وتحسين القطاعات التي تستهدفها.

وفي تقرير البنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" الصادر في يونيو 2022، تم التأكيد على أن النزاع المستمر منذ عقد قد دمر مكاسب التنمية في سوريا، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.

كما أن التضخم المرتفع أثر بشكل غير متناسب على الفقراء والفئات الضعيفة.

وبالإضافة إلى التأثيرات المباشرة للنزاع، يعاني الاقتصاد السوري من آثار جائحة كورونا، الأزمات الإقليمية، والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان المستثمرون الأجانب سيأتون إلى سوريا أم لا، كما يشير الباحث شعبو.

ويقول: "إذا لم ترفع العقوبات وبدأنا نرى حالة من الاستقرار سيكون دخول المستثمرين أمرا سابقا لأوانه".

ومع ذلك، يرى الباحث أن خطوة التحول نحو الخصخصة التي كشف عنها الشيباني بمثابة "فتح الباب على مصراعيه للمستثمر الداخلي والخارجي"، وهو الأمر الذي اتبعته الإمارات سابقا وتعمل عليه تركيا.