مقاتلون تابعون لإدارة العمليات العسكرية في سوريا (رويترز)
مقاتلون تابعون لإدارة العمليات العسكرية في سوريا (رويترز)

أطلقت إدارة العمليات العسكرية ووزارة الداخلية في سوريا، صباح السبت، عملية تمشيط واسعة بمنطقة ستمرخو قرب مدينة اللاذقية الساحلية.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، أن إطلاق تلك الحملة جاء "عقب بلاغات من الأهالي في ستمرخو بوجود عناصر تتبع لفلول ميليشيات نظام الرئيس المخلوع".

وأوضحت وسائل إعلام رسمية أنه تم إلقاء القبض على عدد من "فلول ميليشيات الأسد وعدد من المشتبه بهم" في ستمرخو، لافتة إلى "مصادرة كميات من الأسلحة والذخائر".

ولا تزال عمليات التمشيط مستمرة بالمنطقة، من قبل إدارة العمليات العسكرية ووزارة الداخلية.

وتعد محافظة اللاذقية أحد أهم المعاقل الرئيسية للنظام السابق، حيث توجد فيها مدينة القرداحة وهي مسقط رأس عائلة الأسد، كما أن الكثير من الضباط الكبار على المستوى الأمني والعسكري في النظام السابق ينتمون إليها.

وذكرت تقارير سابقة أن الكثير من المطلوبين بـ"تهم جرائم حرب" وانتهاكات إنسانية بحق السوريين، لاذوا بالفرار إلى قراهم وبلداتهم في جبال اللاذقية، حيث يتحصنون بها.

انتشار كثيف في بانياس

وشهدت مدينة بانياس الواقعة في محافظة طرطوس، انتشارا كثيفا لقوات الأمن العام، بهدف تمشيط المناطق المحيطة بها.

وكانت السلطات الجديدة في سوريا قد أطلقت، الخميس، حملة أمنية في محافظة طرطوس الساحلية، التي قُتل بها 14 من "قوات الأمن"، الأربعاء، حسب وكالة سانا.

ومثلت أعمال العنف في محافظة طرطوس، أكثر المواجهات دموية التي تواجه الإدارة الجديدة التي أطاحت بالأسد في الثامن من ديسمبر.

وجاء الإعلان عن الحملة الأمنية، الخميس، في الوقت الذي حذرت فيه السلطات في دمشق من محاولة لإثارة الفتنة الطائفية، بعد انتشار مقطع فيديو يعود تاريخه إلى أواخر نوفمبر على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر حريقا داخل مزار علوي في حلب.

حملة أمنية تشنها السلطات السورية الجديدة على مسؤولين بنظام الأسد المخلوع
إثر سقوطه.. من أبرز عناصر نظام الأسد الذين تم "اعتقالهم" أو قتلهم في سوريا؟
عقب سقوط نظام بشار الأسد بسوريا في الثامن من ديسمبر الجاري، شنت السلطات الجديدة في البلاد حملة من الملاحقات الأمنية ضد العديد من الشخصيات المتهمة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات إنسانية مما أدى إلى مقتل بعضهم واعتقال آخرين.

وقالت وزارة الداخلية إن "مجموعات مجهولة ارتكبت أعمال العنف"، وإن قواتها تعمل "ليل نهار" لحماية المواقع الدينية.

وبعد سقوط نظام الأسد، وجدت الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع، نفسها في موقف حرج، فبينما يتخوف بعض العلويين من الأعمال الانتقامية، أيّد آخرون السلطات الجديدة للبلاد بقيادة "هيئة تحرير الشام"، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى.

وتصاعدت المخاوف في أوساط العلويين من الانتقام مع ملاحقة فلول نظام الأسد، واعتقال عدد من المسؤولين والضباط الكبار في النظام السابق بتهمة ارتكاب جرائم، خصوصا في سجون الأسد.

وكانت غالبية الضباط في النظام السابق الذين استهدفتهم الحملة الأمنية، من العلويين.

ويبلغ عدد العلويين في سوريا، نحو مليوني نسمة، أي 10 بالمئة من السكان.

يأتي هذا في الوقت الذي تؤكد فيه السلطات الجديدة في البلاد بقيادة هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع، احترام حقوق الأقليات في سوريا وحمايتهم.

والثلاثاء، حذر وزير الخارجية السوري المعين حديثا، أسعد الشيباني، إيران من "بث الفوضى" في البلاد.

وقال في منشور على منصة إكس: "يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامته، ونحذرهم من بث الفوضى في سوريا، ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة".

مشهد عام من العاصمة السورية دمشق - رويترز
مشهد عام من العاصمة السورية دمشق - رويترز

أثارت الدعوة التي أطلقها الحقوقي وأحد أبرز المعارضين لنظام بشار الأسد السابق في سوريا، هيثم مناع، لعقد اجتماع يتناول الأوضاع في البلاد الكثير من الجدل، خاصة بشأن تشكيل "جسم سياسي" مناوئ للسلطات الجديدة بدمشق، والتي يقودها رئيس البلاد في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.

في حديثه إلى موقع "الحرة"، أكد مناع أن ثمة لغطًا كبيرًا أُثير بشأن سعيه لتشكيل جسم سياسي معارض للسلطات الجديدة في دمشق، رافضًا في الوقت نفسه إطلاق مصطلح "الأقليات" على جميع مكونات الشعب السوري.

واعتبر مناع أن ما تم تداوله حول توجه شخصيات سورية لعقد اجتماع موسع بتاريخ 15 فبراير الحالي بهدف الإعلان عن تأسيس جسم سياسي معارض للسلطة الجديدة في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، جاء في إطار سعي بعض الإعلاميين لوضع عناوين مثيرة.

وأحال مناع موقع "الحرة" إلى رسالة نشرها على حسابه الرسمي في "فيسبوك" لتوضيح موقفه من تلك التقارير، وجاء فيها أن تسميته "منسق اللجنة التحضيرية" لاجتماع "القوى والشخصيات المدنية والسياسية" المزمع عقده في جنيف والداخل السوري في 14 و15 شباط (فبراير) تعني "تنظيم وترتيب أمور نجاح هذا الاجتماع الذي جرى الاتفاق على انعقاده قبل قرابة شهر بين العديد من المنظمات الحقوقية والسياسية".

وأوضح أنه جرى اختياره لهذا الدور لأنه يقيم في مدينة جنيف، مما يساعد في "توفير التسهيلات اللوجستية للاجتماع".

وأشار إلى أنه تم الاتفاق منذ اليوم الأول على تسميته "اجتماعًا" وليس "مؤتمرًا"، حتى لا يحدث أي سوء تفسير أو فهم، خاصة وأن اجتماعات تشاورية بدأت تُعقد داخل سوريا في الوقت نفسه للإعداد لمؤتمر وطني سوري في دمشق.

وأضاف: "في المقابل، هناك اجتماعات متفرقة أعطت مجموعات شبابية جديدة، كان لها دور كبير في النضال ضد النظام البائد، فرصة للتجمع. فجاء هذا الاجتماع ليجمع كل هذه الأصوات، لمناقشة واقع ومستقبل البلاد والخروج بتصور مشترك قد يشكل إضافة مهمة في ظل الوضع الحرج والقلق الذي تمر به سوريا".

وشدد على أن تحديد تاريخ الاجتماع "ليس له علاقة من قريب أو بعيد بمؤتمر النصر أو بتنصيب أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا للبلاد"، مؤكدًا أن وجهات نظر المشاركين لن تكون موحدة.

"خطوة جيدة".. ولكن

وفي رؤيته للدعوة التي أطلقها مناع وآخرون، قال المحلل والكاتب السوري، حافظ قرطوط، لموقع "الحرة": "أهم ما يميزها هو بدء عودة الحياة السياسية للسوريين لمناقشة مستقبل البلاد،  والتي كان النظام البائد قد منعها بشكل تام".

واعتبر أن "الدعوة تشير إلى أن الشارع السوري قد باشر بمراقبة كيف يمكن أن تسير الأمور في البلد، وأنه يريد أن يشارك في التخطيط للمستقبل، خاصة وأننا حاليا نوجد في دولة منهارة ولا يوجد فيها مؤسسات".

واستدرك قائلا: "العناوين التي سوف نسمعها قد تكون براقة، ولكن السؤال هل سوف يكون لها أي تأثير على أرض الواقع"، مضيفا: "خلال عهد الثورة السورية انعقدت الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات وصرفت عليها أموال طائلة دون أن تفضي إلى أي نتائج مقبولة".

وتابع قرطوط: "إذا كان المقصود من الاجتماع إبراز وتلميع بعض الشخصيات وليس الوصول إلى حلول ناجعة، فلن يكون له أي جدوى أو تأثير".

وأضاف "من حق السوريين في الاجتماع المرتقب أن يقلقوا من الاتجاه الذي قدمته السلطة الحالية في دمشق، من خلال الاعتماد على حكومة من لون واحد، بالإضافة إلى عدم تشكيل لجان شعبية للتصالح، والاعتماد فقط على خطابات وشعارات".

ورأى قرطوط أن على "السلطة القائمة أن تفرق بين فرحة الشعب بسقوط الأسد وليس باستلامهم السلطة، وأتمنى أن لا يكون المؤتمر تشتيتا لطاقات السوريين".

"قيمة مضافة"

من جهتها، رأت الإعلامية الكردية السورية، أفين يوسف في حديثها إلى موقع "الحرة" أن "مشاركة الكرد في الاجتماع، إلى جانب مجلس سوريا الديمقراطية، مسألة في غاية الأهمية، إذ يمثلون جزءًا كبيرًا من المجتمع السوري، الذي تعرض للتهميش خلال سنوات حكم النظام السابق".

واعتبرت أن تلك المشاركة "ستشكل قيمة مضافة لنجاح الاجتماع، وستسهم في تلبية تطلعات السوريين، مضيفة أنه "تم إقصاء الكرد في سوريا، وارتُكبت بحقهم انتهاكات جسيمة من قبل النظام، وآن الأوان للاعتراف بحقوقهم القومية ودستورياً بوجودهم على أرضهم التاريخية".

وشددت على أن الاعتراف بحقوق الأكرد سوف يمكنهم "من العيش بسلام مع شركائهم من المكونات الأخرى ضمن سوريا موحدة، ديمقراطية، وتعددية، دون تمييز".

وأما الكاتب والإعلامي السوري، عقيل حسين، فرأى في حديثه إلى موقع "الحرة": "أن مناع يريد أن يسجل موقفا مبكرا ضد السياسات التي يعتبرها أنها غير واضحة من ناحية هوية النظام السياسي في الدولة، وضد التوجهات الواضحة للقيادة الحالية في دمشق من حيث أنها مخالفة أو متباينة مع توجهاته السياسية".

وتابع: "نحن الآن لدينا حكومة في دمشق ذات توجه إسلامي معروف لا تخفيه، بينما توجهات مناع ومن معه علمانية ليبرالية جلية، وبالتالي ليس مفاجئا بالنسبة للعديد من المراقبين أن يبادر الأخير للإعلان عن ذلك الإطار السياسي الذي جرى التوافق عليه مع عدد من السياسيين وحتى المقربين من قوات سوريا الديمقراطية، وهنا النقطة التي يجب التوقف عندها".

وأضاف: "اللافت باعتماده (مناع) على عدد غير قليل من المنخرطين في تجربة مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يشير إلى عدم الاعتراف بالحكومة الانتقالية الحالية والمطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط، ولكن ذلك أمر غير ممكن في ظل انتصار وسيطرة قوى عسكرية معينة بقيادة هيئة تحرير الشام، والتي لن تتنازل عن هذا المكتسب الكبير, وعليه اعتقد أن طرح مبادرات ومشاريع (مثالية) في الوقت الحالي هو أمر غير عملي".

ووصل حسين إلى أن "وجود عدد كبير من المشاركين المؤيدين لمجلس سوريا الديمقراطية سوف يقلل من شعبية المبادرة التي أطلقها مناع".

من جهته، رأى المحلل والخبير بشؤون الشرق الأوسط، محمد الطرن، في منشور  على "أكس" أنه لا ينبغي للسوريين أن يقلقوا من الدعوة التي وجهها هيثم مناع لعقد اجتماع أو مؤتمر.

وأوضح: "لا يهم ما يقوم هيثم مناع بالتحضير له. المهم ألا يقلق الناس من أي حركة تحصل. ينبغي التخلص من عقدة الخوف والقلق واستبدالها بروح الثقة والاندفاع (بحذر طبعاً)".

"كلنا سوريون"

من جانب آخر، انتقد مناع بعض الممارسات التي بدأت تستهدف الحريات الشخصية والاجتماعية منذ سقوط النظام، مشيرًا على سبيل المثال إلى معلمة من الطائفة السنية تعرضت للملاحقة والضغط لإجبارها على ارتداء الحجاب.

وأكد مناع أن "السوري يرفض منطق الطائفية والأقليات، فلم نكن نسمع في السابق أن هذا علوي وذاك سني، أو أن الآخر إسماعيلي أو درزي".

وشدد على أن "المجتمع السوري متسامح بطبيعته، بل أكاد أجزم أنني لم أشاهد نسبة زواج مختلط كبيرة في أي دولة بالعالم مثل سوريا، باستثناء البوسنة. وهذا يدل على وجود انفتاح واحترام كبيرين بين مختلف أفراد الشعب".