انقطاع في الماء والكهرباء واشتباكات مستمرة ونازحون تحت وطأة أوضاع مزرية.. كل هذه الأحداث تشكل حلقات تزداد تداخلاتها تعقيدا، ضمن سلسلة التصعيد في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، والفصائل الموالية لتركيا، والتي يدفع ثمنها الأكبر، المدنيون.
في المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، تتفاقم معاناة السكان والنازحين، منذ سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر الماضي.
وكشفت شهادات حصل عليها موقع "الحرة"، طبيعة الظروف الصعبة التي يتعين على المقيمين في تلك المناطق، أو النازحين منها وإليها، تحملها، وذلك في ظل اشتباكات بين قوات "قسد" ذات الأغلبية الكردية من جهة، وبين الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا من جهة أخرى.
وتعاني ما تُعرف بـ"مقاطعة الجزيرة" التابعة للإدارة الذاتية، من "تدهور الوضع الإنساني والمعيشي والاقتصادي، بسبب تأثرها منذ عام 2014 بتبعات الحروب والهجمات من عدة أطراف (تركيا، وداعش، وجبهة النصرة، والفصائل المسلحة الموالية لتركيا)"، وفق ما ذكرت الصحفية الكردية، المقيمة في مدينة القامشلي، أفين يوسف، لموقع "الحرة".
"انقطاع الكهرباء بسبب الضربات التركية المتكررة على المحطات الرئيسية التي تغذي المنطقة، هي واحدة من تبعات الحروب التي تشهدها مناطق الإدارة الذاتية، خاصة أن الكهرباء النظامية مقطوعة عن منطقة الجزيرة منذ عام ونصف".. كلمات بدأت بها يوسف لتلخيص طبيعية الحال الذي يعيشه الأكراد.
وتابعت: "هناك أيضاً أزمة انقطاع المياه بشكل كامل عن محافظة الحسكة بعد احتلال مدينة سري كانييه (رأس العين) عام 2019، واستيلاء الفصائل المسلحة الموالية لتركيا على محطة علوك التي تغذي مدن وبلدات وقرى الحسكة بالمياه".
وتمتد الأزمة إلى المحروقات أيضاً، "التي يعاني السكان شحّها بسبب استهدافها بشكل مباشر من قبل الطائرات التركية العام الفائت وهذا العام".
وحسب الإعلامية الكردية، فقد "تأثر الوضع الإنساني وتفاقم بسبب حالات التهجير القسري من المناطق المستهدفة، وحالات النزوح إلى المناطق الآمنة شمال شرقي البلاد (مناطق الإدارة الذاتية)، إضافة إلى الوافدين من المدن الأخرى في الداخل السوري، ومناطق نظام الأسد".
"مخيمات بلا مقومات حياة"
في سياق حديثها للحرة، نوهت يوسف بأن "النازحين يعانون من وضع إنساني كارثي، بسبب قلة الاهتمام والمساعدات من المنظمات الدولية"، لافتة إلى أن هناك "عددا كبيرا من النازحين الذين في مخيمات غير مجهزة، لا تتوفر فيها مقومات الحياة، بالإضافة إلى تدهور الحالة الصحية في تلك المخيمات".
ورأت أن "الازدحام السكاني الحاصل في المنطقة أيضاً، أثّر على فرص العمل، وأدى إلى تدني الأجور للمجتمع المضيف والوافدين على حد سواء، خاصة مع انهيار الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، واستغلال بعض التجار والمقاولين وأصحاب رؤوس الأموال للوضع".
"تحت خط الفقر"
أكدت يوسف لموقع "الحرة"، وجود "نسبة كبيرة من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر"، مستطردة: "هذا يفاقم الحالة الإنسانية على الرغم من محاولات الإدارة الذاتية تقديم الخدمات اللازمة حسب الإمكانات المتاحة.. فالحصار والتهديدات التركية المستمرة، وظهور خلايا داعش في كل حين، يسبب تراجع الوضع الإنساني في المنطقة".
وفي الأحداث الأخيرة، والكلام ليوسف، فإن "هجمات عناصر هيئة تحرير الشام على مدينة حلب وتل رفعت والشهباء، أدت إلى نزوح آلاف العائلات إلى المنطقة وهي تعاني أوضاعا إنسانية كارثية".
وبيّنت أن السبب وراء هذا هو "عدم جاهزية مراكز الإيواء، وقلة المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل المنظمات الدولية والمحلية، إضافة إلى انتشار الأمراض بين النازحين (التنفسية والجلدية بشكل خاص) نتيجة البرد القارس، وعدم توفر الخدمات الصحية والمراحيض، لا سيما أن البعض يسكنون في بيوت (على العظم) أي بلا أبواب أو نوافذ، أو في دكاكين مهجورة".
وشددت يوسف على أن هناك "عددا كبيرا من الرضّع الذين يحتاجون إلى الحليب، وهناك عدد من مرضى السرطان والكلى"، مردفة: "كلهم بحاجة لرعاية خاصة وعاجلة".
مخاوف من تكرار "سيناريو داعش"
ومن كوباني (عين العرب)، قرب الحدود التركية، أكد الصحفي الكردي، عكيد مشمش، أن سكان تلك المدينة وقراها وبلدة صرين بريفها الجنوبي وبلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، "أصبحوا محرومين كليًا من مياه الشرب والتيار الكهربائي".
وأشار إلى أن ذلك جاء عقب هجوم فصائل تركيا على سد تشرين وخروجه عن الخدمة.
وأوضح مشمش أن السكان "يشترون صهريج المياه الواحد بمبلغ 75 ألف ليرة سورية (حوالي 6 دولارات)، مما يشكل عبئًا كبيرًا على العائلات الفقيرة".
وبسبب القصف المستمر وانقطاع الطرق المؤدية إلى كوباني، أصبحت المواد الغذائية والمحروقات شحيحة للغاية، مما زاد من صعوبة الحياة اليومية، حسب حديث مشمش إلى موقع "الحرة".
كما أعرب عن مخاوف السكان من تكرار سيناريو النزوح أثناء هجوم داعش على المدينة، مشددا على أن الإدارة الذاتية "لن تستطيع التعامل مع نزوح جديد، في ظل نقص الموارد والدعم الدولي".
واعتبر الصحفي الكردي أن كوباني "ليست مجرد مدينة، بل هي رمز عالمي للصمود، حيث بدأت منها الحملة الدولية ضد داعش".
وأشار إلى أن التهديد بفقدان كوباني "سيكون ضربة قوية للأكراد سياسيًا وثقافيًا".
وكان تنظيم داعش قد شن هجوما ضخما في سبتمر 2014 على مدينة كوباني، حيث سيطرت الجماعة الإرهابية وقتها على نحو 80 بالمئة من المدينة، وسط حالة نزوح كبيرة وخروج مئات الآلاف من السكان وتوجههم صوب الحدود التركية.
وجرى تحرير المدينة في يناير 2016، عقب معارك عنيفة استمرت لأكثر من 130 يوما.
وأكراد سوريا يشكلون جزءا من مجموعة أكبر من الأكراد تمتد من العراق إلى إيران وتركيا وأرمينيا، وكانوا من بين الفائزين القلائل حتى الآن في الصراع السوري، الذي سيطروا خلاله على ما يقرب من ربع مساحة البلاد، وقادوا جماعة مسلحة قوية تعد حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم "داعش".
وبالنسبة لتركيا، تمثل الفصائل الكردية "تهديدا للأمن القومي"، إذ تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن تمردا ضد الدولة التركية منذ عام 1984، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الجمعة، إنه يتوقع أن تسحب الدول الأجنبية دعمها للمقاتلين الأكراد بعد الإطاحة بالأسد، وذلك مع سعي أنقرة إلى عزل وحدات حماية الشعب الكردية، التي تقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية.
كما وضع إردوغان في تصريحات سابقة، الأكراد في سوريا أمام خيارين، إما "تسليم أسلحتهم"، أو أن "يُدفنوا بها في سوريا".
في المقابل، تنفي الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وجود أية نوايا لدى الأكراد للانفصال عن سوريا، كما يؤكدون أنهم ليسوا امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.