في اللاذقية .. بعد سقوط الأسد
في اللاذقية .. بعد سقوط الأسد

فيديوهات تعرض تجاوزات بحق علويين في مدن اللاذقية وطرطوس والقرداحة، أثارت ردود أفعال كثيرة لدى عدد كبير من أشخاص ينتمون إلى تلك الأقلية، خوفا مما سوف تؤول إليه الأمور في مناطقهم.

يخشى هؤلاء العلويين "التهمة الخطيرة"، أن يوصفوا بكونهم من أتباع النظام السابق، ويراقبون بخوف ما يحدث منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر الجاري، في وقت تشهد مدن الساحل السوري التي تتواجد فيها نسبة كبيرة من العلويين، تطورات متلاحقة. 

يوضح عدد ممن تحدثوا إلى موقع الحرة، أن العلويين كانوا أساسا مقموعين منذ أيام الأسد، وهناك تخوّف اليوم من أن يُحسبوا على النظام السابق.. أن يتعرضوا للظلم والحيف مرة أخرى، على حد وصفهم.

هواجس ومخاوف

إبراهيم زرقة شاب سوري من مدينة جبلة، وهو طبيب ومعتقل سابق وينتمي للطائفة العلوية، وقدّم الكثير من التنازلات ليستطيع البقاء في بلاده دون مضايقات خلال فترة سيطرة النظام، من ضمنها التعهد بعدم العمل السياسي أو التواصل مع المعارضة.

يوضح ابراهيم خلال حديثه إلى موقع "الحرة" هواجس الطائفة العلوية مما يحدث اليوم في سوريا، قائلا، "المخاوف اليوم لدى الطائفة يجب أن نحددها بعدة فئات، الفئة الأولى اللي كانت تستغل تقربها من السلطة والأشخاص المتنفذين، وهؤلاء خافوا اليوم على نفوذهم ومناصبهم".

وأما الفئة الثانية، حسب زرقة، فهي التي كانت فعليا مشتركة بالدم، وكانت لا تعبر عن كل الطائفة، وهي بنسبة محددة وجميع الأشخاص يعرفونهم، وهؤلاء مخاوفهم وهاجسهم هو التعرض لأعمال انتقام وتصفية أو المحاسبة، وهؤلاء رأيهم كان أن عائلة الأسد ستبقى للأبد،

وبالنسبة الفئة الثالثة، كما يرى المتحدث، فهي عموم الطائفة، وهم أشخاص من متوسطي الدخل، انتقلوا من فئة متوسطة إلى فئة فقيرة بسبب النظام البائد خلال العشر سنوات الفائتة، إذ عمل الأخير على تجويع معظم العلويين لدرجة أن أصبح الوضع مزري، مستغلاً شبابه اللذين كانوا وقوداً له، وقتلهم أو قُتلوا في صدامات مسلحة.

وتابع زرقة: "لذلك خسرنا نسبة كبيرة من الشباب العلوي، بل أن فئة عمرية من الشباب لم تعد موجودة تقريبا، والفئة التي رفضت لاحقا الالتحاق بصفوفه، هم أشخاص هاجروا وتركوا سوريا وهي نسبة كبيرة جدا، وهؤلاء اليوم متخوفين جدا من عمليات الانتقام الفردية، ومن أن يُحاسَبوا على ما فعله النظام، وهم ليس لهم علاقة به".

ولفت الطبيب إلى وجود فئة أخرى متخوفة من رواية النظام، أنه في حال تسلم أحد غيره، سيكون مصيرهم القتل، "هذا ما عمل عليه النظام وتعب عليه ونجح فيه خلال 13 عاما، واستطاع تخويفهم، وهذا ما حدث مباشرة بعد سقوط النظام، وأكثر الهواجس اليوم تقول (نحنا لوين رايحين)، ونحن سيتم إقصاءنا من المشهد العام، ولن يكون لنا موضع رجل في سوريا الجديدة، وهذه هي مشاغل عموم العلويين".

"تجاوزات واضحة"

وعن التجاوزات التي حدثت في مدن الساحل السوري، يبين زرقة أنه لا يمكن إنكارها على الرغم من محدوديتها، إذ كان لها ردة فعل عكسية كبيرة، موضحا: "نعم بحسب الإدارة الجديدة تم اعتقال هؤلاء الأشخاص ومحاسبتهم، ولا نستطيع أن ننكر أنه وبعد سقوط النظام بدأنا نرتاح ونشعر بالأمان"

ولكن ما وقع، يضيف المتحدث، وما تم "نشره بشكل مكثف على شبكات التواصل الاجتماعي، جعل أبناء الطائفة يتوقعون أنه سيكون هناك انتقام، ولا نستطيع إنكار أنه وفي ذات الوقت كان هناك قسم من الإدارة الجديدة يتعامل مع العلويين بشكل لطيف ومريح جدا، وأمنوا لهم الحماية، ولكن في النهاية لدينا مشهد كامل يجب أن نراه بجميع أجزائه وتفاصيل".

ويرى زرقة أنه هناك دور كبير للذباب الإلكتروني في انتشار الفيديوهات التي تؤجّج عمليات الانتقام والمخاوف منها: "أعتقد أن شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة كانت تحكم هذا الموضوع، إذ عمل الذباب الإلكتروني على نشرها بشكل كبير حتى يثير المخاوف وردّات الفعل عن طريق الضخ الإعلامي".

ويضيف، "فيديو حرق المقام الديني للطائفة العلوية في مدينة حلب ونشره كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لذلك أصبح لدينا رؤية ضبابية، لا يوجد شيء واضح عن تعامل الإدارة الجديدة معنا".

وزاد: "أنا أعتقد أنه عندما يكون هناك خطاب واضح منهم بشكل خاص للعلويين وبشكل عام للسوريين أجمع، أعتقد أن هذا قد يغير الوضع ويجعل رؤية السوريين للواقع جيدة رغم وجود تفاؤل كبير جدا، ولكن هذه التجاوزات عادت وكسرت شيء، بعد أن كان يتم بناء جسور ثقة مع الطوائف والمجتمعات الأخر".

"الخوف من الانتقام"

وكسوري علوي، يقول زرقة إنه لا يمكنه أن يعتبر أن لديه مخاوف مثل مخاوف الجميع، "أنا طبيب وأعتبر نفسي من الأشخاص الذين لديهم مستوى جامعي جيد، مخاوفي كانت من النظام أكثر من أن تكون مخاوف حالية من الجهة الأخرى، لأنني اعتقلت سابقا مرتين من قبل النظام.

وشدد على أن مخاوفه الحالية تمكن في أن يكون "هناك استئثار في الحكم، وأن ننتقل إلى شكل آخر من الديكتاتورية، وهذا ممكن أن يحدث وممكن ألا يحدث".

"ومخاوفي اليوم أكثر من أهل الطائفة نفسهم، أنا في بداية سقوط النظام بقيت أسبوع كامل لا أعود إلى قريتي، لأنني كنت متخوفا من ردة فعل أهل المنطقة علي، بينما في النهاية تفاجأت أن أهل ضيعتي كانوا سعيدين ومرحبين في الموضوع، وفي ذات الوقت هناك أشخاص لا زالوا غير مقتنعين بما حدث" حسب زرقة.

ويخشى الطبيب اليوم أن تبقى الانتقامات والحالات الفردية مستمرة، وألا يكون هناك جهة حقوقية تستلم موضوع المحاسبة، وألا يكون هناك محاسبة كاملة، مشيراً إلى أنه ضد أي عفو عام ممكن أن يخرج اليوم، "لأن العفو سيضيع حقوق الكثيرين، كما أخاف أن يتم إقصاء فئات قادرة على أن تقدم شيء إيجابي، مخاوفي أن نعمل بنفس عقلية النظام السابق، التي مفادها (من ليس معي وفي صفّي لا أريده)".

"العلوي مقموع"

يرى الطبيب أن العلوي كان مقموعا بكل الوسائل في زمن النظام، على عكس ما يتم نشره أحياناً أن جميع العلويين مرفّهين ويؤمنون جميع احتياجاتهم بسبب قربهم من نظام الأسد.

وعن ذاك يشرح: "أنت كعلوي سابقا إذا لم يكن لديك واسطة جيدة فأنت شخص غير مرحب به، وفي ذات الوقت حتى من كان من طائفة أخرى ولديه واسطة فهو الأفضل، وهذه هي السردية السورية، أي أحد كان يخرج ضد النظام كان يتم قمعه ببساطة وسهولة، ويتم إقصاؤه، وترويج شائعات بشعة عليه وإذلاله وإيقاف حياته الاجتماعية والمدنية".

كثفت الإدارة السورية الجديدة حملتها لتعقب واعتقال أعضاء نظام الدكتاتور المخلوع
ملاحقة فلول الأسد.. دعوات لعدالة انتقالية لا انتقامية
أعلنت الإدارة الجديدة في سوريا أنها ستبدأ بعد انتهاء فترات التسوية، بملاحقة فلول نظام بشار الأسد المخلوع في عموم المحافظات، ما يثير مخاوف من خطورة هذه الخطوة جراء كون هذه الميليشيات الموالية للأسد مدججة بالأسلحة، وهذا من شأنه أن يزيد القلق من مواجهات دامية قد تشهدها البلاد.

ورأى أن هناك أشخاصا كثيرين من الطائفة تم اعتقالهم سابقاً، و"هؤلاء حرموا من جميع حقوقهم المدنية، كُنّا أمام خيارين، إما أن نُشبِّح للأسد ونقف معه ونصل لمناصب في السلطة عن طريق وسائل متعددة، أو أن نتنحى جانبا، اليوم ما يخيفنا أننا محسوبين على النظام، وقد نحاسب على شيء لا علاقة لنا به".

ونوه زرقة إلى أنه لا يجب أن ننسى أن النظام عمل على التفرقة ضمن الطائفة العلوية نفسها التي تنتمي لمكونات أساسية، "ما قام به حافظ الأسد هو تغذية عشائر علوية على حساب عشائر أخرى، إذ تم إقصاء وقمع عدد كبير من العشائر".

"خوف مزدوج"

زينب الحكيم فتاة من الطائفة العلوية، هاجرت من سوريا بسبب التهديدات المتكررة التي تعرضت لها أيام النظام السابق.

تقول الحكيم لإن خوف أهل الساحل السوري اليوم تحول لخوف مزدوج، الخوف الأول من عودة ظهور فلول النظام وتحول مناطقهم لساحات صراع، والخوف الثاني من تصاعد الخطاب الطائفي الانتقامي في الشارع السوري بسبب غياب دور القانون، وتصدّر الانتقام للمشهد، وبالأخص بعد تزايد حوادث قتل وتصفية المدنيين العزل يوماً بعد يوم، وتسمية مثل هذه الانتهاكات بالحوادث الفردية، بحسب تعبيرها.

وتضيف المعارضة السابقة، "هناك حالة من الحذر والترقب بشأن كيفية تعامل السلطات الجديدة مع العلويين، سواء كانت محلية أو على مستوى المعارضة، في بعض المناطق، إذ تم الإبلاغ عن تجاوزات ضد العلويين من قبل بعض جماعات المعارضة المسلحة، بينما في مناطق أخرى قد تكون هناك محاولات لفتح قنوات تواصل معهم لضمان مصالحهم، الطائفة العلوية قد تكون منقسمة بين مؤيد للانخراط مع السلطة الجديدة، وبين متخوف من أن يُساء التعامل مع هويتهم الطائفية في سياق الصراع السياسي المستمر".

وتأمل زينب في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تؤمن حقوق جميع المكونات السورية، بما فيها العلويون، وتؤدي إلى بناء دولة مدنية تعترف بالجميع دون تمييز، "لكن هذا الأمل يترافق مع الشكوك حول جدية الأطراف الدولية والمحلية في تحقيق هذا الهدف".

ويُقدَّر عدد العلويين في سوريا بحوالي 2-3 مليون نسمة، وهم يشكلون نسبة ملحوظة من سكان البلاد.

ويتركز وجودهم في الساحل السوري، وخاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق في حمص وحماة وريف دمشق.

ويتميزون بارتباطهم التاريخي بالجبال الساحلية وبتأثيرهم الثقافي والاجتماعي في تلك المناطق، ويُعتبرون جزءاً مهماً من النسيج المتنوع الذي يُميز سوريا، وخرج منهم الكثير من الشخصيات المعروفة مثل الشيخ صالح العلي أحد رموز الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي.

مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز
مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز

التوجه نحو "الخصخصة" في سوريا قد يكون الخيار الوحيد المتاح لدفع العجلة الاقتصادية في سوريا وتحريك عمل المؤسسات المتهالكة، لكن في المقابل يجب أن تكون هذه العملية مبنية على شروط وإجراءات، وإلا.. "ستكون مدخلا للفساد"، وفقا لخبراء وباحثين.

وبعد سقوط نظام الأسد ألمح مسؤولو الإدارة الجديدة في دمشق إلى نواياهم المتعلقة بهذا الصدد، وبينما أشاروا أولا إلى اعتزامهم "تبني نموذج السوق الحر" كشفوا قبل يومين عن خطط يفكرون بها بالفعل.

هذه الخطط تطرق لها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قائلا لـ"فاينانشال تايمز"، الأربعاء، إن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وتسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية.

يهدف هذا المسعى، بحسب الشيباني لإجراء إصلاحات اقتصادية وإنهاء عقود من الزمن كـ"دولة منبوذة".

لكن الوزير أشار في المقابل إلى تحديات تتمثل بإيجاد مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة "تدهور" لسنوات في بلد "محطم ومعزول عن الاستثمار الأجنبي".

ما "الخصخصة"؟

"الخصخصة" هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة (مثل الشركات الحكومية أو الموانئ) إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة، جذب الاستثمار، وتقليل العبء المالي على الدولة.

وتشمل عادة، كما يوضح الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، بيع أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص أو إدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

لهذه العملية 3 مراحل تبدأ من "تحليل الأصول"، أي بمعنى تحديد القطاعات المؤهلة للخصخصة ودراسة جدواها الاقتصادية، وتليها عملية إعداد السياسات والتشريعات.

وبعد المرحلتين المذكورتين يتم تحديد القيمة السوقية للأصول من خلال دراسات مالية واقتصادية، وفقا للناظر.

الباحث يرى أن "الخصخصة أداة اقتصادية يمكن أن تكون فعالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس ومُحكم لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية".

و"إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية بشفافية وعدالة، فقد تُسهم في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات"، وفقا لما يشير إليه.

"فرص ومخاوف"

بلغة الأرقام فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة تزيد عن 50 بالمئة بين 2010 و2020، وأعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل منذ 2018.

كما انخفضت قيمة العملة المحلية، وارتفعت معدلات الفقر، وباتت البلاد الآن بين الدول الـ 10 الأكثر انعداما للأمن الغذائي عالميا.

علاوة على ذلك، كان البنك الدولي قدّر الخسائر التراكمية للناتج المحلي الإجمالي السوري بين 2011 و2016 بحوالي 226 مليار دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلي لسوريا في 2010 بأربع مرات.

ويقول الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو: "لدينا في سوريا الكثير من المؤسسات الفاشلة والمتهالكة. تكاليفها أكثر من إيراداتها".

ويضيف شعبو لموقع "الحرة" أن "الإدارة الجديدة عاجزة تماما عن إدارة كل شيء في البلد. لا مقومات ولا قدرة"، وعلى أساس ذلك من الطبيعي أن تلجأ إلى "الخصخصة"، على حد قوله.

هذه العملية ورغم أنها لم تكن معلنة على الملأ في عهد نظام الأسد المخلوع، إلا أن حكومته لجأت إليها بالتدريج خلال السنوات الماضية.

وكان ما سبق قد انعكس بمراسيم تشريعية وبقرارات فتحت الباب أمام مستثمرين داخليين وخارجيين للانخراط في قطاعات سيادية.

من بين هذه القطاعات مرفأ طرطوس الذي استثمرته شركة روسية لمدة 49 عاما، وأعلنت الإدارة الجديدة قبل أيام إلغائه من طرف واحد.

وتوجد أمثلة أخرى، بينها الاستثمارات الخاصة والمرتبطة بشركات، والتي استهدفت قطاعي الاتصالات والكهرباء. وأخيرا مطار دمشق الدولي.

ويعتبر الباحث شعبو أن "الخصخصة هي الحل المتاح حاليا في سوريا في ظل غياب الموارد والمساعدات".

لكنه في المقابل يشير إلى "إيجابيات وسلبيات" تكمن وراء التوجه نحو هذه العملية.

ولكي تسود الإيجابيات يجب أن "تضع الحكومة شروطا ناظمة لعملية الخصخصة، وحرصا على أن لا تتحول إلى بيع أصول وشروط إذعان"، وفقا لقول شعبو.

مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار ومن جانبه يسلط الضوء على "مخاوف" تتعلق بشق قانوني.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "حكومة تسيير الأعمال الحالية ليس من صلاحياتها أن تتخذ قرارات بهذا الحجم (الخصخصة)".

كما يقول إن "هذه العملية مرتبطة بشكل الدولة.. وبقرار جميع السوريين".

هل من تجارب سابقة؟

المخاوف ذاتها التي أشار إليها الباحث شعار تطرق إليها أستاذ القانون الدستوري السوري، سام دلة في منشور له على "فيس بوك"، يوم الخميس.

ويوضح دلة أن "أي حكومة لا تملك الحق بالتصرف بهذه الأصول (التابعة للدولة) إلا بناء على تفويض واضح من أصحاب الحق ويضمن عدالة إعادة توزيع الموارد المُخصخصة".

ولا يكفي أن يكون هذا التفويض نتاج عملية ديمقراطية (حرة وعادلة) وإنما أن تتم ممارسته في إطار حوكمي يضمن المشاركة والشفافية ويفرض المساءلة، وفق دلة.

ويؤكد أن "الخصخصة تحتاج بداية بناء مؤسسات الدولة/دولة قانون: لاسيما قضاء كفء وعادل، وإدارة حكومية كفؤة وغير فاسدة".

وفي حال كانت العملية خارج الإطار المذكور ستكون "مجرد بيع لأصول الدولة وخلق (أوليغارشية) تسيطر على المجتمع وتحكم الدولة"، بحسب دلة الذي لفت إلى المثال الروسي.

وتقول التجارب السابقة إن اللجوء إلى "الخصخصة" في الدول التي تشهد مستويات مرتفعة من الفساد وتكتل الثروة بأيدي أطراف محددة دون وجود عدل في توزيع الثقل السياسي تكون "مدخلا مذهلا للفساد"، بحسب شعار.

وبينما يضيف الباحث وهو مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" أن ما سبق تعكسه حالة ألمانيا بعد انهيار جدار برلين وما حصل في روسيا أيضا يوضح أن الأمر لم ينسحب على بريطانيا مثلا.

ويتابع: "في بريطانيا ورغم الإشكاليات التي كانت تعاني منها لم تكن عملية التوجه فيها نحو الخصخصة مدخلا للفساد".

وارتبطت الحالة، حينها، بالشروط والإجراءات والبرنامج الاقتصادي الليبرالي الذي سارت عليه، رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، في ثمانينيات القرن الماضي.

"فتح أبواب"

ولا يزال عمل الحكومة الجديدة في دمشق حتى الآن ضمن إطار مؤقت.

ومن المقرر أن تتشكل حكومة دائمة في شهر مارس المقبل، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الجديدة.

من ناحية أخرى، وفي وقت تعيش فيه سوريا أزمات اقتصادية ومالية وتعاني مؤسسات من حالة ترهل كبيرة تواجه في المقابل معضلة تتعلق بإرث العقوبات الدولية التي تركها نظام الأسد قبل سقوطه.

وقد يكون ما سبق عائقا أمام التحول باتجاه عملية "الخصخصة"، بحسب الباحث الاقتصادي، شعبو.

وبالإضافة إلى ذلك يوضح أن التحول أيضا بحاجة "مؤسسات قوية وقادرة على فرض شروطها" من أجل منع تشكل اللوبيات والاحتكار.

كما يؤكد شعبو على فكرة أن تكون "الخصخصة مدروسة لا عشوائية"، مع مراعاة تشغيل الإيرادات وتشغيل العمالة وتحسين القطاعات التي تستهدفها.

وفي تقرير البنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" الصادر في يونيو 2022، تم التأكيد على أن النزاع المستمر منذ عقد قد دمر مكاسب التنمية في سوريا، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.

كما أن التضخم المرتفع أثر بشكل غير متناسب على الفقراء والفئات الضعيفة.

وبالإضافة إلى التأثيرات المباشرة للنزاع، يعاني الاقتصاد السوري من آثار جائحة كورونا، الأزمات الإقليمية، والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان المستثمرون الأجانب سيأتون إلى سوريا أم لا، كما يشير الباحث شعبو.

ويقول: "إذا لم ترفع العقوبات وبدأنا نرى حالة من الاستقرار سيكون دخول المستثمرين أمرا سابقا لأوانه".

ومع ذلك، يرى الباحث أن خطوة التحول نحو الخصخصة التي كشف عنها الشيباني بمثابة "فتح الباب على مصراعيه للمستثمر الداخلي والخارجي"، وهو الأمر الذي اتبعته الإمارات سابقا وتعمل عليه تركيا.