هيئة تحرير الشام قادت المعارضة لإطاحة الأسد- أرشيفية من رويترز
هيئة تحرير الشام قادت المعارضة لإطاحة الأسد- أرشيفية من رويترز

لن تكون عملية تشكيل "الجيش السوري الجديد" مهمة سهلة أو سلسة أمام القيادة الجديدة التي تمسك بزمام الأمور في العاصمة السورية دمشق، وذلك نظراً لطبيعة وخلفيات التشكيلات التي من المفترض أن تنصهر في الأيام المقبلة، قبل أن تندمج ضمن جسم واحد ذي قرار مركزي.

وعلى صعيد تشكيل "الجيش الجديد"، كان القائد العام لغرفة العمليات العسكرية، أحمد الشرع، التقى نظراءه من قادة لفصائل بالمعارضة المسلحة وبالتدريج. وبعد صور جمعتهم في قصر الشعب، وقّع على أول قرار عسكري له، مساء الأحد.

وقضى القرار بترفيع رتب عدد من العسكريين إلى ألوية وعمداء وعقداء، وكان أبرزهم مرهف أبو قصرة، الذي تم توكيله بعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد بحقيبة وزارة الدفاع المؤقتة.

ولم تعرف الآلية التي تم اعتمادها بخصوص ترفيع رتب العسكريين، وكذلك الأمر بشأن ما إذا كانت هذه الخطوة ستشمل جميع الفصائل العسكرية، أم تقتصر على الطرف الذي أمسك بالقرار في دمشق بشكل فعلي.

عناصر من فصيل "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا
الجيش السوري الجديد في مواجهة "طموح" زعماء الفصائل
وسط صراع معقد منذ أكثر من عقد، يبرز تعهد قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع المعروف سابقا بأبو محمد الجولاني، زعيم جبهة "تحرير الشام"، بتوحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة جيش وطني موحد كواحد من أهم المشاريع المطروحة لتحقيق الاستقرار في سوريا ما بعد نظام بشار الأسد لكنه يثير شكوكا بشأن إمكانية تحقيق ذلك.

لكن حسب الأسماء التي تضمنها قرار الترفيع، فقد شمل القرار العسكريين التابعين لهيئة تحرير الشام وآخرين من فصائل مسلحة كانت تحالفت معها في العملية التي أُطلق عليها اسم "ردع العدوان"، والتي انتهت بسقوط نظام الأسد.

كما شمل القرار شخصيات عسكرية أجنبية (ليست من الجنسية السورية)، وفقا لباحثين استعرضوا هوياتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في الساعات الماضية.

عملية سلسة أم لا؟

ويعتقد الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، محسن المصطفى، أن "فرص نجاح خطوة دمج الفصائل الثورية المسلحة تكبر باستمرار حتى الآن".

ويقول لموقع "الحرة"، إن الاجتماعات التي تقوم بها هذه الفصائل مع الإدارة السورية الجديدة، "في الطريق الصحيح نحو هذا الدمج".

كما يعتبر المصطفى أن "وزارة الدفاع الجديدة قادرة على استيعاب الجميع، خصوصا أن الجيش السابق لم يعد موجودا منذ فجر يوم الأحد 8 ديسمبر 2024".

وكانت "هيئة تحرير الشام"، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى، رأس حربة المعركة الكبيرة التي وصلت إلى دمشق قبل أن يتم الإعلان عن سقوط الأسد.

وتحالفت معها فصائل مسلحة معارضة إسلامية وغير إسلامية، بالإضافة إلى تشكيلات أخرى تدعمها تركيا ضمن ما يُعرف بـ"الجيش الوطني السوري".

الشرع خلاله لقاء بقادة من الفصائل المسلحة (وكالة الأنباء السورية الرسمية)
مصادر للحرة: مؤتمر وطني مرتقب في سوريا سيشهد حل الفصائل ومجلس الشعب
قالت مصادر لقناة الحرة، إن المؤتمر الوطني للقوى السورية سيعقد يومي الرابع والخامس من يناير المقبل، وسيشهد إعلان حل مجلس الشعب وجميع الفصائل المسلحة ومن بينها هيئة تحرير الشام التي يقودها أحمد الشرع الملقب بالجولاني، والتي أطاحت بنظام الأسد.

ويقول قائد "هيئة تحرير الشام"، الشرع، إنه بصدد الإعلان عن حل الفصيل الذي يقوده، مؤكدا أن هذا المشهد "سيطبق على كافة التشكيلات الأخرى".

لكن في المقابل، لم يكشف الشرع عن الآلية التي سيتم المضي فيها لتحقيق هذه الخطوة، وما إذا كانت ستجري بناء على قواعد من شأنها أن تفرز ألوية وفيالق وهيئة أركان.

وفي هذا الصدد، يرى المصطفى أنه "لن يكون من السهل دمج هذه الفصائل ضمن جيش موحد"، معتبرا أن "هذه العملية ستواجه تحديات جمة".

"ما زال الطريق طويلا نحو تحقيق هذا المسار، وأعتقد أنه سيأخذ مسارا موازيا مع العملية التأسيسية للدولة"، وفق الباحث السوري.

كما لا يستبعد المصطفى أن تكون البداية "غرفة عمليات موسعة تعمل عمل هيئة الأركان العامة، ريثما تتم إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية ككل، خاصة وزارة الدفاع".

"تحدي احتكار العنف"

ورغم أن الكثير من الفصائل المسلحة اشتركت في معركة إسقاط الأسد، وحتى أنها انتشرت في عموم محافظات البلاد وأبرزها دمشق، فإن العلاقة فيما بينها لا تزال تحكمها اعتبارات تتعلق بخلفياتها وجذور تشكيلها.

ولا ينطبق ما سبق على الفصائل التي كانت تنشط في شمال سوريا فقط، بل تنسحب الحالة إلى جنوبي البلاد وشمالها الشرقي.

ويعتبر الباحث في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان، أن قرار الترفيع الذي صدر، الأحد، "طبيعي.. وهو جزء من الانتقال الثوري للسلطة وليس الدستوري".

لكن الباحث يشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى تحدٍ يكمن في "احتكار العنف والسلاح".

ويقول إنه "لا يمكن لأي دولة كاملة السيادة أن تسمح بعنف منظم خارج إطارها"، مضيفا: "الدولة بتعريفها العام هي الجهة التي تحتكر العنف واستخدام السلاح.. وهذا تحد كبير، لاسيما مع وجود حجم كبير من السلاح خارج إطار الدولة".

وشملت اللقاءات التي أجراها الشرع خلال الأيام الماضية على صعيد تشكيل "الجيش الجديد"، عموم الفصائل المسلحة في شمال سوريا وجنوبها.

وفي حين وضع الشرع من خلال تصريحاته الخطوط العامة لعملية الدمج العسكري، فإنه لم يحدد خطوات فعلية على الأرض حتى الآن.

كما لم يحدد الشرع كيفية التعاطي مع الفصائل التي قد ترفض عملية الدمج والانضواء في "الجيش الجديد"، خاصة تلك المنتشرة في جنوب سوريا، أو التي تحكم مشهد شمال شرقي سوريا، المتمثلة بـ"قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية.

ويعتقد الباحث علوان أن فصائل درعا والسويداء وربف حلب "تقدم رسائل إيجابية وتبدي مرونة مقبولة اسمية للاندماج، لكن من الواضح أنه توجد حاجة لتعزيز الثقة أكثر مع الإدارة الجديدة".

أرقام أم أسماء؟

وقبل سقوط نظام الأسد، كانت فصائل المعارضة المسلحة تندرج ضمن ما يعرف بـ"جماعات ما دون الدولة"، ومن بينها "هيئة تحرير الشام".

وبعد سقوط الأسد، أصبحت هذه الجماعات، الجهة المسيطرة على البلاد بحكم أمر الواقع الذي حصل فجأة.

ويشير الباحث السوري المصطفى إلى أن التشكيل الجديد (الجيش الجديد) لم يتم الإفصاح عنه، بمعنى هل سيتم اعتماد أسماء الألوية والفصائل لتكون أسماء الفرق العسكرية، أم أنها ستستخدم الأرقام بدلاً عن الأسماء أسوة بالسابق؟.

ويرى أن هذا الأمر سيبقى رهنا بسياسة القائمين على المؤسسة العسكرية، وعلى رأسهم قادة "هيئة تحرير الشام".

من جانبه، يوضح الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أن إعادة بناء الجيش الوطني تمثل "أولوية قصوى"، حيث ينبغي أن يكون "مؤسسة تمثل جميع السوريين، وتخلو من التأثيرات الأيديولوجية، مع دمج المقاتلين الراغبين، وضمان إشراف مدني على الجيش". 

ويعتقد شعبان في حديثه لموقع "الحرة"، أن "تهديد قوات سوريا الديمقراطية سيظل تحديا للأمن القومي السوري، حيث تسعى هذه القوات بدعم دولي لترسيخ نفوذها على مساحات واسعة من البلاد، مما يزيد من تعقيد جهود إعادة توحيد سوريا".

في المقابل، سيمثل "فلول النظام السابق"، على حد تعبير الباحث، "تهديدا مستمرا من خلال تشكيل خلايا نائمة، واستغلال الانقسامات الاجتماعية، مما يستدعي تطبيق العدالة الانتقالية وتفكيك شبكات النظام الأمنية".

وفيما يتعلق بعملية الدمج، يشرح شعبان أن "نزع سلاح الفصائل المسلحة ودمجها في الجيش الوطني، يمثل خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار"، لكنه يشدد على أن ذلك "يتطلب شفافية وموارد مالية ودعما دوليا، لضمان التنفيذ السلس".

حاكمة مصرف سوريا المركزي ميساء صابرين - رويترز
حاكمة مصرف سوريا المركزي ميساء صابرين - رويترز

قالت حاكمة مصرف سوريا، ميساء صابرين، إن هناك ما يكفي من أموال لتغطية دفع رواتب موظفي القطاع العام، في أعقاب الزيادة التي تعهدت بها الإدارة الجديدة، التي تصل إلى 400 بالمئة.

كما ذكرت صابرين، في مقابلة مع وكالة رويترز، أنها ترغب في تعزيز استقلالية المصرف (البنك المركزي) فيما يتعلق بسياساته النقدية، في تحوّل كبير، حال حدوثه، عن الرقابة المشددة من الحكومة خلال حكم نظام الأسد.

ومن المقرر أن تساعد قطر في تمويل زيادة أجور القطاع العام في سوريا، في خطوة باتت ممكنة بعد القرار الأميركي بشأن الإعفاء من العقوبات، الذي يسمح بمعاملات مالية مع المؤسسات الحاكمة في سوريا.

وحول هذا الأمر، قالت صابرين: "القطاع المصرفي لا يستفيد من الإعفاء من العقوبات الأميركية، لكن السماح بالتحويلات الشخصية كان خطوة إيجابية"، وأعربت عن أملها في رفع العقوبات بالكامل "حتى يتمكن القطاع المصرفي من الارتباط بالنظام المالي العالمي".

وكانت صابرين تشغل ثاني أهم منصب في مصرف سوريا المركزي، وهو القائم بأعمال الحاكم، خلفا لمحمد عصام هزيمة في أواخر العام الماضي.

وواصلت حديثها لرويترز، قائلة: "المصرف يعمل على إعداد مشاريع تعديل قانون المصرف بما يعزز استقلاليته، ويشمل ذلك السماح له بمزيد من الحرية في اتخاذ القرارات بشأن السياسة النقدية".

وتحتاج هذه التغييرات إلى موافقة السلطة الحاكمة الجديدة في سوريا.

وتابعت: "البنك المركزي يبحث عن سبل لتوسيع الخدمات المصرفية الإسلامية، نظرا لوجود شريحة من السوريين يتجنبون استخدام الخدمات المصرفية التقليدية".

وأضافت لرويترز من مكتبها في وسط دمشق: "قد يشمل ذلك منح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية، خيار فتح فروع مصرفية إسلامية".

ويعاني الاقتصاد السوري من مشاكل هيكلية بعد أكثر من 13 سنة على الحرب التي دفعت بأكثر من 90 في المئة من سكان البلاد إلى تحت خط الفقر، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وأشار تقرير للبنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" صدر في يونيو 2022، إلى أن النزاع في سوريا دمّر مكاسب التنمية، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.