"هل سيدينون بالولاء للدولة السورية في مرحلة لاحقة، أم قد يظلّون على عقيدتهم العابرة للحدود؟".. سؤال فرض نفسه بقوة بعد أن غرس قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قبل أيام، جذور "حالة دخيلة" لم يسبق أن شهدتها البلاد في تاريخها على مستوى الجيش والعسكرة، وذلك بموجب قرار مثير للجدل وقّع عليه، قضى بترفيع رتب عدد من القادة، بينهم 6 أجانب على الأقل.
وفي حين أن القرار لم يستند على نص دستوري أو قانوني، وصدر في ظرف انتقالي تعيشه سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، يثير مضمونه الكثير من التساؤلات والانتقادات.
وتتعلق التساؤلات بمآلات ترفيع رتب القادة الأجانب (بينهم مصنف على قوائم الإرهاب الأميركية)، والأسباب والأهداف التي تقف وراء ذلك، وما إذا كان هؤلاء سيدينون بالولاء للدولة السورية؟.
ويبرز من قرار ترفيع الرتب أسماء كل من عبدل بشاري، وهو ألباني الجنسية ويقود منذ سنوات "جماعة الألبان"، وعمر محمد جفتشي (تركي الجنسية)، والمصري علاء محمد عبد الباقي، وعبد العزيز داوود خدابردي الذي ينحدر من الأقلية التركستانية في الصين.
ويضاف إليهم أيضا مولان ترسون عبد الصمد، وهو طاجيكي الجنسية، وعبد الرحمن حسين الخطيب الذي منح رتبة عميد، ويقال إنه أردني الجنسية، فضلا عن "ذو القرنين" زنور البصر عبد الحميد الملقب بعبد الله الداغستاني، وهو قائد "جيش المهاجرين والأنصار".
وتقول وكالة "رويترز" إن قرار ترفيع رتب القادة الأجانب "تهدف إلى منح أدوار رسمية لهم"، بما في ذلك أدوارا رفيعة المستوى، وتضيف في المقابل أنها "ربما تثير قلق بعض الحكومات الأجنبية والسوريين الذين يخشون نوايا الإدارة الجديدة"، مما انعكس بالفعل خلال الأيام الماضية، على مواقع التواصل الاجتماعي.
في المقابل، قدّم خبراء وباحثون وعسكريون لموقع "الحرة" وجهتا نظر بشأن الحالة الجدلية والدخيلة، وبينما اعتبر البعض منهم ما حصل "أمرا طبيعيا لاسيما عند النظر إلى تجارب أخرى"، ذهب آخرون بخلاف ذلك، وقالوا إن خطوة ترفيع رتب القادة الأجانب "تحمل في طياتها مخاطر".
"مكافأة في قطاع حساس"
ويرى الباحث السوري في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، أن "إعطاء رتب عسكرية رفيعة للمقاتلين الأجانب في سوريا، أمر ليس جديدا من حيث التأريخ".
ويقول لموقع "الحرة"، إن "الكثير من الدول تعطي من يشارك في القتال لصالحها أو يناصرها في حرب معينة جنسيتها كنوع من رد الجميل لهؤلاء المقاتلين".
وطرح فرهود أمثلة عن ذلك في التاريخ، "ابتداء من البارون أنطوان هنري جوميني السويسري، أحد ضباط نابليون الشهيرين، وصولا إلى الزمن الحالي في عدد من الدول"، كما يحدث في روسيا.
ويوافق الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، على ذات الفكرة، معتبرا في حديثه لموقع "الحرة" أن ظاهرة إعطاء رتب رفيعة للمقاتلين الأجانب، "موجودة في كل التجارب الثورية والتاريخية".
ويضيف أن "البوسنة سبق أن شهدت منح رتب رفيعة لقادة أجانب ومقاتلين. هو تقليد معروف.. ولا أعتقد أن الأمر يجب أن يثير أي شيء على الإطلاق"، على حد تعبير أبو هنية.
لكن في المقابل، يذهب العقيد السوري المنشق عن جيش نظام الأسد، فايز الأسمر، بخلاف حديث فرهود وأبو هنية.
ففي حين يقول إن "الإدارة الجديدة بإمكانها مكافأة العناصر الأجنبية التي شاركوا بتخليص الشعب السوري من بطش الأسد، إلا أن هناك عدة خيارات ومجالات يجب أن تلجأ إليها، بعيدا عن مؤسسة الجيش والقوات الأمنية".
ويوضح الأسمر لموقع "الحرة": "يجب أن تكون سوريا خالصة وخاصة، لأن لدينا كفاءات وخامات عسكرية متفوقة من الضباط وصف الضباط المنشقين ومن كافة الاختصاصات".
لمن الولاء؟
القادة الذين شملهم قرار ترفيع الرتب العسكرية كانوا ينشطون في شمال غرب سوريا منذ سنوات، وشاركوا في غالبية المعارك السابقة ضد قوات الأسد، كما كانوا رأس حربة العملية الأخيرة التي أدخلت الجولاني إلى دمشق.
واستهدف القرار إلى جانبهم، قادة آخرين في "هيئة تحرير الشام" ومن تشكيلات عسكرية أخرى، كان عملها العسكري يتركز بالتحديد في محافظة إدلب.
ولا يعرف حتى الآن الشكل الذي ستكون عليه الفصائل العسكرية التي أسقطت نظام الأسد في المرحلة المقبلة.
ويسود الترقب في الوقت الحالي بشأن الخطوات التي كشف عنها الجولاني، مؤخرا، على صعيد عملية الحل والدمج فيما يطلق عليه "الجيش السوري الجديد".
ويشير الأسمر إلى أن "شروط انضمام الطلبة المتقدمين إلى جيش النظام السوري، كانت محددة في السابق بألا يكون المتقدم متزوجا من أجنبية".
وفيما يتعلق بترفيع رتب القادة الأجانب الآن، يؤكد الأسمر أن "ولاءهم سيكون للقيادة الجديدة أكثر من الولاء للشعب ومؤسسات الدولة".
لكن الباحث فرهود يعتبر أن "القادة الأجانب شاركوا في المعركة الأخيرة تحت مظلة المشروع الوطني السوري، وليس لصالح مشاريع عابرة للحدود سياسية كانت أو فكرية".
ويتابع أنهم "أثبتوا ذلك من خلال التزامهم الدقيق بتعليمات قيادة العمليات العسكرية، في مسارح القتال على كامل التراب السوري".
الباحث يعتقد أن "قضية دمج هؤلاء الجنود في المؤسسة العسكرية السورية أمر لا يحتاج للبحث عن حل له، لأن هذه المجموعات أمضت أكثر من 10 سنوات وهي تقاتل إلى جانب الثوار في سوريا".
ويضيف: "أصبح هناك أيضا كيمياء قوية بين الثوار وبينهم (الأجانب) على مستوى الأداء القتالي، وحتى على مستوى اللغة، فقد تعلم قسم كبير منهم اللغة العربية خلال سنوات الثورة".
رصيد أم عبء؟
وربما لا تقف القرارات المتعلقة بالقادة الأجانب في سوريا عند حد ترفيع رتبهم العسكرية، بل قد تمنح لهم الجنسيات، وهو أمر سبق أن أشار إليه الجولاني بعد أيام قليلة من سقوط نظام الأسد.
ويشرح الباحث السوري، أحمد أبا زيد، أن ترفيع رتب هؤلاء القادة "يحتاج قانونا بحصولهم على الجنسية قبل ذلك"، ويشير في المقابل إلى أن "الأسماء التي برزت منهم توضح أنهم ليسوا ضباطا بالأصل".
ويقول أبا زيد إن "لائحة الترفيع ستواجه انتقادات من ضباط منشقين وقادة فصائل قد يرونها استبعادا لهم"، وهو ما أكد عليه العقيد المنشق الأسمر في حديثه لـ"الحرة".
ويضيف: "هناك استعجال في خلق نخبة دولة وقيادة جديدة متجانسة، خاصة في المناصب القيادية التي يغلب عليها لون واحد. يحتاج هذا مزيدا من التشاور والتشاركية، حتى تشعر القوى المختلفة أنها شريك فعلا في المرحلة الانتقالية وبناء الدولة الجديدة".
من جانبه، لا يعتقد الباحث السوري فرهود أن الضباط أو المجموعات (الأجنبية) من الممكن أن تسبب مشكلة لسوريا أو المؤسسة العسكرية في المستقبل"، على اعتبار أنها "لا تشكل نسبة كبيرة في جسم المؤسسة العسكرية السورية، وبالتالي لا يمكن أن يكون هؤلاء الطرف المرجّح في أي قضية سورية".
ويعتبر فهود أن "من لا يزال منهم يحمل أطروحات خارج إطار المشروع الوطني السوري، فهم أفراد سيجدون طرقا للخروج من سوريا قريبا".
أما أبو هنية فيشدد على وجهة نظره، بأن قرار ترفيعات رتب الأجانب "ظاهرة منطقية"، معربا عن اعتقاده بأن "القادة في حال تم دمجهم وأعطيت لهم الجنسيات، سيلتزمون بالقوانين والأنظمة والدستور في سوريا، دون أن يحتفظوا بولاءاتهم السابقة والمعتقدات".
"وفي حال ارتكبوا أية مخالفات، سيحاكمون ويعاملون وفق الأنظمة والقوانين"، وفق أبو هنية، الذي أضاف: "سوريا تحتاج لبنية تحتية للأنظمة والقوانين، وإعادة كتابة الدستور، وأعتقد أن هذه القضايا ستوضع في الحسبان".
من ناحية أخرى، يرى فرهود أن "خبرة المقاتلين (الأجانب) مهمة جدا للمؤسسة العسكرية السورية، حيث إنهم قاتلوا عددا من الجيوش (روسيا، وإيران، وجيش نظام الأسد) وعددا من الميليشيات (فاغنر، وحزب الله، والحرس الثوري).
ويعتبر أن "هذه الخبرات ستكون رصيدا إضافيا مجانيا للجيش السوري الجديد، دون دفع تكلفة الوقت اللازم لبناء هذه الخبرة التي اكتسبوها من خلال ميادين القتال".