سوريون يحتفلون بسقوط الأسد في دمشق (رويترز)
سوريون يحتفلون بسقوط الأسد في دمشق (رويترز)

الزائر للعاصمة السورية دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، سيجد نفسه أمام مدينة تحمل الكثير من المتناقضات.. الناس فيها فرحون رغم أنهم منهكون وفقراء.

الشوارع والحارات مفعمة بالحياة نهارا في "الفيحاء".. وموحشة ليلا. أبنيتها هرمة وصدئة لكنها صامدة.. ساحرة من فوق قمة جبل قاسيون.. ومتعبة عند المشي في أزقتها وأحيائها.

قبل 11 عاما، خرجت من دمشق بعدما أتممت دراستي في كلية الإعلام، وأعود إليها بزيارة خاطفة. أرصدها بعين صحفي غطى الكثير من أخبارها خلال السنوات الماضية عن بعد (من إسطنبول)، واليوم يستعرض ما تعيشه هذه المدينة على أرض الواقع.

في اللهجة المحلية بسوريا دائما ما يتردد مصطلح "تركها على العظم" (أي بناء دون أي إكساء) وينطبق هذا التشبيه كثيرا عند بداية الدخول إلى العاصمة قدوما على الأوتوستراد الدولي الواصل من حمص.. لا غوطة بقيت هناك ولا حتى بضعة أبنية.. ولافتة "دمشق ترحب بكم" بأكوام من الخراب.

شهدتُ بداية العمليات العسكرية التي أطلقها نظام الأسد ضد مناهضيه في الغوطة الشرقية عندما خرجت عام 2013، لكن لم أكن متخيلا حجم الدمار الذي حلّ هناك بعد ذلك. الخراطيم المتفجرة وعمليات التفجير المتكررة (بزعم تفجير الذخائر) لم تترك أثرا فوق الأرض.

على جنبات الطريق السريع "أوتوستراد" حرستا وصولا إلى مدخل دمشق، لا يمكن رؤية سوى أراضٍ قاحلة على اليمين وعلى اليسار، وبقايا صور للأسد المخلوع مزقتها فصائل المعارضة بالبنادق، كجزء من غريزة الانتصار.

 أكوام من القمامة على الجانبين وهياكل حديدية وبيوت مسبقة الصنع فارغة، بعدما كانت تعج بعمليات "التفييش الأمني" والاعتقالات.

الدخول إلى دمشق دائما كان له رهبة، سواء قبل سقوط نظام الأسد أو بعد هروب المخلوع، لكن عند المرور من الطريق بالقرب من "كراجات العباسيين" وصولا إلى شارع فارس خوري، سرعان ما تراود الأذهان مشاهد، وكأن الزمن قد توقف منذ بداية الحرب.

"توقف ساعة الزمن" يكاد ينطبق على بقية الأحياء والشوارع والحارات، بدءا من شارع بغداد ومرورا بشارع الثورة وحتى ساحة الأمويين التي تتوسط العاصمة، وباتت مقصدا لتنظيم احتفالات نصر الشعب السوري على الأسد.

"الفقر على كل الوجوه"

سكان العاصمة ذاتهم لكن ملامحهم تغيرت، وكذلك الأمر بالنسبة لنفوسهم المتعبة. الآن أصبح يقصدهم زوار من حلب وإدلب والحسكة والرقة ودير الزور، وهو ما تشير إليه لوحات السيارات التي تصطف بكثرة أمام الفنادق التي تتوسط دمشق، وتبدو لافتة للجميع (لكل لوحة شكل ورقم ونوع فاره لمن يشاهده لأول مرة، وعاديٌ عند سكان الشمال السوري الذين نسوا الجمركة).

كثيرة هي البيانات الأممية التي كانت توثق حالة الفقر لدى سكان العاصمة وبقية المدن السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد سابقا، لكن الواقع على الأرض يبدو مضاعفا وقاتما إلى حد كبير.

صبي يحمل أغراضا لعائلته بعد هطول أمطار غزيرة، في حي المعضمية بدمشق (رويترز)

تتضح هذه الحالة أكثر عند التجول في الشوارع وملاقاة المئات من المتسولين (من أطفال ونساء ورجال). كلهم عزيزو النفس كما يبدو على ملامحهم أو بناء على الطريقة التي يطلبون بها المال أو الطعام بخجل (الراتب الشهري في عهد الأسد لا يكفي لمعيشة 3 أيام، وتكملة الأيام الأخرى كان مرهونا بحجم الحوالات الأجنبية من الخارج).

لم تكن دمشق يوما مجرد عاصمة، بل كانت رمزا للثقافة والتاريخ، مصدر إلهام لكل من مر بها. هي التي عاشت فيها روحٌ عميقة من التعددية والانفتاح، وتواصل الأجيال. لكن الأسد تركها خاوية على عروشها دون أن يشمل ذلك قصره الواقع فوق قاسيون، منطلق هروبه.

تغيرت المدينة كثيرا خلال 12 عاما. تحولت من حاضرة تنبض بالحياة إلى مريضٍ ينتظر علاج ما يقضي بنزعه عن المنفسة. الأبنية فيها التي كانت تحكي قصص الماضي الجميل، صارت الآن جدرانا مهدمة وأطلالا لا تذكر سوى الحزن.

وينطبق هذا على الأبنية السكنية وعلى المؤسسات الحكومية التي تبدو من الداخل والخارج وكأنها قطع عسكرية. مغبّرة ومتسخة من الداخل والخارج وتحتاج لأطنان من مواد التنظيف لتجميلها مبدئيا. بحسب مشاهداتي تبدو هذه الأبنية وكأنها لم تحصل على ضربة فرشاة أو أي عملية ترميم وتحديث.

دائما كان الأسد يحمّل الحالة التي تعيشها مناطق سيطرته إلى العقوبات التي تفرضها عليه الدول الغربية، لكن بعد سقوطه تتكشف صورة مغايرة لذلك، وهو الأمر الذي يؤكده السكان بأنفسهم بعدما انكسر حاجز الخوف لديهم إلى الأبد.

طفل يبتسم لمقاتل من إدارة العمليات العسكرية في أحد شوارع دمشق (فرانس برس)

محمد صالحاني مواطن صادفته وسط ساحة المحافظة، قال وهو يوجه اللعنات باتجاه صورة تعلو سطح بناء لفرع المصرف المركزي هناك: "تركها لنا على العظم وهرب.. سرق كل شيء ولم ينفق فلسا واحدا علينا ولا حتى على مؤسسات الوطن، الذي استغل اسمه لصالحه!".

ويضيف حازم أبو حرب، وهو أحد سكان حي مساكن الرازي، الذي حوّله الأسد إلى (ماروتا سيتي) بعدما أخرج سكانه منه: "هذه دمشق. الأسد طبق ما أعلنه حرفيا (الأسد أو نحرق البلد).. هو حرق البلد فعليا، ثم هرب وأخذ معه خزائن البلد".

"حتى على مستوى السجاد!"

الجامع الأموي هو أحد الوجهات التي أصبح يقصدها العائدون إلى دمشق من مختلف المحافظات. يعج يوميا بالزائرين من مختلف الجنسيات، وتحولت باحته إلى استديو تصوير بعلم الثورة وأحيانا بالسلاح.

هو معلم بارز ورمز.. ورغم ذلك، لم تكلف مؤسسات نظام الأسد قبل سقوطه نفسها بإجراء أي تطوير فيه. السجاد هناك ما زال على حالة منذ عام 2011. مهترئ بشدة كحال معظم سكان دمشق وحمص التي مررنا منها أيضا، حيث لا فسحة للسكان لإتمام الرفاهيات، فالحال يجبرهم على التفكير فقط بلقمة العيش.

من داخل الجامع الأموي بدمشق (فرانس برس)

في محيط "الأموي" تتموضع حارات دمشق القديمة. مازالت على حالها أيضا لكنها ومع غروب الشمس تبدو موحشة إلى حد كبير، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية أحياء وشوارع العاصمة.

في الليل لا يضيء دمشق سوى مصابيح السيارات والأضواء المشتعلة على البطاريات المشحونة (الليدات). الكهرباء الرسمية لا تأتِ سوى ساعة واحدة، لكن هناك توقعات وأمنيات بأن يتغير الحال.

سكان دمشق وحمص أصبحت لديهم قناعة بناء على الأخبار غير الرسمية التي تنتشر بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. يناقشون ويحللون ويتوقعون بأن تبدأ تركيا من الشمال بوصل الكهرباء، وأن يتبع الأردن ذات الإجراء.

هؤلاء السكان يتحدثون بكثرة وفي معظم جلساتهم، عن الخدمات في المرتبة الأولى، وفي الثانية ينتظرون العديد من الأجوبة. كيف ستلتم البلد؟ وهل (قائد السلطات الجديدة) أحمد الشرع قادر على ذلك؟ هل تعود سوريا التي نعرفها؟ ومتى سنستلم الرواتب وهل ستزداد؟.

حتى الآن لم يستلم السوريون رواتبهم الشهرية بعد سقوط الأسد، لكن وزارة المالية في الحكومة الانتقالية وعدت بأن تبدأ عملية التسليم في نهاية شهر يناير، وقالت إنها ستزيد منها.

ومع ذلك، قد لا تكون الزيادة الموعودة كفيلة بتبديد جزء بسيط من حالة الفقر.

رزم الأموال السورية كثيرة وتحمل في الأكياس وتُحوّل للدولار في الشوارع، لكنها لا تفعل شئا. هي عبارة عن أوراق دون رصيد كما يقول سالم يوسف، وهو القادم من إدلب ولم يتداول بها منذ سنوات: "حمل المصاري (الأموال) مشكلة كبيرة. كل الجيوب لدي لا تتسع سوى لمئة ألف ليرة (تشتري 5 قطع من البسكويت!).

"سقوط الأسد والمحاسبة"

رغم كل ما تعيشه دمشق وكذلك الأمر بالنسبة لبقية المدن التي تركها الأسد خاوية، بينها حمص التي مررنا بها وتجولنا فيها كاملة بنصف ساعة كون قسم كبير من أحيائها أصبح مدمرا على الأرض، إلا أن نية نفض الغبار لا تزال قائمة.. وبقوة.

تنعكس هذه النية على لسان مصطفى العايد، وهو من سكان حمص، بقوله: "سقوط الأسد يكفي. البلد ستتعمر وتعود لنا وقد يكون ذلك في غضون 5 سنوات أو أكثر بقليل".

دمشق.. شروق "فجر الحرية" بعد سقوط النظام (فرانس برس)

لكن العايد لا يخفِ التحديات الضخمة على صعيد "بناء وترميم النفوس"، وهو ما يشير إليه بلال رشيد المقيم في دمشق، مضيفا من أمام حائط في حي الشاغور، لصق عليه سكان الكثير من صور المعتقلين المختفين قسريا في سجون الأسد: "من يعيد الحق لهؤلاء؟ المحاسبة والعدالة يجب أن نراها قبل كل شيء".

مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز
مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز

التوجه نحو "الخصخصة" في سوريا قد يكون الخيار الوحيد المتاح لدفع العجلة الاقتصادية في سوريا وتحريك عمل المؤسسات المتهالكة، لكن في المقابل يجب أن تكون هذه العملية مبنية على شروط وإجراءات، وإلا.. "ستكون مدخلا للفساد"، وفقا لخبراء وباحثين.

وبعد سقوط نظام الأسد ألمح مسؤولو الإدارة الجديدة في دمشق إلى نواياهم المتعلقة بهذا الصدد، وبينما أشاروا أولا إلى اعتزامهم "تبني نموذج السوق الحر" كشفوا قبل يومين عن خطط يفكرون بها بالفعل.

هذه الخطط تطرق لها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قائلا لـ"فاينانشال تايمز"، الأربعاء، إن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وتسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية.

يهدف هذا المسعى، بحسب الشيباني لإجراء إصلاحات اقتصادية وإنهاء عقود من الزمن كـ"دولة منبوذة".

لكن الوزير أشار في المقابل إلى تحديات تتمثل بإيجاد مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة "تدهور" لسنوات في بلد "محطم ومعزول عن الاستثمار الأجنبي".

ما "الخصخصة"؟

"الخصخصة" هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة (مثل الشركات الحكومية أو الموانئ) إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة، جذب الاستثمار، وتقليل العبء المالي على الدولة.

وتشمل عادة، كما يوضح الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، بيع أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص أو إدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

لهذه العملية 3 مراحل تبدأ من "تحليل الأصول"، أي بمعنى تحديد القطاعات المؤهلة للخصخصة ودراسة جدواها الاقتصادية، وتليها عملية إعداد السياسات والتشريعات.

وبعد المرحلتين المذكورتين يتم تحديد القيمة السوقية للأصول من خلال دراسات مالية واقتصادية، وفقا للناظر.

الباحث يرى أن "الخصخصة أداة اقتصادية يمكن أن تكون فعالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس ومُحكم لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية".

و"إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية بشفافية وعدالة، فقد تُسهم في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات"، وفقا لما يشير إليه.

"فرص ومخاوف"

بلغة الأرقام فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة تزيد عن 50 بالمئة بين 2010 و2020، وأعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل منذ 2018.

كما انخفضت قيمة العملة المحلية، وارتفعت معدلات الفقر، وباتت البلاد الآن بين الدول الـ 10 الأكثر انعداما للأمن الغذائي عالميا.

علاوة على ذلك، كان البنك الدولي قدّر الخسائر التراكمية للناتج المحلي الإجمالي السوري بين 2011 و2016 بحوالي 226 مليار دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلي لسوريا في 2010 بأربع مرات.

ويقول الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو: "لدينا في سوريا الكثير من المؤسسات الفاشلة والمتهالكة. تكاليفها أكثر من إيراداتها".

ويضيف شعبو لموقع "الحرة" أن "الإدارة الجديدة عاجزة تماما عن إدارة كل شيء في البلد. لا مقومات ولا قدرة"، وعلى أساس ذلك من الطبيعي أن تلجأ إلى "الخصخصة"، على حد قوله.

هذه العملية ورغم أنها لم تكن معلنة على الملأ في عهد نظام الأسد المخلوع، إلا أن حكومته لجأت إليها بالتدريج خلال السنوات الماضية.

وكان ما سبق قد انعكس بمراسيم تشريعية وبقرارات فتحت الباب أمام مستثمرين داخليين وخارجيين للانخراط في قطاعات سيادية.

من بين هذه القطاعات مرفأ طرطوس الذي استثمرته شركة روسية لمدة 49 عاما، وأعلنت الإدارة الجديدة قبل أيام إلغائه من طرف واحد.

وتوجد أمثلة أخرى، بينها الاستثمارات الخاصة والمرتبطة بشركات، والتي استهدفت قطاعي الاتصالات والكهرباء. وأخيرا مطار دمشق الدولي.

ويعتبر الباحث شعبو أن "الخصخصة هي الحل المتاح حاليا في سوريا في ظل غياب الموارد والمساعدات".

لكنه في المقابل يشير إلى "إيجابيات وسلبيات" تكمن وراء التوجه نحو هذه العملية.

ولكي تسود الإيجابيات يجب أن "تضع الحكومة شروطا ناظمة لعملية الخصخصة، وحرصا على أن لا تتحول إلى بيع أصول وشروط إذعان"، وفقا لقول شعبو.

مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار ومن جانبه يسلط الضوء على "مخاوف" تتعلق بشق قانوني.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "حكومة تسيير الأعمال الحالية ليس من صلاحياتها أن تتخذ قرارات بهذا الحجم (الخصخصة)".

كما يقول إن "هذه العملية مرتبطة بشكل الدولة.. وبقرار جميع السوريين".

هل من تجارب سابقة؟

المخاوف ذاتها التي أشار إليها الباحث شعار تطرق إليها أستاذ القانون الدستوري السوري، سام دلة في منشور له على "فيس بوك"، يوم الخميس.

ويوضح دلة أن "أي حكومة لا تملك الحق بالتصرف بهذه الأصول (التابعة للدولة) إلا بناء على تفويض واضح من أصحاب الحق ويضمن عدالة إعادة توزيع الموارد المُخصخصة".

ولا يكفي أن يكون هذا التفويض نتاج عملية ديمقراطية (حرة وعادلة) وإنما أن تتم ممارسته في إطار حوكمي يضمن المشاركة والشفافية ويفرض المساءلة، وفق دلة.

ويؤكد أن "الخصخصة تحتاج بداية بناء مؤسسات الدولة/دولة قانون: لاسيما قضاء كفء وعادل، وإدارة حكومية كفؤة وغير فاسدة".

وفي حال كانت العملية خارج الإطار المذكور ستكون "مجرد بيع لأصول الدولة وخلق (أوليغارشية) تسيطر على المجتمع وتحكم الدولة"، بحسب دلة الذي لفت إلى المثال الروسي.

وتقول التجارب السابقة إن اللجوء إلى "الخصخصة" في الدول التي تشهد مستويات مرتفعة من الفساد وتكتل الثروة بأيدي أطراف محددة دون وجود عدل في توزيع الثقل السياسي تكون "مدخلا مذهلا للفساد"، بحسب شعار.

وبينما يضيف الباحث وهو مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" أن ما سبق تعكسه حالة ألمانيا بعد انهيار جدار برلين وما حصل في روسيا أيضا يوضح أن الأمر لم ينسحب على بريطانيا مثلا.

ويتابع: "في بريطانيا ورغم الإشكاليات التي كانت تعاني منها لم تكن عملية التوجه فيها نحو الخصخصة مدخلا للفساد".

وارتبطت الحالة، حينها، بالشروط والإجراءات والبرنامج الاقتصادي الليبرالي الذي سارت عليه، رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، في ثمانينيات القرن الماضي.

"فتح أبواب"

ولا يزال عمل الحكومة الجديدة في دمشق حتى الآن ضمن إطار مؤقت.

ومن المقرر أن تتشكل حكومة دائمة في شهر مارس المقبل، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الجديدة.

من ناحية أخرى، وفي وقت تعيش فيه سوريا أزمات اقتصادية ومالية وتعاني مؤسسات من حالة ترهل كبيرة تواجه في المقابل معضلة تتعلق بإرث العقوبات الدولية التي تركها نظام الأسد قبل سقوطه.

وقد يكون ما سبق عائقا أمام التحول باتجاه عملية "الخصخصة"، بحسب الباحث الاقتصادي، شعبو.

وبالإضافة إلى ذلك يوضح أن التحول أيضا بحاجة "مؤسسات قوية وقادرة على فرض شروطها" من أجل منع تشكل اللوبيات والاحتكار.

كما يؤكد شعبو على فكرة أن تكون "الخصخصة مدروسة لا عشوائية"، مع مراعاة تشغيل الإيرادات وتشغيل العمالة وتحسين القطاعات التي تستهدفها.

وفي تقرير البنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" الصادر في يونيو 2022، تم التأكيد على أن النزاع المستمر منذ عقد قد دمر مكاسب التنمية في سوريا، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.

كما أن التضخم المرتفع أثر بشكل غير متناسب على الفقراء والفئات الضعيفة.

وبالإضافة إلى التأثيرات المباشرة للنزاع، يعاني الاقتصاد السوري من آثار جائحة كورونا، الأزمات الإقليمية، والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان المستثمرون الأجانب سيأتون إلى سوريا أم لا، كما يشير الباحث شعبو.

ويقول: "إذا لم ترفع العقوبات وبدأنا نرى حالة من الاستقرار سيكون دخول المستثمرين أمرا سابقا لأوانه".

ومع ذلك، يرى الباحث أن خطوة التحول نحو الخصخصة التي كشف عنها الشيباني بمثابة "فتح الباب على مصراعيه للمستثمر الداخلي والخارجي"، وهو الأمر الذي اتبعته الإمارات سابقا وتعمل عليه تركيا.