"تساؤلات لا إجابات لها حتى الآن"، عبارة أجمع عليها العديد من أفراد مجتمع "الميم عين" بسوريا، والذين تحدث معهم موقع "الحرة"، لمعرفة موقفهم من سقوط حكم الأسد ونظامه الذي أبقى على تجريم المثلية الجنسية بموجب قانون العقوبات.
ويجرّم قانون العقوبات السوري منذ العام 1949 "المجامعة على خلاف الطبيعة" بالسجن الذي يصل إلى ثلاث سنوات، وغالبًا ما تُستخدم المادة 520 مبهمة الصياغة لتوقيف أفراد من مجتمع الميم عين.
وداخل مقهى في أحد أحياء دمشق القديمة، يقول أحد أفراد ذلك المجتمع: "نتجمع هنا لنفرح، ونتعرف على بعضنا، لكن في الوقت نفسه، نعيش قلقًا دائمًا بشأن الأيام المقبلة، في دولة لم تتضح ملامح نظامها الجديد بعد".
ما مخاوف المثليين السوريين من الإدارة الجديدة؟
تتحدث "سين للعدالة الجنسية والجندرية"، وهي منظمة محلية غير حكومية تعمل على قضايا مجتمع الميم عين السوري، عن "تساؤلات عديدة حول ما قد يواجهه مجتمع الميم عين في الأيام المقبلة".
تقول: "نحاول نحن كمنظمات وأفراد فهم الممارسات التاريخية للفصائل المعارضة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام التي تُعتبر الفصيل الرئيسي ضمن الإدارة الجديدة".
وتضيف المنظمة أن المخاوف تشمل قضايا اجتماعية وسياسية، وأهمها القضايا الأمنية، "فهناك خشية من زيادة النزعات المحافظة أو حتى المتطرفة داخل المجتمع، ما قد يؤدي إلى تعاظم الانتهاكات الجسدية والإقصائية ضد هذا المجتمع".
وتوضح أن الإدارة الجديدة قد تفتقر إلى القوانين الشاملة التي تحمي حقوق الأفراد من الهويات الجنسية والجندرية المختلفة، مما يترك مجتمع "الميم عين" دون حماية قانونية.
وتتابع: "واحدة من أكبر المخاوف هي احتمال تبني الإدارة الجديدة عقوبات قاسية ومشددة، شبيهة بتلك التي شوهدت في إدلب وريف حلب الشمالي بين عامي 2013 و2015. حينها، تضمنت العقوبات إعدامات علنية مبررة بتفسيرات دينية زائفة".
وكانت منظمات حقوقية قد دعت السلطات السورية الجديدة الى إجراء تحقيق بعد ظهور وزير العدل شادي الويسي حاضرا أثناء إعدام امرأتين ميدانيا، في مقطعي فيديو جرى تداولهما عبر الانترنت، ويعود تاريخ نشرهما إلى العام 2015.
وفي هذا الصدد، أشارت المنظمة إلى تقارير سابقة من "حكومة الإنقاذ" في إدلب عام 2018 تؤكد حدوث اعتقالات وانتهاكات بحق مجتمع الميم عين.
والمخاوف المتعلقة بمصير مجتمع "الميم عين" في سوريا تمتد إلى تاريخ هذه الفصائل في فرض أحكام متشددة كالتي فرضت من قبل هيئة تحرير الشام أثناء سيطرتها على مناطق في إدلب، حيث فرضت قوانين صارمة ترتكز إلى تفسيرات دينية محافظة، وشهدت تلك الفترة تنفيذ عقوبات قاسية علنية ضد من اتُهموا بمخالفة هذه القوانين.
وبحسب من تحدث معهم موقع "الحرة"، فالقلق يرتكز على ما مارسه تنظيم داعش الذي عرف بعقوباته المتشددة، إذ أشارت تقارير حقوقية إلى أن التنظيم، الذي كان يسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق، مارس خلال فترة حكمه أشد العقوبات وحشية بحق المثليين، بما في ذلك الرجم حتى الموت.
وفي عام 2015، وثقت منظمات حقوقية حالات موثقة في مدينة الموصل بالعراق والرقة في سوريا، حيث تم رجم رجال بتهمة المثلية الجنسية بعد أن أُلقي بهم من أسطح المباني أمام جمع من الناس.
ما الذي قد يتغير بعد سقوط النظام؟
تشدد المنظمة الحقوقية على أن الانتقال من نظام قمعي قائم على الأمن والاستخبارات إلى نظام جديد، "غير واضح المعالم والنهج الأيديولوجي الديني التابع له"، يثير العديد من السيناريوهات المحتملة.
وتتابع: "هناك أيضًا خطر يتمثل في تهميش مجتمع الميم عين ضمن الحركات الناشئة للمجتمع المدني والنضالات من أجل حرية التعبير، مما يحرمهم من فرصة المشاركة في إعادة بناء البلاد".
هل اللاجئ مثلي الجنس قادر على العودة إلى سوريا؟
يقول الدرويش، وهو راقص وناشط حقوقي مقيم في ألمانيا: "مجتمعنا كان دائمًا مهمشًا وغير قادر على الوقوف على قدميه بنفسه. لكني ألاحظ الآن أن وضع الشعب السوري ما زال مضطربًا وغير معروف المصير".
ويضيف: "صحيح أن هناك فرحة تشمل الجميع بعد سقوط النظام، لكنني أخشى أن يعود الشعب السوري الجديد إلى العنصرية أو معاداة الآخرين."
ويؤكد: "هذه فرصة الشعب لتحديد وخلق الديمقراطية والمساواة. يجب أن يحمي الدستور الجديد حقوق الإنسان والحريات، ويزيل المادة 520 من قانون العقوبات التي تجرّم المثلية."
ويتابع: "عندما يصبح الوضع آمنًا لكل سوري وسورية، فأنني أتمنى أن أعود إلى بلدي لأشارك أهلي وناسي فرحتهم."
على صعيد يومي، ما الذي قد يختلف؟
يقول سامي، صحفي من محافظة اللاذقية: "أمورنا اليومية وتجمعاتنا لم تكن علنية في عهد بشار الأسد. لكنها في الوقت نفسه لم تكن وردية. كان هناك بعض التنمر، وفي المقابل كان هناك بعض القبول في بعض المجتمعات."
ويضيف: "أما الآن، فقد اختلف كل شيء. في اللاذقية اليوم، لا توجد سهرات عادية لنا إلا إذا تم تنظيمها بشكل خاص. فهي مدينة لا تزال غير مضبوطة أمنيًا".
ويتابع: "في السابق، كانت المخاوف لا تتعدى التنمر المجتمعي. أما اليوم، فالخوف الأكبر هو من الفوضى والعقوبات العشوائية التي قد تُفرض على أي شخص بناءً على تفسيرات دينية أو اجتماعية".
ما موقف الإدارة الجديدة؟
لم يصدر حتى الآن أي بيان رسمي من الإدارة الجديدة بشأن واقع مجتمع الميم عين في سوريا، ويشير أحد النشطاء: "حتى في عهد النظام القديم، لم يكن هناك أي اعتراف رسمي بهذا المجتمع."
ويضيف أن المادة 520 من قانون العقوبات، التي تعود لعام 1949، ما زالت تشكل خطرًا على حريات الأفراد.. "هذه المادة تجرّم العلاقات المثلية بسجن يصل إلى ثلاث سنوات، لكنها صيغت بطريقة مبهمة تُستخدم لاضطهاد مجتمع الميم."
هل يمكن لمجتمع الميم عين أن يجد مساحة في سوريا الجديدة؟
يقول الدرويش، الناشط الحقوقي: "أتمنى أن يكون هناك تغيير في الثقافة والمجتمع يسمح لمجتمع الميم عين بالمشاركة في بناء سوريا الجديدة، لكنه يختم حديثه قائلاً: "سنرى الإجابة في المستقبل القريب".