People visit the Bab Touma square in Damascus
أولوية السوريين هي التخفيف من الأعباء الاقتصادية التي عانوا منها في سنوات الحرب

"ربطة الخبز كانت بـ 400 ليرة، الآن بـ 4000 ليرة، وأسطوانة الغاز أصبحت بأكثر من 250 ألف ليرة"، يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، في حديث لموقع "الحرة".

وحذر عبد الرحمن من احتمال "وقوع احتجاجات" في مدن سورية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون.

وأضاف أنه لم يتم صرف الرواتب للعديد من الموظفين في القطاع العام أو العاملين في الأجهزة العسكرية، متخوفا من تعميق الأزمة الاقتصادية في سوريا، حيث يعاني أكثر من 90 في المئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي.

وتعادل قيمة الراتب الشهر للموظف حوالي 20 دولار، بينما يحتاج لأكثر من 150 دولارا لتغطية احتياجاته الغذائية، فيما يتخوف سوريون من "سياسات انتقامية" بحقهم بسبب آرائهم السياسية في الفترة التي سبقت الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من ديسمبر.

وتقول الأمم المتحدة إن 17 مليون سوري، بينهم 5.5 ملايين نازح داخل البلاد، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، في مقابل 15.3 مليونا احتاجوا لهذه المساعدات في العام 2023.

الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو لا يرى أي مؤشرات على احتمال قيام "ثورة جياع" في سوريا.

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن ارتفاع الأسعار الحالي جزئي وناتج عن زيادة في أسعار المحروقات.

لكن شعبو يؤكد أن هناك مشكلة فيما يتعلق بصرف الرواتب، والتي تسببت في شح السيولة بين أيدي المواطنين.

وأشار إلى أنه رغم وعود الإدارة الجديدة بزيادة 400 في المئة على الرواتب، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن.

وأكد شعبو أنه حتى من ينتقد عدم صرف الرواتب، يدركون أن الإدارة الحالية لم تسيطر على جميع الأمور بالكامل ووعدت بصرف رواتب المتقاعدين خلال الأسبوع المقبل، وبنهاية الشهر سيتم صرف الرواتب مع الزيادات التي أقرت.

الليرة السورية قد تكون بين خيارات التعويم والتعويم المنضبط. أرشيفية

وتأثرت الأوضاع الاقتصادية في سوريا بشكل كبير جراء الصدمات من خلال سنوات الحرب، والعقوبات الاقتصادية، وانهيار الليرة السورية، وانعدام الأمن الغذائي، وموجات النزوح داخل البلاد.

وبحسب النشرة السنوية لأسعار المستهلك الصادرة عن المركز السوري لبحوث السياسات، شهدت سوريا خلال 2023 تضخما جامحا إذ زادت الأسعار بأكثر من 400 في المئة مقارنة بالأسعار في 2022، والتي كانت مرتفعة بالأصل بـ 185 في المئة عما كانت عليه في 2021.

الإدارة السورية الجديدة.. العمل جار

تأخر الرواتب يتسبب في تفاقم أزمة السوريين. أرشيفية

وعدد شعبو حزمة من الإجراءات التي أقرتها الإدارة الجديدة والتي ستنعكس على الأسواق، مثل: انخفاض أسعار الغذائية، وتوفر شريحة أوسع من المواد الغذائية، وقف عمليات الابتزاز و"التشبيح" المالي، وخفض الرسوم الجمركية والضريبية.

ودعا إلى إعطاء الإدارة الجديدة فرصة حقيقية لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وقال "إن الموظف العادي يخضع لفترة تجريبية بثلاثة أشهر، فكيف نحكم على أداء حكومة انتقالية جديدة في أقل من شهر؟".

المصرف المركزي أمام مهمة صعبة لدعم استقرار العملة. أرشيفية

وحذر شعبو من الانسياق وراء عمليات التجييش خلال الفترة الحالية، مشيرا إلى أن الدولة الآن في مرحلة إعادة البناء، وبالتأكيد سيكون هناك أخطاء.

ودمر النزاع في سوريا اقتصاد البلاد وقد أوقع أكثر من 500 ألف قتيل وشرد الملايين منذ اندلاعه في العام 2011.

من جراء النزاع بات أكثر من 90 في المئة من السوريين "تحت خط الفقر"، وفق أرقام الأمم المتحدة، مع تراجع حاد في قيمة الليرة السورية.

وقال مدير المرصد السوري، عبدالرحمن إن متوسط دخل الموظف العام بحدود الـ 20 دولار، والمتقاعدين بحدود 10 دولارات، وما يزيد من المشاكل الاقتصادية للمواطنين، تأخير الرواتب للموظفين والمتقاعدين، وارتفاع أجور النقل والمواصلات والسكن.

وأشار إلى أن ما تفعله الإدارة الجديدة باتخاذ سياسات بتحرير الأسعار من دون وجود أدوات للرقابة، تسبب في زيادات هائلة، محذرا من مواجهة مشاكل اقتصادية واجتماعية عند تسريح العاملين في الجيش والأجهزة الأمنية.

ودعا إلى إجراء مصالحة سورية-سورية، وملاحقة من ارتكبوا جرائم بحق السوريين، ومحاكمتهم بشكل عادل، وليس من خلال محاكمات انتقامية، قد تدفع بإيجاد بيئة حاضنة لمتطرفين جدد عند بعض الفئات.

تحسّن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار (رويترز)

ولا تزال حالة من عدم اليقين تجاه تعافي الاقتصاد السوري والعملة الوطنية، والتي تحتاج إلى تحديد النظام الاقتصادي الذي سيتم اعتماده، وما سيتبعها من خطط لإعادة النمو والإنتاج، بما ينعكس على تحسين حياة الناس.

يذكر السوريون قبل الحرب أن 50 ليرة سورية فقط كانت تمكنهم من امتلاك دولار واحد. واليوم، يحتاج السوري من 13 ألف إلى 15 ألف ليرة ليملك نفس الدولار، وهذا يعني أن العملة المحلية فقدت 99 في المئة من قيمتها.

وقال خبراء صندوق النقد الدولي إن الحرب "أعادت البلاد عقودا إلى الوراء من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية"، وهو ما تسبب بفقدان نصف الناتج المحلي الإجمالي عما كان عليه قبل بدء الحرب.

وطالبت الإدارة السورية الجديدة برفع العقوبات الدولية لإنعاش الاقتصاد وإعادة إعمار البلاد بعد سنوات من الحرب وتشجيع ملايين اللاجئين السوريين على العودة.

لكن مسؤولين أميركيين وأوروبيين قالوا إنهم سيضطرون إلى الانتظار لرؤية نوعية الإدارة التي سيعينها الحكام الإسلاميون الجدد في البلاد.

حاكمة مصرف سوريا المركزي ميساء صابرين - رويترز
حاكمة مصرف سوريا المركزي ميساء صابرين - رويترز

قالت حاكمة مصرف سوريا، ميساء صابرين، إن هناك ما يكفي من أموال لتغطية دفع رواتب موظفي القطاع العام، في أعقاب الزيادة التي تعهدت بها الإدارة الجديدة، التي تصل إلى 400 بالمئة.

كما ذكرت صابرين، في مقابلة مع وكالة رويترز، أنها ترغب في تعزيز استقلالية المصرف (البنك المركزي) فيما يتعلق بسياساته النقدية، في تحوّل كبير، حال حدوثه، عن الرقابة المشددة من الحكومة خلال حكم نظام الأسد.

ومن المقرر أن تساعد قطر في تمويل زيادة أجور القطاع العام في سوريا، في خطوة باتت ممكنة بعد القرار الأميركي بشأن الإعفاء من العقوبات، الذي يسمح بمعاملات مالية مع المؤسسات الحاكمة في سوريا.

وحول هذا الأمر، قالت صابرين: "القطاع المصرفي لا يستفيد من الإعفاء من العقوبات الأميركية، لكن السماح بالتحويلات الشخصية كان خطوة إيجابية"، وأعربت عن أملها في رفع العقوبات بالكامل "حتى يتمكن القطاع المصرفي من الارتباط بالنظام المالي العالمي".

وكانت صابرين تشغل ثاني أهم منصب في مصرف سوريا المركزي، وهو القائم بأعمال الحاكم، خلفا لمحمد عصام هزيمة في أواخر العام الماضي.

وواصلت حديثها لرويترز، قائلة: "المصرف يعمل على إعداد مشاريع تعديل قانون المصرف بما يعزز استقلاليته، ويشمل ذلك السماح له بمزيد من الحرية في اتخاذ القرارات بشأن السياسة النقدية".

وتحتاج هذه التغييرات إلى موافقة السلطة الحاكمة الجديدة في سوريا.

وتابعت: "البنك المركزي يبحث عن سبل لتوسيع الخدمات المصرفية الإسلامية، نظرا لوجود شريحة من السوريين يتجنبون استخدام الخدمات المصرفية التقليدية".

وأضافت لرويترز من مكتبها في وسط دمشق: "قد يشمل ذلك منح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية، خيار فتح فروع مصرفية إسلامية".

ويعاني الاقتصاد السوري من مشاكل هيكلية بعد أكثر من 13 سنة على الحرب التي دفعت بأكثر من 90 في المئة من سكان البلاد إلى تحت خط الفقر، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وأشار تقرير للبنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" صدر في يونيو 2022، إلى أن النزاع في سوريا دمّر مكاسب التنمية، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.