ميدان البطيخة الشهير في دمشق بعد تلوينه بألوان علم الثورة السورية (فرانس برس)
ميدان البطيخة الشهير في دمشق بعد تلوينه بألوان علم الثورة السورية (فرانس برس)

في وقت تُطرح فيه رؤى لإعادة بناء سوريا، تطرح مخاوف الأقليات من إهدار حقوقها بالتمثيل العادل، التساؤلات في إمكانية اعتماد البلاد لمبدأ المحاصصة الطائفية، على الرغم من تمسك أحمد الشرع المعروف سابقا بـ"الجولاني"، قائد الإدارة السورية الجديدة التي تولت الحكم بعد سقوط النظام، برفض اعتماد هذا المفهوم.

وكان الشرع، قد أكد، خلال لقائه وفدًا من محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في منتصف الشهر الماضي، رفضه القاطع لمفهوم المحاصصة الطائفية، مشددًا على أن الهدف الرئيسي هو إدارة البلاد وفق أسس مؤسساتية وقانونية تضمن وحدة الدولة وتجنب أي ممارسات قد تؤدي إلى العزل أو الانفصال.

وأضاف الشرع أن الإدارة الحالية تسعى لتحقيق الأفضل للشعب السوري عبر إدارة متوازنة لا تقوم على التمييز بين الطوائف أو المكونات، قائلاً: "ما يهمنا هو إدارة الدولة بعيدًا عن المحاصصة، مع التزامنا بمبادئ العدالة والشفافية لتحقيق مصالح جميع السوريين".

تصريحات الإعلامي عقيل حسين، لموقع "الحرة" تدعم هذا الرأي، إذ قال إن المحاصصة الطائفية والعرقية لها آثار سلبية واضحة، مستشهداً بتجارب لبنان والعراق. 

لكنه أضاف: "نحتاج إلى تقاسم عادل للتمثيل في المؤتمر الوطني للحوار وفي اللجان التأسيسية للدستور، لكن يجب ألا يكون ذلك أساسًا للنظام الدائم، بل وسيلة لضمان العدالة في المرحلة الانتقالية فقط.

وأبرز النماذج التي تُستخدم للتحذير من المحاصصة تأتي من لبنان والعراق، ففي لبنان، أدى النظام الطائفي إلى شلل سياسي متكرر، كما هو الحال في صعوبة انتخاب رئيس للجمهورية وحدوث فراغ رئاسي لمدد طويلة، وفقًا للكاتب والباحث السياسي السوري، حافظ قرقوط.

كما رأى قرطوط في حديثه إلى موقع "الحرة" أن "المحاصصة في العراق أدت إلى تقاسم المناصب على حساب الكفاءة، مما عزز الفساد وأضعف مؤسسات الدولة لصالح نفوذ أجنبي لاسيما النفوذ الإيراني".

"زيادة الفجوة"

من جهتها، أكدت الإعلامية والكاتبة الكردية السورية، أفين يوسف، في حديثها إلى موقع "الحرة" أن الحل يكمن في نظام لا مركزي يضمن التعددية ويحفظ حقوق جميع المكونات القومية والثقافية والدينية. 

يوسف أشارت إلى أن النظام الأسدي السابق زرع الخوف والانقسامات بين المكونات المختلفة، مما جعل الحوار الوطني الشامل ضروريًا لبناء سوريا جديدة. 

وأضافت: "لا يمكن للاتفاق على أساس المحاصصة القومية أو الطائفية أن يكون حلاً مستدامًا، بل سيزيد من الفجوة بين السوريين".

وأكدت يوسف أن الأكراد عانوا طويلاً من التهميش والانتهاكات، وأنهم بحاجة إلى تمثيل سياسي عادل في البرلمان وإدارة الدولة، مع ضمان حقوقهم القومية والثقافية والدينية في الدستور القادم.

"مسؤولون متملقون"

الكاتب السوري، حافظ قرقوط، عارض بشدة فكرة المحاصصة الطائفية والعرقية، معتبراً أنها طريق لفشل الدولة وتقسيمها.

واعتبر في كلامه لموقع "الحرة" أن النظام الطائفي يؤدي إلى إيجاد "مسؤولين متملقين يتمسكون بمناصبهم أطول فترة ممكنة"، بالإضافة إلى ظهور قيادات طائفية محلية تتنافس على السلطة والنفوذ بدلاً من بناء مؤسسات قوية تخدم جميع المواطنين.

قرقوط استشهد بالنموذج الأميركي كنموذج يُحتذى به، حيث يتم التركيز على الكفاءة والمساواة في الفرص بغض النظر عن الانتماءات العرقية أو الطائفية. 

وأكد أن بناء دولة المواطنة يضمن المساواة بين المواطنين ويعزز الوحدة الوطنية.

امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز
امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز

أعلن البنك الدولي، الجمعة، أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

وأعلنت السعودية وقطر في أبريل أنهما ستتسددان متأخرات سوريا لدى المؤسسة المالية الدولية مما يجعلها مؤهلة للحصول على برامج منح جديدة، وفق سياسات البنك التشغيلية.

وأعلن البنك الدولي أنه حتى 12 مايو، لم يكن لدى سوريا أي أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لمساعدة أشد البلدان فقرا.

وقال البنك في بيان "يسرنا أن سداد ديون سوريا سيسمح لمجموعة البنك الدولي بإعادة التواصل مع البلاد وتلبية الاحتياجات التنموية للشعب السوري".

وأضاف "بعد سنوات من الصراع، تسير سوريا على طريق التعافي والتنمية".

وأوضح البنك الدولي أنه سيعمل مع دول أخرى للمساعدة في حشد التمويل العام والخاص لبرامج تمكن الشعب السوري من بناء حياة أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة.

وذكر أن مشروعه الأول مع سوريا سيركز على توفير الكهرباء، ما سيدعم تحقيق تقدم اقتصادي ويساعد في توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم إلى المياه وسبل العيش.

وقال البنك الدولي "المشروع المقترح هو الخطوة الأولى في خطة موضوعة لزيادة دعم مجموعة البنك الدولي والذي يستهدف تلبية الاحتياجات الملحة لسوريا والاستثمار في التنمية طويلة الأجل".

البنية التحتية المالية

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الخميس إن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إصدار إعفاءات من "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرضت واشنطن من خلاله عقوبات صارمة على حكومة الرئيس السابق بشار الأسد وعقوبات ثانوية على شركات أو حكومات خارجية التي كانت تجمعها معاملات معها.

ويمهد رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

واستضاف صندوق النقد والبنك الدوليان والسعودية اجتماعا رفيع المستوى مع مسؤولين سوريين في واشنطن في أبريل. وأصدروا بعد ذلك بيانا مشتركا أقروا فيه بالتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد السوري وعبروا عن التزامهم بدعم جهود التعافي في البلاد.

وعين صندوق النقد الدولي أول رئيس لبعثته إلى سوريا منذ 14 عاما، وهو رون فان رودن، وهو مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي سبق أن ترأس جهود الصندوق في أوكرانيا.

وأصدر صندوق النقد الدولي آخر تقرير مراجعة معمق للاقتصاد السوري في عام 2009.

وقال مارتن موليسن زميل المجلس الأطلسي والرئيس السابق لإدارة الاستراتيجية في صندوق النقد الدولي، إن المهمة العاجلة الأولى للصندوق تتمثل في تقديم المساعدة الفنية للسلطات السورية لمساعدتها على إعادة بناء البنية التحتية المالية للبلاد وهيئات صنع السياسات وجمع البيانات اللازمة.

وأضاف موليسن أن هذه الجهود يمكن تمويلها من المانحين والمنح العينية ويمكن إطلاقها في غضون أشهر، بينما يمكن للبنك الدولي المساعدة على مستوى إقليمي أوسع لضمان الحوكمة الرشيدة وفعالية الوزارات.

وقال جوناثان شانزر وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة ويرأس حاليا مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن المسؤولين السوريين أبلغوه بأن الاحتياجات ضخمة، لكنه حث الولايات المتحدة رغم ذلك على تخفيف العقوبات تدريجيا بحذر.

وأوضح "لم يتمكنوا حتى من الحصول على تراخيص مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لم يكن بإمكانهم تنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم".

وذكر مصدر جمهوري أن إعادة بناء قدرة سوريا على الوصول إلى التكنولوجيا سيكون ضروريا لإعادتها إلى نظام سويفت لمعالجة المعاملات المصرفية، لكن العملية قد تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات.