في أحد زوايا مدينة طرابلس الليبية، يقف زيد محمد، وهو ثلاثيني سوري من ريف دمشق، يروي قصته بينما يحاول التمسك بالأمل وسط ظروف معيشية قاسية.
زيد، الذي كان يأمل أن تكون طرابلس مجرد محطة عبور نحو أوروبا، وجد نفسه عالقًا مع آلاف السوريين الآخرين في مشهد يعكس حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها مع كثير من أمثاله باتوا عالقين في ظروف صعبة، كما يروي لموقع "الحرة".
من حلم الهجرة إلى أمل العودة
غادر زيد محمد وطنه سوريا قبل ثلاثة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وذلك، بعد أن باع منزله في ضواحي دمشق واستدان مبلغًا كبيرًا على أمل تأمين حياة أفضل لعائلته.
وصل إلى بنغازي بليبيا عبر رحلة جوية مباشرة، ليبدأ مشواره نحو طرابلس، حيث كان يُخطط للانطلاق عبر البحر إلى السواحل الإيطالية، وليكمل من هناك رحلته إلى وجهته المأمولة في ألمانيا.
لكن الأقدار لم تكن في صالحه، إذ تعرض للسرقة والاحتيال من قبل عصابات تهريب البشر، مما كلفه "تحويشة عمري الشقي"، والتي تربو عن 7,000 دولار،
زاد الطين بلة عندما أجبرته الظروف على البقاء في طرابلس، حيث بدأت السلطات تفرض عليه "ضرائب المخالفين".
يقول زيد: "كل ما أريده هو ورقة تأشيرة خروج من ليبيا لأعود إلى بلادي. لكن أي شخص يطلب هذا المستند يواجه تعقيدات وبيروقراطية، ويُحجز جواز سفره دون توضيح متى أو كيف سيحصل عليه مرة أخرى."
"خطف وتعذيب"
جاسم، شاب آخر من مدينة الصنمين في محافظة درعا الجنوبية، يحكي تجربة أشد إيلامًا، فقد وصل إلى ليبيا قبل خمسة أشهر من سقوط النظام السوري، إلا أنه تعرض للخطف من قبل إحدى العصابات، التي طلبت فدية قدرها 3,000 دولار للإفراج عنه.
"تمكنت عائلتي بالكاد من جمع المبلغ، لكني تعرضت لتعذيب شديد قبل إطلاق سراحي. الآن، أريد العودة إلى سوريا، خاصة بعد سقوط النظام، لكن لا أعرف كيف أبدأ الإجراءات"، يضيف الشاب.
جاسم في حديثه إلى موقع "الحرة" يقول إنه لم يكن يحلم بالهجرة لأسباب اقتصادية فقط، بل كان يسعى للفرار من الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الأسد، حيث فقد أقاربه في معارك طاحنة مع المعارضة.
نداءات واستغاثات
في مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت مجموعة من الشبان السوريين في طرابلس يرفعون علم الثورة السورية والعلم الليبي، يناشدون الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع والحكومة الليبية لتقديم المساعدة.
قال أحدهم في البيان: "نشكر الشعب الليبي على حسن معاملتهم، لكننا نعاني أوضاعًا مأساوية هنا. نطلب من الحكومة السورية الجديدة تسهيل عودتنا من خلال فتح السفارة في طرابلس."
يشير المتحدث إلى أن حوالي 4,000 سوري، بينهم عائلات وأطفال، يعيشون أوضاعًا متدهورة في طرابلس، مع عدم قدرتهم على دفع الضرائب أو تكاليف الحياة اليومية، بما فيها الإقامة في فنادق متواضعة تفتقر إلى النظافة.
وتشكل ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا، لكن السلطات الليبية كثفت في الأشهر الأخيرة من حملاتها لمكافحة تهريب البشر، ما زاد من صعوبة الأوضاع.
ووفقًا لإحصائية من منظمة الهجرة الدولية، تم اعتراض 8,754 مهاجرًا قبالة السواحل الليبية منذ بداية عام 2024، بينهم 7,771 من النساء والأطفال.
وتقول بعض التقارير الحقوقية إن السلطات الليبية تحتجز المهاجرين غير الشرعيين في مراكز تفتقر إلى أدنى مقومات الإنسانية. كما أن اتفاقيات بين الحكومة الليبية ونظيرتها الإيطالية تهدف إلى منع تدفق المهاجرين، مما يجعل إمكانية الهجرة أو حتى العودة إلى الوطن أمرًا أكثر تعقيدًا.
وعلى الرغم من معاناتهم اليومية، يؤكد زيد أن السلطات الليبية لم تمارس ابتزازًا مباشرًا تجاه المهاجرين، لكنه يشير إلى أن البيروقراطية والغموض في الإجراءات تجعل الوضع أكثر صعوبة.
يقول: "لو استطعت العودة إلى بنغازي، ربما تكون الأمور أسهل، لكن لا أحد يوجهني أو يشرح لي كيف أبدأ الخطوات اللازمة للمغادرة."
وتظل طرابلس بالنسبة لهؤلاء السوريين أكثر من مجرد مدينة عبور، فقد تحولت إلى سجن كبير يضم قصصًا لا تنتهي من المعاناة والخسارة.
وعلى الرغم من سقوط النظام السوري الذي كانوا يهربون منه، يواجهون الآن عوائق جديدة تمنعهم من العودة إلى الوطن الذي يحنون إليه، بعد أن انتهى حلمهم بالوصول إلى أوروبا.