زيارة ميقاتي لدمشق هي الأولى لرئيس حكومة لبناني منذ 15 عاما (AFP)
زيارة ميقاتي لدمشق هي الأولى لرئيس حكومة لبناني منذ 15 عاما (AFP)

لطالما كانت العلاقات بين سوريا ولبنان معقدة، مليئة بالتحالفات تارة والتوترات في أحيان كثيرة، لكنها دخلت اليوم مرحلة جديدة بعد وصول رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي لدمشق ولقائه قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع.

الزيارة هي الأولى التي يجريها رئيس حكومة إلى سوريا منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد والأولى لرئيس حكومة لبناني إلى البلاد منذ 15 عاما.

بعد الاجتماع مع الشرع أكد ميقاتي أن البلدين اتفقا على التعاون في تأمين الحدود البرية ومتابعة ترسيم الحدود البرية والبحرية.

وقال ميقاتي إن "ما يجمع بلدينا من روابط تاريخية وحسن جوار وعلاقات وطيدة ندية بين الشعبين هو الأساس الذي يحكم طبيعة التعاون المطلوب من البلدين على الصعد كافة".

وأضاف "من واجبنا أن نفعّل هذه العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والندية والسيادة الوطنية"، مضيفا أن "سوريا هي البوابة الطبيعية للبنان إلى العالم العربي، وطالما هي بخير، فإن لبنان بخير".

واعتبر ميقاتي أن عودة اللاجئين إلى سوريا باتت أمرا "ملحا لمصلحة البلدين"، مشيرا ألى أنه لمس من الشرع "استعدادا لمعالجة الملف بشكل حاسم وترحيبه بعودة كل مواطن سوري إلى وطنه".

وعلى "سلم الأولويات"، وفق ما قال ميقاتي، "ترسيم الحدود البرية والبحرية" بين البلدين، مشيرا إلى توجه لتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الملف في وقت لاحق، بموازاة الاتفاق على المباشرة بـ"ضبط كامل للحدود وخاصة النقاط الحدودية غير الشرعية لضبط التهريب".

كما اعتبر الشرع الحدود على رأس أولوياته.

وقال الشرع من جهته إن "هناك الكثير من الأمور العالقة" التي "تحتاج إلى وقت كاف حتى ندخل في علاجها" بينها ترسيم الحدود، في حين أن أولوية إدارته في الوقت الراهن منصبة على الوضع الداخلي وفرض الأمن.

وأعرب الشرع خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ميقاتي إثر اجتماع موسع، عن تطلع بلاده إلى بناء علاقات "استراتيجية طويلة الأمد" على وقع "مصالح مشتركة كبيرة جدا" بين البلدين، معتبرا أن انتخاب جوزاف عون رئيسا سيخلق "حالة مستقرة في لبنان".

ودعا إلى نسيان "ذهنية العلاقة السابقة" بين البلدين وأن "نعطي فرصة للشعبين السوري واللبناني لأن يبنيا علاقة إيجابية في المراحل المقبلة، مبنية على احترام وسيادة" الدولتين، مؤكدا أن بلاده "ستقف على مسافة واحدة من الجميع هناك وسنحاول ان نعالج كل المشاكل من خلال التشاور والحوار".

وعُرفت العلاقة بين لبنان وسوريا بأنها علاقة شائكة ومعقدة، حيث تجمع بينهما الجغرافيا والتاريخ والتداخل الثقافي، ولكنها أيضا مليئة بالصراعات السياسية والأزمات.

يتشارك البلدان حدودا بطول 330 كيلومترا غير مرسمة في أجزاء كبيرة منها.

جعل هذا الأمر الحدود منطقة سهلة للاختراق من قبل المهربين أو الصيادين وحتى اللاجئين.

وطوال عقود من الزمن، سيطر النظام السوري على لبنان بشكل غير مباشر، خاصة بعد دخول القوات السورية إلى البلاد في عام 1976 خلال الحرب الأهلية.

قاد ذلك إلى هيمنة سورية على السياسة اللبنانية بشكل كبير، خصوصا في ما يتعلق بالقرارات الأمنية والعسكرية.

استمر الوجود العسكري السوري في لبنان حتى عام 2005 رغم اعتراضات واسعة النطاق من قطاع كبير من اللبنانيين.

ويعتقد بول مرقص عميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ أن زيارة ميقاتي لسوريا ستشكل "باكورة لعلاقات جديدة تؤسس لمرحلة قائمة على الاحترام المتبادل والسيادة المتكافئة".

يقول مرقص لموقع "الحرة" إن هناك الكثير من التحديات التي تواجه العلاقات بين لبنان وسوريا وعلى رأسها ملف الاتفاقات الثنائية التي أبرمت تحت "الوصاية السورية".

بالإضافة لذلك هناك ملف الحدود اللبنانية السورية المنفلتة وملف المخفيين اللبنانيين قسرا في سوريا، وفقا لمرقص.

ومع ذلك، فإن هذا التحول في العلاقات لن يكون سهلا.

في الوقت الحالي يمكن القول إن السلطة في كلا البلدين ناشئة.

في سوريا لم يمض على تسلم الإدارة الجديدة سوى شهر واحد، وجاءت على أنقاض حرب أهلية أنهكت البلاد لنحو 13 عاما.

أما في لبنان فالأوضاع غير مستقرة كذلك.

تنفس البلد الصعداء بعد انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزاف عون رئيسا للجمهورية، الأربعاء، بعد شغور في المنصب استمر أكثر من سنتين.

ساهم الانسداد السياسي في لبنان في تعميق أزمات أمنية واقتصادية وسياسية.

يقول رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة لموقع "الحرة" إن سوريا مقبلة على مرحلة انتقالية ولبنان أيضا يمكن القول إنه يمر بمرحلة انتقالية.

ويضيف: "في البداية يجب ترسيخ الأمن والاستقرار في البلدين ثم بعدها البدء ببحث القضايا الخلافية".

مخيم الهول من أكثر الملفات الشائكة - AFP
مخيم الهول من أكثر الملفات الشائكة

تقف سعدية، اللاجئة العراقية المنحدرة من مناطق غرب الموصل، أمام مكتب شؤون اللاجئين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، للمطالبة بإدراج عائلتها ضمن الراغبين في العودة إلى بلدها.

تسعى سعدية للخلاص من رحلة اللجوء الشاقة التي فرضتها ظروف الحرب على تنظيم داعش، بعد أن سيطر التنظيم المتشدد على مناطق واسعة في العراق عام 2014.

وتتحدث سعدية لموقع "الحرة" عن معاناتها، قائلة: "منذ سنوات نواجه ظروفًا معيشية صعبة ونعتمد على الدعم الإنساني والخدمات المقدمة من المنظمات الإنسانية والمحلية".

وتضيف أن هذه المساعدات "لا تسد حاجتنا، أنا وزوجي المريض وأبنائي". كما تكشف أنه منذ سقوط نظام الأسد، عمدت إلى مراجعة مكتب شؤون اللاجئين لمساعدتها في العودة إلى العراق.

فهي لا ترغب في أن "يقضي أبناؤها حياتهم كلاجئين يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة".

استجابت السلطات العراقية لطلبات العودة الطوعية، التي أطلقها لاجئون عراقيون يقطنون في مخيمات أو في مدن سورية عدة.

وكشف مدير عام دائرة شؤون الهجرة العراقية، صفاء حسين، في تصريح لموقع "الحرة" أن "أعداد العراقيين في سوريا تبلغ أكثر من 30 ألف شخص".

وأوضح أن هذه الأرقام تستند إلى تقارير وزارة الخارجية العراقية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وعن طلبات اللاجئين بالعودة إلى بلدهم، أفاد مدير عام شؤون الهجرة بأنهم في طور التنسيق مع السفارة العراقية في دمشق ومع الجانب السوري لتنظيم رحلات للعودة الطوعية بعد فتح المنافذ الحدودية أو تنظيم رحلات جوية إلى العراق.

وكانت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية قد أعادت 222 مواطنًا عراقيًا من سوريا يومي 23 و26 ديسمبر الماضي من تل أبيض، ورأس العين، وإدلب، وإعزاز.

عاد هؤلاء عبر الأراضي التركية من خلال منفذ إبراهيم الخليل الحدودي، لتعذر إعادتهم عبر المنافذ الحدودية بين العراق وسوريا المغلقة منذ بدء الأزمة السورية ومعركة إسقاط النظام، التي انتهت في 8 ديسمبر الماضي بفرار بشار الأسد.

ويؤكد حسين أن إعادة اللاجئين من سوريا تتم حاليًا بالتنسيق بين مكتب وزارة الهجرة العراقية في أنقرة والقنصلية العراقية في غازي عنتاب، والجهات الأمنية في العراق، ودائرة الهجرة التركية.

وأوضح أن الخطوة التالية تتمثل في حشد الراغبين بالعودة من مخيم "أكدة" على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، ودخولهم الأراضي العراقية من منفذ إبراهيم الخليل الحدودي عبر الأراضي التركية، ومن ثم إيصالهم إلى محافظاتهم في العراق.

بعد اجتياح تنظيم داعش للعراق عام 2014، اضطر الآلاف من سكان المناطق التي احتلها التنظيم إلى النزوح نحو سوريا. وأعقبتها موجة نزوح أخرى في أكتوبر 2016 بعد إعلان السلطات العراقية عملية عسكرية واسعة لطرد التنظيم من الموصل.

وكشف المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية، علي عباس، لموقع "الحرة" عن مسار إعادة اللاجئين إلى العراق.

وقال: "في السنوات الخمس الماضية، استطعنا إعادة نحو 8 آلاف مواطن عراقي ضمن برنامج حكومي تتكفل السلطات الحكومية بنقلهم بشكل مجاني".

يُشار إلى أن رحلة الهجرة العراقية لم تقتصر على "مرحلة داعش"، بل بدأت منذ عقود وتسارعت بعد الحصار الذي فرض على العراق نتيجة اجتياحه الكويت، وحرب 2003 التي أسقطت نظام صدام حسين، وتلتها نزاعات أهلية وعنف طائفي.

وكشف رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، شيخموس أحمد، لموقع "الحرة"، عن أعداد اللاجئين العراقيين في سوريا.

وقال: "هناك 15 ألف عراقي لا يزالون في مخيمات مناطق الشريط الحدودي، يتلقون المساعدات من مفوضية شؤون اللاجئين ومنظمات أخرى، ويرغب أكثرهم في العودة إلى بلدهم. كما أن مخيم الهول وحده يضم نحو 17 ألف عراقي".

ومخيم الهول من أكثر الملفات الشائكة، فهو يضم أكثر من 43 ألف سوري وعراقي وأجنبي من 45 دولة على الأقل، بينها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا وتونس ومصر، معظمهم من أفراد عائلات عناصر في تنظيم داعش.

ولا تزال عودة أقارب المتشددين من سوريا تثير، وفق فرانس برس، جدلا بين السكان في العراق الذي خاض حربا لثلاثة أعوام انتهت أواخر 2017 بطرد التنظيم بعد سيطرته على حوالى ثلث مساحة البلاد لحوالى ثلاث سنوات.