هل يمكن لـ"جيش سوريا الجديد" أن يكون مبنيا على كتل؟ ولماذا تتمسك أطراف عسكرية بعينها دون أخرى بهذا المطلب؟.. هذان السؤالان أثارتهما مواقف وتصريحات فصائل سورية لتكشفت عن "معضلة" جديدة تواجهها الإدارة السورية الجديدة.
ترددت آخر هذه المواقف على لسان قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، حين أشار، في مقابلة على قناة "الشرق" الأربعاء، إلى معادلة مفادها: "نحن منفتحون على الربط بوزارة الدفاع السورية، لكن ككتلة عسكرية وليس على شكل أفراد".
قبل عبدي، اتخذت فصائل "غرفة عمليات جنوب سوريا" الموقف نفسه أيضا.
وفي حين أعلنت الفصائل أنها ترحب بالخطوات المتعلقة بتشكيل "الجيش السوري الجديد"، لم تبد أي مرونة على صعيد الاندماج كأفراد، مشددة على نوايا البقاء "ككتل".

ويوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، محسن المصطفى، أن "إعادة هيكلة وزارة الدفاع والجيش تشكل تحديا كبيرا أمام الإدارة السورية الجديدة".
ويقول لموقع "الحرة" إنه على رأس هذه التحديات تأتي عملية دمج الفصائل العسكرية داخل الجيش بعد حلها.
ولا يزال ملف "قسد" غير محسوم حتى الآن، خصوصا أن المفاوضات بين الطرفين مستمرة.
ويرى المصطفى أن الرؤية التي قدمها قائدها مظلوم عبدي تشبه إلى حد ما حالة قوات البيشمركة في كردستان العراق، ويقول: "يعود هذا المطلب لأسباب إثنية في المقام الأول".
أما على صعيد فصائل الجنوب، فتقف وراء حالة تمسكها بخيار "البقاء ككتل" أسباب تتعلق "بدوافع مناطقية خاصة بها"، وفقا لحديث الباحث.
ولا يعتقد أن "اعتماد هذا النموذج القائم على كتل صلبة داخل المؤسسة العسكرية سيجعلها أكثر كفاءة، بل قد يؤدي إلى تعزيز الولاء للفصيل على حساب الولاء للمؤسسة العسكرية ككل".
ماذا تريد "قسد"؟
تتكون "قسد"، التي تحظى بدعم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، من 100 ألف عنصر، بحسب تصريحات قدمها عبدي لصحيفة التايمز البريطانية، في ديسمبر 2024.
وتسيطر هذه القوات منذ سنوات على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا.
كما تقود في المقابل مهمة محاربة "داعش"، لكنها تمثل في الوقت ذاته مصدر تهديد بالنسبة لتركيا الجارة الشمالية لسوريا، وفق ما تقول أنقرة.
حتى الآن لم تعرف طبيعة ونتائج المفاوضات التي تجري بين هذه القوات التي يغلب عليها المكون الكردي مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق.

وبالنظر إلى ما قاله عبدي قبل أيام على صعيد "الاندماج"، فإن موقفه يناقض الرؤية التي يضعها قائد الإدارة في دمشق، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، إذ يصر على ضرورة الاندماج الكامل على مستوى الأفراد.
ويعتبر القيادي السابق في "مجلس سوريا الديمقراطية" (الجناح السياسي لقسد)، رياض درار، أن "قسد ليست كأي كتلة من الفصائل المعروفة في سوريا".
ويقول لموقع "الحرة": "تلك الفصائل منقسمة.. ومهما جرت محاولات لتوحيدها فإنها ستبقى بجذور غير منسجمة مع الجسم الرئيسي مستقبلا".
ويضيف درار أن "مشاركة كل قوة وفرد في الجيش الجديد يجب أن تكون على أساس وطني وتعتمد التنوع لكل أفراده وليس كجسم واحد بشكل واحد".
"قد يكون الجسم الجديد إسلامي سني كما رأينا ذلك في الدعوات الخاصة بالانتساب. هذا الكلام ليس مشروع وطني سوري يشمل جميع السوريين المتنوعين والمتعددين في أهدافهم وانتماءاتهم"، على حد تعبير القيادي السابق في "مسد".
في المقابل، "لا يمكن أن يبنى جيش بناء على كتل. ويشمل هذا المستوى التنظيمي ومستويات أخرى"، بحسب المحلل العسكري السوري، العقيد إسماعيل أيوب.
ويقول أيوب لموقع "الحرة": "(المواقف المتعلقة بالكتل) ترتبط بالحالة الفصائلية والخوف من المستقبل وأن لا يحصل القادة على مناصب مستقبلية، سواء في قسد أو جنوب البلاد".
وقد يكون لـ"قسد" مخاوف من عدم قدرتها على الحصول على مواقع حساسة في الجيش المستقبلي، وفق المحلل العسكري.
ويؤكد: "قد تجوز المحاصصة في الدستور.. لكن في الجيش هذا الأمر مستحيل".
"انقسامات داخلية"
ما تزال الخطوات التي تتخذها الإدارة الجديدة في دمشق قائمة على صعيد بناء "الجيش السوري الجديد".
لكن حتى الآن لا تلوح في الأفق أي خطة معلنة بخصوص آليات الاندماج وخيارات التعاطي مع شرط "البقاء ككتل".
وفي حال بني الجيش ككتل ستبرز مشاكل تقنية تتعلق بتخصيص الموارد.
وهناك مشاكل أخرى تتعلق بتوزيع المهام القتالية وصياغة العقيدة العسكرية وغيرها من القضايا التي ستعقد جهود إعادة البناء، بحسب الباحث المصطفى.
وتُظهر بعض التجارب أن الجيوش التي تحتوي على تكتلات داخلية قائمة على الانتماءات الإثنية أو المناطقية غالبا ما تعاني من انقسامات داخلية تعيق فعاليتها.
ومن ناحية أخرى، يضيف المصطفى أن مطالب الانضمام ككتل صلبة يبدو أنها لا تتوافق مع رؤية الإدارة الجديدة، التي تتجه نحو بناء جيش محترف قائم على مبدأ المواطنة.
ويعتبر درار أن "وزارة الدفاع التي تتشكل الآن هي مشروع هيئة تحرير الشام، التي انتقلت لتسيطر على كل سوريا وترسم سياسات قد تكون مغايرة للسوريين ولا تعتمد المشروع الوطني".
ويضيف: "انتماء قسد للجسم الدفاعي في هيكلة وزارة الدفاع يجب أن تكون خطوة مدروسة لغاية الدفاع عن الوطن".
كما زاد بالقول: "اندماج قسد كأفراد كان هدف جيش النظام السوري سابقا. الآن الغاية نفسها لم تتغير".
وتهيمن "وحدات حماية الشعب" منذ سنوات على الهيكل العسكري لـ"قسد".
وتتهم أنقرة هذه الوحدات بالارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني"، وإيواء عناصر وكوادر فيه داخل سوريا.
ويعتبر العقيد السوري، فايز الأسمر، أن "قسد" ومنذ تأسيسها "كانت تنفذ مشاريع خاصة، ولم تشارك في الثورة ولم تحارب نظام الأسد".
كانت "قسد"، وبدعم من التحالف الدولي، رأس حربة في معارك القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق سورية عدة.
ويقول الأسمر لموقع "الحرة": "خيار الإدارة الجديدة هو وحيد لا ثاني له.. وهو فرض إرادتها على كامل الأراضي السورية".
ويتم اللجوء للدبلوماسية والمفاوضات الآن لتحقيق الخيار المذكور، بحسب الأسمر.
ويضيف أنه وفي حال فشل ذلك "سيتم الضرب بيد من حديد للجهة التي ستكون معطلة لسياسات وأمن الدولة".
هل من حلول؟
ويوضح المصطفى أن التباين الحاصل قد يخلق تحديا كبيرا في حل هذه الإشكالية.
وربما يؤدي إلى صراع عسكري مستقبلا، وإن كان ذلك غير وارد في المدى القريب، بحسب قوله.
وقد يجبر المؤتمر الوطني جميع الفصائل العسكرية على حل نفسها والاندماج ضمن وزارة الدفاع بقوة الشرعية التي سيكتسبها.
ويضيف الباحث أيضا أن أدوات الضغط قد تشمل أيضا ضمانات سياسية لهذه الفصائل أو تقديم امتيازات مؤقتة لتسهيل الاندماج.
ومع ذلك، "يبقى الخيار العسكري واردا في حال رفض هذه الفصائل الامتثال"، يتابع المصطفى في حديثه لـ"الحرة".
وبالطريقة الحالية التي تسير عليها تشكيلة قيادة الجيش لا يمكن "الوثوق بالأهداف"، كما يعتبر القيادي السابق في "مسد"، رياض درار.
ويتابع حديثه: "وذلك لأن التشكيلة بنيت على مشروع وخصوصية وإيديولوجيا لا تناسب كل السوريين. قسد ستظل تتمسك بالوجود ككتلة حتى يتم الانسجام في الجيش السوري على أساس المفهوم الوطني".
أما المحلل العسكري أيوب يرى أنه "يجب على الجميع أن يترفع عن المطالب الشخصية".
ويعتبر أن "الفصيل الذي لا يريد أن يسقط بند الكتل من حساباته ولا يريد الانخراط سيكون بمثابة الخارج عن القانون، وسيتم التعامل معه على هذا الأساس".