على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية تحول "سد تشرين"، الواقع في ريف محافظة حلب من الجهة الشرقية، إلى خط جبهة مشتعل بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وفصائل "الجيش الوطني السوري" المدعومة من أنقرة.
وفي وقت لا تلوح في الأفق بوادر لإيقاف القتال المتواصل، تثار تساؤلات بشأن المفاوضات بين "قسد" والإدارة الجديدة في دمشق.
ورغم أن إدارة دمشق لاتزال تراقب مجريات الميدان من بعيد، ستكون للمفاوضات التي تنخرط فيها مع القوات الكردية دور في تحديد مآلات الصراع الحاصل ومشهد مناطق شمال شرق سوريا ككل.
ويخضع سد تشرين، منذ سنوات، لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ويغذي مناطق واسعة من حلب وغيرها من المدن بالماء والكهرباء.
وبعيدا عن هذه الصورة التي يعرف بها منذ عقود، تحول "سد تشرين" إلى جبهة تطلق القذائف والصواريخ من المناطق المحاذية لجانبيه، من الجهة الشرقية والغربية.
ويفصل الخط بين فصائل "الجيش الوطني السوري" المدعوم من أنقرة، التي تحاول التقدم نحو "تشرين" من الجهة الغربية وبين "قسد" التي تشي طبيعة المواجهة التي تخوضها بأنها تحاول التمترس بالسد، لعدة اعتبارات.
ويعتقد الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أسامة شيخ علي، أن المواجهات المستمرة في محيط "سد تشرين" هي جزء من "معركة استنزاف لقسد".
ويوضح أن القوات الكردية يهمها ملف السد من ناحية تقنية، كون المتحكم بـ"تشرين" سيكون متحكما بالماء والكهرباء في المنطقة.
وتبرز نواحٍ أخرى وراء عامل الأهمية، وبينها ما هو مرتبط بالناحية الميدانية.
ويضيف شيخ علي: "في حال وصول الفصائل المدعومة من تركيا لسد تشرين لن يبقى أمامها كثيرا للوصول إلى كوباني ومحاصرتها".
من جانبه يرى الأكاديمي السوري المقيم في القامشلي، فريد سعدون، أن "ما يجري في محيط سد تشرين منذ أسابيع وحتى الآن هو عمليات استنزاف لا أكثر".
ويقول لموقع "الحرة": "الفصائل لا تستطيع تحقيق أي انتصارات عسكرية". ويضيف سعدون: "وإذا استدعى الأمر سيحسم التحالف الدولي المعركة لصالح قسد".
"لا معركة كبرى"
وهذه ليست المرة الأولى التي تخوض فيها فصائل "الجيش الوطني" مواجهات مع "قسد"، لكن هناك ما هو لافت الآن، كون هذه المواجهات في سد تشرين هي الأكبر من نوعها بعد سقوط نظام الأسد.
كما أنها تأتي بالتزامن مع المفاوضات التي تجريها القوات الكردية مع الإدارة الجديدة في دمشق، من أجل حل القضية المتعلقة بالانخراط ضمن "الجيش السوري الجديد".
وللقضية أيضا عوامل لافتة أخرى، تتمثل بأن المواجهات ضد "قسد" لا تشترك فيها "إدارة العمليات العسكرية" التي تندرج ضمنها "هيئة تحرير الشام".
على العكس، فمن يتولى القتال هناك عدة فصائل تندرج ضمن "الجيش الوطني السوري"، الذي يتلقى دعما من تركيا، وينتشر في مناطق واسعة بريف محافظة حلب.
ويوضح الباحث شيخ علي أن "تركيا ترغب بأن تبقى المناوشات العسكرية قائمة دون أن تتحول لمعركة كبرى".
ويقول إن "الهدف من وراء ذلك يذهب باتجاه إبقاء الاهتمام موجودا".
كما تسعى تركيا للفت انتباه الجانب الأميركي، وهو الذي يدعم "قسد" عسكريا منذ سنوات.
وتراهن أيضا على الإدارة الأميركية الجديدة التي يرأسها دونالد ترامب، بحسب شيخ علي.
"رهان"
وتسلم ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأميركية رسميا، يوم الاثنين.
وينتظر ساكن البيت الأبيض الجديد عدة ملفات داخلية وخارجية، وقد تكون سوريا جزءا منها، كما الحال الذي حصل في أثناء ولايته السابقة قبل 4 سنوات.
قبل 4 سنوات كان ترامب قد اتخذ قرارا بالانسحاب من أجزاء من شمال سوريا.
وفتحت خطوته تلك الباب أمام تركيا لشن عملية في عام 2019، باتجاه مدينتي رأس العين وتل أبيض.
واليوم تعوّل تركيا على استنساخ ذات السيناريو.
ويتابع شيخ علي: "وتراهن أيضا على عقلية الرئيس الأميركي السابقة بأن يمنحها الضوء الأخضر".
ماذا عن الميدان؟
وينتشر مئات الجنود الأميركيين في شمال وشرق سوريا. وهؤلاء يقدمون المشورة لـ"قسد" في إطار الحرب ضد تنظيم "داعش" ويتوزعون في عدة مواقع استراتيجية.
ولا تشمل هذه المواقع مناطق ريف حلب وسد تشرين، الذي يشهد معارك محتدمة.
ويوضح الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان أنه "لا يمكن مهاجمة سد تشرين كونه منشأة حساسة".
و"رغم وجود خيار تطويقه إلا أن هذا الأمر سيكون صعبا من الجهة الشرقية (بوابة الإمدادات التي تحصل عليها قسد)"، بحسب قوله.
ومن ناحية أخرى، يعتبر شعبان أن احتدام القتال في محيط السد دون تحقيق تقدم أو تراجع يرجع لطبيعة المواجهات التي تخوضها "قسد".
ويضيف: "هي ليست كالنظام السوري. النظام كان يفتقد للعقيدة وقسد تختلف بهذا الأمر عنه".
وتتحصن "قسد" في سد تشرين منذ سنوات.
وتم حفر في محيطه وضمن جسمه "أنفاق"، كما يقول المحلل العسكري السوري، إسماعيل أيوب.
ويضيف أيوب، لموقع "الحرة": "ما يحصل فيه استنزاف للطرفين".
ويتابع: "لا هدف للقتال هناك. القتلى من الجانبين يسقطون بلا ثمن.. هناك قتال بالمجان ومفاوضات!".
بالتفاوض أم القتال؟
ووفقا لـ5 مصادر نقلت عنها وكالة "رويترز" الاثنين، فإن الأطراف المنخرطة في المفاوضات "يبدون أكبر قدر من المرونة والصبر".
ويشمل مسار التفاوض كلا من تركيا وسوريا و"قسد".
وفي حين أن تركيا لم تعلّق على صحة المفاوضات من عدمها كان قائد "قسد"، مظلوم عبدي قد كشف عن لقاء جمعه مع قائد الإدارة الجديدة في دمشق، أحمد الشرع.
اللقاء بين هذين الرجلين ركّز في الأساس على الخطوات المتعلقة باندماج "قسد" ضمن "الجيش السوري الجديد".
وفي المقابل، لم تصدر حتى الآن أي مواقف أخرى على صعيد القتال المستمر في محيط "تشرين".
ويقول شيخ علي إن "تركيا ليس لديها الصبر الكافي لكي تنتظر مسار المفاوضات بين حكومة دمشق وقسد".
ويضيف: "ومن الواضح أن إدارة دمشق تسعى لملف شمال وشرق سوريا عبر التفاوض، بعيدا عن المواجهة العسكرية".
وتخشى أنقرة أن لا تضمن المفاوضات مصالحها، وأن تفضي إلى قبول معين لـ"قسد"، وأن تأخذ حالة دستورية.
وفي حال اكتسبت تلك الحالة "سيكون من الصعب شن عمليات عسكرية ضدها".
ولذلك يشير شيخ علي إلى أن "تركيا لن تقبل بحل الجيش الوطني السوري والحكومة السورية المؤقتة والائتلاف قبل أن تحصل على حل مرضي بخصوص شمال سوريا وملف قسد".
ومن جهة أخرى، ترتبط بالميدان على نحو أكبر يوضح الباحث شعبان أن أي عمل عسكري لن يكون فعالا على محور سد تشرين لوحده.
ورغم وجود خيارات لفتح محاور أخرى، يعتقد الباحث أنها ستصطدم بـ"القوات الدولية المبعثرة في شمال وشرق سوريا، وعلى رأسها القوات الأميركية".