جنود من الشرطة العسكرية الروسية يسيرون بجوار ناقلة جنود مدرعة روسية بالقرب من الرافعات في ميناء طرطوس في ديسمبر 2024.
سقوط نظام الأسد شكّل هزيمة بالنسبة لموسكو

قبل سقوط نظام الأسد رسمت روسيا صورة خاصة لمدينة طرطوس الساحلية، بعد مسار فرضته موسكو تدريجيا على المستوى العسكري والاقتصادي.

وبعد السقوط يوم الثامن من ديسمبر، تغيّر كل شيء على صعيد الوجه الخاص بهذه المدينة الواقعة على البحر المتوسط، وعلى الوجود الروسي في سوريا بأسرها.

ويقول خبراء ومراقبون لموقع "الحرة" إن محطة سقوط النظام "شكّلت هزيمة كبيرة لموسكو"، التي راهنت كثيرا على الأسد ولم يجنِ دعمها له أي شيء يذكر.

ولا تنسحب هذه الهزيمة على الجانب العسكري فقط، بل لها ارتدادات أخرى عكسها قرار لافت صدر، يوم الثلاثاء، وقضى بإنهاء العقد الموقع مع شركة روسية لاستثمار مرفأ طرطوس.

الشركة هي "ستروي ترانس غاز" (STG)، ويعود تاريخ العقد الذي وقعته مع حكومة الأسد، إلى شهر أبريل 2019. واتفق الجانبان حينها على أن تكون مدته 49 عاما.

ويقضي العقد الذي أنهته الإدارة الجديدة بأن تدير الشركة الروسية المرفأ وتستثمر في عملية تحديثه بنحو 500 مليون دولار.

كما نص العقد على تقاسم الأرباح بحصة للشركة الروسية تصل حتى 65 بالمئة من إجمالي الأرباح، في حين كان من المقرر أن تحصل حكومة الأسد على نسبة 35 بالمئة.

هذا العقد الخاص باستثمار المرفأ من قبل "ترانس غاز" منفصل عن الاتفاقية الخاصة بإنشاء القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، بحسب الباحث الروسي، أنتون مارداسوف.

ويوضح لموقع "الحرة" أن اتفاقية إنشاء القاعدة يعود توقيعها إلى حقبة سبعينيات القرن الماضي، وكانت أجرت عليها تعديلات في 2017.

نصت التعديلات قبل 7 سنوات على منح القاعدة الروسية العسكرية حصانة كاملة من القوانين السورية، وبأنه لا يسمح للسلطات السورية بدخولها.

وسمحت أيضا لروسيا باستخدام القاعدة لمدة 49 عاما مع إمكانية تمديد هذه الفترة تلقائيا لفترات متعاقبة لمدة 25 عاما بدون مقابل مالي.

كما سمحت لها بنشر مواقع عسكرية متحركة لها خارج نطاق القاعدة، بهدف حمايتها والدفاع عنها.

ما وراء "ترانس غاز"

ويشير مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، إلى أن " STG" (ترانس غاز) كانت أغلقت جميع أنشطتها الأساسية، بما في ذلك تعدين الفوسفات، في صيف عام 2024.

وجاء ذلك بسبب الوضع الاقتصادي في البلاد والظروف المحلية. ولذلك أصبح عقد استثمارها لمرفأ طرطوس "شكليا"، وفق قوله.

ومن الواضح أن اتفاقية الشركة المذكورة لا يمكنها تنظيم تشغيل القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، والتي تم نشرها في عام 1971.

وإذ يقول مارداسوف إن تفاصيل الأعمال الروسية في سوريا دائما ما كانت سرية، فهو يرى أن "وجود الأعمال في سوريا كان محدودا"، في إشارة منه للاستثمارات الاقتصادية.

"التكاليف الرئيسية التي دفعتها موسكو ذهبت إلى تحديث البنية التحتية العسكرية والعمليات اللوجستية، فضلا عن إعادة بناء عدد من المشاريع المدنية التي بناها المتخصصون السوفييت"، بحسب الباحث.

وبمعنى آخر يتابع: "أي إنهاء العقد مع STG لن يعني تلقائيا توقف المنشأة العسكرية في طرطوس، حيث يتم تنظيم عملها من خلال وثائق تنظيمية أخرى".

"3 اعتبارات"

" STG" التي استثمرت مرفأ طرطوس لـ49 عاما، كان ورد اسمها في 2018 ضمن عقد لاستخراج الفوسفات من تدمر بريف حمص.

ونص عقدها الخاص بالفوسفات، حينها والموقع مع حكومة الأسد، على إنتاج 2.2 مليون طن سنويا، ولمدة 50 عاما.

كما وقّعت الشركة الروسية نفسها، في أكتوبر 2018 مع "الشركة العامة للأسمدة" في حمص عقدا لاستثمار ثلاثة معامل أسمدة لـ40 عاما قابلة للتمديد.

ولا يعرف ما إذا كان إنهاء العقد مع "ترانس غاز" في مرفأ طرطوس سينسحب إلى قطاعات أخرى في سوريا.

ويقول الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي، إنه يمكن تفسير قرار إنهاء عقد الشركة الروسية المستثمرة لمرفأ طرطوس بعدة اعتبارات.

الاعتبار الأول وفق حديث الباحث لموقع "الحرة" يتصل بمساعي الإدارة الجديدة تعزيز وضعها المالي والاقتصادي، عبر وضع يدها على القطاعات والمنشآت الاقتصادية المدرة للربح، بما يمكنها التعاطي مع الاستحقاقات الخدمية والمعيشية للسوريين.

ويتعلق الاعتبار الثاني بإمكانية توظيف الامتيازات الاقتصادية والقطاعات الاقتصادية الرابحة كساحة تفاوضية وأداة لنسج شبكة مصالح مع دول أو شركات كبيرة مهتمة بهذه القطاعات.

أما الاعتبار الثالث، فيرتبط، بحسب الدسوقي، بتأكيد الإدارة الجديدة تمثيلها شرعيتها بتمثيلها للدولة السورية، وتخلصها من القيود والامتيازات، التي منحها النظام لحلفائه وجهات أخرى.

ولا يعتقد الدسوقي أن "روسيا ستخرج كليا من سوريا اقتصاديا أو عسكريا، وهنالك تواصل جيد بين الروس والإدارة الجديدة".

كما أن "كلا الطرفين منفتحين على النقاش وإعادة التفاوض، بخصوص تطوير العلاقة والامتيازات الاقتصادية ومجالات الدعم الممكنة"، وفق قوله.

"نتيجة طبيعية"

ومن جهته، ينظر الباحث في مركز "الحوار السوري"، أيمن قربي، إلى قرار إنهاء عقد الشركة الروسية المستثمرة لمرفأ طرطوس كـ"نتيجة طبيعية"، لتراجع النفوذ الروسي في سوريا.

لكنه في المقابل يشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى أن موسكو "لا يعرف عنها تاريخيا أنها تأخذ استثمارات في سوريا، وأنها كانت تضع عينها كثيرا على هذا الجانب".

ما حصل بعد 2011 أن كان عملية "استحواذ أكثر من استثمار"، وفقا لقربي.

ويوضح أن "موسكو استطاعت بحكم وجودها على الأرض، منذ تلك الفترة، أن تفرض على النظام العقود والاتفاقيات المبرمة".

ويعتقد الباحث أيضا أن إنهاء عقد "ترانس غاز" مؤشر مهم على إعادة الحال الروسي إلى ما كان عليه قبل محطة التدخل العسكري وليس إنهائه بشكل كامل.

وكان الوجود الروسي في سوريا قبل عام 2011 يتميز بالطابع المحدود وغير التدخلي.

وركزت موسكو قبل اندلاع الحرب في سوريا على الدعم العسكري واللوجستي والسياسي لدمشق، من دون وجود قوات أو عمليات عسكرية على الأرض.

وتحولت هذه العلاقة بشكل جذري بعد 2011، حيث أصبحت سوريا محورا رئيسيا للسياسة الخارجية والعسكرية الروسية.

ما حدود "الهزيمة"؟

فيما يتعلق بالشق العسكري، تمتلك روسيا قاعدتين في سوريا: الأولى هي قاعدة "حميميم" الواقعة في ريف محافظة اللاذقية، والثانية تقع بالقرب منها على سواحل مدينة طرطوس.

وفي حين قالت موسكو قبل أسابيع إنها لم تتخذ قرارا نهائيا بشأن مصيرهما، يرى الخبراء أن المؤشرات والدلائل تذهب باتجاه "البقاء على نحو صغير ومحدود".

لكن ذات الخبراء يؤكدون أن سقوط نظام الأسد يشكّل "هزيمة بالنسبة لموسكو".

ويقول الباحث مارداسوف إنه "لا يثق أن القواعد الروسية في سوريا ستستمر في العمل في الأمد المتوسط".

وحتى لو توصلت دمشق وموسكو إلى اتفاق ما بشأن هذه المسألة، "فلن يكون بوسعهما سوى تنفيذ عمليات لوجستية".

كما يضيف الباحث أنه من غير الوارد على الإطلاق أن تقوم روسيا بعمليات ردع على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي انطلاقا من سوريا.

وبعد اندلاع الثورة السورية وتحولها لحراك مسلح ضد نظام الأسد، اتخذت روسيا الطريق الأسهل من خلال دعم الأسد بشكل أحادي.

ورغم أنه كان لدى موسكو خيارات أخرى للتدخل في الحرب، مثل ممارسة الضغط على نظام الأسد، وتكثيف العمليات ضد داعش فقط، وإجراء حوار مع المعارضة على أساس أكثر بناء بدلا من استخدام القوة، إلا أنها اختارت مسارا آخرا.

ويرى الباحث الروسي أن ذلك المسار لا يمكن فصله عن "المشاكل التي دائما ما كانت تواجه موسكو، على صعيد التحالفات وضمان ولاء الشركاء".

أما وفيما يتعلق بـ"الهزيمة" فيربطها مارداسوف بأن "سوريا كانت مشمولة بالتخطيط العسكري لروسيا من خلال الارتباط بالبحر الأسود".

ويتابع أيضا أن "عمليات الردع في البحر الأبيض المتوسط كانت حدت من مناطق تمركز البحرية الأميركية لشن ضربة افتراضية على شبه جزيرة القرم".

وفي الحالتين، لم يعد هناك لموسكو أي مناورة بعد سقوط حليفها نظام الأسد.

"تفاوض وأولويات"

ولا يعتقد الباحث السوري الدسوقي أن هناك مصلحة للإدارة الجديدة، باستعداء الروس وتحويل سوريا لساحة صراع مجددا.

على العكس قد تكون الإدارة الجديدة "مهتمة بتحويل سوريا لساحة تشابك إيجابي بين هذه الدول. ونتيجة هذه التفاوض مع تأثيرات الدول الأخرى، ستحدد طبيعة التواجد الروسي النهائي في سوريا"، وفق قوله.

ولا يوجد أي قرار من إدارة دمشق بإنهاء النفوذ العسكري لروسيا بشكل كامل في سوريا، كما يشير الباحث السوري قربي.

ومع ذلك، يوضح أن السيناريوهات المتوقعة والمؤشرات تذهب الآن باتجاه "إعادة النفوذ لما كان عليه قبل 2015".

لكن ما سبق قد يكون محكوما بأولويات الإدارة الجديدة، وانعكاسات التفاوض في ملفات أخرى تتصدرها أوكرانيا وما يريده الأوروبيون في سوريا.

أنجي مراد
أنجي مراد

نعت نقابة الفنانين في سوريا الأحد الممثلة أنجي مراد التي توفيت عن عمر 33 عاما بعد معاناة مع المرض.

وكانت الممثلة السورية الشابة نُقلت إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات إثر إصابتها بفيروس أثناء حملها، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية.

وقبل وفاتها بأيام، نشرت إنجي عبر حسابها على فيسبوك رسالة مؤثرة قالت فيها "أنا أحتضر.. سامحوني".

كما شاركت والدتها، آني أورفلي، منشورا على فيسبوك، دعت فيه الجميع إلى "الترحم على ابنتها والتصدق عن روحها"، معبرة عن "حزنها العميق لفقدانها".

وإنجي مراد من مواليد 13 نوفمبر 1992 في دمشق، وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية.

وشاركت الممثلة الراحلة في عدة مسلسلات سورية منها "ببساطة"، "الحرملك"، "أهل الوفا"، و"عطر الشام".