القبور الجماعية في سوريا شاهد على جرائم الأسد. أرشيفية
القبور الجماعية في سوريا شاهد على جرائم الأسد. أرشيفية

رغم هروب بشار الأسد من سوريا، تعيش عائلات الضحايا على أمل عدم إفلاته ومسؤوليه، من المحاسبة على إرث الفظائع الشنيعة التي ارتكبها النظام وأعوانه منذ موجة الاحتاجات في مارس 2011.

المحاسبة والوصول إلى "العدالة الانتقالية"، لا يمكن القيام بها من دون رصد حقيقي لجرائم الحرب في سوريا، فكيف يمكن توثيقها؟

أستاذ القانون الدولي، البروفيسور أيمن سلامة وضع شرطين حتى يمكن للسوريين معاقبة المسؤولين على جرائم الحرب وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

وقال في حديث لموقع "الحرة" إن الشرط الأول، هو التوثيق القانوني الصحيح للأدلة، والثاني، الطلب رسميا من المحكمة الجنائية الدولية إجراءات تحقيقيات وملاحقة المتهمين من المسؤولين السياسيين أو العسكريين.

وأضاف أن الإدارة السورية المؤقتة، عليها فتح الباب لآلية الأمم المتحدة من أجل المباشرة في التوثيق القانوني، اعتمادا على الأدلة والقرائن، التي تربط بين النظام السابق للأسد، وجرائم الحرب التي ارتكبت منذ 2011.

اللجان الأممية

مطالب بتوثيق جرائم الحرب في سوريا . أرشيفية

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأسيس "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة" في ديسمبر 2016، وهي مكلفة بالمساعدة في التحقيق وملاحقة الأفراد المسؤولين عن ارتكاب أخطر الجرائم الدولية في سوريا منذ مارس 2011، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وتتيح هذه الآلية جمع الأدلة والشهادات، وهي تضم خبراء عسكريين وقانونيين، ولديهم قاعدة بيانات تمكنهم من تحديد الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، بحسب سلامة.

وقبل إنشاء هذه الآلية، تم تأسيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في أغسطس من 2011 من قبل مجلس حقوق الإنسان، حيث تتمثل مهمتها في التحقيق بشأن كل الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة، وتحديد الجناة.

وتجمع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أدلة على الجرائم المرتكبة في هذا البلد منذ اندلاع النزاع، ووضعت قوائم بـ 4000 شخص يشتبه بارتكابهم هذه الجرائم.

وفي أواخر ديسمبر دعت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين للحفاظ على أدلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية المرتكبة خلال سنوات الصراع والاستبداد التي شهدتها سوريا، بحسب بيان للأمم المتحدة.

ودعوا إلى رسم خرائط شاملة وجمع وتسجيل وحفظ الأدلة والشهادات، بالتزامن مع ضمان الأمن وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا وأقاربهم والشهود والمشاركين في التحقيقات.

امرأة تتصفح قائمة أسماء في وثيقة عُثر عليها على الأرض في سجن صيدنايا العسكري سيئ السمعة في 9 ديسمبر 2024
مطالبة أممية لسوريا بحماية أدلة الانتهاكات الحقوقية لتحقيق العدالة
أعلنت الأمم المتحدة الأربعاء أنها طالبت السلطات المؤقتة في سوريا بحماية الأدلة التي ستساعد الشعب في تحقيق العدالة والمساءلة بعد مشاهد انتظار الآلاف من ذوي المفقودين أمام سجن صيدنايا ومراكز اعتقال أو احتجاز أخرى عقب سقوط نظام بشار الأسد الذي كان معروفا بانتهاكاته لحقوق الإنسان والتعذيب والموت والاختفاء والاغتصاب.

وقالوا إنه "مع ظهور معلومات جديدة حول مصير ضحايا الجرائم المروعة وأماكن وجودهم، تصبح حماية مواقع الاحتجاز، بما في ذلك سجن صيدنايا سيئ السمعة، ومواقع الدفن، وجمع وحفظ الأدلة والشهادات أولوية".

وأشاروا إلى ضرورة التحقيق في هذه الانتهاكات، التي ترقى في كثير من الحالات إلى جرائم دولية، وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم لكشف الحقيقة للضحايا والمجتمع ككل وتحقيق العدالة وتعزيز المصالحة والانطلاق على طريق نحو السلام المستدام".

وحث الخبراء السلطات المؤقتة على إنشاء نظام للحفاظ على المقابر الجماعية، ووضع بروتوكولات لاستخراج الجثث من مواقع القبور، وتحديد أولويات استخراج الجثث من مواقع القبور الجماعية والإشراف على تنفيذها، بما يوازن بين احتياجات الأسر لتحديد هوية الضحايا ومتطلبات الأدلة للإجراءات الجنائية.

وزار رئيس الآلية الدولية المحايدة، روبرت بيتي، دمشق في أواخر ديسمبر الماضي وقال إن "سقوط حكم الأسد يمثل فرصة مهمة" للوفاء بولاية الآلية على الأرض.

وأشار إلى أنه حتى في أحد المرافق، "تكشف جبال الوثائق الحكومية عن الكفاءة المروعة لتوثيق جرائم النظام الفظيعة".

وسلط بيتي الضوء على الحاجة الملحة إلى الحفاظ على الأدلة قبل أن تضيع إلى الأبد، وأضاف: "الوقت ينفد. هناك فرصة صغيرة لتأمين هذه المواقع والمواد التي تحتوي عليها. وفي كل يوم نفشل فيه في القيام بذلك، نخاطر بفقدان فرصة المساءلة الشاملة".

"العدالة الانتقالية"

جدران السجون تكشف جرائم الأسد. أرشيفية

ومنذ بداية سقوط نظام الأسد، يتداول بكثرة مصطلح "العدالة الانتقالية" والتي دعا إليها مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك.

وبحسب المركز الدولي للعدالة الانتقالية، يشير هذا المصطلح إلى كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الإنسان، وهي تعنى بتحقيق حقوق الضحايا قبل أي اعتبار.

وأشار سلامة إلى أن تحقيق "العدالة الانتقالية" يتطلب شفافية في التحقيقات ويعزز من المصالحة الوطنية على مستوى عموم سوريا، بمحاسبة المتورطين ضمن أطر قانونية وليس انتقامية.

ودعا مفوض الأمم المتحدة تورك إلى تحقيق "العدالة الانتقالية" في سوريا، معتبرا أن الأمر "بالغ الأهمية" بعد تسلم إدارة جديدة السلطة في البلاد.

الشرع لم يلتق بعائلات المعتقلين في سوريا حتى الآن . أرشيفية
عددهم ربما يفوق 100 ألف.. اتهامات للشرع بإهمال ملف المعتقلين
تكريس لحالة "الفوقية البيضاء" حيث قيمة حياة الرجل "الأبيض أعلى بكثير من حياة المواطن" السوري، بهذه الكلمات عبرت الناشطة السورية وفاء مصطفى عن "غضبها وحزنها" من واقع تعامل الإدارة السورية الجديدة مع ملف المعتقلين السوريين.

وقال تورك خلال مؤتمر صحفي في منتصف يناير من دمشق إن "العدالة الانتقالية أمر بالغ الأهمية مع تقدم سوريا نحو المستقبل ... الانتقام والثأر ليسا أبدا الحل".

وأضاف تورك "يجب التحقيق بشكل كامل في حالات الإخفاء القسري، والتعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الجرائم. وبعد ذلك، يجب تحقيق العدالة بشكل عادل وحيادي".

ووفقا للقانون الإنساني الدولي، والمادة الثامنة من نظام "روما" المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، جرائم الحرب هي تلك "الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب وأعرافها المطبقة في النزاعات المسلحة".

وفي تعريف موسع شمل نظام روما الأفعال التي تؤسس لجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، والتي تشمل: القتل العمد، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، وإجراء تجارب بيولوجية، أو إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها، دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.

كما تشمل تلك الجرائم تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، أو مهاجمة، أو قصف المدن، أو القرى، أو المساكن، أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافا عسكرية، بأية وسيلة كانت.

اختصاص القضاء العالمي

مطالب بتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا. أرشيفية

وذكر سلامة أن الطريق مفتوحة أمام سوريا لطرق أبواب المحكمة الجنائية الدولية بطلب رسمي لملاحقة المسؤولين والسياسيين والعسكريين السوريين المتورطين في جرائم الحرب، ويمكنها طلب الانضمام لاتفاقيتها.

وبشأن اختصاص القضاء السوري في المحاسبة، قال البروفيسور سلامة وهو أستاذ فخري بالمعهد الدولي لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، إنه في حال إيجاد آليات لملاحقة المسؤولين السوريين يمكن تنفيذ مبدأ "اختصاص القضاء العالمي" ليصبح القضاء الوطني الأجنبي لكل دولة قادرا على محاسبة المتورطين في جرائم حرب في سوريا أينما كانوا.

وفي التفاصيل لقواعد التقاضي أشار إلى أن المحاكم الجنائية السورية تبقى هي "حجر الزاوية بالنسبة للمحاكمة على الجرائم الدولية"، ولكن قد يكون كادرها القضائي والفني غير قادر على إنفاذ قواعد التقاضي ضد مرتكبي جرائم الحرب، وهو ما يعني الحاجة إلى الاستعانة بالخبرات الدولية.

وقال إنه في حال محاكمة بشار الأسد، لا يمكنه الدفع بصفته الرسمية كرئيس للدولة، ما يبيح له ارتكاب الجرائم من دون تحميله المسؤولية، حيث يتضمن الدستور السوري نصا بأن الرئيس لا يكون مسؤولا عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة أعماله إلا في حالة الخيانة العظمى.

كما ينص الدستور على أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذا يعني أن تسيير العمليات الحربية والقرارات العسكرية الاستراتيجية كانت بيد الأسد، ولهذا فإن أي رئيس يأمر بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لا يستطيع أن يفلت من المسؤولية الجنائية الدولية، وفقا لسلامة.

Fighters of Hayat Tahrir al-Sham (HTS) search for pro-Assad fighters and weapons in Homs
لقطات توثق ومنظمات تحذر.. ماذا يحدث لفلول الأسد داخل سوريا؟
فلولوتجري منذ الخميس الماضي، حملة أمنية لفرض الاستقرار والسلم الأهلي، عبر ملاحقة واعتقال "فلول ميليشيات الأسد".
والحملة التي بدأت من طرطوس، امتدت لتشمل مدن حمص وحماة ودرعا، نجم عنها اعتقال المئات من فلول النظام، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

ويقول موقع منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" إن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب هي أخطر أنواع الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي.

وأضاف أن هذه الجرائم "تترك أثرا يدوم ويلحق الضرر بسلامة وأمن المجتمعات والمناطق والبلدان بعد عقود من ارتكابها".

ومن بين الاتفاقيات الموقعة عليها العديد من الدول المتعلقة بجرائم الحرب، فلا عدم تقادم لهذا النوع من الجرائم، أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

لجنة التحقيق الأممية بشأن سوريا، دعت في أواخر العام الماضي إلى "حماية جميع الأدلة ومسارح الجريمة، بما في ذلك مواقع المقابر الجماعية، من أجل التوثيق والتحليل الجنائي".

وطالبت حكومة تصريف الأعمال بضمان "حماية جميع ملفات الاعتقال والاحتجاز وحفظها في المواقع التي عثر عليها فيها بطريقة تضمن فائدتها في عمليات المساءلة في المستقبل".

واقترحت إنشاء الإدارة السورية الجديدة لوحدة قيادة وتنسيق لحماية مواقع المقابر الجماعية والوثائق والأدلة، إلى أن يحين الوقت الذي يمكن فيه للخبراء السوريين والدوليين فحصها لحماية حق العائلات في معرفة الحقيقة.

السوريون الموجود في بلادهم أو في المنفى ينظرون إلى سوريا "كمسرح جريمة" تكلفته البشرية كانت مرتفعة جدا، إذ قد يحتاجون عدة أجيال لينسوا ما حصل لهم ولأحبائهم.

ولا يطالبون سوى "بالمساءلة" و"العدالة" لضحاياهم من جرائم الأسد ومسؤوليه.

لافتة مكتوب عليها "المغادرة إلى سوريا" عند معبر المصنع الحدودي مع لبنان (رويترز)
لافتة مكتوب عليها "المغادرة إلى سوريا" عند معبر المصنع الحدودي مع لبنان (رويترز)

الاشتباكات التي اندلعت على الحدود السورية-اللبنانية، الخميس، استمرت لساعات وانتهت في نهاية المطاف بتسليم أسرى كانوا وقعوا بيد "مطلوبين" لكنها وفي المقابل كشفت عن تحديات تتعلق بتنفيذ مهمة يراها مراقبون "صعبة".

تتعلق هذه المهمة على وجه الخصوص بمدى قدرة الطرفين السوري واللبناني على ضبط الحدود، وهي التي تحولت خلال السنوات الماضية في ظل حكم نظام الأسد إلى بوابة لتهريب المخدرات والبشر والأسلحة.

ولا يقتصر الأمر على ما سبق فحسب، بل كان لـ"حزب الله" اللبناني نوع من الهيمنة الأمنية هناك، سواء من جهة لبنان أو سوريا التي اخترق خاصرتها الغربية وتمركز فيها، بعد محطة معركة القصير في 2013.

ودارت الاشتباكات، الخميس، عندما تقدمت قوات تابعة للإدارة السورية الجديدة باتجاه بلدة حاويك الحدودية، وذلك في إطار حملة واسعة النطاق قالت هذه الإدارة إنها أطلقتها بهدف "إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والممنوعات".

ورغم أن هوية الطرف الثاني الذي انخرط في المواجهة لم تعرف بدقة أشارت عدة مصادر إعلامية متقاطعة من سوريا ولبنان وصحفيون من هناك لموقع "الحرة" إلى أنه يتمثل بـ"عصابات تتبع لعشائر"، ومتهمة بالوقوف وراء عمليات تهريب بالشراكة مع "حزب الله".

ولم يصدر أي تعليق من جانب الجيش اللبناني حتى ساعة نشر هذا التقرير، وتواصل موقع "الحرة" مع مدير التوجيه فيه، العميد، حسين غدار، ولم يتلق ردا حتى الآن.

في المقابل نشر المكتب الإعلامي في محافظة حمص بيانا قال فيه إن الحملة التي أطلقها على الحدود مع لبنان من جهة القصير أسفرت عن توقيف عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات تهريب غير مشروعة، بالإضافة إلى ضبط كميات من الأسلحة والممنوعات التي كانت بحوزتهم.

وجاء في البيان، الجمعة، أنه و"خلال تنفيذ الحملة، وقعت اشتباكات بين قوات أمن الحدود وعدد من المطلوبين، مما أسفر عن اختطاف عنصرين من قواتنا". وقد أفرج عن العنصرين في وقت متأخر من ليل الخميس الجمعة.

"حزب الله لم ينته"

وكانت الحدود السورية – اللبنانية في عهد نظام الأسد قد تحولت إلى أرض "مشاع" استخدمها "حزب الله" لتهريب الأسلحة والذخائر وحبوب "الكبتاغون".

ولم يكن أن يتم ذلك خلال السنوات الماضية إلا بموجب سياسة "هادئة" يعتبر خبراء ومراقبون أنها ما تزال مستمرة حتى الآن.

تستند هذه السياسة على المعابر غير الشرعية من جهة.

ومن جهة أخرى تقوم على عمل العصابات التي استخدمها "حزب الله" كواجهات لتمرير أعماله المتعلقة بالتهريب، ولتثبيت أسس "الاقتصاد الموازي" المرتبط به.

ويرى الخبير العسكري اللبناني العميد، ناجي ملاعب، أنه "من الصعب القول إن نفوذ حزب الله انتهى على طول الحدود السورية اللبنانية".

ويقول لموقع "الحرة": "المناطق الحدودية هي عمليا بيد حزب الله.. وفي السابق كان هناك نوع من التعاضد بين الأخير والعشائر على صعيد بناء الاقتصاد الموازي القائم على تهريب الكبتاغون".

لا يزال هذا "التعاضد" قائما حتى الآن، بحسب الخبير العسكري، ويضيف: "من الصعب أن ينتهي مباشرة".

قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011 كانت القرى والبلدات الواقعة على حدود سوريا ولبنان متداخلة، على صعيد العائلات والعشائر، كما يشير الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان.

وبعد عام 2013 وفي أعقاب تهجير سكان منطقة القصير تحولت تلك المناطق "لكتلة واحدة صلبة" استخدمها "حزب الله" لوجستيا وأمنيا، لتأمين نفسه وكأرض لتمرير السلاح والمخدرات.

ويتابع شعبان في حديثه لموقع "الحرة": "الطرف الأول لهذه الكتلة هو حزب الله والثاني العصابات المشكلة من بعض العوائل والعشائر هناك".

هل من السهل ضبط الحدود؟

وحتى الآن لا تبدو أي ملامح واضحة من الجانب اللبناني من أجل تأمين الحدود مع سوريا بشكل كامل، أو على صعيد تغيير الاستراتيجية القائمة هناك بعد سقوط نظام الأسد.

لكن في المقابل تشير البيانات الصادرة عن إدارة دمشق الجديدة إلى أنها بصدد مواصلة الحملات الأمنية على طول الحدود، بغرض استهداف عصابات التهريب.

علاوة على ذلك، أعلنت قوات الإدارة الجديدة في دمشق على مدى الشهرين الماضيين ضبط عدة شحنات أسلحة كانت في طريقها باتجاه الأراضي اللبنانية.

ورغم أن ذات الحالة انعكست من جانب السلطات في لبنان، إلا أنها بقيت في الإطار الطبيعي المعلن والخاص بمثل هذه الحملات.

ويوضح الباحث السوري، ضياء قدور، أن "عملية ضبط الحدود السورية اللبنانية تعتبر مهمة صعبة ومعقدة نتيجة تداخل القرى وكثرة المعابر غير الشرعية والطبيعة الجغرافية".

ومع ذلك يقول قدور لموقع "الحرة" إنها "ليست مهمة مستحيلة في نهاية المطاف".

ويبلغ طول الحدود بين سوريا ولبنان نحو 300 كيلومتر، وتشمل مناطق متعددة تتميز بتضاريسها الصعبة والمعقدة، مما يجعل من الصعب تحديد الحدود بشكل دقيق ومنظم دون تعاون حكومي مشترك بين البلدين لإنهاء الملفات الحدودية العالقة.

بالإضافة إلى ذلك، يشير قدور إلى أن الحدود "تعد موطنا لعدة قرى وبلدات تتشارك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، والعديد من المعابر غير الشرعية، مما يزيد من تعقيد الوضع الحالي، ويعزز التحديات في تحديد وضبط الحدود بشكل فعال".

ويرى المحلل العسكري اللبناني، وهبي قاطيشه، أن عملية ضبط الحدود بين سوريا ولبنان "سهلة"، لكنه يربط ذلك بوجود نوايا وقرار حقيقي.

ويقول قاطيشه لموقع "الحرة": "حدود سوريا ولبنان ليست طويلة. هي ليست سيبيريا والمكسيك. أنا كعسكري أرى أن ضبطها سيكون سهلا عندما تكون هناك إرادة من الجانبين".

لكن وفي المقابل يعتقد ملاعب أن "المنطقة الحدودية بين البلدين تتطلب جهدا كبيرا".

ومن جانب سوريا وعندما يعاد بناء الجيش هناك "سيكون بمواجهة بقايا العصابات المترسخة على الحدود"، أما فيما يتعلق بلبنان فيتابع المحلل العسكري أنه "رغم وجود أفواج حدودية للجيش اللبناني، إلا أنه كان يعاني سابقا من الالتفاف الذي كان ينفذه التجار والمهربون".

و"كان الجيش اللبناني يغلق طرقا غير شرعية وما أن ينتهي من ذلك حتى يتفاجئ بطرق أخرى"، وفقا لحديث ملاعب.

"قبل وبعد سقوط الأسد"

وقبل سقوط نظام الأسد لم يكن نفوذ "حزب الله" مقتصرا على الجانب اللبناني من الحدود بل كان له امتداد واسع أيضا داخل سوريا، خاصة في القصير التي شهدت البلدة التابعة لها (حاويك) اشتباكات يوم الخميس.

وبالإضافة إلى أن الحزب كان يستمد القوة هناك من عمل العصابات والعشائر التي تشابكت مصالحه معها كان يحظى أيضا بدعم وتنسيق من "الفرقة الرابعة" التابعة لنظام الأسد، بحسب ملاعب.

ويعتبر الباحث السوري قدور أن "إيران (بعد سقوط نظام الأسد) تحاول التكيف مع الواقع الجديد في سوريا لإعادة إمداد حزب الله بالسلاح، وذلك بالنظر للتهديدات العسكرية التي يتعرض لها نظامها".

وتسعى إيران أيضا، بحسب الباحث "لإقامة أقل قدر من العلاقات مع دمشق لتمرير مطالبها بدعم حزب الله وتبرير فشلها في سوريا، وضمان ألا تتحول سوريا لبيئة معادية تماما لمشروعها الإقليمي".

لكن وفقا لما تسير به الأمور وتتجه إليه الأحداث، وبالنظر للتعهدات التي قدمتها الإدارة الجديدة بألا تتحول سوريا لممر لتهريب الأسلحة والمخدرات يعتقد قدور أن "المهمة الإيرانية ستكون صعبة".

كما يقول الباحث إن ما سبق "قد يجبرها على اتباع طرق بحرية أو جوية بديلة لدعم حزب الله في وقت لاحق".

ويلاحظ الخبير العسكري ملاعب "وجود تركيز واهتمام وجهد من الجانب السوري لضبط الحدود"، ويقول أيضا إن هذه العمليات لها فوائد مزدوجة على سوريا ولبنان.

لكنه يضيف في المقابل: "إذا بقيت الأمور على طول الحدود بيد العشائر والتجار وحزب الله سيكون المشهد معقدا وصعبا على كلا البلدين في المستقبل".

ومن جهته يعتقد الباحث السوري شعبان أن "الحدود بحاجة لترسيم وتنسيق مباشر بين الأمن السوري واللبناني"، مشيرا إلى مرحلة ما قبل سقوط نظام الأسد عندما كانت المناطق الحدودية مفتوحة على مصراعيها بين "الفرقة الرابعة" و"حزب الله".