عناصر من "هيئة تحرير الشام" خلال عمليات بحث عن "فلول الأسد" في حمص (رويترز)
عناصر من "هيئة تحرير الشام" خلال عمليات بحث عن "فلول الأسد" في حمص (رويترز)

فاحل ومريمين.. قريتان تقعان إلى الشمال الغربي من حمص.. دخلهما عناصر من "إدارة العمليات العسكرية"، الأسبوع الماضي، ضمن الحملات الأمنية القائمة ضد "فلول نظام الأسد" المخلوع.. لكن ما أن خرج هؤلاء من القريتين، حتى توالت الأخبار والتقارير بحصول "تجاوزت" وانتهاكات.

"التجاوزات" في مريمين وصلت إلى حد الاعتداء بالضرب على شبان، والإساءة لرموز الطائفة المرشدية هناك، بل وأخذت منحى الإعدام الميداني والتصفية المباشرة في فاحل.

واستهدفت "التصفية"، أو كما تعرف أيضا بـ"عمليات القتل خارج القانون"، 16 شخصا، غالبيتهم من ضباط كبار وعسكريين كانوا سابقا ضمن صفوف جيش النظام المخلوع (من الطائفة العلوية).

كما تم توثيق عشرات حوادث الاعتقال في ذات القرية المذكورة، بالتزامن مع عمليات التصفية الميدانية التي تم الكشف عنها بالتدريج.

ما حصل في ريف محافظة حمص السورية، قبل أيام، لم يكن عابرا أو حدثا أمنيا مثل غيره من الأحداث. على العكس، إذ اعتبره حقوقيون وقانونيون بمثابة "جرس إنذار".

هذا الجرس يفتح الباب أمام مخاوف كبيرة.. وفي المقابل يكشف عن جملة أسباب.

ويوضح الناشط السياسي والحقوقي، معن أحمد صالح، وهو المقيم في حمص، أن الحملات الأمنية في المحافظة "توقفت بشكل مؤقت"، نتيجة "تفاقم التجاوزات"، خاصة في مريمين وفاحل.

ويقول لموقع "الحرة"، إن "فاحل وحدها شهدت قتل 16 شخصا، بعضهم مدنيون والبعض الآخر ضباط وعساكر، لأسباب طائفية".

كما تم اعتقال أكثر من 20 رجلا من فاحل "بحجة أنهم من فلول النظام"، حسب صالح، وهو عضو مجموعة "السلم الأهلي في حمص".

"حلقة مفقودة"

حمص هي جزء بسيط من حالة أمنية عامة بدأت تعيشها المحافظات السورية في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، وتوجه الإدارة العسكرية الجديدة لملاحقة رموزه ورجالاته، من جنود وضباط.

لكن في المقابل، فإن لهذه المدينة خصوصية وحالة "استثنائية"، عرفت بها سابقا ولا تزال تعيشها حتى الآن.

تضم حمص كل أطياف المجتمع السوري، وبكل مكوناته الطائفية والعرقية، وفقا للناشط السياسي صالح.

وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهدت حمص أحداث "قتل على الهوية"، استهدفت بشكل أساسي الأحياء ذات الغالبية السنيّة.

ويكاد يتكرر ذات المشهد اليوم لكن بالصورة المعاكسة، كما يقول بلال الصوفي، وهو أحد الشبان الذين عاصروا بدايات الصراع المسلح في المدينة، وعاد إليها بعد سقوط الأسد.

يضيف بلال لموقع "الحرة": "في حمص حلقة مفقودة. لا أحد يريد أن يسلط الضوء عليها".

ويردف قائلا: "يوجد احتقان طائفي وثأر لم يخفت.. ونوايا حاضرة للانتقام".

ومع غياب أي أفق أو وجود بوادر على صعيد المحاسبة وتطبيق العدالة الانتقالية، سيظل الاحتقان موجودا و"قد ينفجر في أي لحظة"، على حد تعبير الشاب.

كما أن "تطبيق المحاسبة والعدالة الحقيقية هي أسرع الطرق إلى السلم الأهلي المجتمعي.. لأن في كل يوم لنا هو ذكرى لمجزرة"، وفق الناشط السوري عمر الحريري، الذي نشر هذه العبارة قبل أيام، واختصر بها ما حصل في حمص.

وأشار إليها أيضا ناشطون حقوقيون وسياسيون، ممن تحدث إليهم موقع "الحرة".

ويقول الكاتب والناشط السياسي، حسن النيفي: "في حمص هناك احتقان طائفي شديد سببه ممارسات نظام الأسد الطائفية قبل أن يسقط".

وبمجرد السقوط "كان من الطبيعي أن يتأجج الاحتقان"، وهو ما حصل في الريف الشمالي والغربي، وفقا للكاتب السوري.

ويضيف لموقع "الحرة"، أن الدعوات القائمة والسائدة باتجاه إقامة مجالس سلم أهلي في حمص "ستظل منقوصة"، كونها "خطوة لاحقة من مراحل العدالة الانتقالية".

Fighters of Hayat Tahrir al-Sham (HTS) search for pro-Assad fighters and weapons in Homs
لقطات توثق ومنظمات تحذر.. ماذا يحدث لفلول الأسد داخل سوريا؟
فلولوتجري منذ الخميس الماضي، حملة أمنية لفرض الاستقرار والسلم الأهلي، عبر ملاحقة واعتقال "فلول ميليشيات الأسد".
والحملة التي بدأت من طرطوس، امتدت لتشمل مدن حمص وحماة ودرعا، نجم عنها اعتقال المئات من فلول النظام، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

"اذهبوا فأنتم طلقاء!"

وبناء على الواقع المفروض حتى الآن في "سوريا الجديدة ما بعد الأسد"، لا يبدو الكثير من الاهتمام لدى السلطات التي تمسك بزمام الأمور في دمشق للبدء بأولى خطوات تطبيق قضية "العدالة والمحاسبة".

كما لا تعرف الآلية التي سيتم المضي بهذا الطريق، الذي يمر بعدة محطات وتعترضه الكثير من العقبات.

ويعتقد المحامي السوري، غزاون قرنفل، أن ما حصل في قرى ريف حمص يمكن ربطه "بعدة أسباب ومعطيات".

في مقدمة هذه المعطيات، "الإشارات" التي تلقاها السوريون عقب سقوط النظام، باتباع سياسة "اذهبوا فأنتم الطلقاء.. وإطلاق سراح الموقوفين الأمنيين والجنائيين بشكل اعتباطي".

ويضاف إلى ما سبق "التباطؤ الحكومي في التوجه إلى المجتمع بخطاب واضح بأنه سيتم العمل على إطلاق مسار واضح للمحاسبة عن الجرائم والانتهاكات، وذلك ضمن برنامج للعدالة الانتقالية".

يرى قرنفل أن ما سبق "أدى إلى حالات اعتداء ذات وجهين".

يشمل الوجه الأول، أولئك الين يبحثون عن العدالة والإنصاف، ولم يجدوا بوادر لها.

أما الجانب الثاني فيضم الهجوم الذي ينفذه المتضررون على القوى الأمنية، وهي التي جاءت للبحث عن مطلوبين، وانتزاع السلاح الذي لم يسلّم لها.

ولا يأت شن الحملات الأمنية في سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد مباشرة ودون سابق إنذار، فقبل أن تنطلق، كانت "إدارة العمليات العسكرية" التي تقودها "هيئة تحرير الشام" (المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى)، قد وجهت نداء لعناصر وضباط النظام المخلوع، من أجل تسليم السلاح وتسوية أوضاع المطلوبين منهم.

وفي حين استجاب البعض وانخرط في "التسوية" وعمليات تسليم السلاح، رفض آخرون ذلك، مما "استوجب إخضاعهم بالقوة لمنطق العدالة والقانون"، حسب الناشط السياسي النيفي.

لكن ذات المتحدث يشير إلى "مشكلة" تكمن في أن المبادرات التي تقوم بها الحكومة الجديدة باتجاه مهاجمة فلول النظام المخلوع، "يشوبها شيء من الغموض".

وكان "من المفترض أن توثق الإدارة العسكرية الجديدة حملاتها، كي لا تتهم بارتكاب انتهاكات"، حسب النيفي.

وكان عليها أيضا أن "تعلن عن هوية المطلوبين، وأن تبدد الضبابية المحيطة بسياستها الإعلامية والمتعلقة بالأخبار الرسمية الصادرة عنها".

كثفت الإدارة السورية الجديدة حملتها لتعقب واعتقال أعضاء نظام الدكتاتور المخلوع
ملاحقة فلول الأسد.. دعوات لعدالة انتقالية لا انتقامية
أعلنت الإدارة الجديدة في سوريا أنها ستبدأ بعد انتهاء فترات التسوية، بملاحقة فلول نظام بشار الأسد المخلوع في عموم المحافظات، ما يثير مخاوف من خطورة هذه الخطوة جراء كون هذه الميليشيات الموالية للأسد مدججة بالأسلحة، وهذا من شأنه أن يزيد القلق من مواجهات دامية قد تشهدها البلاد.

ماذا عن "السلم الأهلي"؟

رغم أن الحملات الأمنية انتهت في حمص، فإنها قد تتكرر في مراحل لاحقة.

وقد تتكرر معها "التجاوزات والانتهاكات"، خاصة في ظل عدم سير الإدارة الجديدة باتجاه خيار "العلاج الأساسي".

وقبل أن تعيش فاحل ومريمين ما عاشته الأسبوع الماضي، أُطلق في حمص ما عرف باسم "مجموعة السلم الأهلي".

وكان الغرض منذ هذه المجموعة السعي لفرض حالة من الاستقرار الأمني والمجتمعي.

وتباينت الآراء بشأن هذه الخطوة الخاصة بـ"السلم الأهلي"، وما إذا كان لها دور فعلي على الأرض أو التوقيت الذي استحدثت فيه.

ويعتقد المحامي السوري قرنفل، أن "خطوة السلم الأهلي إيجابية وفي مكانها الصحيح".

ويقول إن "المجموعة تحاول عدم وصول الوضع في حمص إلى لحظة انفجار كبيرة، وفي ذات الوقت لا تغفل مسألة محاسبة المتورطين".

"إنها محاولة إيجابية لملء فراغ تسبب به تراخي السلطة الجديدة بالتوجه بخطاب واضح للمجتمع السوري عموما، تقول فيه للمطالبين بالمحاسبة إنها لن تغفل مطالبهم، وإنها ستفعل"، يضيف قرنفل.

وكان على السلطة الجديدة أيضا أن تتوجه لأطياف المجتمع الأخرى، خاصة العلويين، وتقول لهم إن "أية إجراءات قد تطال مرتكبي الجرائم لا تستهدفهم بصفتهم علويين، وإنما تستهدف أفرادا منهم، بسبب أفعالهم الجرمية".

ويتابع قرنفل: "والآن لم يفت الأوان بعد وعليها (السلطة) فعل ذلك كما عليها أن تنظم حوارا مفتوحا وشفافا وعلنيا مع كافة أطياف المجتمع بشأن العدالة الانتقالية".

لكن "لا يمكن الانتقال إلى مرحلة الصفح والمسامحة، دون المرور بمرحلة تطبيق العدالة الانتقالية".. يقول الكاتب والناشط السياسي النيفي.

ويردف: "إذا لم ننصف الضحية، فكيف سنقنعه بالمسامحة؟".

وتوجد عدة طرق لإنصاف الضحايا، بينها "المكاشفة والاعتذار وجبر الضرر والتعويض".

ويعتبر النيفي أن "تجاهل عملية العدالة الانتقالية والقفز إلى قضايا تعزيز السلم الأهلي.. مسألة عقيمة".

"ثأرية" أم "انتقالية"؟

منذ سقوط نظام الأسد، طالب حقوقيون وقانونيون بتطبيق "العدالة الانتقالية"، وذلك لعدم الانجرار إلى "عدالة ثأرية أو انتقامية".

ويقول الناشط السياسي والحقوقي معن صالح: "نريد عدالة انتقالية يتم فيها الاستماع لضحايا الحرب وتعويضهم لجبر الضرر ومحاسبة المجرمين وفق القانون، ومن خلال محاكمات عادلة وشفافة وعلنية".

كما يؤكد على فكرة أن "تبدأ الدولة الجديدة بالأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية"، ويضيف: "كلما أسرعنا بها، كلما خف التوتر والاحتقان الموجود".

"المشكلة الأمنية بين الشعب ونظام الأسد الأب والابن كبيرة جدا"، يشير النيفي.

وتكبر هذه المشكلة إلى مستويات عليا عندما يتم النظر إلى وضع المعتقلين والمغيبين وحقوق الأشخاص الذين قضوا بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية.

ويتابع النيفي: "هؤلاء الضحايا لا يمكن أن تصفح عائلاتهم دون أن تعرف أو تتأكد من مسألة محاسبة الجناة".

وزاد: "هناك أشخاص لا يعرفون جثث أبنائهم أين؟. كيف سنذهب بهم إلى مسألة المسامحة؟.. طي الصفحة دون المرور بالعدالة الانتقالية، مسألة في غاية الصعوبة".

أنجي مراد
أنجي مراد

نعت نقابة الفنانين في سوريا الأحد الممثلة أنجي مراد التي توفيت عن عمر 33 عاما بعد معاناة مع المرض.

وكانت الممثلة السورية الشابة نُقلت إلى العناية المركزة في أحد المستشفيات إثر إصابتها بفيروس أثناء حملها، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية.

وقبل وفاتها بأيام، نشرت إنجي عبر حسابها على فيسبوك رسالة مؤثرة قالت فيها "أنا أحتضر.. سامحوني".

كما شاركت والدتها، آني أورفلي، منشورا على فيسبوك، دعت فيه الجميع إلى "الترحم على ابنتها والتصدق عن روحها"، معبرة عن "حزنها العميق لفقدانها".

وإنجي مراد من مواليد 13 نوفمبر 1992 في دمشق، وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية.

وشاركت الممثلة الراحلة في عدة مسلسلات سورية منها "ببساطة"، "الحرملك"، "أهل الوفا"، و"عطر الشام".