عربة عسكرية إسرائيلية (رويترز)
عربة عسكرية إسرائيلية (رويترز)

التوغلات التي نفذتها إسرائيل في جنوب سوريا، حرّكتها دوافع أمنية وعسكرية بعد سقوط نظام بشار الأسد، لكنها أصبحت تأخذ الآن "منحى سياسيا"، وفق ما يرى باحثون تحدثوا لموقع "الحرة" .

وتتركز التوغلات في محافظتي القنيطرة ودرعا، ووصلت قبل أيام، إلى حد إقدام الجيش الإسرائيلي على استقدام تعزيزات متنوعة إلى الداخل السوري، والبدء بإنشاء قواعد عسكرية، حسب صور أقمار اصطناعية نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الإثنين.

الصور رصدت إقامة إسرائيل لقاعدتين اثنتين بالقنيطرة، ترتبطان بشبكة طرق ترابية تقود إلى مرتفعات الجولان.

كما كشفت صور أخرى نشرتها الصحيفة الأميركية عن أرض تمت تسويتها، ورجح خبراء أن تكون موقعا لقاعدة ثالثة قيد الإنشاء.

ويقول الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن إن إسرائيل كانت "مهتمة ببعض الإنجازات التكتيكية التي تتعلق بتمركز القوات على الحدود"، عندما بدأت توغلاتها الأولى بعد سقوط الأسد.

ومع الوقت، يضيف الباحث لموقع "الحرة"، أن "الأمر أصبحت له أهداف سياسية أكثر منها أمنية".

وكان مسؤولون إسرائيليون قد ألمحوا بطريقة غير مباشرة إلى ما أشار إليه شتيرن.

وبينما وصفت إسرائيل توغلها في المنطقة منزوعة السلاح داخل سوريا بأنه "خطوة مؤقتة"، قبل شهر ونصف، قال وزير دفاعها يسرائيل كاتس، قبل أيام، إن "القوات الإسرائيلية ستبقى على قمة جبل الشيخ".

وستبقى أيضا "في المنطقة الأمنية لفترة غير محدودة لضمان أمن مرتفعات الجولان والمستوطنات الشمالية وجميع سكان دولة إسرائيل"، على حد تعبير كاتس.

وأضاف: "لن نعتمد على الآخرين في الدفاع عن أنفسنا هنا وفي أي مكان آخر. ولن نسمح لقوات معادية بتأسيس وجودها في المنطقة الأمنية في جنوب سوريا.. وسنعمل ضد أي تهديد".

لماذا تتقدم وتنسحب؟

القواعد الإسرائيلية التي يتم إنشاؤها حديثا داخل سوريا، يقابلها تحركات عسكرية لم تنقطع على جانبي الحدود، وأخذت شكلين خلال الأيام الماضية.

وبينما يواصل الجيش الإسرائيلي توسيع رقعة توغله في قرى وبلدات بجنوب سوريا، انسحبت قواته، الإثنين، من مبنى محافظة القنيطرة والقصر العدلي، بعدما تمركزت في هاتين النقطتين لعدة أيام.

وتقول الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريويتس، إن العملية العسكرية الإسرائيلية الجوية والبرية التي بدأت مع سقوط نظام الأسد كانت "حساسة للغاية".

لكنها تردف بالقول لموقع "الحرة"، إن "التحركات التي حصلت بعد ذلك في شرق سوريا وفي السويداء، تبدو أكثر إثارة للقلق".

وفي ظل التطورات الحاصلة الآن، ترى كولوريوتي أن "إسرائيل في محافظة القنيطرة وريف درعا الغربي تسلك مسارين رئيسيين".

الجيش الإسرائيلي أعلن شنّ نحو 480 ضربة خلال 48 ساعة على أهداف إستراتيجية في سوريا بعد الإطاحة بالأسد.
الجيش الإسرائيلي يكشف سبب الضربات في سوريا
علقت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي للحرة، الأربعاء، على موقف إسرائيل من التطورات التي تشهدها سوريا بعد إطاحة الفصائل المعارضة بالرئيس السابق، بشار الأسد، مشيرة إلى أن الهدف وراء استمرار العمليات الإسرائيلية في سوريا هو ضمان أمن إسرائيل.

المسار الأول "مؤقت" ويعتمد على مراقبة إسرائيل لهذه المنطقة على مدار السنوات الماضية، حيث حاولت إيران وحزب الله، تأسيس دائرة نفوذ لهما في هذه المنطقة بهدف استخدامها عسكريا لضرب شمالي إسرائيل.

وكان علي موسى دقدوق، قائد حزب الله الذي قُتل في سوريا في نوفمبر الماضي، هو المسؤول الرئيسي عن إدارة هذا الملف.

ولذلك تعتبر الباحثة أن "الوجود الإسرائيلي في بعض القرى في القنيطرة وريف درعا كان يركز على البحث عن الأنفاق ومستودعات الأسلحة من بقايا النفوذ الإيراني وحزب الله في المنطقة.. لذا تقدمت ثم انسحبت".

أما المسار الثاني الذي تسلكه إسرائيل جنوبي سوريا، فهو إقامة مواقع في نقاط استراتيجية لفترات أطول.

ويشمل ما سبق تمركز الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ على الجانب السوري من الحدود، وبعض النقاط حول بلدات القحطانية ومدينة القنيطرة.

ويستند هذا التمركز "إلى غياب الثقة الذي لا يزال يسود الأجواء العسكرية والسياسية في إسرائيل تجاه الإدارة السورية الجديدة"، وفقا للباحثة.

وكان رئيس الإدارة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، قد ندد هذا الشهر بما أسماه "ذرائع" إسرائيل "للاستيلاء" على الأراضي.

وأكد المسؤولون السوريون الجدد مرارا، أنهم "لا يريدون صراعات جديدة، بما في ذلك مع إسرائيل"، قائلين إنهم يريدون التركيز على إعادة بناء البلاد.

والإثنين، أشار الشرع في مقابلة له مع صحيفة "إيكونوميست"، إلى أنه "طالما أن إسرائيل تحتل الجولان.. فإن أي اتفاق سيكون سابقا لأوانه".

وتابع: "في جميع الأحوال، فإن أن أي خطوة من هذا النوع ستتطلب رأيا عاما واسعا".

ماذا تريد إسرائيل؟

يعتقد شتيرن أن إسرائيل "تتوقع أن يكون هناك نوع من الاتصالات مع الطرف السوري الجديد، للوصول إلى تفاهمات جديدة، أو تأكيد التفاهمات التي كانت موجودة سابقا".

ويقول إن توغلها داخل الأراضي السورية وتمركزها في عدة نقاط، بمثابة "ورقة مساومة وضغط على الحكومة السورية الجديدة".

"إسرائيل تريد أن تعرف أين ستتطور الأمور في سوريا. هل ستتخذ الحكومة الجديدة نبرة معادية لإسرائيل أم لا؟"، كما يتابع شتيرن.

ويعتقد أن "إسرائيل تفضل البقاء في جنوب سوريا كنوع من الاستعداد لمباحثات مستقبلية". وهذه المباحثات إما ستكون "بناء على وساطة أو بشكل مباشر"، وفق قوله.

محافظ دمشق الجديد، ماهر مروان
مسؤول في الإدارة السورية الجديدة يتحدث عن العلاقات مع إسرائيل
صرح محافظ دمشق الجديد، ماهر مروان، بأن الحكومة السورية الجديدة لا تسعى إلى الدخول في صراع مع إسرائيل.

وقال مروان في حوار مع إذاعة "إن بي آر" الأميركية، "لا ينتابنا خوف من إسرائيل، ولا نريد التورط في أي شيء يهدد أمن إسرائيل أو أي دولة أخرى".

وأضاف مروان أنه يرى من المعقول أن تكون إسرائيل قد شعرت بالخوف عند تسلمت الحكومة السورية الجديدة السلطة، لذلك "تقدمت قليلاً" في مرتفعات الجولان.

لكن مروان نشر شريط فيديو لاحقاً، ليقول إن تصريحاته أسيء فهمها، وأنه "ليس من صلاحياته الحديث عن السلام مع إسرائيل

من جانبه، يوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي، أن "إسرائيل تجد فرصتها الآن في الوضع القائم في سوريا، لإعادة تشكيل منطقة الحدود مع سوريا أمنيا وعسكريا".

وتعتبر تحركات إسرائيل لإعادة تشكيل منطقة الحدود مع سوريا أمنيا وعسكريا "جزءا من عملية أوسع".

ويقول الباحث لموقع "الحرة" إن هذه العملية تستهدف "إعادة تشكيل حدودها مع دول الجوار في لحظة إعادة تشكل النظام الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، وبما يستلزمه ذلك من فرض آليات وتغير قواعد الاشتباك".

ومن شأن السياسة التي تسير عليها إسرائيل أن تمنحها أفضلية ميدانيا "لردع التهديدات والمخاطر الأمنية".

كما تمنحها أيضا "التأثير على معادلات السياسة السورية داخليا، فضلا عن منحها اليد الطولى لتعريف متطلباتها للسلام مع سوريا في أي عملية تفاوضية مستقبلية".

"دلالات أمنية وسياسية"

وفي تصريح من قمة جبل الشيخ، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، كاتس، أن الجيش الإسرائيلي "لن يسمح بانتشار قوات معادية في المنطقة الأمنية في جنوب سوريا، الممتدة من جبل الشيخ إلى السويداء".

وتعتبر الباحثة كولوريوتيس أن تصريح كاتس "يحمل دلالات أمنية وسياسية".

من الناحية الأمنية، تراقب إسرائيل هذه المنطقة عن كثب بسبب "القلق من أنشطة الخلايا التابعة لإيران وحزب الله"، وفق الباحثة.

ومن الناحية السياسية، فتوضح أن "تضمين محافظة السويداء ضمن منطقة الأمن الإسرائيلية في جنوب سوريا له تداعيات سياسية"، مشيرة إلى "وجود تواصل مباشر بين زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، وزعماء الدروز في السويداء".

وتبرر إسرائيل هذا التواصل كوسيلة لحماية السكان الدروز في سوريا، رغم الضمانات التي قدمتها الإدارة السورية الجديدة للدروز في كل من محافظة السويداء وبلدة حضر المجاورة، التي تقع بالقرب من منطقة الفصل.

لكن في المقابل، تعتقد كولوريوتيس أن الحكومة الإسرائيلية تهدف من وراء ذلك إلى "استغلال نفوذها الأمني في جنوب سوريا لترجمته إلى مكاسب سياسية في أي مفاوضات مستقبلية عبر وسطاء، مع الإدارة السورية الجديدة".

ماذا ينتظر سوريا وإسرائيل؟

لا توجد أي بوادر فعلية حتى الآن بشأن الشكل الذي سيكون عليه طرفي الحدود بين سوريا وإسرائيل في المرحلة المقبلة.

وتشمل الضبابية التي تحيط بالمنطقة هناك، الموقف السياسي الذي ستتخذه دمشق في حال وصلت التوغلات إلى ما هو أبعد من القنيطرة.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قد أكد أن الحكومة الإسرائيلية "ليست ضد الإدارة السورية الجديدة"، في الوقت الذي أشار فيه الشرع إلى أن "حكومته تسعى للسلام مع الجميع".

وترجح كولوريوتس أن "تكون البراغماتية التي أظهرتها سياسة الشرع وحكومته حاضرة في ملف العلاقات مع إسرائيل"، وتقول إن المعطيات الحالية تشي بأن "الأطراف لا ترغب في التصعيد العسكري أو الأمني".

ومن المحتمل أن يتم تأجيل موضوع التعاطي مع إسرائيل من جانب سوريا لصالح قضايا أكثر إلحاحا للشعب هناك، مثل معالجة الاقتصاد وإعادة الإعمار.

ومع ذلك، في المدى المتوسط "يبدو أن التوصل إلى اتفاق سلام مستدام بين البلدين دون تطبيع كامل هو الأقرب إلى الواقع"، حسب ما تتوقعه الباحثة في شؤون الشرق الأوسط.

ويعتقد الدسوقي أنه "لا توجد رغبة راهنا لدى الإدارة الجديدة في خوض ملف العلاقة مع إسرائيل، كونها لا تمتلك الإمكانيات بعد لردع إسرائيل، ولديها أولويات داخلية أكثر إلحاحا لاستقرار الدولة والمجتمع والسوريين".

كما أن الإدارة السورية الجديدة "لم تحصل بعد على أوراق تفاوضية تمكنها من الضغط على إسرائيل لاسترجاع المناطق السورية المحتلة من قبلها، فضلا عن أنها تدرك أن العلاقة مع إسرائيل تتطلب تفويضا شعبيا، وهذا لم تتوافر آليات تحصيله بعد"، وفق الدسوقي.

وبناء على ذلك، يرى الدسوقي، أن "الإدارة الجديدة تراهن على علاقاتها مع قوى إقليمية، لضبط العلاقة مع إسرائيل".

عروض احتفالية أقيمت في ساحات سجن صيدنايا
عروض احتفالية أقيمت في ساحات سجن صيدنايا

عبّر كثير من السوريين عن غضبهم بعد فعاليات احتفالية وإعلانات تجارية أقيمت في سجن صيدنايا الذي قتل فيه آلاف السوريين تحت التعذيب، لدرجة أن بعضهم وصف ما جرى بـ "الوقاحة والعبثية".

ويتخوف الكثير من السوريين من تعرض سجون البلاد للعبث في ظل الفوضى التي تشهدها هذه الأماكن، من طلاء جدرانها وإخفاء معالمها إلى السماح لأي أحد بدخولها من دون أية رقابة.

وفي الآونة الأخيرة رصد العديد من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي انتشار الباعة المتجولين والإعلانات الدعائية لمنتجات غذائية والعروض الاحتفالية في باحة واحد من أسوء سجون الأسد صيتا في عهد نظام بشار الأسد.

وفي هذا الإطار نشر حساب على "إكس" عرف نفسه بأنه محمد الخليل مختص بعلم الآثار والتاريخ، صورا تظهر أكشاكا صغيرة وملصقات لإعلانات داخل السجن وعلق عليها بالقول: " صور من سجن صيدنايا تظهر تسويقا تجاريا لبعض المُنتجات على جُدران السجن ... هذا الذي حلَّ بإرث الذين أعادونا إلى الديّار ولم يعودوا".

وانتقدت صحافية تدعى رفيف السيد ما وصفته بـ "العبثية والوقاحة في التعامل مع أحد أكثر الأماكن دموية في سوريا".

وقال صحافي آخر يدعى وسيم الإخوان إن هناك جهات تحاول استغلال المآسي التي شهدها المكان من أجل كسب المال.

وأصبح سجن صيدنايا وجهة للزائرين والإعلاميين للتعرف على أكثر سجون الأسد دموية والذي أطلقت عليه منظمات حقوقية لقب "المسلخ البشري".

وهذه ليست المرة التي يرصد فيها سوريون تعرض سجون كانت تابعة لنظام الأسد للعبث والإهمال.

ففي يناير الماضي تداول نشطاء فيديو نشره فريق تطوعي يُطلق على نفسه اسم "سواعد الخير"، وهو يقوم بطلاء جدران أحد السجون في مدينة اللاذقية.

ونتيجة لذلك واجه الفريق حملة انتقادات حادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي هلى اعتبار أن ما حدث هو محاولة لطمس معالم الجريمة، داعين إلى فتح تحقيق فوري مع الفريق.

واضطر الفريق التطوعي بعدها لحذف الفيديو من على منصته، كما أغلق صفحته الرسمية على فيسبوك.

ودعت عشرات المنظمات المعنية بملف المفقودين والمعتقلين والمخفيين قسرا في سوريا، في بيان مفتوح، السلطات الجديدة الى "التحرك العاجل والفوري والصارم لإيقاف استباحة السجون ومراكز الاعتقال في سوريا والتعامل معها على أنها مسارح لجرائم وفظائع ضد الإنسانية، ومنع الدخول إليها وطمس معالمها وتصويرها والعبث بما تحويه من وثائق وأدلة".

وفور إطاحة نظام الأسد في 8 ديسمبر، خرج الآلاف من السجون، لكن مصير عشرات آلاف آخرين ما زال مجهولا وتبحث عائلاتهم عن أي أثر لهم.

وفي الساعات الأولى لوصول السلطة الجديدة الى دمشق، شكلت السجون ومراكز الاعتقال وجهة لآلاف العائلات والصحافيين وسط حالة من الفوضى ما أدى الى تضرر مستندات رسمية ونهب بعضها الآخر وضياع عدد منها.

وكانت منظمات حقوقية دولية بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش دعت السلطات الجديدة إلى "اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين وحفظ الأدلة المتعلقة بالفظائع التي ارتكبتها" سلطات الأسد، بما في ذلك "الوثائق الحكومية والاستخباراتية الهامة، فضلا عن مواقع الجرائم والمقابر الجماعية".