على مدى الأيام الماضية قطعت الإدارة الانتقالية في العاصمة السورية دمشق أشواطا كبيرة على صعيد القضية المتعلقة بتشكيل "جيش جديد" للبلاد.
وفي حين التقت بقادة فصائل مسلحة من الشمال إلى الجنوب وبددت العديد من العقبات إلا أن مواقفها المعلنة ظلّت بعيدة عن "جوهر القضية"، والتي يختصرها سؤال: كيف سيبدو هذا "الجيش الجديد" من الداخل؟
ووفقا للمعطيات القائمة ستكون عملية تشكيل "الجيش الجديد" لسوريا مبنية على توحيد عدة فصائل مسلحة، منتشرة في عموم البلاد.
كان جزء من هذه الفصائل نشطا في شمال وغرب سوريا بينما تركز نفوذ أخرى في جنوبها، كحال "اللواء الثامن" الذي يقوده القيادي السابق في المعارضة، أحمد العودة أو التشكيلات الأخرى المنتشرة في السويداء ذات الغالبية الدرزية.
لكن الأمر ليس مقتصرا على ما سبق فحسب، بل كانت تلك التشكيلات والتي من المقرر أن تتوحد في المرحلة المقبلة ضمن "جيش واحد" على خلاف واختلاف بالرؤى والأهداف والجهة التي كانت تتلقى منها الدعم.
الفصائل المنضوية في "الجيش الوطني السوري" والمنتشرة في ريف حلب الشمالي أبرز مثال على ذلك، إذ كانت تحظى ومنذ سنوات طويلة بدعم من الجانب التركي. ويشمل هذا الأمر الدعم اللوجستي والعسكري والمالي.
وأصبحت هذه الفصائل مع قادتها الآن جزءا أساسيا من وزارة الدفاع السورية التي تقود عملية تشكيل "الجيش السوري الجديد" ورسم هيكليته.
في المقابل وبالنظر إلى "اللواء الثامن" في جنوب سوريا فقد كان قائده أحمد العودة قد تقلب على أكثر من ضفة، منذ بدايات الحراك المسلح في البلاد.
العودة كان أولا قائد لفصيل عسكري ضمن "الجبهة الجنوبية" المدعومة والمشكلة من غرفة "الموك". وبعد عام 2018 انحرفت بوصلته باتجاه موسكو، ووصل في آخر المحطات إلى التنسيق غير المعلن مع مخابرات نظام الأسد في درعا السورية.
وتنسحب الحالتين المذكورتين أيضا إلى "هيئة تحرير الشام" التي قادت عملية إسقاط نظام الأسد عسكريا. ورغم أنها كانت قد تقلبت أيضا على صعيد الأسماء والأهداف والخطاب، إلا أنها بقيت كجسم عسكري له غاية خاصة به وعقيدة أيضا وجسم مدني وسياسي.
"علامات استفهام"
ويعتقد الخبير في الشؤون السورية بمؤسسة القرن، آرون لوند أن هناك العديد من "علامات الاستفهام" حول قدرة الإدارة التي يقودها، أحمد الشرع على بناء "جيش سوري موحد".
وخلال حديثه لموقع "الحرة" يشير إلى أن "الجيش" قد يكون موحدا بالفعل في الظاهر لكن صورته من الداخل قد تكون مغايرة لذلك.
والحكومة الجديدة في دمشق كانت بدأت بداية جيدة، بالنظر إلى الظروف، لكن على المدى الطويل "تبدو الأمور صعبة للغاية"، يتابع لوند.
ويوضح أن "سوريا تواجه مشكلات هيكلية كبيرة"، فيما ستحتاج الحكومة الجديدة "إلى دعم اقتصادي كبير لإعادة بناء نفسها".
وقال أحمد الشرع مرارا إن "الجيش الجديد" لسوريا سيكون مبنيا على المتطوعين، وأضاف قبل أيام أن هؤلاء وصلت أعدادهم للآلاف بعد سقوط نظام الأسد.
وأكد على كلامه وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة في عدة تصريحات له لوسائل إعلام غربية.
لكن الرجلان لم يغوصا حتى الآن في التفاصيل المتعلقة بشكل هذا الجيش من الداخل وما إذا كان وزارة الدفاع السورية الجديدة تمتلك القدرة على تحقيق الانسجام الكامل بين الفصائل والمقاتلين.
وكان تحرك فصائل المعارضة السورية ضد الأسد دائما مفككا، وهناك تاريخ طويل من المشاريع الفاشلة لتوحيد الصفوف، سواء في شمال البلاد أو جنوبها.
لكن بعد سقوط الأسد، أصبحت الأمور مختلفة، دون أن تزال المشكلات تماما.
وبالإضافة إلى قضية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرق سوريا، لا تزال العديد من الفصائل في الجنوب فعليا مستقلة عن الحكومة الجديدة، كما يشير الخبير لوند.
اسمي أم حقيقي؟
ولم تحسم قضية "قسد" داخل الجيش السوري الجديد حتى الآن، ويتوقف الأمر بحسب المعطيات القائمة على نتائج المفاوضات التي تخوضها القوات الكردية مع إدارة الشرع.
وفيما يتعلق بفصائل الجنوب السوري، أبرزها "اللواء الثامن" الذي يقوده العودة، فمن المقرر أن تحسم هذه القضية قريبا، وباتجاه قبول قرار الاندماج الكامل وتسليم السلاح لوزارة الدفاع السورية.
ومع ذلك، يظل قبول الاندماج ضمن "الجيش السوري الجديد" شيء وتحقيق الانسجام والانصهار الكامل على صعيد الفصائل والمقاتلين في مرحلة لاحقة شيء آخر.
ويوضح الخبير العسكري السوري، العميد أسعد الزعبي أن الاختلافات المتعلقة بالهدف والتوجه والدعم كانت بالفعل قائمة وأكثر ما ميزت العلاقة بين الفصائل التي ينظر إليها الآن كأساس لـ"الجيش السوري الجديد".
لكن الزعبي يقول لموقع "الحرة" إن المشهد انقلب كليا لحظة الإعلان عن عملية "ردع العدوان". وهي التي اشتركت فيها عدة فصائل في شمال البلاد وجنوبها وانتهت بإسقاط نظام الأسد.
ويضيف: "كل هذه الخلافات أزيلت والنفوس صفيت مع بداية ردع العدوان".
كما يعتقد أنه "لن يكون هناك أي هواجس في الجيش السوري الجديد، وخاصة على صعيد الخلافات الماضية والمتعلقة باختلاف الطرف الداعم لكل فصيل عن الآخر".
ورغم أن العديد من الفصائل تتحدث بشكل إيجابي عن الانضمام إلى "الجيش الجديد الآن"، إلا أننا سنحتاج إلى الانتظار لنرى ما سيحدث، يقول لوند.
ويشرح أن "إنشاء جيش يعني تقليص قوة واستقلال القادة العسكريين - وإذا لم يحدث ذلك، فلن يكون التوحيد حقيقيا، بل مجرد إعادة تسمية لا أكثر".
كما يشير إلى أنه على مدى 13 عاما من الحرب، "أنشأت العديد من الفصائل قواعد سلطة محلية واهتمامات لن ترغب في التخلي عنها".
"أدوات ناعمة"
ولا تبدو حتى الآن أي ملامح لشكل "الجيش الجديد" لسوريا، وما إذا كان سيكون مبنيا على هيكلية مغايرة لتلك التي كان عليها "الجيش" التابع لنظام الأسد.
ويشمل ما سبق القضايا المتعلق بالألوية والفرق والتشكيلات الصغيرة، كما يضاف إليها القضايا المتعلقة بنوعية السلاح وشكله وطبيعة المهمة.
ويعتقد الباحث في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود أن ما سيتم الاعتناء به من قبل وزارة الدفاع السورية هو "الاهتمام بقادة الفصائل من خلال منحهم رتب، وكذلك مواقع مهمة في المؤسسة تتناسب مع تضحياتهم".
وكذلك الاهتمام بأن يبقى سلاح الجنود والفصائل معهم، على أن يتم استخدامه وفق تعليمات الوزارة وليس وفق تعليمات قادة الفصيل، بحسب ما يضيف الباحث لموقع "الحرة".
أما وفيما يتعلق بالاندماج فيرى فرهود أنه "سيتم بالأدوات الناعمة وليس بالأدوات الخشنة".
ويضيف أن "استخدام القوة الصلبة سيؤدي لإشعال فتيل حرب داخلية وهو ما تتجنبه الإدارة الجديدة".
ولعل أبرز "الأدوات الناعمة" لذلك هو تقوية المؤسسة الرسمية وضبط هيكليتها وإضفاء الشرعية الكاملة عليها.
ويتابع الباحث معلقا على الاستراتيجية المتبعة لوزارة الدفاع السورية قائلا إنها "تقوم على محاولة إشراك الجميع بالعمل ضمن مظلة الحكومة ووفق نهجها الجديد مع الحفاظ على اعتبارات مهمة لكل حالة على حدى".
ومن جانبه يعتبر الخبير العسكري الزعبي أن "الجيش السوري الجديد سيكون مبنيا على المتطوعين".
ويقول: "لن يكون إلا مبنيا على عقيدة الدولة والعقيدة العسكرية التي تحددها القيادة. بمعنى جيش نخبة هدفه حماية الوطن من الخارج دون أن تكون له علاقة بالسياسة الداخلية"، مضيفا: "وربما يكون هذا الأمر أدوية ومسكنات لكل ما يفكر فيه الإنسان من خلافات سابقة وحالية".