من المقرر أن تشهد سوريا بعد عشرة أيام الإعلان عن حكومة جديدة ودائمة، بحسب ما كرر أحمد الشرع مرارا، في حين أكد وزير خارجيته، أسعد الشيباني، لسوريين التقاهم في عدة اجتماعات، أن الخطوة ستحمل "مفاجآت".
ويسود اعتقاد أن "المفاجآت" التي تحدث عنها الشيباني قد تكون مرتبطة على نحو خاص ومحدد بالأسماء التي ستكون في صلب عمل الحكومة الدائمة، وقد تكون أيضا متعلقة بخلفيتها، تماشيا مع المطالب التي يؤكد عليها السوريون، ودول إقليمية وعالمية.
لكن وبعيدا عن ذلك، ما الذي يمكن أن تحمله الحكومة الجديدة لسوريا على صعيد الخدمات والشق المتعلق بالاقتصاد ولقمة عيش المواطنين؟ وهل تنجح أن تفشل؟ وعلى ماذا سيعتمد كلا الافتراضين؟
وفي المقابل، كيف يمكن تقييم آلية العمل التي سارت عليها حكومة تسيير الأعمال، التي ترأسها محمد البشير بعد سقوط نظام الأسد؟ وهل نفذت الوعود التي أطلقتها في عدة مسارات؟
وكانت حكومة البشير تسلمت دولة مترهلة مؤسساتية، مثقلة بالأزمات الخدمية، وبموارد محدودة وقيود خارجية، كما يشير الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي.

وقال، في حديثه لموقع "الحرة"، إن العديد من الوعود التي أطلقتها، وتبين صعوبة تحقيقها خلال المدة الزمنية المحددة كانت إما ناجمة عن رغبة الحكومة مسايرة توقعات العالية للسوريين، عقب سقوط الأسد.
أو أنها، بحسب ما يضيف، كانت ناجمة عن ضعف معرفة أعضاء الحكومة بالواقع وحالة مؤسسات الدولة ومحدودية حركتهم، أو بنيت على آمال مرهونة بتوقعات تحصيل دعم خارجي، لم يتحقق بعد، يتابع الدسوقي.
وأوضح الباحث أن الحكومة الحالية وجدت نفسها أمام قيود معتبرة وتحت ضغط توقعات عالية من السوريين.
واضطرت، بناء على ما سبق، إلى التسرع في العديد من القرارات والإجراءات الاقتصادية، وعلى صعيد إدارة مؤسسات الدولة، على أمل تحقيق نتائج ملموسة، وفق قوله.
"رهان وارتهان"
وكانت أبرز الوعود التي أطلقتها حكومة البشير زيادة الرواتب الشهرية للمواطنين بنسبة 400 بالمئة.
وأطلقت تعهدات استهدفت بها على نحو محدد تحسين معيشة المواطنين السوريين وعملة البلاد وتأمين احتياجاتهم، من خبز وماء وكهرباء.
لكن، وبناء على المعطيات القائمة، لم يتم الإيفاء بما سبق حتى الآن.
ويعود ذلك لعدة اعتبارات تتعلق بالدولة المتهالكة التي استلمتها إدارة أحمد الشرع من جهة، ولأسباب ترتبط بأبواب سوريا التي ما تزال موصدة مع الخارج القريب والبعيد.
وقال الباحث في الشؤون السورية بمؤسسة "القرن"، آرون لوند، أن إحياء الاقتصاد له أهمية أساسية، ومن الصعب أن نرى الحكومة الجديدة تنجح دون إحراز تقدم سريع في هذا الملف.
وقال لموقع "الحرة": "ستعتمد جميع القضايا الأخرى على وجود الموارد والخدمات الحكومية. وهذا يشمل الأمن والاستقرار وتسريح الجماعات المسلحة أو دمجها".
ومن المرجح أن يستمر الرهان الأفضل للحكومة في الضغط، من أجل إزالة العقوبات والعقبات الأخرى أمام الاستثمار في سوريا.
"هناك رجال أعمال سوريون في الشتات والدول العربية من المرجح أن يكونوا على استعداد للاستثمار. في بعض الحالات كشكل من أشكال المساعدة وفي حالات أخرى لتحقيق الربح"، يضيف لوند.
لكنه لفت، في المقابل، إلى "إحجام كثيرين (من رجال الأعمال) عن الاستثمار، بسبب الخوف من العقوبات، وخاصة المدرجة ضمن قانون قيصر الأميركي".
ورغم وجود خيارات أمام الحكومة الحالية أو الجديدة للحصول على تمويل وتنشيط الإيرادات الحكومية، فإنها تبقى مرهونة لعدة عوامل.
أولى هذه العوامل وأهمها هي "الثقة"، بحسب الدسوقي، أي كيف يقتنع الخارج (دول ومؤسسات اقتصادية) بجدوى تقديم الدعم ومساره. ولهذا اشتراطات ليست باليسيرة.
وفيما يتعلق بالإيرادات الحكومية، أوضح الباحث أن "رهن استعادة السكان الثقة بمؤسسات الدولة وتنشيط الدورة الاقتصادية ولوحده غير كافي مرحليا".
ولذلك يعتقد أن "الحكومة ستفاضل بين خيارات بما يقلل من اشتراطات عليها، لكي تكون أكثر امتلاكا للقرار الوطني".
"بين الاقتصاد والسياسة"
وفقا لمراقبين سيكون فشل أو نجاح عمل الحكومة الجديدة مرتبطا بمحددات سياسية واقتصادية، ولا يمكن فصلها عن بعضها.
ويقول هؤلاء أيضا إن هذه الحالة بدت واضحة مؤخرا، على لسان مسؤولين سوريين ومن دول عربية وغربية.
وقال الكاتب الصحفي، عبد الحميد توفيق: "مجمل العملية الاقتصادية والسياسية في سوريا متلازمة ومتداخلة بشكل كبير".
وأضاف، لموقع "الحرة"، أن "الحصول على الدعم الاقتصادي سيبقى مرهونا بخطوات سياسية تتجاوز ما يدعيه الأوروبيون وكثير من العرب على العلن".
وما قامت به حكومة تصريف الأعمال (حكومة البشير) لم يعط أي ثمرة حتى الآن، كما لم يصل إلى أي نتيجة يمكن البناء عليه، وفق توفيق.
لكنه أضاف، من جانب آخر، أن الحكومة تمكنت من تحقيق 3 أهداف "لا يمكن إنكارها".
وهذه الأهداف هي: إعادة عمل المؤسسات بشكل نسبي، والحفاظ عليها دون أن تتهدم، حفظ الأمن بنسبة عالية وإطلاق عجلة الاقتصاد دون بنى اقتصادية.
وتبقى الخيارات المتاحة أمام أي حكومة جديدة مرتبطة ومتداخلة ما بين الشق السياسي والاقتصادي، بحسب الكاتب.
ويعتقد أن عامل النجاح سيكون مرتبطا بالسياسة التي ستتبعها الولايات المتحدة الأميركية مع الإدارة السورية الجديدة، خاصة على صعيد الشق المتعلقة بالعقوبات.
فرص وتحديات
على مدى الشهرين الماضيين لم يقتصر إطلاق الوعود على لسان حكومة البشير مستهدفةً بها السوريين في الداخل، بل انسحبت لتشمل دول عربية ومجاورة.
وأبدت هذه الدول أكثر من مرة استعدادها لدعم سوريا اقتصاديا في مسعى للنهوض، وتصدرت قائمتها كل من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية.
وكان من المقرر أن تبدأ تركيا وقطر بتزويد سوريا بشبكة الكهرباء عن طريق سفن مخصصة لذلك. لكن هذا المشروع لم يبصر النور حتى الآن.
وكان من المقرر أيضا أن تضخ قطر نقودا في المصرف المركزي، لكن وحتى الآن للم تذهب أي من المؤشرات باتجاه حصول ذلك.
ويعتقد الباحث الدسوقي أن الدعم الخارجي مرتبط بنقاط محددة ترسم الخط العام لأي حكومة بسوريا، لكي تحظى بغطاء دولي. وبالتالي السياسات الداخلية والخارجية هي الأهم والشخصيات كمؤشر على تنفيذها وتطبيقها.
وأوضح أن تنشيط الاقتصاد يتطلب مؤسسات محوكمة ورأسمال مجتمعي واستقرار سياسي وأمني. ويشير إلى أن "الأمور متداخلة، والتركيز على بُعد وتجاهل أخر يفضي إلى مسار مجتزأ ويملك ما يكفي من العطالة".
"أتفهم أن يكون الاقتصاد هو مدخل للحكومة المقبلة نظرا للوضع الاقتصادي الهش وما يحمله من مخاطر اقتصادية واجتماعية وسياسية، وكذلك باعتباره مدخل يمكن أن يشكل رافعة لشرعية الحكومة المقبلة استلهاما من تجارب دول مجاورة، فضلا بأن الاقتصاد فيه مساحات معتبرة للتحرك داخليا وخارجيا"، وفق الدسوقي.
وأردف قائلا: "لكن تجربة السورية تخبرنا أن الاقتصاد بدون حوكمة ومؤسسات وفضاء معتبر من الحريات السياسية، سيولد تفاوتات وألغام ما تلبث أن تنفجر ولو بعد سنوات، لتطيح بكل ثمار النمو الاقتصادي".
ورأى الخبير في الشؤون السورية، لوند، أن أي حكومة سورية قادمة ستكون في مواجهة جملة تحديات.
وتتعلق التحديات أولا بإحجام الكثير من رجال الأعمال عن الاستثمار بسبب الخوف من العقوبات، وخاصة عقوبات قانون قيصر الأميركي.
وتذهب تحديات أخرى باتجاه أن المساعدات الخارجية المقدمة إلى سوريا باتت تتضاءل مع ارتفاع الاحتياجات.
وكانت الحرب في سوريا استمرت 13 عاما قبل سقوط نظام الأسد.
وقال لوند إن "العديد من الدول المانحة تواجه الآن صعوبات اقتصادية وتدعو إلى ضبط النفس وخفض المساعدات في الداخل".
كما أن الكثير من المساعدات التي كانت تذهب إلى سوريا في السابق أصبحت مخصصة الآن لأوكرانيا أو غزة أو لبنان، بحسب قوله.
هل تثبت إدارة الشرع نفسها؟
علاوة على ما سبق، تبرز تحديات أخرى أمام أي حكومة سورية جديدة.
وأشتر الخبير في مؤسسة "القرن"، آرون لوند، إلى أن "خفض دونالد ترامب للمساعدات الخارجية وتدميره المتعمد للوكالة الأميركية للتنمية الدولية سيكون له آثار هائلة على مجتمع المساعدات الدولية".
وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أكثر انخراطا في عمليات المساعدات مما يدركه الناس.
وبالتالي فإن "فقدان هذا التمويل والقدرة والخبرة سيكون له تأثير سلبي للغاية على سوريا والمنطقة الأوسع، بحسب لوند.
كما أضاف الخبير أن خفض المساعدات للأونروا، سيزيد من الاحتياجات بين الفلسطينيين في سوريا.
ولا توجد خطط واضحة لدى إدارة الشرع بشأن الآلية التي ستقود بها نهوض سوريا على الصعيد الاقتصادي، في مرحلة ما بعد الأسد.
وتركز الإدارة حتى الآن على مسار السياسي وآخر عسكري وأمني يتعلق بطريقة ضبط أمن البلاد وكيفية التعاطي مع القوى المتشظية، على صعيد الأهداف والانتماءات.
ويعتقد لوند أن حكومة الشرع ستحتاج في المرحلة المقبلة لإقناع الحكومات الغربية والعربية بأنها "شريك موثوق ومتعاون".
وسوف تحتاج إلى زيادة تواصلها مع الحكومات الغربية على وجه الخصوص، وبذل جهود قوية وواضحة لمعالجة مجالات اهتمامها.
ويشمل ما سبق علاقات "هيئة تحرير الشام" مع الفصائل الجهادية المتطرفة في الخارج واستضافة المقاتلين الأجانب في سوريا، بالإضافة إلى قضايا مثل اللاجئين وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ومعاملة الأقليات وقضية "قوات سوريا الديمقراطية" والقواعد الروسية وما إلى ذلك.
أما وبالنسبة للولايات المتحدة، فمن المرجح أن تكون العلاقة مع إسرائيل مهمة للغاية أيضا، كما يرى الخبير في مؤسسة "القرن".
ويؤكد بالقول: "هذه كلها قضايا سياسية، لكنها ستملي نجاح مناشدات الحكومة الجديدة لتخفيف العقوبات والدعم الاقتصادي".
وزاد: "إنه تحدٍ كبير للحكومة الجديدة. ورغم أنها سوف تتمتع ببعض الدعم مثل تركيا وقطر، ودول عربية أخرى، إلا أن هذا قد لا يكون كافيا... الوضع متقلب. وإذا قال الشرع الشيء الخطأ في اللحظة الخطأ، فقد يكون لذلك آثار كارثية، على سبيل المثال، إذا أدى ذلك إلى رد فعل سلبي من ترامب".
ويعتبر الكاتب والصحفي توفيق أنه "لا يمكن لأي جهة أن تدعم سوريا اقتصاديا دون أن ترفع الحواجز الأميركية".
وقال توفيق: "(الدول ليست جمعيات خيرية وبما فيها العربية). الضوء الأخضر بيد الأميركي. وطالما ترفع الولايات المتحدة الشارة الحمراء لا يمكن أن تتحرك العجلة في البلاد".