مخرجات الاجتماع الذي عقدته "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مع جسمها السياسي "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) والمدني الممثل بالإدارة الذاتية، قبل يومين، ينظر إليها خبراء ومراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" باتجاهين.
وبينما اعتبرها البعض أنها تعكس اختراقا "إيجابيا" على صعيد المفاوضات الحاصلة مع إدارة المرحلة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع في العاصمة السورية دمشق، قال آخرون إنها لم تأت بأي جديد، وتندرج في إطار "لعبة لشراء الوقت".
الاجتماع الثلاثي تزامن مع "رسالة" وسلسلة تحركات داخلية وخارجية.
وتمثلت التحركات الداخلية ببدء إدارة الشرع أولى الخطوات المتعلقة بـ"مؤتمر الحوار الوطني" عبر تسمية اللجنة المكلفة بتنظيمه، مع اعتزامها تسمية حكومة جديدة، بدلا عن حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها محمد البشير.

وارتبطت التحركات الخارجية بما هو أبعد من سوريا، إذ تجاوزت الحدود باتجاه تركيا والسجن الذي يقبع به عبد الله أوجلان مؤسس حزب "العمال الكردستاني" ببحر مرمرة ووصولا إلى أربيل في كردستان العراق.
أما "الرسالة" فقد كانت "قسد" قد تلقتها من أوجلان القابع بسجنه، قبل أيام، ولم يكشف عن تفاصيلها حتى الآن.
وجاء في الاجتماع الثلاثي أن (قسد، مسد، الإدارة الذاتية) أكدت على أهمية الحوار القائم مع دمشق، وأبدت حرصها على إنجاحه، وضرورة إيجاد حل للجزئيات والقضايا التي يتم النقاش عليها، من خلال الاتفاق للوصول إلى آلية تنفيذ مناسبة.
وتشمل القضايا: دمج المؤسسات العسكرية والإدارية، عودة المهجرين قسرا إلى أماكنهم الأصلية التي هُجّروا منها، وقضايا خلافية أخرى.
كما شدد الاجتماع أيضا في ختام البيان الخاص به على الوصول إلى عملية وقف إطلاق النار كضرورة لا بد منها للتقدم في الحوار، ودعا إدارة الشرع إلى تحمل مسؤولياتها بما يخص ذلك.
توافق حقيقي أم "لشراء الوقت"؟
ويمكن اعتبار مخرجات الاجتماع أو حتى الصيغة الثلاثية الذي جاء به خطوة مستجدة وللأمام على صعيد مسار التفاوض الحاصل مع دمشق. لكنها تبقى من جانب واحد، ولم يبدِ الطرف المقابل بشأنها أي موقف معلن.
ويعتقد الأكاديمي السوري، فريد سعدون، أن اللقاءات بين "قسد" وإدارة دمشق لم تنقطع، وتجري وراء الكواليس بعيدا عن الإعلام.
وقال سعدون، لموقع "الحرة"، إنه وبناء على المعطيات القائمة فإن "الإشكاليات" بين الطرفين لاتزال عالقة، دون أن يعني ذلك أن كل من "قسد" ودمشق لا يعملان على تقديم المبادرات واستعراض الحلول.
سعدون يرى أن الاجتماع الثلاثي الذي تمخض عن جملة من البنود ورؤية لحل الإشكاليات يعتبر "مبادرة هامة"، كونه يعكس وجود موافقة من جانب "قسد" على الانضمام للجيش السوري الجديد، من حيث المبدأ.
وأضاف أن "الأمور العالقة المتبقية تفصيلية وستحتاج إلى تشكيل لجان".
تشمل الأمور التفصيلية عدة تساؤلات، على غرار: كيف ستنضم "قسد" للجيش الجديد؟ وما آلية ذلك؟ وأين سيخدم عناصرها وهل ستبقى كتلة واحدة أم ستنصهر بالكامل؟
وتابع الأكاديمي السوري: "الموافقة من حيث المبدأ التي أبدتها (قسد) هامة وتفتح المجال أمام الحوار بعيدا عن أي صدام".
لكن في المقابل يعتبر المحلل السياسي السوري، عمر كوش، أن اجتماع "قسد" الثلاثي لم يأت بشيء جديد، وإنما أرادت القوات الكردية من خلاله توجيه "رسائل".
وشرح، في حديثه لموقع "الحرة"، أن المواقف التي أبدتها "قسد" كانت مكررة، وإن بصياغة مختلفة قليلا.
ورغم أن القوات الكردية أكدت على الحوار كسبيل لحل الإشكاليات، فإن هذه النقطة طالما أكد عليها السوريون، وليست جديدة، يتابع كوش.
كما أضاف أن مخرجات الاجتماع المتعلقة بنية اندماج "قسد" ضمن الجيش السوري الجديد كانت بصيغة عمومية، ولم تغوص بالقضية التي سبق وأن أكدت عليها عندما اشترطت البقاء ككتلة. وهو ما رفضته إدارة الشرع في دمشق.
وعلى أساس كل ما سبق، راى المحلل السياسي أن ما عبّرت عنه "قسد" بمثابة "محاولة لشراء الوقت.. ومن أجل المماطلة".
"على ضفتين"
وتسيطر "قسد" على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا. وتشمل هذه السيطرة محافظة الحسكة بالكامل وأجزاء واسعة من محافظتي الرقة ودير الزور.
وفي حين تحظى بدعم من التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، تحت إطار محاربة تنظيم "داعش" تنظر إليها تركيا على أنها فرع سوري لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب.
ورأى عمر أبو ليلى، المختص في قضايا فض النزاعات، أنه لا حل أمام "قسد" إلا "الرضوخ للقرارات الصادرة عن دمشق"، وقال، لموقع "الحرة"، إنها "باتت تدرك أن الدول تتجه لشرعنة حكومة الشرع. وبالتالي تتحرك قبل فوات الأوان".
ووفقا لأبو ليلى أيضا كانت "قسد" تراهن خلال الأسابيع الماضية على أنها "قوة عسكرية وسياسية"، وأن دمشق لا تستطيع النأي بالنفس عن مشاركتها في الحكومة.

لكن يوما بعد يوم رأت أن الواقع مغاير لذلك، مما دفعها لاستشعار الخطر واضطرها للتوصل لقناعة بأنه "لا حل إلا مع دمشق"، على حد تعبير المختص.
وأعرب الأكاديمي السوري عن اعتقاده بأن مسار المفاوضات بين "قسد" وإدارة الشرع في دمشق يذهب باتجاه مخالف لما سبق.
وأوضح أن "الطرفين متفقان على مبدأ أساسي، وهو عدم الانجرار إلى صدام عسكري".
كما توحي مخرجات الاجتماع الثلاثي الذي عقدته "قسد" بأن التنسيق مع إدارة دمشق بدأ يتصاعد من المستويات الدنيا إلى العليا.
وأضاف الأكاديمي السوري: "ما دامت اللقاءات مستمرة مع وجود إشارات وتصريحات من الجانبين بأن الحوارات ستكون لها نتائج إيجابية نعتقد أنه يتم التمهيد الطريق للوصول إلى اتفاق شامل".
"معضلة العمال"
وتعتبر قضية اندماج "قسد" ضمن الجيش السوري الجديد أحد أبرز القضايا الخلافية مع إدارة دمشق. وفي حين تصر الأولى على البقاء كتلة واحدة، ترفض الأخيرة ذلك، وتؤكد على ضرورة الانصهار الكامل على مستوى الأفراد.
وهناك قضايا أخرى تتعلق بطبيعة الإدارة المدنية لمناطق شمال وشرق سوريا وممارسات الإقصاء، إضافة إلى مسألة ارتباط "قسد" بـ"حزب العمال الكردستاني" ووجود قيادات ومقاتلين للأخيرة في البلاد.
وسبق وأن أبدى قائد "قسد"، مظلوم عبدي، استعداده لإخراج مقاتلي "العمال الكردستاني" من مناطق سيطرة قواته في شمال وشرق سوريا، لكن مراقبين يرون أن هذه المهمة صعبة.
ويعتبر المحلل السياسي كوش أن "قسد" واجهة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي".
وقال إن هذا الحزب له مخرجات مدنية ممثلة بـ"الإدارة الذاتية" وسياسية يتصدرها "مجلس سوريا الديمقراطية" وعسكرية "وحدات حماية الشعب" الجهة المتحكمة بــ"قسد".
"بالعودة إلى تاريخ (الاتحاد الديمقراطي) فهو تشكل بإرادة وبسواعد مقاتلي حزب العمال في جبال قنديل.. وبالتالي لا تمتلك قسد حرية اتخاذ القرار فيما يخص دمجها داخل الجيش السوري الجديد"، يضيف كوش.
لكنه يردف في المقابل، أن الحالة المرتبطة بـ"قسد" و"الاتحاد الديمقراطي" لا تمنع وجود عناصر سورية (سواء كردية أو عربية) تحاول التمايز عن "جماعة قنديل"، على حد وصفه.
وتتجه الأنظار في الوقت الحالي للدعوة التي من المقرر أن يوجهها أوجلان (مؤسس العمال الكردستاني) لأعضاء وقادة حزبه المنتشر في عدة دول، بينها سوريا.
وبينما كانت التوقعات تذهب باتجاه أن يطلق أوجلان الدعوة في 15 فبراير الحالي أعلن حزب كردي ينشط في تركيا (ديم) أن الأخير وجه 3 رسائل استهدف بها "قسد" في شمال وشرق سوريا وجبال قنديل وأنصار حزبه في أوروبا.
ولم تعرف تفاصيل تلك الرسائل الثلاث، لكن الأكاديمي السوري، فريد سعدون المقيم في القامشلي بمحافظة الحسكة أشار إلى تسريبات خصّت الرسالة التي وصلت لقائد "قسد"، مظلوم عبدي.
وقال سعدون: "يقال إن أوجلان أوحى لعبدي بأن يكون الحل سياسيا وسلميا مع إدارة دمشق، كما المسار القائم الآن بينه وبين الحكومة التركية".
ويُعتبر أوجلان بالنسبة للحركة السياسية الكردية وخاصة "حزب الاتحاد الديمقراطي" "رمزا ومرجعية"، على حد تعبير الأكاديمي السوري، ولذلك يعتقد أن "عبدي لن يحيد أو يبتعد عن التوصيات التي تلقاها منه".
كما أضاف: "هذه التوصيات سيكون لها تأثير إيجابي على مسار الحوارات واللقاءات التي تجري بين قسد والإدارة الجديدة في دمشق".
"موقفان يحددان مصير التفاوض"
رغم أن المفاوضات تبدو وكأنها تمضي ضمن إطار ثنائي (دمشق – شمال وشرق سوريا)، فإن مصيرها سيكون مرتبطا على نحو كبير بمواقف عدة دول، على رأسها تركيا والولايات المتحدة الأميركية.
ولم يصدر أي تعليق من جانب الولايات المتحدة عما يجري بين "قسد" وإدارة الشرع.
وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا التي لا توجد مؤشرات فعلية أنها بصدد التراجع عن استراتيجيتها العسكرية في ضرب "حزب العمال" و"قسد".
ويميل الخبير في قضايا فض النزاعات أبو ليلى إلى أن "المفاوضات بين قسد وإدارة الشرع ستنجح".
وقال إن النجاح "مسألة وقت"، وسيكون له انعكاسات إيجابية على كامل الوضع السوري، كون القوات الكردية تسيطر على السلة الغذائية الأكبر في البلاد ومجمل الثروات.
وأضاف أبو ليلى أن "الخطوة الأخيرة المتمثلة باجتماع قسد الثلاثي تهدف إلى احتواء أي نزاعات قد تلحق بها الضرر في المرحلة المقبلة".
ولا يعتقد المحلل السياسي أن نجاح التفاوض والوصول إلى اتفاق سيكون بالأمر السهل، في المدى المنظور.
وقال: "العديد من الخطوات يمكن أن تقوم بها (قسد) للتأكيد أنها جزء من سوريا لكن جماعة حزب العمال في قنديل ليسوا في وارد الاندماج مع الحكومة الجديدة لأن طموحهم انفصالي".
ومع ذلك، لا يستبعد كوش أن تجبر الضغوطات الحاصلة الجناح السوري ضمن "قسد" للميل باتجاه التفاوض وإجبار التيارات الأخرى على اتخاذ مواقف أكثر اندماجا ضمن الجسم السوري.
وسيكون ما سبق مرتبطا بعاملين، الأول يتعلق بالموقف الذي ستتخذه تركيا وإقليم كردستان العراق والثاني بما ستكون عليه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وتابع المحلل السياسي: "قسد تماطل بانتظار موقف ترامب. إذا سحب القوات الأميركية من سوريا ستكون مضطرة للاندماج.. وفي حال فعل غير ذلك وقرر البقاء ستبقى قضيتها مستعصية".
ومن وجهة نظر الأكاديمي السوري، فريد سعدون تعطي المبادرات الحاصلة بين الطرفين (قسد، إدارة الشرع) نوع من الانطباع والارتياح، بأن هناك لقاءات وحوارات.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه الحوارات إلى "نتائج إيجابية يمكن أن يكون لها دور في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة"، بحسب الأكاديمي السوري.