أدى 14 عامًا من النزاع في سوريا إلى تدمير ما يقرب من أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي والبشري، وفقًا لتقييم أولي جديد للأثر الاجتماعي والاقتصادي أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقال البرنامج في تقرير جديد نشره يوم الخميس إنه سيستغرق ما لا يقل عن عقد من الزمن حتى تعود سوريا إلى مستوياتها الاقتصادية السابقة للحرب، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية للنمو البطيء، فقد يستغرق الأمر أكثر من 50 عامًا.
وأضاف التقرير أن الرقم الأكثر إثارة للدهشة في الوقت الحالي هو أنه إذا استمرت سوريا في النمو بمعدل المتوسط للخمس سنوات الماضية، والذي كان نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.3% سنويًا، فإنها ستعود إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 في 55 عامًا.
وأوضحت الأمم المتحدة أن الخسائر البشرية الضخمة، حيث توفي أكثر من ستمئة ألف سوري في الحرب، واختفى نحو 113 ألف شخص قسرًا مع مصير غير معلوم، والأضرار المادية، بالإضافة إلى التدهور الكامل تقريبًا للعملة الوطنية، ونفاد الاحتياطيات الأجنبية، والبطالة المنتشرة، وانحدار 90% من السكان إلى الفقر، تجعل التعافي مهمة شاقة.
ووفقًا للتقرير، في العام الذي سبق اندلاع الحرب، كان الناتج المحلي الإجمالي لسوريا 62 مليار دولار، وكان لديها معدل نمو يتجاوز 5% على مدار الخمس سنوات السابقة، أما حاليًا، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي أقل من نصف ذلك، ويبلغ 29 مليار دولار.
وقال التقرير عن تكلفة الحرب الاقتصادية إن "إجمالي الناتج المحلي المفقود المقدر خلال الفترة من 2011 إلى 2024 يبلغ حوالي 800 مليار دولار أميركي.
وأضاف أن سوريا قد تأثرت أيضًا من حيث التنمية البشرية، حيث تراجعت 40 عامًا في متوسط العمر المتوقع، ومستويات التعليم، والدخل الفردي.
يقدر التقرير، أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون الآن في فقر، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى أقل من نصف قيمته منذ بدء النزاع في عام 2011، وتضاعف معدل البطالة ثلاث مرات، وأصبح ربع السوريين عاطلين عن العمل، وزاد تدهور البنية التحتية العامة من تفاقم تأثير النزاع.
ويُقدّر التقرير أيضا أن خسارة الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 800 مليار دولار أمريكي على مدار 14 عامًا من النزاع، وأن 75 بالمئة من السوريين يعتمدون الآن على المساعدات الإنسانية ويحتاجون إلى دعم التنمية في المجالات الأساسية مثل الصحة، والتعليم، والبطالة، وانعدام الأمن الغذائي، والمياه والصرف الصحي، والطاقة، والإسكان.
وأوضح التقرير أن معدل الفقر ارتفع تقريبًا ثلاثة أضعاف من 33% قبل النزاع إلى 90% اليوم، بينما ارتفعت مستويات الفقر المدقع ست مرات من 11% إلى 66%.
وأشار تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن ما بين 40-50% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا لا يذهبون إلى المدرسة، وأنه دُمر أو تضرر بشكل شديد نحو ثلث الوحدات السكنية خلال سنوات النزاع، مما ترك 5.7 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى دعم في مجال الإيواء.

أدت سنوات النزاع أيضا إلى تضرر أكثر من نصف محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي أو توقفت عن العمل، مما ترك نحو 14 مليون شخص، أي نصف السكان، دون مياه نظيفة أو خدمات صرف صحي أو صحة.
وأفاد التقرير بأن نتاج الطاقة انخفض بنسبة 80%، حيث تعرضت أكثر من 70% من محطات الطاقة وخطوط النقل للتدمير، مما قلل قدرة الشبكة الوطنية بنسبة تزيد عن ثلاثة أرباع.
قال أكيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "إلى جانب المساعدات الإنسانية العاجلة، يتطلب تعافي سوريا استثمارات طويلة الأجل في التنمية لبناء الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لشعبها".
وأضاف "إن استعادة الإنتاجية للوظائف وإغاثة الفقر، وإعادة إحياء الزراعة من أجل الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنية التحتية للخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والطاقة، هي مفتاح لمستقبل مستدام، وازدهار، وسلام".
يقول التقرير إن التعافي يتطلب رؤية وطنية واضحة، وإصلاحات معمقة، وتنسيق فعال بين المؤسسات، فضلا عن توسيع الوصول إلى الأسواق لتعافي الاقتصاد السوري.
وأوضحت الأمم المتحدة أن العقوبات الدولية يمكن أن يكون لها أيضًا تأثير مخيف على قدرة سوريا على جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات اللازمة لإعادة بناء بنيتها التحتية واقتصادها.
وقال عبد الله الدرداري، مساعد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية إن "مستقبل سوريا يعتمد على نهج تعافٍ تنموي قوي".
وأضاف ان تحقيق ذلك يتطلب استراتيجية شاملة من خلال اجراء تحسينات في الإدارة العامة، والحوكمة، والشفافية، والمساءلة، والقدرات المؤسسية، وتقوية الخدمات الاجتماعية.
وأوضح "من خلال تنفيذ هضه الإصلاحات المترابطة، يمكننا مساعدة سوريا على استعادة السيطرة على مستقبلها، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، وتمهيد الطريق لمستقبل مرن ومزدهر للجميع في سوريا".
ذكرت الأمم المتحدة أن هذا التقييم يمثل جزءًا من سلسلة من التقييمات والتحليلات التي يتم إعدادها حاليًا من قبل فريقها في سوريا لدعم جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار.