الأمم المتحدة حذرت من تفاقم انعدام الأمن الغذائي في شمال غرب سوريا
الأمم المتحدة حذرت من تفاقم انعدام الأمن الغذائي في شمال غرب سوريا

حذرت الأمم المتحدة من "التهديدات الخطيرة للأمن الغذائي" في سوريا بسبب تداعيات الصراع على إنتاج القمح وتوفير الخبز.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في تقرير جديد نشره الجمعة، إن سوريا تظل واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً في العالم، مما يؤثر بشكل كبير على إنتاج وتوريد غذائها الأساسي، وهو الخبز.

وذكر أن الآثار المركبة والمستمرة للأزمة أثرت على إنتاج القمح وطحنه وتوفير الخبز، مما يشكل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي والرفاه العام للسكان.

بالإضافة إلى انخفاض إنتاج القمح، تعرضت البنية التحتية الحيوية للأمن الغذائي، بما في ذلك المخابز، والطواحين، والصوامع، لأضرار كبيرة منذ بداية النزاع.

علاوة على ذلك، التحديات الكثيرة التي تواجه الفاعلين في سوق القمح بسبب اضطرابات سلاسل الإمداد، وارتفاع مستويات التضخم، وزيادة التكاليف، والنقص في بعض المواد.

ففي حين أن معظم المخابز والصوامع والطواحين التي تم تقييمها لا تعمل أو تعمل جزئياً، فإنها بحاجة إلى تحديثات عاجلة في الآلات ودعم إضافي للمدخلات لتعزيز الكفاءة، وتمديد ساعات العمل، وتلبية احتياجات العرض.

بالإضافة إلى ذلك، أفاد العديد من المعنيين بأن الدعم من السلطات المحلية غير كاف أو مفقود، سيما في ما يتعلق بتكاليف التشغيل والصيانة، مما يحد من الإنتاج ويسهم في زيادة أسعار الخبز.

وبشأن انخفاض غلال القمح، ذكر تقرير الأمم المتحدة أن 58% من مزارعي القمح في شمال غرب سوريا أفادوا بتراجع الغلال في 2023-2024، لا سيما في إدلب وحماة.

ويشكل هذا الانخفاض تهديداً لتقليص توفر الخبز، وزيادة الأسعار، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي في شمال غرب سوريا في العام المقبل، حيث قد يضطر العديد من المزارعين إلى تقليص زراعة القمح أو التوقف عنها تماماً.

التقرير أشار أيضا إلى أن إنتاج المخابز على مستوى البلد لا يفي باحتياجات السكان، وأن أكبر فجوات الإنتاج سجلت في محافظتي حلب وإدلب، حيث شهدت منطقة دارة عزة في إدلب أكبر نقص بالنسبة لحجم سكانها.

علاوة على ذلك، أفاد 63% من المعنيين بأن الناس يواجهون صعوبة في تحمل تكاليف الخبز، مما يبرز تفاوت الوصول إلى الخبز واضطرابات في سلسلة الإمداد.

الأمم المتحدة أشارت إلى أنها بالتعاون مع جهات إنسانية أخرى قامت بدعم سلسلة الإمداد من القمح إلى الخبز من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية وتوفير المدخلات الأساسية لضمان توفر الخبز في شمال غرب سوريا.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.