انطلقت في العاصمة السورية، دمشق، الثلاثاء، أعمال الحوار الوطني بحضور مئات الشخصيات الممثلة لعدة أطياف في المجتمع، لكن أيضا وسط غياب شخصيات وفصائل أخرى.
اللجنة التحضيرية للمؤتمر أعلنت أنها تشاورت مع حوالي 4 آلاف شخص في جميع أنحاء البلاد، لاستطلاع وجهات نظرهم بشأن وضع تصور لإعلان دستوري وإطار اقتصادي وإصلاح مؤسسي.
ويوم الثلاثاء، انطلقت رسميا أعمال المؤتمر في قصر الشعب حضره نحو 400 شخصية تمثل المجتمع المدني وطوائف وشخصيات معارضة وفنانون.
وقال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، ماهر علوش، إن المؤتمر ينعقد "بمشاركة واسعة من جميع أطياف الشعب السوري، لوضع أسس المرحلة المقبلة، عبر نقاشات جادة ومسؤولة".
ماذا يرد المنظمون؟
وفي كلمته أمام المؤتمر، قال علوش إن محاور المؤتمر تركز على "العدالة الانتقالية والبناء الدستوري والإصلاح والحريات والاقتصاد والمجتمع المدني"
"الحوار بين السوريين بدأ لحظة إسقاط الأسد"
رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني ماهر علوش: "محاور المؤتمر تركز على العدالة الانتقالية والبناء الدستوري والإصلاح والحريات والاقتصاد والمجتمع المدني"#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/EtYrSeTSYe— تلفزيون سوريا (@syr_television) February 25, 2025
وحسب البرنامج الرسمي للحوار، تشهد فعاليات المؤتمر عقد ورش عمل متخصصة، بعد تقسيم المشاركين إلى 6 مجموعات عمل رئيسية تتناول الموضوعات التي أشار إليها علوش.
وبعد استكمال ورش العمل، يختتم المؤتمر أعماله بجلسة تتضمن الاجتماع العام والمناقشة، ثم قراءة البيان الختامي، وإصدار توصيات "سيتم البناء عليها من أجل الإعلان الدستوري والهوية الاقتصادية وخطة إصلاح المؤسسات"، وفق اللجنة.
كانت السلطة الجديدة بقيادة الشرع، قد أعلنت منذ وصولها إلى دمشق عزمها تنظيم مؤتمر الحوار الوطني. وسط مطالبات من المجتمع الدولي بضرورة أن يتضمن تمثيلا لجميع أطياف السوريين.
وشكلت السلطات لجنة تحضيرية للمؤتمر من 7 أعضاء، بينهم امرأتان، جالت خلال الأسبوع الماضي في محافظات عدة، والتقت بأكثر من 4 آلاف شخص من رجال ونساء، وفق ما أعلنت اللجنة، الأحد.
يقول منظمون إن المؤتمر سيناقش التوصيات التي قد تساعد في صياغة إعلان دستوري يهدف إلى وضع مبادئ أساسية للنظام الحاكم الجديد، ومنظومة عدالة انتقالية وإطار عمل اقتصادي جديد وخطة للإصلاح المؤسسي، من بين قضايا أخرى.
الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، أكد في كلمته أمام المؤتمر، الثلاثاء، أن "السلاح واحتكاره بيد الدولة ليس رفاهية بل فرض".
واعتبر أن "سوريا لا تقبل القسمة بل إنها كل متكامل وقوتها في وحدتها".
غياب كراي
وتتماشى هذه الدعوة مع دعوة حكام سوريا الجدد الفصائل المسلحة ومن بينها قوات سوريا الديموقراطية التي يشكل الأكراد عمادها، على تسليم أسلحتها.
وتسيطر الإدارة الكردية على جزء كبير من شمال شرق البلاد، حيث تقيم إدارة ذاتية بحكم الأمر الواقع.
ولم تتلق الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكرية، قوات سوريا الديمقراطية، دعوة للمشاركة في المؤتمر، وفق ما أعلن المنظمون في وقت سابق، باعتبار انه لم تتم دعوة أي كيانات او تشكيلات عسكرية ما زالت تحتفظ بسلاحها.
وانتقدت أحزاب من الإدارة الذاتية الكردية التمثيل "الشكلي" في المؤتمر، معتبرة أنه لا يعكس "حقيقة المكونات السورية"، بعدما جرى استثناؤها من الدعوات.
وجاء في بيان وقعه 35 حزبا، من بينهم حزب الاتحاد الديمقراطيـ أكبر الأحزاب الكردية في سوريا أن "مؤتمر الحوار الوطني الحقيقي يجب أن يكون شاملا، يضم ممثلي جميع المكونات والكتل السياسية، والأحزاب والتنظيمات الفاعلة، والقوى الاجتماعية والمدنية، لضمان حوار حقيقي يعكس إرادة السوريين".
وفي منتصف الشهر الحالي، انتقد مجلس سوريا الديمقراطية، المنبثق عن الإدارة الذاتية الكردية، اللجنة التحضيرية التي قال إنها مشكلة من "طيف وتوجّه سياسي واحد، مما يخلّ بمبدأ التمثيل العادل والشامل لكافة مكونات الشعب السوري".
وانتقد وائل وردا مرزا، مسؤول الحزب الآشوري الديمقراطي- فرع سوريا، تغييب الآشوريين عن المؤتمر، معتبرا أن القائمين عليه "يعيدون أساليب النظام السابق ويفرضون رؤية أحادية تهدد النسيج الوطني".
انتقد وائل وردا مرزا، مسؤول الحزب الآشوري الديمقراطي - فرع سوريا، تغييب الآشوريين عن #مؤتمر_الحوار_الوطني في دمشق، معتبراً أن القائمين عليه يعيدون أساليب النظام السابق ويفرضون رؤية أحادية تهدد #النسيج_الوطني. وأكد أن تغييب المكونات القومية والسياسية يقود إلى التقسيم والتدخلات… pic.twitter.com/ZjPnuNV9O9
— مجلس سوريا الديمقراطية (@SDCPressT) February 25, 2025
وتعتزم إدارة المرحلة الانتقالية تشكيل حكومة انتقالية مطلع الشهر المقبل، تعهّد وزير الخارجية أسعد الشيباني أن تكون "ممثلة للشعب السوري قدر الإمكان وتراعي تنوعه".
وغداة إعلانه في 29 يناير رئيسا انتقاليا للبلاد، تعهد الشرع إصدار "إعلان دستوري" للمرحلة الانتقالية بعد تشكيل "لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغّر" وحلّ مجلس الشعب.
وقال الشرع إن بلاده ستحتاج من أربع إلى خمس سنوات لتنظيم انتخابات.
لكن تبقى بعض المخاوف قائمة بشأن المستقبل.
وأطلق عشرات الكتاب والفنانين والحقوقيين السوريين مطلع الشهر الجاري عريضة للمطالبة بحماية الحريات في المرحلة الجديدة وانتخاب الهيئة الدستورية.
ودعت العريضة إلى “انتخاب جمعيّة تأسيسيّة وفقا لقانونٍ انتخابيّ عادل، ثمّ إقرار دستور جديد يكفل لجميع المواطنات والمواطنين حرّيّتهم وكرامتهم”.
ودعوا إلى “حلّ عادل للمسألة الكرديّة يُلبّي مطالب مواطنينا الكرد الثقافيّة واللغويّة والسياسيّة المشروعة، وذلك في إطار ٍمتوافقٍ عليه من اللامركزيّة الإداريّة”.
ووقّعت العريضة العديد من النخب الثقافية السورية، من بينهم الروائية سمر يزبك، والكاتب والناشر فاروق مردم بكـ والروائي مصطفى خليفة، والكاتب ياسين الحاج صالح، والممثل فارس الحلو، وصانعة الأفلام وعد الخطيب، والمخرجة السينمائية، هالة العبد الله، بالإضافة إلى الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي والروائية ديمة ونوس.
ووُجهت دعوات لحضور المؤتمر إلى 24 شخصا على الأقل في محافظة السويداء، موطن الطائفة الدرزية، لكن الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، حكمت الهجري، يشعر بالاستياء.
وقال الهجري في مقابلة مع رويترز إن طائفته تحترم جميع الآراء لكنها لا ترى حتى الآن القدرة على قيادة البلاد أو تشكيل دولة بالطريقة الصحيحة.
غائبون
ووفق صحيفة الشرق الأوسط، نظمت اللجنة التحضرية جلسات حوارية مع 300 شخصية في دمشق بحضور عدد من رجال الدين، بينهم الداعية محمد راتب النابلسي، إلا أن الشيخ معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف السوري المعارض ومن الشخصيات الدينية البارزة، كان غائباً، إلى جانب غياب الداعية الأزهري الشيخ أسامة الرفاعي، شقيق الراحل سارية الرفاعي، الذي شغل منصب مفتي الجمهورية.
واعتذر مدعوون مقيمون خارج سوريا عن الحضور نظرا لصعوبة ترتيب السفر بسبب ضيق المدة الفاصلة عن توجيه الدعوة وموعد المؤتمر، وفق تدويناتهم على مواقع التواصل.
سام دلة، أستاذ القانون الدستوري، كتب على فيسبوك: "تلقيت دعوة، بعد منتصف الليل، لحضور مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي سيعقد اليوم في دمشق. اعتذرت نظراً لاستحالة الوصول إلى دمشق الحبيبة، كذلك لأنني لا أرى في طريقة وتوقيت إرسال الدعوة جدية بالتعاطي مع هكذا استحقاق وطني".
جورج صبرا، الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي يعيش في فرنسا، تلقى أيضا دعوة لكنه اعتذر بسبب "ضيق الوقت".
المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السورية في عهد النظام السابق، جهاد مقدسي، الذي يعيش في واشنطن، تلقى أيضا دعوة واعتذر عن الحضور " لصعوبة الوصول السريع من واشنطن إلى دمشق".
الطبيب بكر غبيس، وهو من الشخصيات المعارضة لنظام الأسد ويعيش في الولايات المتحدة، قال إنه تلقى دعوة "لكن للأسف فان زيارتي لدمشق القصيرة كانت قد انتهت و اضطررت للعودة إلى مكان العمل في بوسطن في الولايات المتحدة"، لكنه على "ثقة بإيصال صوتنا من قبل عدد من الحاضرين من جاليتنا السورية الأمريكية الذين اتفقنا معهم على إيصال صوتنا حول عدة مبادئ وطنية سيتم نقاشها".
وكان غبيس ضمن من حضروا مؤتمر "حقبة سوريا الجديدة" في الكونغرس الأميركي لمناقشة الشأن السوري بعد سقوط الأسد بمشاركة العشرات من أبناء الجالية السورية في الولايات المتحدة.

الممثلة السورية ، سولاف فواخري، اعتذرت أيضا.
وكتبت الممثلة أنها تلقت دعوة "لمناقشة دور الفنانين في المرحلة الحالية والقادمة" لكنها اعتذرت "بسبب انشغالها".
وكتبت أن "احترام الفن وإشراكه كجزء مهم في بناء الوطن وبناء الإنسان السوري الذي يستحق الأفضل في كل مناحي الحياة".
وكانت الأنباء عن دعوتها للحضور قد لقيت انتقادات على مواقع التواصل بسبب تأييدها بشار الأسد وظهورها معه في مناسبات مختلفة.
ويقول مؤيدون إن عملية الحوار تمثل تحولا ملحوظا عن عقود من الحكم الاستبدادي لعائلة الأسد حين كان التعامل مع المعارضة السياسية غالبا من خلال نظام السجون المعقد.
وقالت هند قبوات، المسيحية الوحيدة في اللجنة التحضيرية، إن هذه العملية ديمقراطية حقيقية يرصدون فيها كل التعليقات لتكون أساسا للمناقشة.
وحضرت كاترين التلي، وهي محامية سورية في مجال حقوق الإنسان كانت قد اعتقلت لفترة وجيزة خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2011، جلسة لسكان ريف دمشق، وقالت إنها سعيدة على الرغم من المخاوف إزاء الكيفية التي سيضمن بها الدستور الجديد حقوق المسيحيين.
وأضافت "هذه بداية الحياة الديمقراطية... حيث يتم التعبير عن الآراء بحرية، وهذا شيء مميز".
وقال المطران الأرثوذكسي، إيليا طعمة، أحد المدعوين، إنه "من السابق لأوانه الحكم" على ما إذا كان المؤتمر فرصة ذات مغزى لمساهمة المواطنين في النظام الجديد.
وقال: "نحن بحاجة إلى رؤية نتائج المؤتمر قبل الحكم على نتائجه". وأضاف أنه يريد أن يرى "آلية لمتابعة تنفيذ التوصيات" التي صدرت بعد جلسات الحوار، "حتى لا يكون مجرد مؤتمر نلتقي فيه ونتحدث".
لكن داليا دالاتي، وهي موظفة عامة من حلب لا تتوقع أن يسفر المؤتمر عن أي نتائج،
فبعد ثلاثة أشهر من سقوط الأسد، قالت دالاتي إن الوضع الاقتصادي والأمني لا يزال هشًا والانقسامات تظهر بين الناس، وحكام البلاد الجدد يركزون فقط على "محاولة بناء علاقاتها الخارجية، مع الخليج، مع أميركا، مع أوروبا".