اللقاء الذي جمع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، و7 شخصيات بارزة من محافظة السويداء، قبل يومين، حمل دلالات بناء على التوقيت الذي جاء فيه، وأعطى أيضا رسائل ارتبطت بمسارين.
المسار الأول داخلي، وخصّ على نحو محدد الشكل الأخير لطبيعة العلاقة التي تربط دمشق بالسويداء ذات الغالبية الدرزية، في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
أما الثاني فهو خارجي، وذهب باتجاه التهديد الذي سبق اللقاء بساعات، والذي صدر على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بقوله: "لن نتسامح مع أي تهديد للمجتمع الدرزي في جنوب سوريا"، كما طالب بإخلاء المناطق هناك من السلاح.
وكان من بين الشخصيات التي التقت بالشرع، الإثنين، ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس "حركة رجال الكرامة"، الذي اغتيل في يوليو 2015، وجرى اتهام نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، بالوقوف وراء ذلك.
ويقود ليث حاليا عدة مجموعات محلية مسلحة، تنضوي جميعها ضمن ما يعرف بـ"مضافة الكرامة". كما تضم هذه "المضافة" قادة ومقاتلين يوصفون منذ سنوات بأنهم "رجال أبو فهد وحيد البلعوس".
وتحدث موقع "الحرة" مع نجل وحيد البلعوس، وطرح عليه عدة تساؤلات استهدفت آخر مستجدات العلاقة مع إدارة الشرع في دمشق، والموقف الذي تقف عنده التشكيلات المحلية والشخصيات البارزة في السويداء حيال التصريحات التي أطلقها نتانياهو.

"جهود لتأسيس فرقة عسكرية"
بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر 2024 بدأت الفصائل المحلية في السويداء، بما في ذلك "رجال الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس" مناقشات مع الإدارة السورية الجديدة، كما يقول البلعوس لموقع "الحرة".
ويوضح أن تلك النقاشات "تهدف إلى تحقيق اندماج وتوافق كامل بين الفصائل والجيش السوري الجديد".
وفي هذا الصدد، عُقدت اجتماعات بين ممثلين عن الفصائل المحلية ووزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، لبحث سبل تنظيم الفصائل المسلحة في السويداء ضمن "الجيش الجديد".
وأضاف البلعوس أن "هذه الجهود تسعى إلى تأسيس فرقة عسكرية في المحافظة (السويداء) على أن تتألف من أبناء المنطقة الجنوبية، لضمان استقرار وأمن المنطقة".
ماذا عن تباين الرؤى؟
وتضم السويداء السورية ذات الغالبية الدرزية، عدة تشكيلات محلية مسلحة منذ سنوات.
ومن بين هذه التشكيلات، "قوات شيخ الكرامة" التي تنضوي ضمن "مضافة الكرامة"، فضلا عن تشكيل "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل" و"أحرار جبل العرب".

كما سُلطت الأضواء كثيرا، خلال الأيام الماضية، على تشكيل جديد أعلن عنه فجأة وسُمي بـ"المجلس العسكري".
ويقول البلعوس إن بعض الفصائل "تسعى إلى الاندماج والتعاون مع الحكومة المركزية في دمشق"، دون أن يستبعد وجود فصائل أخرى "لا تزال تعبّر عن تحفظات، وتطالب بضمانات محددة قبل الانخراط الكامل".
ويشير إلى أن الفصائل المحلية في السويداء (التي تجري المناقشات مع دمشق) تسعى إلى "تعزيز التعاون مع الإدارة السورية الجديدة، لضمان استقرار المنطقة وحمايتها من أي تهديدات خارجية".
ويوضح أن الجهود القائمة في هذا الصدد، تتضمن أيضا "تنظيم السلاح وحماية الحدود الجنوبية من عصابات التهريب والإرهاب، وخلق بيئة آمنة تشجع على الاستثمار والتنمية".
كما "تؤكد الفصائل المحلية على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ورفض أي محاولات للتقسيم أو الفدرالية، التي قد تؤثر سلبا على النسيج الوطني"، وفقا لحديث البلعوس.
"نسير على مبدأ"
السويداء هي واحدة بين عدة محافظات سورية "استثنائية" على صعيد شكل السيطرة والتمثيل السياسي والعسكري.
وبعد سقوط نظام الأسد، تحولت إلى واحدة من ملفين هما الأبرز، (إلى جانب ملف قوات سوريا الديمقراطية ومناطق شمالي وشرقي سوريا)، يسود الترقب بشأن مصيرهما وطبيعة علاقتهما ككل مع إدارة الشرع.
وعلاوة على ذلك، كانت التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بشأن "حماية الدروز" ومطلب "نزع السلاح" من جنوب سوريا أثارت الكثير من التكهنات بشأن الموقف الذي سيتخذه الشارع في السويداء ذات الغالبية الدرزية، وقادتها ورجال الدين فيها.
ويوضح البلعوس أن تصريحات نتانياهو "قوبلت برفض واسع من أهالي السويداء".
ويقول إن سكان المحافظة "يسيرون على مبدأ الشيخ أبو فهد، صاحب المقولة الشهيرة: سوريا أمنّا ووطن ثاني بديل ما عنا (ليس لدينا).. إما فوق الأرض بكرامة أو تحت الأرض بكرامة.. ويا حملة الله".
وخرجت مظاهرات وسط ساحة الكرامة بالسويداء، الثلاثاء، حيث ندد المشاركون فيها بما قاله نتانياهو، وعبروا عن رفضهم لأي تدخل خارجي بالشأن السوري.
وجاء ذلك بعد الاجتماع الذي جمع الشرع مع قادة التشكيلات المحلية في المحافظة، ومن بينهم البلعوس، في صورة عكست ردا غير مباشر على ما أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويؤكد البلعوس بالقول: "نحن مع أمن المنطقة ولا نريد الحرب ولا نريد مزيدا من الدماء.. نريد سوريا واحدة موحدة بحفظ أمنها وأمانها، وحفظ أمن وأمان دول الجوار والمنطقة بشكل عام".
"تنسيق على صعيدين"
ولا تزال إدارة الشرع تؤكد سعيها لضم جميع الفصائل المسلحة في سوريا تحت راية وزارة الدفاع، وذلك في خطوات تهدف للوصول إلى "جيش سوري جديد".
وأعلنت فصائل الشمال السوري اندماجها مؤخرا تحت راية وزارة الدفاع السورية الجديدة، وكذلك الأمر بالنسبة لفصائل أخرى، بينها العاملة في منطقة التنف.
وفيما يتعلق بتشكيلات الجنوب السوري، لا تزال المناقشات جارية حتى الآن، للوصول إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، سواء في السويداء أو درعا المجاورة.
ويؤكد البلعوس أن "الفصائل المحلية تؤكد على أهمية التعاون مع الإدارة المركزية، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية".
ويوضح أن التنسيق مع الحكومة في دمشق على صعيد الأمن والجيش، يركز على أن يتولى أبناء السويداء هذه المهمة على مستوى المنطقة الجنوبية.
كما يركز التنسيق أيضا على فكرة أن "ينطوي الأمن والجيش على عقيدة صحيحة وأن يكون انتماؤه وولاؤه لله والشعب".
وفي ذات الوقت "يجب ألا يكون هذا الجيش لقمع الشعب والأهل وتشريد السوريين وتهجيرهم، بل يكون جيش لحمايتهم وأمنهم وأمانهم، وأن يكون أيضا داخل المحافظة ولا يشارك بقتال الشعب السوري إن حصل أي قتال سوري – سوري"، وفق البلعوس.
ويتابع قائد تشكيلات "مضافة الكرامة"، أن ذلك "يستند" على مبدأ الشيخ أبو فهد البلعوس: "دم السوري على السوري حرام.. هذا ما يتم التنسيق فيه".