تعيش مناطق عدة في سوريا، منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، توترات أمنية متزايدة، حيث تتكرر عمليات استهداف عناصر الأمن التابعين للسلطات الجديدة في كمائن مسلحة وهجمات مباغتة.
ووفقا لروايات رسمية أو جهات مؤيدة للسلطات الجديدة، فإن تلك الهجمات تُنسب إلى "فلول النظام السابق"، الذين يسعون إلى تقويض الاستقرار وإشاعة الفوضى عبر عمليات اغتيال واستهداف ممنهج لقوات الأمن.
وتؤكد تلك الجهات أن ما يحدث هو جزء من محاولات متواصلة لزعزعة الأمن ومنع ترسيخ سلطة الحكومة الجديدة.
ويرى منتقدو تلك الروايات أن ما يجري ليس مجرد استهداف منظم لعناصر الأمن، بل اشتباكات تنجم عن انتهاكات يُتهم بعض أفراد هذه القوات بارتكابها بحق مكونات من الشعب السوري.
ويشير هؤلاء إلى أن التوترات المتكررة تعكس حالة من الاحتقان في بعض المناطق، حيث يُتهم الأمن الجديد بممارسات تعسفية أو إجراءات قمعية، مما يثير ردود فعل عنيفة تتطور أحيانًا إلى مواجهات مسلحة.
وتوزعت الهجمات في عدة مناطق، أبرزها طرطوس، واللاذقية، وريف دمشق، وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى في صفوف تلك القوات الأمنية أو من عناصر مسلحة ومدنيين.

من الضحية؟
وفي تعليقه على على تلك الحوادث، قال المحلل السياسي، باسل معراوي، لموقع "الحرة" إن "قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية السورية باتت تتعرض لاعتداءات متكررة، تتركز معظمها في مناطق الساحل، وحمص، وأطراف دمشق، وهي مناطق تُعدّ من أبرز معاقل النظام السابق".
ولفت إلى أن تلك المناطق "تضم غالبية العناصر الأمنية والعسكرية التي كانت تابعة للنظام السابق، حيث يُتهم العديد منهم بارتكاب جرائم وانتهاكات ضد المواطنين، ولم يمتثلوا لفرصة تسوية أوضاعهم التي منحتها لهم الحكومة".
وتابع معرواي: "هذه المجموعات الهاربة تمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة، يُعتقد أنها استولت عليها من مخازن الجيش خلال فترة تفككه وانحلاله.

ولكن المحلل السياسي والخبير في الشؤون السورية، عمار وقاف، يقول لموقع "الحرة" إنه "إذا أخذنا منطقة الساحل السوري كمثال، فإن ما يحدث حاليًا هو انعدام شبه كامل للثقة بين الأمن العام والمواطنين".
وأضاف أنه "إذا قارنا بين عدد الحوادث التي تعرض فيها أفراد الأمن العام للاعتداء، مقابل الحالات التي تعرض فيها الناس لاعتداءات على يد قوات الأمن العام أو العناصر المتعاطفة معها، فإن نسبة الاعتداءات الواقعة على أفراد الأمن العام تكاد تكون لا تُذكر حتى الآن".
واستشهد وقاف بما حدث بإحدى قرى محافظة طرطوس مؤخرا، قائلا: "يدخل أربعة ملثمين إلى محل تجاري ويقتلون من بداخله أمام عدسة الكاميرا في مشهد تقشعر له الأبدان، وذلك في بلدة خراب مرقية قرب مدينة بانياس، وكل ما يسمعه أهل البلدة وجوارها هو قصة ملاحقة فلول النظام".
وذكر وقاف حادثة ثانية، قائلا: "دخلت قوة للأمن العام إلى قرية عين شمس في ريف حمص الغربي، وبدأت بإطلاق الأعيرة النارية مما أدى إلى مقتل وجرح عدد من الأهالي بالإضافة إلى اعتقال العشرات".
ويقول وقاف إن "الجميع يتفاجأ بالحادثة معروضة على شاشة متلفزة عربية محترمة وكأنها درس في فن الحرب النظيفة. والعنوان جاهز، ملاحقة (فلول النظام)".
وفي نفس السياق، يرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن " أن استفزاز المواطنين عن طريق الاعتداءات على معتقداتهم الدينية وغيرها من الاستفزازات ينذر بواقع قد ينفجر، وتصل الأمور إلى ما لا يُحمد عقباه".
وأضاف في تصريحات نشرها على الحساب الرسمي للمرصد على "فيسبوك" متحدثا عن ما جرى في مدينة القرداحة مؤخرا: "حاول عناصر الأمن الاستيلاء على منزل ضابط سابق في المدينة، بهدف تحويله إلى نقطة تابعة لقوات الأمن الداخلي".
وتابع: "وخلال العملية، أطلقوا الرصاص على صاحب المنزل، مما أدى إلى تجمع شبان في المنطقة واندلاع أعمال شغب. الأمر تصاعد إلى إطلاق نار كثيف من قبل عناصر المخفر، رغم أنه لم يكن هناك هجوم فعلي على المخفر كما زُعم".
وأشار إلى "مقُتل ضابط سابق في البحرية يُدعى (هلال) وابن شقيقه بعد استهداف سيارتهما".
وحسب المرصد السوري، فإنه منذ 8 من ديسمبر وحتى 11 فبراير، جرى توثيق، مقتل 425 شخصا نتيجة العمليات الانتقامية في محافظات متفرقة.
واحتلت محافظة حمص المرتبة الأولى من حيث أعداد القتلى، فقد تم توثيق 142 حالة قتل بينهم 107 حالات "بسبب الانتماء الطائفي".
وفي المرتبة الثانية محافظة حماة حيث قتل 138 شخص بينهم 67 حالة بسبب الانتماء الطائفي، وأما في اللاذقية وطرطوس فسجل المرصد 35 حالة على خلفيات طائفية.
وهنا يرى معراوي أن أنه "وبعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر على سقوط النظام، يبدو أن هذه الفلول استوعبت الصدمة ونظّمت نفسها، مستفيدةً من قنوات الاتصال الخارجية التي لا تزال مفتوحة. كما أن أفرادها معروفون جيدًا من قبل الجهات التي تدعمهم".
ووصل إلى أنه "إلى جانب الاعتداءات على قوات الأمن العام، هناك محاولات لاستغلال التوترات الطائفية، من خلال استهداف المراقد الدينية للأقليات بهدف توجيه الاتهامات لقوات الأمن العام، مما يهدد مساعي المصالحة الوطنية".
ماذا عن إيران؟
وفيما إذا كانت جهات خارجية تقف وراء تلك الهجمات، أجاب معراوي: "لم تُخفِ إيران، وعلى لسان كبار مسؤوليها، نيتها في إفشال التغيير الكبير الذي شهدته سوريا، أو على الأقل التشويش عليه. وقد يكون لـ(حزب الله) اللبناني دور في إدارة هذه المجموعات، بتكليف من (فيلق القدس) التابع للحرس الثوري الإيراني".
وتوقع أن تسهم "الملاحقات الأمنية، إلى جانب سياسة الحزم التي تنتهجها إدارة الأمن العام، مع مراعاة الحكمة في التعامل مع الأوضاع، في تقليل تلك الاعتداءات تدريجيًا حتى تلاشيها تمامًا".
ولكن وقاف يرفض أن تنسب الأحداث إلى جهات خارجية، وبالتالي اتهام مكونات من الشعب بالولاء والخضوع لأطراف أجنبية، موضحا: "ما يراه الناس في تلك منطقة الساحل هو اعتداءات لا تتوقف، وقتلى ومخطوفون بالعشرات في مشاهد تكاد تتكرر يومياً".
وأضاف أن ما يسمعه الأهالي من الأمن العام وأجهزة الإعلام التابعة لها والمتعاطفة معها هو عكس ما هم مقتنعون أنه حاصل، فالناس يتعرضون لاعتداءات ولحوادث الخطف والقتل والاعتقال، وكل ما يصل إلى أسماعهم هو أنهم هم الطرف المسؤول عن ذلك، لا المتضرر".
وتابع: "هذا الفصل بين ما يراه الناس وما تصر السلطة أنه حاصل يعزز من حالة عدم الثقة هذه، ويدفع الناس بعيداً عن دولتهم يوماً بعد يوم".
وأكد وقاف أن "هناك خشية حقيقية لدى الناس بسبب الأساليب الفظة التعامل، مضافاً إليه تحميلهم مسؤوليته، مضافاً عليه أيضاً سلبهم أرزاقهم عبر تسريح مئات الآلاف من وظائفهم في القطاع العام وأجهزة الدولة، والتي كانت بالكاد تكفيهم الحد الأدنى من سد الرمق".
واعتبر أن الأوضاع تتجه "نحو مزيد من عدم الاستقرار، خصوصاً إن كان هناك من لديه مصلحة في تعزيز حالة الاضطرابات".
سلسلة أحداث مقلقة
وكان آخر تلك الأحداث ما جرى ليلة، الجمعة، في بلدة جرمانا بريف دمشق، إذ قتل أحد العناصر بإطلاق نار من مسلحين تلك المدينة، وفقا لمصادر أمنية، مما أحدث حالة من التوتر.
وقبلها بنحو يومين وفي بلدة جديدة الفضل، بريف دمشق أعلن مقتل عنصرين من قوات الأمن العام الداخلي إثر هجوم نفذه مسلحون قيل أنهم من "بقايا النظام المخلوغ"، ما دفع الأمنية لبدء حملة لاعتقال المتورطين.
والثلاثاء الماضي، تعرضت إحدى دوريات الأمن العام لهجوم مسلح وإطلاق نار مباشر من قبل مجموعة مسلحة ، خلال تجولها في حي تشرين بمنطقة القابون في العاصمة دمشق.
وذكرت تقارير إعلامية أن أن اشتباكات اندلعت بين قوات الأمن العام ومجموعة يتزعمها شخص يدعى فوزي ليلا، في حي في تلك المنطقة، عقب هجوم شنته المجموعة على عناصر الأمن العام.
والأربعاء، عاد الهدوء إلى مدينة القرداحة بريف اللاذقية عقب توترات أمنية على خلفية حملة نفذتها قوات الأمن العام لـ"اعتقال مطلوبين من فلول النظام المخلوع".
وأعلن مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية، المقدم مصطفى كنيفاتي، أن القوات الأمنية نصبت حاجزا في منطقة القرداحة، مسقط رأس عائلة الأسد، في إطار حملة لضبط الأمن وحماية ممتلكات الأهالي، على حد قوله.
وأضاف كنيفاتي، أن مجموعات متضررة من فرض الأمن حاولت منع الحاجز والاعتداء عليه وإثارة الفوضى والتهجم على مخفر المدينة.

وفي 24 يناير الماضي، فرضت إدارة الأمن العام حظر تجوال بمدينة جبلة السورية وذلك في أعقاب ما ذكرته مصادر عن تصدي قوى الأمن لـ"هجوم إرهابي" على حاجز الكلية البحرية.
وأكد كنيفاتي وقتها وقتها أن تلك المحاولة قد فشلت، وأسفرت عن تحييد 3 من المهاجمين "فيما تستمر عملياتنا في ملاحقة المجرمين الفارّين"، كما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية "سانا".
وفي 14 يناير، قالت إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية إنه تم تحرير عناصر تابعة لها من قبضة "فلول نظام الرئيس المخلوع " بعد مقتل 7 من الفلول، بينهم قائد المجموعة.
وقال مصدر أمني إن اثنين من عناصر إدارة الأمن العام قتلا وأصيب آخرون إثر هجوم شنه "فلول لنظام الأسد" على دورية للإدارة في محيط القرداحة بريف اللاذقية.
وأضاف المصدر أن فلول النظام اختطفوا 7 من عناصر الأمن وهددوا بذبحهم إذا لم تنسحب القوات من المنطقة.
وأفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) بأن أحد ضابطا سابقا ويدعى، بسام حسام الدين، قد فجّر نفسه خلال الاشتباكات التي اندلعت أثناء محاولة تحرير عناصر الأمن الذين جرى خطفهم سابقا.
وبتاريخ 26 ديسمبر أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة عن مقتل 14 شخصا من عناصرها وإصابة 10 آخرين في كمين نفذته "فلول النظام السابق" في ريف محافظة طرطوس.
وذكر بيان صحفي إن "العناصر كانوا يؤدون مهامهم في حفظ الأمن وسلامة الأهالي، عندما تعرضوا للهجوم".