Syrian forces ride on military vehicles as they head to Latakia, in Aleppo
قوات تابعة للحكومة السورية في دمشق تتدخل في المواجهات التي شهدها الساحل السوري

الأحداث التي يشهدها الساحل السوري، منذ مساء الخميس، لا تشبه مثيلاتها التي حصلت في الفترة التي تلت سقوط نظام الأسد. 

ورغم أن الشرارة الأولى في كلا الظرفين أشعلتها هجمات متزامنة ضد قوات الإدارة السورية في دمشق أخذ ما حصل بالأمس طابعا أقرب إلى "التمرد المنسق"، وفق خبراء ومراقبين.

قاد هذا "التمرد" عناصر وضباط في إطار ما بات يطلق عليهم بعد محطة السقوط بـ"فلول نظام الأسد"، وشن هؤلاء هجمات بالتزامن ضد قوات "الأمن العام" السورية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 30 عنصراً وإصابة آخرين.

ولم يقتصر الأمر على ما سبق فحسب، إذ تمكن عناصر "فلول الأسد" من السيطرة على مناطق تقع في مدينة جبلة من الجهة الشمالية، بينها الكلية الحربية، بحسب صحفي تقيم عائلته هناك وتحدث لموقع "الحرة".

وأقدموا أيضا على نصب كمائن في عدة مناطق ساحلية، أسفرت في غالبيتها عن قتلى من قوات إدارة دمشق، بحسب بيانات رسمية، واستدعت استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة من جانب وزارة الدفاع التابعة لإدارة دمشق.

قوات من الأمن السوري تعزز وجودها في الساحل السوري

كيف بدأت القصة؟

الهجمات التي حصلت بالتزامن ضد قوات إدارة دمشق لم تكن تشبه الهجمات التي سبقتها في الساحل السوري، بل اختلفت من زاوية الحدة والسياق العام الذي جاءت فيه.

وينظر إليها على أنها تحرك بدعم جهات إقليمية، تتصدرها إيران، وهو ما ألمحت إليه مصادر أمنية خلال الساعات الماضية.

وهذه المرة الأولى التي تشن فيها هجمات كبيرة من هذا النوع، على صعيد قتل عناصر "الأمن العام" والسيطرة على مناطق بعينها في الساحل، منذ لحظة سقوط نظام الأسد.

علاوة على ذلك، كان لافتا في أعقاب حصول الهجمات انتشار بيانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ممهورة باسم العميد السابق في قوات "الفرقة الرابعة"، غياث دلا.

وأعلن دلا من خلال البيان تشكل ما يعرف بـ"المجلس العسكري لتحرير سوريا"، وأشار في مضمونه إلى الهدف المتعلق بقتال النظام السوري الجديد، وجاء ذلك تزامنا مع مظاهرات خرجت فجأة في طرطوس واللاذقية، وترددت فيها شعارات ضد حكومة أحمد الشرع.

الرواية الرسمية الأولى التي استعرضها مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية، المقدم مصطفى كنيفاتي ذهبت باتجاه أن الهجمات التي حصلت ضدهم "كانت منسقة ومعدة مسبقا".

وزارة الدفاع السورية قالت إنها تتعامل مع مسلحين متمردين من فلول النظام السابق

وقال كنيفاتي أيضا إن المباني الحكومية والممتلكات العامة وحتى الخاصة لم تسلم من "فلول ميليشيات الأسد"، حيث قاموا بتخريب وتكسير المرافق العامة في مدينة جبلة ومحيطها.

وردا على ما سبق دخلت وزارة الدفاع التابعة لإدارة دمشق الانتقالية على الخط، وقالت إنها بدأت بإرسال تعزيزات عسكرية لمساندة قوات "الأمن العام" التي تتعرض للهجمات المتزامنة.

وتم العمل على إرسال التعزيزات من أكثر من محافظة سورية، ووصل قسم كبير منها فجر الجمعة، بحسب بيانات رسمية نشرتها وكالة "سانا".

ماذا يجري الآن؟

تتوزع تعزيزات الفصائل التابعة لوزارة الدفاع السورية على 3 مدن هي اللاذقية وطرطوس وبانياس.

وتشمل التعزيزات قطع سلاح ثقيل ودبابات وراجمات صواريخ، وفقا لتسجيلات مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

ونقلت "سانا" عن مصدر قيادي بإدارة الأمن العام قوله إنهم بدأوا "عمليات تمشيط واسعة في مراكز المدن والقرى والبلدات والجبال المحيطة".

وأضاف أن "عمليات التمشيط سوف تستهدف فلول ميليشيات الأسد ومن قام بمساندتهم ودعمهم، ونوصي أهلنا المدنيين بالتزام منازلهم والتبليغ الفوري عن أي تحركات مشبوهة".

لا تعرف حتى الآن محاور القتال الدائر، وقال الصحفي، أنس كردي لموقع "الحرة" إن جزء من التعزيزات بدأ يصل بالتدريج إلى مدينة جبلة بريف اللاذقية.

وأضاف أن قوات الإدارة الجديدة تسيطر على قلب جبلة فيما تنتشر فلول الأسد بالمناطق التابعة لها في الجهة الشمالية، بينها الكلية الحربية.

الناشط زين عرجا ومن جانبه كتب لموقع "الحرة" عبر تطبيق "مسنجر" بعد سؤاله عن الأوضاع الحاصلة في جبلة بأن "الوضع كارثي ولا كلمات تصفه".

قوات الأمن السوري طلبت تعزيزات من وزارة الدفاع لمواجهة المسلحين في الساحل السوري

وأضاف عرجا: "الهيجان كبير في كل مكان بالساحل السوري"، وذلك بعد سؤاله عن ما يجري بالفعل على الأرض من قتال.

ويرى الباحث في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان أن "الهجمات التي حصلت مساء الخميس كانت منسقة، الأمر الذي استدعى تحركا سريعا لمحاولة ضبط الأمور".

"الأمور كانت يمكن أن تذهب لسيناريو سيء مثل سيطرة الفلول على كتل بعينها داخل الساحل"، يقول شعبان لموقع "الحرة".

ويعتبر أن عملية الضبط التي تقودها قوات الإدارة الجديدة لن تكون بالأمر السهل.

ويوضح: "الفلول كانوا يجهزون لهجماتهم منذ فترة طويلة. إنهائهم بشكل كامل سيكون صعبا.. الأمر يحتاج لمسار استخباراتي طويل لجمع ومعرفة أسماء القادة الذين يوجهونهم".

ومن جهته كتب الباحث السوري، عبد الرحمن الحاج عبر "فيس بوك" أن "الهدف مما يحصل في الساحل هو تمرد عسكري طويل الأمد يفشل الانتقال السياسي".

وقال الأكاديمي السوري، رضوان زيادة إن "فلول الأسد تحضر لتمرد عسكري طويل الأمد"، وإن "إيران تدعمه سياسيا وإعلاميا، وهدفه ضرب الاستقرار وإدخال سوريا في فوضى تفشل المرحلة الانتقالية".

كما أضاف زيادة: "يجب على الحكومة الانتقالية إبقاء المسار السياسي قائما برغم الضغوطات الأمنية من تشكيل للمجلس التشريعي وإعلان دستوري وتشكيل حكومة جديدة شاملة فيما بعد".

وأسفرت الهجمات عن سقوط أكثر من 70 قتيلاً، بينهم: 35 على الأقل من وزارتي الدفاع والداخلية، و32 من المسلحين التابعين لجيش نظام الأسد، و4 مدنيين، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وأشار المرصد إلى إصابة العشرات مع ورود معلومات عن قتلى آخرين ومفقودين وأسرى من الطرفين، وسط أنباء عن عمليات تصفية وإعدامات ميدانية للأسرى.

في غضون ذلك، لا تزال عناصر مسلحة من جيش النظام السوري السابق منتشرة في عدة بلدات وقرى في جبال الساحل السوري، حيث انتشروا في الأحياء الشمالية لمدينة بانياس، وشوهدوا على الطريق الواصل مع جبلة.

وتعرضت القوات العسكرية أيضا لكمائن على طريق طرطوس-حمص، وطريق بانياس-جبلة.

الرئيس السوري أحمد الشرع ـ الصورة لرويترز
الرئيس السوري أحمد الشرع ـ الصورة لرويترز

قالت عدة مصادر مطلعة إن بناء برج ترامب في دمشق وتهدئة التوتر مع إسرائيل ومنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى النفط والغاز السوري تندرج جميعها في خطة استراتيجية يتبناها الرئيس السوري، أحمد الشرع، في محاولة للقاء نظيره الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى الشرق الأوسط.

ويحاول جوناثان باس، وهو ناشط أميركي مؤيد لترامب، التقى مع الشرع في 30 أبريل لمدة أربع ساعات في دمشق، إلى جانب ناشطين سوريين ودول خليجية، ترتيب لقاء تاريخي، وإن كان مستبعدا للغاية، بين الرئيسين هذا الأسبوع على هامش زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات.

وتكافح سوريا لتنفيذ الشروط التي وضعتها واشنطن لتخفيف العقوبات الأميركية، والتي تبقي البلاد في عزلة عن النظام المالي العالمي وتجعل التعافي الاقتصادي صعبا للغاية بعد حرب طاحنة دامت 14 عاما.

ويأمل باس أن يساعد اجتماع ترامب مع الشرع في تخفيف موقف الرئيس الجمهوري وإدارته تجاه دمشق وتهدئة التوتر المتصاعد بين سوريا وإسرائيل. ولا تزال الولايات المتحدة تضع الشرع على قائمة الإرهاب بسبب صلاته السابقة بتنظيم القاعدة.

ويرتكز جزء من هذه الرهانات على سجل ترامب في كسر المحظورات التقليدية للسياسة الخارجية الأميركية، مثل لقائه بزعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين عام 2019.

وقال باس "الشرع يريد صفقة تجارية لمستقبل بلاده"، مشيرا إلى أن هذه الصفقة قد تشمل استغلال الطاقة والتعاون في مواجهة إيران والتعامل مع إسرائيل.

وأضاف "لقد أخبرني (الشرع) بأنه يريد بناء برج ترامب في دمشق. يريد السلام مع جيرانه. ما قاله لي جيد للمنطقة ولإسرائيل".

وأشار باس إلى أن الشرع تحدث أيضا عما يراه رابطا شخصيا بينه وبين ترامب: كلاهما تعرّض لمحاولة اغتيال ونجا منها بأعجوبة.

ولم يرد مسؤولون سوريون ولا مسؤول إعلامي في الرئاسة على طلب للتعليق.

وذكرت الرئاسة السورية أن الشرع تحدث إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأحد.

وقال مصدر مقرب من الشرع إن لقاء ترامب والشرع لا يزال ممكنا في السعودية، لكنه لم يؤكد ما إذا كان الشرع تلقى دعوة.

وأضاف المصدر "لن نعرف ما إذا كان هذا الاجتماع سيعقد أم لا حتى اللحظة الأخيرة".

جهود لترتيب لقاء

من الواضح أن عقد لقاء بين ترامب والشرع خلال زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة أمر غير مرجح على نطاق واسع، نظرا لجدول أعمال ترامب المزدحم وأولوياته والافتقار إلى التوافق داخل فريق ترامب حول كيفية التعامل مع سوريا.

وقال مصدر مطلع على الجهود الجارية إن اجتماعا سوريا أميركيا رفيع المستوى من المقرر أن يعقد في المنطقة خلال الأسبوع الذي سيزورها فيه ترامب، لكنه لن يكون بين ترامب والشرع.

وقال تشارلز ليستر، رئيس مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط "هناك بالتأكيد مساع جارية".

وأضاف "الفكرة هي أن الوصول إلى ترامب بشكل مباشر هو أفضل طريق لأن هناك الكثير من أصحاب الأيدولوجيات داخل الإدارة لدرجة يصعب تجاوزهم".

وقالت ثلاثة مصادر، أحدهم مسؤول أميركي مطلع على عملية صنع السياسات، إن واشنطن لم تتمكن بعد من صياغة وتوضيح سياسة متماسكة تجاه سوريا، لكن الإدارة تنظر بشكل متزايد إلى العلاقات مع دمشق من منظور مكافحة الإرهاب.

وذكر اثنان من المصادر أن هذا النهج اتضح خلال تشكيل الوفد الأميركي في اجتماع عقد الشهر الماضي بين واشنطن ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في نيويورك، والذي ضم مسؤولا كبيرا لمكافحة الإرهاب من وزارة الخارجية.

ووفقا للمصادر، قال مسؤولون أميركيون لشيباني إن واشنطن وجدت أن الخطوات التي اتخذتها دمشق غير كافية، وخاصة في ما يتعلق بالمطلب الأميركي باستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في الجيش وطرد أكبر عدد ممكن منهم.

وقال أحد المصادر إن وزارة الخزانة الأميركية نقلت منذ ذلك الحين مطالبها إلى الحكومة السورية، مما رفع عدد الشروط إلى أكثر من اثني عشر.

ورفضت وزارة الخارجية الأميركية الكشف عن هوية من حضر الاجتماع من الجانب الأميركي، وقالت إنها لا تعلق على المناقشات الدبلوماسية الخاصة.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جيمس هيويت، إن تصرفات السلطات المؤقتة في سوريا سوف تحدد الدعم الأميركي المستقبلي أو تخفيف العقوبات المحتمل.

غصن الزيتون

أحد الأهداف الرئيسية لمبادرات سوريا تجاه واشنطن هو توصيل رسالة مفادها أنها لا تشكل أي تهديد لإسرائيل، التي صعدت من هجماتها الجوية في سوريا منذ أن أطاحت قوات المعارضة التي أصبحت تحكم البلاد الآن بالرئيس السابق بشار الأسد في نهاية العام الماضي.

واحتلت قوات برية إسرائيلية أراضي في جنوب غرب سوريا بينما ضغطت الحكومة على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا لامركزية ومعزولة.

وقالت إسرائيل إنها تهدف إلى حماية الأقليات السورية، في حين رفضت سوريا الضربات ووصفتها بأنها تصعيدية.

وأكد الشرع الأسبوع الماضي وجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بهدف تهدئة التوترات، بعد أن ذكرت رويترز أن مثل هذه المحادثات جرت عبر الإمارات.

وفي مسعى منفصل، قال باس إن الشرع طلب منه نقل رسائل بين سوريا وإسرائيل ربما أدت إلى لقاء مباشر بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين.

لكن إسرائيل استأنفت الضربات سريعا، بما في ذلك ضربة بالقرب من القصر الرئاسي، والتي اعتبرتها رسالة إلى حكام سوريا لحماية الأقلية الدرزية في البلاد وسط اشتباكات مع المسلحين السنة.

وأضاف باس أن "الشرع أرسل غصن زيتون للإسرائيليين، وأرسلت إسرائيل الصواريخ".

وقال "نريد من ترامب المساعدة في ترتيب هذه العلاقة".