في وقت برز اسم العميد في النظام السوري السابق، غياث دلا، كأحد منسقي وقادة التمرد المسلح ضد قوات الإدارة السورية الجديدة في الساحل السوري، تثار تساؤلات عن بقية المسؤولين والضباط الكبار الذين اختفوا فجأة مع هروب بشار الأسد إلى موسكو.
وهؤلاء الضباط كانوا مثلوا لعقود اليد الضاربة لنظام الأسد في عهد الأب والابن، في المعتقلات والسجون من جهة، وعلى الأرض من جهة أخرى، حيث كانت تطلق العمليات العسكرية ضد مناهضي النظام.
ويبرز من بينهم علي مملوك الذي كان يشغل منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن الوطني وعلي محمود عباس وزير الدفاع، وعبد الكريم محمود إبراهيم رئيس "هيئة الأركان العامة"، وكفاح ملحم رئيس "مكتب الأمن الوطني" سابقا.

وبحسب قائمة حصل عليها موقع "الحرة"، يضاف إليهم قحطان خليل رئيس شعبة "المخابرات العسكرية"، ومنذر سعد إبراهيم رئيس "هيئة العمليات"، وسهيل نديم عباس مدير إدارة العمليات في جيش الأسد.
كما تضم القائمة أسماء أخرى لضباط كبار في جيش الأسد واختفوا منذ يوم الثامن من ديسمبر، وعلى رأسهم قائد "الحرس الجمهوري" غسان إسكندر طراف، وسهيل فياض أسعد قائد الفيلق الأول، إضافة إلى محمد خليف المحمد قائد الفيلق الثاني، وأحمد يوسف معلا قائد الفيلق الثالث.
كما لم يعرف مصير كل من الهيثم عساف قائد الفيلق الرابع، وعمران محمود عمران قائد الفيلق الخامس، وصالح العبد الله قائد الفرقة 25، إلى جانب سهيل الحسن قائد القوات الخاصة، وغيث ديب رئيس شعبة الأمن السياسي وحسام لوقا مدير إدارة المخابرات العامة.
وقال الباحث في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، محسن المصطفى، إن البعض منهم فرّ إلى روسيا أو ليبيا، في حين اختار آخرون اللجوء إلى العراق أو لبنان.
وفي المقابل لجأ فريق آخر من هؤلاء القادة الكبار إلى مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) أو عادوا إلى مناطقهم الأصلية، إما بحثا عن ملاذ آمن أو استعدادا للهرب في وقت لاحق، وفق حديث الباحث لموقع "الحرة".
هل يشكلون أي خطر؟
ويعتقد المصطفى أن كبار ضباط الأسد المتوارين عن الأنظار لا يبدو أنهم يشكلون تهديدا كبيرا في الوقت الراهن، لكنه يؤكد أن "خطرهم قد يتصاعد مستقبلا بحسب تطور الأحداث، وخصوصا في مناطق الساحل وأرياف حمص وحماة"، وهو ما يحصل في الوقت الحالي.
في هذه المناطق الثلاث يتم تضخيم أي عملية أمنية تنفذها وزارة الدفاع أو الأمن الداخلي على أنها تستهدف الطائفة العلوية، في حين أنها تُوجَّه في الواقع ضد فلول النظام بغض النظر عن الطائفة أو الموقع الجغرافي، كما يشير المصطفى.
وبعد سيطرة فصائل "إدارة العمليات العسكرية" على دمشق وكامل المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد سابقا اتجهت الإدارة السورية الجديدة تحت إطار "وزارة الدفاع" التي شكلتها إلى تنفيذ عمليات أمنية في عدة محافظات.
واستهدفت الحملات ما يطلق عليهم "فلول نظام الأسد". وما كان لافتا خلال الأشهر الثلاثة الماضية أن نتائج الحملات الأمنية لم تصل إلى نقطة إلقاء القبض أحد من كبار الضباط المذكورين سابقا.
إلا أن بعض المسؤولين السابقين سقطوا بقبضة الإدراة الجديدة، بينهم عاطف نجيب الذي كان سببا في اندلاع شرارة الثورة السورية بمحافظة درعا وإبراهيم حويجة رئيس المخابرات في عهد حافظ الأسد.
كما أسفرت غالبية العمليات عن اعتقال قادة ميليشيات كبيرة (كانت هذه الميليشيات مساندة لقوات الأسد الرسمية) وعناصر وضباط برتب أدنى، ومنهم ما كان يعمل في الأفرع الأمنية وآخرين في قطعات جيش الأسد سابقا.
ويعتقد الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان أن ضباط الأسد الكبار كانوا يمتلكون القدرة على "تأمين أنفسهم" والهرب في الأيام الأولى لسقوط النظام.
ورغم أنهم هربوا وتبعثروا في عدة وجهات غير معلومة بعد ذلك، فإن هذه الحالة لا تعني أنهم "انتهوا"، وفق ما قال شعبان لموقع "الحرة".
وأضاف أنه "مع الوقت قد يكون هناك محاولات لإعادة ترتيبهم"، مشيرا إلى أن "تواجدهم كمتوارين عن الأنظار يظل قضية خطرة".
3 سيناريوهات
ولاتزال إدارة أحمد الشرع الانتقالية في دمشق حتى الآن تواصل حملاتها الأمنية في مختلف المحافظات والمدن التي سيطرت عليها، وتخوض الآن مواجهات هي الأكبر من نوعها في الساحل السوري.
وفي حين تستهدف غالبية الحملات "فلول نظام الأسد"، ينطلق قسم آخر منها كرد فعل على مقتل عناصر من "جهاز الأمن العام" في منطقة هنا أو هناك.
ويرى الخبراء أن غياب الضبط الأمني الشامل لكامل المناطق التي سيطرت عليها الإدارة الجديدة في دمشق قد يؤسس لـ"لحظة خطرة".
وقال شعبان: "إذا لم تتعامل الإدارة الجديدة بحزم مع المشاكل الأمنية الراهنة ستكون في مواجهة دور جديد قد يلعبه الضباط المتوارين عن الأنظار".
وأضاف: "ثقافة القيادة الأمنية والعسكرية عند نظام الأسد كانت هرمية. عندما ذهب رأس الهرم أصبح لديهم خلل في سلسلة القيادة، لكن مع الوقت قد يكون هناك محاولات لإعادة ترتيب هذه الأمور".
ومن جهته، يشير المصطفى إلى ثلاثة سيناريوهات رئيسية يمكن أن تجعل كبار ضباط الأسد يشكلون تهديدا ملموسا لسوريا الجديدة.
وترتبط أولى هذه السيناريوهات الدعم الإقليمي والدولي، إذ يوضح المصطفى أن "تنامي خطر هؤلاء القادة الكبار يبقى واردا في حال تمكنوا من الحصول على دعم من أطراف إقليمية أو دولية، مثل إيران أو بعض الميليشيات المتحالفة معها".
وأضاف الباحث: "ولذلك من الضروري قطع أي خطوط تواصل أو إمداد تربط هؤلاء القادة بإيران أو حزب الله، مما يستدعي تشديد الدوريات على الحدود البرية، خصوصا في طرطوس وحمص، وكذلك على الحدود البحرية مع لبنان".
ويذهب السيناريو الثاني باتجاه استغلال الفوضى الداخلية. وفي حال تأخر الاستقرار في سوريا الجديدة أو استمرت الانقسامات بين القوى المحلية، وفق المصطفى، يمكن لفلول النظام أن تستغل الأمر لإثارة الفوضى أو تنفيذ عمليات انتقامية تهدف إلى زعزعة الثقة بالحكومة الجديدة.
و"الخبرات الأمنية والعسكرية التي يمتلكها قادة الأسد المتوارين عن الأنظار قد تمنحهم القدرة على تنظيم خلايا صغيرة فعّالة في هذا السياق، مما يزيد من احتمالية الاضطرابات الأمنية والعسكرية دون أن يتمكنوا من بناء مشروع موحد بسبب تفكك صفوفهم"، بحسب المصطفى.
وأضاف، متحدثا عن السيناريو الثالث بأنه يتعلق بالبعد الطائفي والمناطقي.
وشرح أن هناك خطر من أن يحاول بعض هؤلاء القادة استثمار الحساسية الطائفية والمناطقية، خاصة في مناطق الساحل التي كان للنظام السابق نفوذ كبير فيها.
وقال إن "الترويج لفكرة أن الحكومة الجديدة تستهدف الطائفة العلوية بحد ذاتها ويمكن أن يكون ورقة يستخدمونها لتجنيد المقاتلين أو إثارة اضطرابات محلية. علما أن هذه الحملات تستهدف فلول النظام بغض النظر عن الخلفية الدينية أو المذهبية أو الجغرافية".
"عوامل تقلص الخطر"
وسبق وأن كشفت متابعات موقع "الحرة" لملف الضباط وقادة النظام السوري الذين رفضوا مغادرة العراق إلى بلادهم، أنه بعد نقلهم إلى بغداد في ظل إجراءات أمنية مشددة، قُسِّموا إلى عدة مجموعات، سافرت مجموعة منهم إلى روسيا وبيلاروسيا ودولة خليجية.
ونُقلت مجموعة ثانية منهم إلى مجمع سكني في بغداد، بينما انضمت مجموعة أخرى إلى معسكر "أشرف" في محافظة ديالى شمال شرق بغداد إلى جانب مسلحي مليشيات فاطميون وزينبيون.
وكان عناصر هذه الميليشيات في سوريا قبل أن ينسحبوا أيضا إلى داخل العراق بعد سقوط نظام الأسد، بينما استقر آخرون، بينهم قادة ومسؤولون، في مدينة النجف وبلدة جرف الصخر في محافظة بابل.
غالبية الضباط والقادة السوريين المتواجدين في العراق هم من الرتب العالية (بدءا من عميد)، وهم من قادة وضباط الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار، إلى جانب مسؤولين وضباط مخابرات ومستشارين.
ويرى الباحث المصطفى أنه "يمكن تقليص خطر القادة المتوارين من خلال إجراءات حازمة"، مثل تعزيز السيطرة على الحدود لقطع أي خطوط إمداد محتملة، وتكثيف العمل الاستخباراتي لملاحقة خلايا فلول النظام، والأهم هو تعزيز المصالحة الوطنية بشكل يطمئن المكونات المختلفة للشعب السوري.
وقال: "وإذا نجحت سوريا الجديدة في هذه الجوانب، فإن خطر قادة النظام سيتضاءل بشكل كبير، وسيقتصر على محاولات محدودة للإرباك الأمني، دون تأثير استراتيجي فعلي".