عادت "قوات سوريا الديمقراطية" لتتصدر المشهد في البلاد، وذلك بعد الاتفاق التاريخي الذي وقّعه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد تلك القوات مظلوم عبدي.. فما طبيعة "قسد" وما هي أبرز الأدوار التي لعبتها على مدار السنوات الماضية.
يتكون الاتفاق من 8 بنود، وستعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية العام، في وقت تواجه فيه السلطة الجديدة تحديات أمنية خطيرة، تشكل اختباراً مبكراً لقدرتها على بسط نفوذها.
وينص على دمج المؤسسات في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، مع التزام الأكراد بدعم الدولة السورية في مكافحتها لـ"فلول نظام الأسد" وكافة التهديدات التي تواجه أمنها ووحدتها.
ويأتي الاتفاق التاريخي بين السلطة الانتقالية و"قسد" ليسلط الضوء على تطور هذا التحالف العسكري الذي تأسس عام 2015، واكتسب أهمية استراتيجية كبرى بعد أن برز لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ليتحول تدريجياً إلى قوة إقليمية تسيطر على ربع الأراضي السورية، وتمتلك قدرات عسكرية وإدارية متطورة.
نشأة التحالف
تُعد قوات سوريا الديمقراطية (SDF) تحالفاً عسكرياً يهيمن عليه الأكراد، تأسس عام 2015 بدعم أميركي، ويسيطر على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا.
يضم هذا التحالف، إلى جانب المقاتلين الأكراد، عناصر من المكونات العربية والمسيحية السريانية، لكن القيادة الفعلية تبقى لوحدات حماية الشعب الكردية.
بدأت قصة السيطرة الكردية على المنطقة عام 2012، حين انسحبت قوات نظام الأسد من المناطق ذات الغالبية الكردية، مما فتح المجال أمام الأكراد لتوطيد نفوذهم وتأسيس إدارة شبه ذاتية.
ومع انطلاق الحرب ضد تنظيم داعش، توسعت قوات سوريا الديمقراطية تدريجياً مستفيدة من الدعم الأميركي، حتى نجحت في طرد المتطرفين من آخر معاقلهم في عام 2019.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية اليوم على ما يقارب ربع الأراضي السورية، وتعتبر من أكبر القوى العسكرية في البلاد.
وتشمل مناطق سيطرتها معظم محافظة الرقة، بما فيها المدينة التي كانت معقلاً لداعش سابقاً، وأجزاء من محافظة دير الزور المجاورة، وأجزاء من محافظة حلب، بالإضافة إلى محافظة الحسكة في الشمال الشرقي.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على عشرات السجون والمخيمات التي تؤوي آلاف الإرهابيين ومشتبه بهم مع عوائلهم، ومن بينهم أجانب، في سوريا.
وتضم قسد في صفوفها ما يقدر بنحو 60 ألف إلى 70 ألف مقاتل، يتوزعون على مختلف التشكيلات العسكرية.
ويشكل المقاتلون الأكراد من وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) العمود الفقري لهذه القوات.
وتتميز قوات سوريا الديمقراطية بتنظيمها الهرمي المنضبط وخبرتها القتالية التي اكتسبتها من سنوات المواجهة مع داعش، إضافة إلى التدريب الذي تلقته من القوات الخاصة الأميركية والغربية.
وتمتلك هذه القوات ترسانة عسكرية متنوعة، معظمها من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، إلى جانب بعض المدرعات والمدفعية التي غنمتها خلال المعارك أو حصلت عليها من التحالف الدولي.
ومع ذلك، تفتقر إلى السلاح الجوي، مما يجعلها معتمدة على الغطاء الجوي الأميركي في عملياتها الكبرى.

الهيكل التنظيمي
تقود وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) تحالف قوات سوريا الديمقراطية، وقد تشكلت من قدامى حزب العمال الكردستاني (PKK) بمن فيهم القائد العام مظلوم عبدي، الذي عاد إلى سوريا بعد بداية الحرب الأهلية.
العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) - الذي تعد وحدات حماية الشعب جناحه العسكري، تمثل نقطة خلاف محورية.
فرغم ادعاء قوات سوريا الديمقراطية استقلاليتها، تعتبر تركيا الوحدات الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.
وتستمد قوات سوريا الديمقراطية فلسفتها السياسية من أفكار "الأمة الديمقراطية" التي صاغها عبد الله أوجلان خلال سنوات سجنه، وفقا لتقرير لجريدة "لوموند" الفرنسية.
وتقوم هذه الرؤية على مفهوم "الديمقراطية الراديكالية" اللامركزية التي تعطي أولوية للمجالس المحلية والتشاركية المجتمعية، مع التأكيد على مبادئ المساواة بين الجنسين والتعددية العرقية والدينية كركائز أساسية للحكم.
غير أن ما يميّز النموذج السياسي لقوات سوريا الديمقراطية هو ابتعاده عن السعي لإقامة دولة قومية كردية منفصلة، وهو خيار استراتيجي واقعي يعكس حقائق الجغرافيا والديموغرافيا.
فالمناطق الكردية في سوريا تشكل جزراً متباعدة جغرافياً وليست كتلة متصلة، كما أن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية تضم أغلبية سكانية عربية، مما يجعل الحكم الذاتي المشترك هو الخيار الأكثر استدامة.
وبعد انتصارهم في معركة كوباني عام 2015، أول مدينة استعيدت من داعش، اكتسب الأكراد احترام سكان المنطقة واعتراف القوى الغربية، التي استخدمتهم كذراعها المسلح في مكافحة الإرهاب في سوريا.
إدارة المناطق والتحديات الداخلية
من خلال الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أسست قوات سوريا الديمقراطية نظاماً إدارياً محلياً يغطي مناطق سيطرتها.
وقد نجحت هذه الإدارة في توفير الخدمات بشكل أفضل من حكومة النظام السوري، إذ تدفع رواتب أعلى لأكثر من 250 ألف موظف، حسب تقرير للمجلس الأوروبي للشؤون الخارجية.
ورغم النموذج متعدد الأعراق الذي تتبناه قوات سوريا الديمقراطية، وإنشائها مجالس محلية ذات أغلبية عربية، لا تزال هناك شكاوى مستمرة حول "اختلال توازن القوى بين العرب والأكراد في المناطق التي تسيطر عليها.
بالإضافة إلى وجود كوادر من الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب في الهيئات الإدارية.

وسبق أن أشارت لجنة الأمم المتحدة المعنية بسوريا إلى أن بعض أعضاء قوات سوريا الديمقراطية قد يكونون متورطين في معاملة قاسية للمحتجزين، وهي مزاعم وعدت المجموعة بالتحقيق فيها.
وبشكل عام، حافظت قوات سوريا الديمقراطية على الأمن في أغلب المناطق التي تسيطر عليها، رغم بقاء الوضع في بعض المناطق متقلباً مع استمرار نشاط خلايا داعش.
وكانت تركيا تهدد باستمرار بشن عملية عسكرية واسعة ضد قوات سوريا الديمقراطية، مما دفع الولايات المتحدة إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لتجنب مواجهة كبرى.
ورغم إعلان هدنة بوساطة أميركية، تتواصل الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل الموالية لتركيا في سوريا، مما أسفر عن سقوط مئات القتلى منذ منتصف ديسمبر الماضي، معظمهم من المسلحين، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.