إدارة العمليات العسكرية نصبت الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية بسوريا
الإعلان الدستوري يمنح الشرع صلاحية تعيين مجلس الشعب

تترقب الأوساط السورية مواد ونصوص "الإعلان الدستوري"، الذي من المقرر أن يتم الإعلان والكشف عنه رسميا في الساعات المقبلة، بعدما انتهت اللجنة الموكلة بوضعه من عملية الصياغة، قبل أن تسلمه، الثلاثاء، للرئيس السوري للمرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع.

"الإعلان الدستوري" هو وثيقة من شأنها أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة لسوريا، ويهدف على وجه الخصوص إلى إدارة شؤون الدولة خلال المرحلة الانتقالية، التي يعتقد أن مدتها لن تقل عن 4 سنوات.

وكان قد انبثق بعد مناقشات "مؤتمر الحوار الوطني"، ليكون "معبّرا عن إرادة جميع السوريين"، كما تقول عضو اللجنة المكلفة بصياغته، بهية مارديني.

وتقول مارديني لموقع "الحرة": "ولهذا السبب شكل الرئيس أحمد الشرع لجنة الخبراء السبعة لدراسة الأفكار المطروحة وتطويرها لضمان أن يكون الإعلان الدستوري وثيقة تعبر عن تطلعات الشعب السوري وآمالهم".

وتوضح عضو لجنة الصياغة أن الوثيقة تنظم المرحلة الانتقالية، وأنها ليست بديلا عن الدستور الدائم.

وعلى العكس تضيف مارديني أن "الإعلان الدستوري" يهيىء الأرضية لعملية دستورية شاملة تفضي إلى صياغة دستور دائم، يعكس تطلعات الشعب السوري، ويحدد شكل نظام الحكم المستقبلي.

وستكون الوثيقة سارية طوال المرحلة الانتقالية، والتي تمتد حتى تحقيق الاستقرار وإجراء استفتاء شعبي على دستور دائم، تتابع مارديني، مشيرة إلى أن "مدة هذه المرحلة ستحدد بناء على الظروف السياسية والأمنية، ومدى تقدم عملية بناء المؤسسات".

ما ملامح الإعلان الدستوري؟ 

رغم أنه لم يصدر أي شيء رسمي على صعيد البنود والنصوص التي ستتضمنها الوثيقة المرتقبة تأكد موقع "الحرة" من صحة عدد منها، بناء على مصادر معنية، وذلك بعدما تسربت جزء منها على وسائل إعلام.

وسيكون "الإعلان الدستوري" مستمدا من روح الدساتير السابقة، سواء دستور 1950 أو دستور 2012.

وينص في أولى مواده أن "الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها".

بعد ذلك تحدد وثيقة الإعلان الدستوري دين رئيس الجمهورية بالإسلام.

ويأتي فيها أن "الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع"، وأن "حرية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام".

علاوة على ذلك، سيتضمن الإعلان الدستوري عدة نصوص لافتة، من قبيل أن رئيس الجمهورية العربية السورية هو من سيتولى مهمة رئيس الوزراء في البلاد.

وستركز الوثيقة بشكل أساسي على مفهوم العدالة الانتقالية، وضرورة تطبيقها بما يضمن محاسبة المجرمين وإنصاف الضحايا وتكريم الشهداء وفق إطار قانوني شامل.

كما سيعطي الإعلان الدستوري الرئيس أحمد الشرع صلاحية تعيين مجلس الشعب، على أن يتم ضمان التوزيع العادل للمكونات والكفاءة.

بماذا يختلف عن الدستور؟

ويوضح القاضي السوري، حسين حمادة أن "الإعلان الدستوري يكتبه القائد الذي يستلم السلطة ويعبر عن وجهة نظره".

في المقابل "يكتب الدستور لجنة تطرحه على الاستفتاء الشعبي ليعبر عن رأيه في المسودة"، بحسب حمادة.

وبعد سقوط نظام الأسد، سيكون "الإعلان الدستوري" أداة ضرورية لتنظيم المرحلة الانتقالية وتجنب الفوضى، بينما سيكون الدستور الدائم تتويجا لعملية سياسية تشمل جميع السوريين، كما يوضح الخبير القانوني السوري، المعتصم الكيلاني.

ويشرح الكيلاني في حديثه لموقع "الحرة" أن الإعلان الدستوري هو وثيقة مؤقتة تُصدرها السلطة الانتقالية بعد سقوط النظام القائم، بهدف إدارة شؤون الدولة خلال المرحلة الانتقالية. 

سماسرة الزواج
ضحايا وسطاء الزواج في العراق.. سهى تحذّر
كشف المحامي محمد جمعة عبد عن تصاعد المشكلات القانونية والاجتماعية التي تواجه السوريات المتزوجات من عراقيين، خاصة مع غياب الضمانات القانونية، وأشار إلى أن السوريات غالبًا ما يتعرضن للعنف، حيث لا يمتلكن جهة تدافع عنهن كونهن بعيدات عن أهلهن.

ويكون هذا الإعلان بمثابة "دستور مؤقت" يحدد شكل الحكم، ويُنظم السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ويضع إطارا عاما لحقوق المواطنين وحرياتهم إلى حين وضع دستور دائم.

"الإعلان الدستوري ضروريا لتنظيم المرحلة الانتقالية وضمان الاستقرار ويُحدد صلاحيات الحكومة الانتقالية وآلية عملها"، يتابع القانوني السوري.

ويشير إلى أنه يرسم خارطة الطريق نحو الدستور الدائم، بما في ذلك آلية تشكيل جمعية تأسيسية أو لجنة دستورية، ويضع أيضا أسس العدالة الانتقالية، بما يضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم ومنع الفوضى.

أما الدستور الدائم فهو الوثيقة القانونية العليا التي تُصاغ بعد مرحلة انتقالية، لتعكس توافقا وطنيا حول شكل الدولة، نظام الحكم، الحقوق والواجبات، والفصل بين السلطات.

ويتم اعتماد الدستور عبر استفتاء شعبي، ليصبح الأساس القانوني للحكم في الدولة المستقرة.

وللتمييز فيما بينهما يقول الكيلاني إن "الإعلان الدستوري مؤقت ومرن، بينما الدستور الدائم ثابت وطويل الأمد".

وقد يوضع الإعلان الدستوري بقرار من سلطة انتقالية، أما الدستور فيحتاج إلى مشاركة واسعة واستفتاء شعبي.

ولا يمكن الانتقال مباشرة إلى دستور دائم في سوريا دون مرحلة انتقالية تُنظّمها وثيقة دستورية مؤقتة (الإعلان الدستوري)، بحسب ما يؤكد الخبير القانوني السوري.

أحمد الشرع
الولايات المتحدة أدانت "الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين" بعد أعمال القتل في الساحل | Source: @G_CSyria

هل انتهت المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في سوريا بمجزرة؟ وهل وقع أحمد الشرع في فخ انتقام طائفي أم في "محاولة انقلاب" نصبها "فلول نظام الأسد" بدعم إيراني؟

أسئلة عدة تطارد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع بعد أحداث الساحل، منها: هل عاد أحمد الشرع إلى ثوبه الجهادي وغطّى مجزرةً قام بها من كان يُقاتل في صفوفهم حتى الأمس القريب؟ ومن هي "العناصر غير المنضبطة" التي تحدث عنها الشرع؟ ولماذا أمر بإرسال نحو نصف مليون مقاتل إلى الساحل السوري على مرأى العالم ومسمعه؟

مهما يكن من أمر، فإن مسؤولية النظام الحاكم في سوريا كشف ومحاسبة المسؤولين عن المذابح الطائفية التي حدثت مؤخراً في الساحل السوري. ولحماية الأقليات السورية، على الدول العربية والمجتمع الدولي مسؤولية الضغط لكشف ملابسات هذه المجازر ضماناً لعدم تكرارها، حسب محللين.

شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا؟

هل توفر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شبكة حماية قانونية دولية للأقليات في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية، بعد أن أدان وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو المجازر وحدد منفذيها دون مواربة، ورفعت واشنطن الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي؟

وقال روبيو: "تدين الولايات المتحدة الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قَتلوا الناس مؤخراً في غرب سوريا. وتقف الولايات المتحدة إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم. ويتعين على السلطات المؤقتة في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر ضد الأقليات في سوريا."

وتطالب السناتور الديمقراطية جين شاهين السلطات السورية بـ"التحقيق في ما حدث، وتقديم المسؤولين عن قتل المدنيين إلى العدالة. لأن الشعب السوري لم يقم بإسقاط نظام الأسد الوحشي ليجد نفسه مجددا في ظل قمعٍ وعنفٍ أكبر".

من جهتها، تشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن المجزرة في الساحل السوري "تثير تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان أحمد الشرع راغباً أو قادراً على كبح جماح مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة التي لا تزال تعمل في جميع أنحاء البلاد". فكيف يمكن للرئيس ترامب أن يُعالج هذه المسألة بشكل جذري لمنع تكرار المذابح ضد الأقليات في سوريا؟ 

أيُّ سياسة أميركية تجاه سوريا ما بعد الأسد؟

الممثل الأميركي الخاص السابق لشؤون سوريا، جيمس جيفري، قال لبرنامج عاصمة القرار على قناة الحرّة: "على الولايات المتحدة أن تتبنى سياسةً أكثر وضوحاً وفعالية تجاه سوريا. هناك العديد من المشاكل مع حكومة دمشق الجديدة برئاسة الرئيس الشرع. ومع ذلك، فقد اتخذ( الشرع) خطواتٍ إيجابيةً عديدة. والأهم من ذلك، أنه الشخص الوحيد القادر على حكم سوريا حالياً؛ والشرع عازمٌ تماماً على إبعاد إيران. وهذا هو الشاغل الأمني الأكبر لنا في دول جوار سوريا، بما فيها إسرائيل والأردن وتركيا وغيرها."

وأضاف جيفري: "لذا، أرى أننا بحاجة إلى ربط خطواتنا المستقبلية، بما في ذلك الإعفاءات أو رفع العقوبات المحتمل وتوثيق العلاقات، بخطوات نحو مزيد من دمج الأقليات، بالإضافة إلى التحقيق في عمليات القتل حول اللاذقية. والأهم من ذلك، استبعاد أيٍّ من هؤلاء الأجانب ذوي الخلفيات الإرهابية من رعاية الحكومة السورية". 

ويقول جوشوا لانديس، مدير قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: "تريد الولايات المتحدة الاستقرار في سوريا. كما تريد حماية شركائها الأكراد. وتريد واشنطن أيضاً ضمان عدم تمدد داعش في المنطقة. وألا يُطلق سراح سجناء داعش فيعودوا إلى التآمر ضد السوريين والمجتمع الدولي".

لذا، يُضيف لانديس، فإن "الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من النظام والأكراد، أمرٌ بالغ الأهمية للولايات المتحدة، التي ترغب في ذلك. كما ستحرص الولايات المتحدة على ألا تُرهِب الحكومة الجديدة الشعب السوري، وأنها ستفي بوعودها، بإشراك جميع أطياف الشعب السوري في صياغة دستورٍ يتضمن انتخاباتٍ حرةً خلال أربع سنوات".

انتهاء "شهر العسل الانتقالي" في سوريا؟

يحذر الباحث في معهد واشنطن آرون زيلن من "انتهاء شهر العسل الانتقالي في سوريا بعد المجازر والتضليل الذي تمارسه السلطة الانتقالية حول المجازر ضد المواطنين العلويين". 

ويضيف: "إن سلوك لجنة تقصي الحقائق في سوريا سوف يؤدي إما إلى بناء شرعية الحكومة الجديدة أو تدميرها، وكذلك احتمالات انتقال مستقر للسلطة". 

وهذا ما يحتم على واشنطن بعض السياسات تجاه أحمد الشرع وفريقه: "ربما يكون من الضروري تأجيل رفع العقوبات الأميركية إلى حين التحقق بشكل ملموس من التقدم في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا. وهذا يعني تعزيز الاستقرار والعدالة الانتقالية والحكم الشامل للسوريين جميعاً، مع خدمة المصلحة الأميركية العليا المتمثلة في مواجهة إيران ووكلائها. كما أن واشنطن تحتاج إلى إجراء مناقشات صعبة مع حلفائها في أنقرة والقدس، حول تضارب مصالحهما في سوريا، وحول ضرورة ضبط تدخلهما" في الشأن السوري. 

بين أحمد الشرع و"الشيطان الذي نعرفه" !

إن "أحمد الشرع جهادي منذ فترة طويلة" يقول سيبستيان غوركا، مساعد الرئيس ترامب، لقناة الحرة.  "فهل أصلح نفسه؟ هل هو رجل أفضل الآن؟ هل هو شخص يؤمن بالحكومة التمثيلية؟ اسأل المسيحيين. اسأل العلويين في المنطقة واسأل أي أحد عانى على يديّ أحمد الشرع الجهادي. لم أجد أبدا قائدا جهاديا أصبح ديمقراطيا أو آمن بالحكومة" التمثيلية. 

لكن "لا يمكن إغفال أن سوريا كانت حاضنة للإرهاب في ظل حكم نظام الأسد" برأي ديفيد شنكر، الذي يضيف : "مثلما يفرض تواجد الشرع وهيئة تحرير الشام في السلطة تحديات، فإنه يمثل كذلك فرصا للولايات المتحدة؛ فسوريا لم تعد تشكل تهديدا عسكريا لجيرانها. كما أن دمشق اختارت ألا تجدد استئجار روسيا للقاعدة البحرية في طرطوس، ما يحد من الانتشار الروسي في البحر المتوسط. كما أن سوريا الجديدة ليس لها مصلحة في إدامة العلاقة الاستراتيجية مع طهران ووكلائها الإقليميين. ولم يعد بإمكان إيران تسليح حزب الله عن طريق الأراضي السورية."

وأضاف: "نهاية نظام الأسد كانت تطورا إيجابيا للولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. الشيطان الذي نعرفه كان سيئا لمصالح الولايات المتحدة لدرجة أنه حتى الشرع يمكن أن يكون خيارا أفضل". حسب تعبير ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال ولاية ترامب الأولى.

بدايات نظام فدرالي في سوريا؟

من ناحية أخرى، كيف يرى خبراء "عاصمة القرار" التوافقات الأخيرة بين الحكومة السورية المؤقتة والأكراد والدروز ودور الجيش الأميركي في تسهيل الاتفاق بين الشرع وقسد؟. 

"توفر هاتان الاتفاقيتان لهذه المناطق درجة من الحكم الذاتي لم نكن نعتقد أنها ستتمكن من الحصول عليها. لقد وافق الرئيس السوري الجديد على ما يبدو أنه بدايات نظام فيدرالي في الدستور الجديد. مما يعني وفقًا لكل من الأكراد والدروز درجة من الحكم الذاتي" كما يقول الباحث الأميركي جوشوا لانديس.

هذه الاتفاقات هي "خطوات في الاتجاه الصحيح" برأي السفير جيمس جيفري، الذي يطالب "المجتمع الدولي والدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة ومنظمات، بالعمل مع حكومة دمشق على تعزيز استقرار الوضع في سوريا وبالتالي في المنطقة بأسرها واحتواء إيران".

فرضت المجزرة ضد العلويين في سوريا تحديات جديدة على السلطة السورية المؤقتة وعلى داعميها لمنع انحراف المرحلة الانتقالية إلى فوضى وحرب طائفية قد تؤدي إلى تقسيم بلد منهك بالحروب. فهل ينجح التعاون الأميركي الروسي بشأن سوريا في حماية البلد وتنوعه العرقي والديني؟