مئات العلويين فروا إلى لبنان هربا من عمليات القتل الطائفية
مئات العلويين فروا إلى لبنان هربا من عمليات القتل الطائفية

موجة لجوء جديدة شهدها لبنان بعد أن عبر الآلاف من السوريين العلويين الحدود مع لبنان في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الساحل السوري.

وتثير حركة النزوح هذه العديد من المخاوف ليس فقط جراء الضغط الهائل على مناطق شمال لبنان التي تعاني أصلا من تدهور في الأوضاع المعيشية، وإنما بسبب مخاوف تتعلق بحزب الله اللبناني، والقلق من اندلاع أعمال عنف على أساس طائفي في المناطق ذات الغالبية السنية مثل طرابلس.

أطراف سياسية اعتبرت أن موجة النزوح الجديدة تبدد الرهان على إمكانية عودة اللاجئين السوريين في لبنان بعد سقوط نظام الرئيس الأسد في 8 ديسمبر 2024، فيما ذهبت أطراف أخرى إلى إبداء مخاوفها من تغيير في التركيبة السكانية.

في وقت أكد آخرون أنه وسط هذه المخاوف، استغل "حزب الله"، المصنف على قوائم الإرهاب في أميركا، التطورات في سوريا وانعاكاستها على لبنان، لتحقيق مصالح ومكاسب داخلية، وإبعاد الأنظار عن مساعيه لتعزيز حظوظه في الحصول على السلاح بعد أن قطع سقوط حليفه الأسد طرق إمداده عبر سوريا.

ضمان عودة السوريين بعد زوال الأسباب

النائب اللبناني السابق مصطفى علوش من طرابلس وصف الوضع في سوريا بـ "المأساة الحقيقية"، مشيرًا إلى أن عدد السوريين الذين عبروا الحدود اللبنانية الشمالية إلى طرابلس يُقدّر بـ "بضعة آلاف".

وأضاف أن هذا الرقم يبقى ضئيلًا مقارنةً بـ "مليون ونصف مليون سوري هربوا سابقًا بسبب خوفهم من بطش نظام الأسد".

وتابع علوش قائلاً إن هؤلاء السوريين، بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم، يُعتبرون لاجئين يمرون بأزمة حقيقية، وبالتالي من الضروري أن يتحرك لبنان لدعم الاستقرار في سوريا، كما أنه يجب ألا تتم إعادتهم دون ضمانات توفر لهم الأمان في وطنهم.

ولكنه أشار إلى أن موجة النزوح هذه تمثل "معضلة جديدة تواجه السلطات اللبنانية"، خاصة في ظل المخاوف الأمنية من تسلل عناصر بين النازحين لهم "خلفيات استخباراتية أو خبيثة"، وترغب في إشعال الفتن والنعرات الطائفية وأعمال الشغب في لبنان.

وأوضح علوش أنه يجب أن يكون هناك انتشار للجيش اللبناني على الحدود لضمان الأمن، مؤكداً أن الهدف الرئيس للسلطات اللبنانية يجب أن يكون الحفاظ على أرواح الناس وضمان عودة السوريين إلى بلادهم بعد زوال الأسباب التي أجبرتهم على اللجوء.

"اتفاق طرابلس" .. اجتماع للتأكيد على السلم الأهلي

من جهة أخرى، عبّر النائب اللبناني السابق فارس سعيد من بيروت عن مخاوفه من وصول السوريين "العلويين" إلى طرابلس، المدينة التي قال إنها شهدت لسنوات طويلة "اقتتالًا طائفيًا" بين منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية ومنطقة باب التبانة ذات الغالبية السنية.

وأضاف سعيد أن هناك خوفًا من عودة "الأمور إلى ما كانت عليه سابقًا"، ومن أجل منع تكرار تلك الأحداث، كشف سعيد عن عقد اجتماع يوم الجمعة للاتفاق على "إعلان طرابلس" بمشاركة شخصيات سنية وشيعية ومسيحية، "لتأكيد الحفاظ على السلم الأهلي والعيش المشترك بين كافة الطوائف اللبنانية".

وأشار إلى أن الخطر في مدينة طرابلس لا يكمن في استقبال السوريين ، وإنما في إمكانية "ان يستفيق شمال لبنان بظهور الشياطين القدامى" الذين قد يثيرون الفتن.

وردًا على القلق من احتمال استغلال حزب الله للوضع، قال سعيد "كلما كانت الدولة اللبنانية قوية وكان جيشها حازمًا، كلما قلت إمكانية استغلال حزب الله للوضع من أجل العودة إلى المسرح السياسي وإعادة تعزيز نفوذ إيران في المنطقة".

وعبر رجال ونساء وأطفال سوريون أحد الأنهار بحثا عن الأمان في لبنان، الثلاثاء، لينضموا إلى المئات الذين فروا إلى الدولة المجاورة خوفا على حياتهم وهربا من عمليات قتل طائفية تستهدف العلويين.

كذلك لجأ آلاف النازحين العلويين إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية على الساحل السوري بعد المجازر. ووفق المرصد، السوري لحقوق الإنسان، ترفض عائلات احتمت في القاعدة الروسية الخروج منها والعودة إلى منازلها، خوفا من تعرّضها لانتهاكات أو لكون منازلها قد دمّرت.

وقتل 1383 مدنيا على الأقل غالبيتهم العظمى من العلويين جراء أعمال عنف شهدتها منطقة الساحل في غرب سوريا اعتبارا من السادس من مارس، بحسب حصيلة جديدة كشف عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأربعاء.

وقتل هؤلاء في "عمليات إعدام على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها"، وفقا للمرصد الذي أوضح أن هذه العمليات تركزت "يومي 7 و8 مارس".، وأن الحصيلة تواصل الارتفاع لأن "توثيق أعداد القتلى لا يزال مستمرا".

وبدأت أعمال العنف تتصاعد في منطقة الساحل السوري التي يقطنها عدد كبير من العلويين، الخميس، عندما قالت الحكومة السورية إن قواتها تعرضت لهجوم من قبل مؤيدين للرئيس المخلوع بشار الأسد، وهو من الطائفة العلوية.

وتعهد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، الاثنين، بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بمن فيهم حلفاؤه إذا لزم الأمر.

سوريا استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان
سوريا استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان

خلفت المواجهات على الحدود السورية اللبنانية خلال اليومين الماضيين، مقتل 3 عناصر من القوات السورية على يد مسلحين تابعين لجماعة "حزب الله" اللبنانية، المصنفة على لائحة الإرهاب.

لكن هذه المواجهات ليست الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد بل هي الثانية والأشد أيضا من حيث الخسائر التي خلفتها، وعلى مستوى نوعية السلاح الذي استخدمه الطرفان.

وانتهت الاشتباكات بين قوات الإدارة السورية الجديدة ومسلحين من حزب الله، ينشطون في عدة مواقع وقرى وبلدات حدودية، باتفاق بنص مقتضب بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية.

ورغم أن الاتفاق كان كفيلا بتخفيف حدة التوتر، لكن لا يمكن اعتباره "حلا مستداما"، بحسب مراقبين.

يقول النائب، نزيه متى، عن حزب القوات اللبنانية، في حديث لقناة "الحرة" إن "التداخل في الحدود بين البلدين، وعدم حسم ملف الترسيم وفقًا للقرار 1680، رغم الجهود التي بذلها لبنان منذ عام 2010، يعد من أبرز التحديات التي تعيق جهود إعادة الاستقرار بين البلدين".

وأكد أن هذا الملف لا يزال عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق أي تقدم في مسار استقرار العلاقات بين لبنان وسوريا.

وأضاف متى أن عدم تأمين المنطقة يزيد من تعقيد الأمور، سيما في ظل وجود معامل لإنتاج مادة "الكبتاغون" في سوريا، وما يترتب على ذلك من تهريب لهذه المادة إلى لبنان ودول أخرى.

هذا الوضع يعزز من تدهور الأمن، ويزيد من معاناة المنطقة نتيجة عدم قدرة كلا البلدين على فرض سيطرة كاملة على حدودهما.

وأشار النائب إلى أن حزب الله والجهات الأخرى التي تحمل السلاح في المنطقة متورطة بشكل كبير في إشعال "حرب مفتوحة" بين سوريا ولبنان، وهو ما يمنع السلطات في البلدين من السيطرة على الحدود.

كما أن هذه الممارسات تعيق تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يتضمن بندا هاما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، مما يعزز حالة الانفلات الأمني.

ودعا متى الجيش اللبناني إلى تحمل كامل المسؤولية في حفظ أمن الحدود، مشددًا على أهمية إجراء تحقيق شامل للكشف عن الجهات المتورطة في تأجيج الصراع ومنع تطبيق قرار 1680 "القرار يدعو إلى حل القضايا العالقة بين لبنان وسوريا، بما في ذلك مسألة الترسيم الحدودي، بالإضافة إلى حل جميع الميليشيات المسلحة في لبنان وحصر السلاح في أيدي الجيش اللبناني".

واتفقت سوريا ولبنان الاثنين، على وقف إطلاق النار عقب اشتباكات خلال اليومين الماضيين أدت إلى مقتل جنود من الجانبين.

وذكرت وزارتا الدفاع السورية والصحة اللبنانية أن 3 جنود من الجيش السوري الجديد و7 لبنانيين قُتلوا في الاشتباكات.

واتهمت وزارة الدفاع السورية مساء الأحد عناصر من جماعة حزب الله بدخول الأراضي السورية وخطف ثلاثة من أفراد الجيش السوري الجديد وقتلهم، ونفت جماعة حزب الله ضلوعها في هذا الأمر.

وقالت وزارة الدفاع السورية والجيش اللبناني إن القوات السورية قصفت بلدات حدودية لبنانية ليلا ردا على مقتلهم.

وقال الجيش اللبناني في بيان، الاثنين، إنه سلم جثامين القتلى السوريين الثلاثة إلى السلطات السورية، وإن الوحدات العسكرية ردت على إطلاق النار من الأراضي السورية "وعمدت إلى تعزيز انتشارها وضبط الوضع الأمني".

وكانت القوات السورية خاضت مواجهات حدودية مع "حزب الله"، في فبراير الماضي. وبعد اشتباكات استمرت لأيام، حينها، وتركزت جهة مدينة القصير بريف حمص وسط البلاد، أعلنت دمشق أنها تمكنت من تأمين الحدود.