أطفال يحتلفون بعيد الفطر في إدلب السورية (أرشيف)
أطفال يحتلفون بعيد الفطر في إدلب السورية (أرشيف)

مع اقتراب أول عيد فطر بعد سقوط نظام الأسد، تسود مشاعر مختلطة في قلوب السوريين بين فرحة "التحرير" وأمل التغيير، حيث لا تزال تطغى مرارة الواقع الاقتصادي الذي لم تخف وطأته على كثير من العائلات، التي كانت تتوقع تحسنًا أكبر في أوضاعها المعيشية. 

ورغم انخفاض الأسعار مقارنةً بسنوات القهر السابقة، فإن ضعف القدرة الشرائية وانخفاض الأجور جعلا الاحتفال بالعيد مهمة شبه مستحيلة للكثيرين.

ففي منزل متواضع بإحد قرى الريف الغربي في محافظة درعا، يجلس إبراهيم قويدر (55 عامًا)، المدرس والأب لخمسة أطفال، يتأمل قائمة الأسعار التي كان يسجلها طوال سنوات، متذكرًا كيف كان الوضع في أيام النظام السابق.

 يتحدث قويدر إلى موقع "الحرة" بنبرة يغلبها التعب، قائلاً: "عانينا لسنوات طويلة من الغلاء، كنت أذهب إلى السوق وأنا أعرف أن دخلي لن يصمد لأكثر من أسبوع، مهما حاولت التقشف". 

وتابع: "كان طبق البيض بـ70 ألف ليرة، وكيلو اللحمة بـ200 ألف، وجرة الغاز بـ600 ألف. كان شراء حذاء لطفل يعني حرمان الأسرة من طعام أسبوع كامل".

"تحسن طفيف"

بعد سقوط النظام، تغيرت الأمور نسبيًا، فمع انخفاض الأسعار إلى أقل من النصف في بعض السلع، أصبح بإمكان الأسر شراء بعض المواد الأساسية، لكن المشكلة الأكبر لم تكن في الأسعار وحدها، بل في غياب السيولة المالية وضعف الرواتب.

ويتابع قويدر بحسرة: "نعم، الأسعار نزلت، لكنني براتبي البالغ 400 ألف ليرة (حوالي 30 دولارا أميركا) لا أستطيع شراء حذاء جديد لطفلي أو تأمين ملابس العيد لهم جميعًا. تحتاج العائلة إلى 5 رواتب فقط لشراء الملابس، فما بالك بالحلوى والمعجنات؟".

في هذا العيد، وكما في الأعياد السابقة، سيلجأ قويدر إلى "إعادة تدوير ملابس الأطفال القديمة"، وستكون فرحة العيد لديهم "محاولة لرسم بسمة مستعارة، وليست وليدة واقع أفضل"، على حد تعبيره.

عيد في غرفة صغيرة 

تعيش رشا محمد (42 عامًا)، المطلقة والأم لمراهقتين، مع والدتها في غرفة صغيرة مستأجرة في أحد أحياء دمشق الشعبية. 

ورغم أن "التحرير" منحها بعض الأمل، فإن الوضع المادي لا يزال يخنقها. براتبها البالغ "370 ألف ليرة سورية"، والذي لم تتسلمه منذ شهرين، لا تجد وسيلة لشراء ما تحتاجه أسرتها في العيد.

عندما وصلت المنحة المالية الأخيرة التي منحها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للموظفين (300 ألف ليرة)، لم تفكر محمد كثيرًا قبل أن تذهب إلى سوق البالة (الثياب المستعملة)، حيث اشترت قطعتين من الملابس لابنتيها، علّهما تشعران ببهجة العيد ولو قليلًا. 

لكنها تعلم أن ذلك "ليس كافيًا لزرع الفرح الحقيقي في قلبيهما"، كما تقول محمد.

تتحدث تلك الأم بألم لموقع "الحرة": "لم أعد أتذكر آخر مرة اشتريت فيها قطعة جديدة من الملابس، نحن نعيش على البالة، ونعتمد على ما نستطيع تأمينه بأرخص الأسعار. في العيد، نُحاول أن نخلق فرحة بسيطة، لكن الحقيقة أننا نعيش في دورة لا تنتهي من القلق والتقشف المجحف".

بالنسبة لها، لن يكون هذا العيد مختلفًا كثيرًا عن الأيام العادية، سوى بزيارات مقتضبة للأقارب، و"محاولة ترميم إحساس الفقد الذي تشعر به ابنتاها كل يوم".

مآسي المخيمات

في أحد المخيمات القريبة من بلدة إعزاز بريف حلب، يجلس  محمد خير حمود (45 عامًا) أمام خيمته البسيطة، يراقب طفلتيه وهما تلعبان في التراب. 

هُجّر هذا الرجل من حي التضامن جنوبي دمشق قبل سنوات، خلال ما عرف بـ"التسويات" في مناطق خفض التصعيد، ولا يزال غير قادر على العودة، فبيته مدمر، ولا يملك القدرة المالية على إصلاحه.

يعاني حمود من مرض مزمن جعله غير قادر على العمل، ليضطر للاعتماد بالكامل على الإعانات التي بالكاد تكفيه للبقاء على قيد الحياة. 

وفي العيد، يحاول ألا يُشعر طفلتيه بالعجز، لكنه يعلم أن غيابه عن السوق، وعجزه عن شراء ملابس جديدة لهما، سيجعل من عيدهما مجرد يوم آخر من أيام المخيم القاسية.

"ابني الشاب يعمل، وهو الذي يحمل معظم مسؤولية العائلة كلها.. أشعر بالذنب لأنني غير قادر على مساعدته، لكنه يعلم أنني لم أختر هذا المصير".

وزاد: "في العيد، نأكل مما يقدمه لنا أهل الخير، ونحاول أن نعيش الفرح، لكن هل يمكن أن تشعر بالعيد وأنت تعلم أنك لا تستطيع حتى العودة إلى منزلك؟".

فرحة ناقصة

وفي مدينة حمص، وسط سوريا، يعيش علي فران (49 عامًا) حياةً شاقةً كعامل "فرّاش" في مكتب عقاري، براتب بالكاد يغطي جزءا يسيرا من احتياجات أسرته. 

ويقول فران لموقع "الحرة"، إن لديه ابن وابنة لكن عندما يفكر في عيد الفطر، يشعر بالضيق لأنه غير قادر على شراء ملابس جديدة لهما.

في الأيام الأخيرة، أرسل له أحد أشقائه في الخليج مبلغًا صغيرًا لمساعدته، لكنه بالكاد يكفي لتأمين مستلزمات الطعام.

ويردف بحسرة : "لم أكن أريد أن يشعر أطفالي بالنقص، لكنني مضطر لأن أطلب منهم أن يقتنعوا بملابسهم القديمة هذا العيد. العيد بالنسبة لنا أصبح مثل أي يوم آخر، لا زيارات ولا حلويات ولا فرح كما كان في الماضي".

فران ليس وحده، فمعظم أصدقائه وجيرانه يواجهون نفس التحديات، حيث يمر العيد كغريب يطرق الأبواب، لكنه لا يترك فرحًا وراءه، من وجهة نظر ذلك الرجل الذي أرهقت كاهله سنوات الحرب الطويلة.

إنبوب النفط العراقي

رغم حالة الغموض التي تكتنف مسار العلاقات بين العراق وسوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، يبرز بين حين وآخر حديث عن محاولات لفتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين.

إحدى أهم الخطوات في هذا المجال المساعي لإحياء خط أنابيب النفط العراقي المار عبر سوريا.

وبدأت الحكومة العراقية رسميا، في أبريل الماضي، محادثات مع الجانب السوري لاستئناف تصدير النفط عبر ميناء بانياس السوري المطل على البحر المتوسط. وقد زار وفد عراقي رفيع المستوى دمشق لمناقشة خطط إعادة تأهيل الخط الذي ظل معطلا لعقود بسبب الحروب والإهمال.

وفي 25 أبريل، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أن وفدا حكوميا برئاسة حميد الشطري، رئيس جهاز المخابرات، وصل إلى دمشق بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع وعدد من المسؤولين السوريين.

وذكر البيان أن المباحثات شملت قضايا متعددة من بينها مكافحة الإرهاب، تعزيز أمن الحدود، والأهم من ذلك، بحث إمكانية إعادة تشغيل خط أنابيب النفط الواصل بين كركوك وبانياس.

مصالح استراتيجية مشتركة

يقول مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، لقناة "الحرة" إن بغداد ودمشق تتشاركان الرغبة في استئناف تشغيل الخط، الأمر الذي سيعود بالنفع على البلدين وعلى لبنان أيضا.

"المناقشات بين الحكومتين مستمرة منذ فترة، وقد شهدت مؤخرا تقدما ملموسا على مستوى اللجان الفنية".

ويضيف صالح أن التركيز الحالي منصب على الجوانب اللوجستية والفنية والقانونية، لا سيما إعادة تأهيل البنية التحتية وضمانات الأمان اللازمة لتشغيل الخط بشكل مستدام.

ويؤكد أن إعادة تشغيل الخط ستسهم في تسريع خطة العراق لتنويع مسارات تصدير النفط، خصوصا نحو الأسواق الأوروبية:

"خط كركوك–بانياس يمنح العراق مرونة استراتيجية وتكلفة أقل، خاصة في ظل التحول الإقليمي نحو الاستقرار والتنمية المستدامة".

ويشير صالح إلى أن هذا المشروع يمكن أن يعزز الاستثمار في قطاع النفط العراقي ويساعد البلاد على الوصول إلى هدف إنتاج 6 ملايين برميل يوميا، تماشيا مع الطلب العالمي المتزايد في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية.

خلفية تاريخية

أُنشأ خط أنابيب العراق–سوريا عام 1934، بطول نحو 900 كيلومتر، ويمتد من حقول كركوك شمالي العراق مرورا بالأراضي السورية. وكان ينقسم إلى فرعين: أحدهما ينتهي في بانياس، والآخر في ميناء طرابلس في لبنان.

وقد شكل هذا الخط مسارا حيويا لتصدير النفط خلال القرن العشرين، حتى أوقفه النظام السوري عام 1982 أثناء الحرب العراقية–الإيرانية. ومنذ ذلك الحين، اعتمد العراق على مسارات أخرى مثل خط العراق–تركيا (ITP).

لكن أجزاء كبيرة من خط كركوك–بانياس تعرضت للدمار والسرقة، خاصة في المناطق السورية المتأثرة بالحرب، ولم يضخ العراق أي نفط عبر الأنبوب منذ أكثر من 40 عاما.

تحديات

يرى خبير الطاقة غوفيند شيرواني أن محاولات إحياء خط كركوك–بانياس مدفوعة حاليا باعتبارات سياسية أكثر من كونها اقتصادية أو تقنية.

وفي حديثه لـ"الحرة"، يحدد شيرواني ثلاثة عوائق رئيسية:

أولها الأمن، إذ يمر الخط عبر مناطق لا تزال خارج سيطرة الحكومة السورية، حيث تنشط خلايا داعش وجماعات مسلحة أخرى".

ويحذر شيرواني من أن ضمان الأمن الكامل على طول المسار شرط أساسي لأي تقدم.

العائق الثاني يتجسد في الحالة الفنية. ويشير خبير الطاقة إلى أن الخط الحالي "قديم، متآكل، وتعرض للتلف في عدة مناطق بشكل لا يمكن إصلاحه". هناك حاجة لإنشاء خط جديد كليا أو تعديل المسار بناء على الوضع الميداني.

وأخيرة العائق المالي، فبناء خط جديد بطول 800 كيلومتر سيستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات، وسيتطلب ميزانية تتراوح من 4 إلى 5 مليارات دولار، تشمل الأنابيب ومحطات الضخ ومراكز المراقبة والأمن.

خيارات بديلة

تزامنت عودة الاهتمام العراقي بالمسار السوري مع استمرار المفاوضات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان والشركات الدولية لاستئناف صادرات النفط عبر تركيا، والتي توقفت منذ أكثر من عامين بقرار من محكمة التحكيم الدولية في باريس لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات نفط الإقليم.

وأوضح شيرواني أن مقارنة خطي بانياس وجيهان التركي أمر طبيعي، لكنه أضاف: "خط جيهان جاهز من الناحية الفنية، والعوائق أمامه محدودة تقنيا وماليا، أما خط بانياس فهو مشروع جديد تماما ويتطلب دراسة جدوى اقتصادية كاملة".

ومع ذلك، يرى شيرواني أن كلا المسارين مهمان ويتوافقان مع سياسة العراق الرامية إلى تنويع منافذ التصدير وتقليل الاعتماد على الممرات المهددة في منطقة الخليج، خاصة مع التوترات المستمرة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائهما الإقليميين.

وبحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا إلى "الحرة"، فإن إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس قد تحقق عوائد مالية كبيرة لسوريا، من خلال خلق آلاف من فرص العمل، والمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى دعم سوق الوقود المحلي عبر تكرير النفط العراقي بأسعار مخفضة في مصفاة بانياس.

العقبة الإيرانية

يؤكد المستشار الاقتصادي السوري، أسامة القاضي، أن المشروع اقتصادي في جوهره، لكنه معقد سياسيا وأمنيا، خاصة بسبب النفوذ الإيراني في العراق.

يقو القاضي إن المشكلة لا تتعلق بالبنية التحتية فقط، بل بوجود فصائل داخل العراق تعارض الحكومة السورية الجديدة، وتعتبرها دمشق أدوات إيرانية.

"طالما بقيت هذه الأطراف نشطة، لا أعتقد أن المشروع سيمضي قدما، حتى وإن تم توقيع الاتفاق".

ويرى القاضي أن على بغداد اتخاذ موقف واضح ضد التدخلات الخارجية. ويلفت إلى أن التوترات الطائفية ما زالت تعيق التعاون الإقليمي.

تفاؤل حذر

رغم أن إعادة إحياء خط كركوك–بانياس يمثل فرصة استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية لكلا البلدين، لا تزال العقبات أمام تحقيقه كبيرة. ويعتمد التقدم في هذا المشروع على حلول هندسية واستثمارات مالية، إلى جانب تحسين الوضع الأمني وتسوية النزاعات السياسية العالقة.

في الوقت الراهن، يُعد المشروع اختبارا لإمكانية الاندماج الاقتصادي الإقليمي، وقدرة الدول الخارجة من النزاعات على التحول نحو تعاون مستدام.