"المطالب" التي حددتها الولايات المتحدة الأميركية لإدارة أحمد الشرع في سوريا مقابل إقدامها على الرفع الجزئي لبعض العقوبات المفروضة على سوريا بينها ما هو قابل للامتثال والتطبيق من قبل دمشق بينما تبدو أخرى بسقف مرتفع و"بثمن قليل"، كما يقول خبراء ومراقبون.
وتم الكشف عن هذه الشروط ضمن تقرير لوكالة "رويترز"، قبل يومين، وجاء ذلك في وقت كانت الأنظار تتجه وتراقب الخطوات التي تقوم بها إدارة الشرع على صعيد الحكم في سوريا داخليا، وما يمكن أن تسفر عنه من أصداء وردود فعل في واشنطن.
وقال مصدران، أحدهما مسؤول أميركي والثاني مصدر سوري لـ"رويترز" إن ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام وسوريا هي من سلمت قائمة المطالب لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وذلك في اجتماع خاص على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل (18 مارس).
وقال المسؤولان الأميركيان والمصدر السوري ومصدران آخران في واشنطن إن من بين الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة تدمير سوريا لأي "مخازن أسلحة كيماوية متبقية والتعاون في مكافحة الإرهاب".

وأضاف المسؤولان الأميركيان وأحد المصدرين في واشنطن، أن من بين المطالب الأخرى أيضا التأكد من عدم تولي مسلحين أجانب مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة في سوريا.
"طابع أمني وسياسي"
ومن شأن عملية تنفيذ "المطالب" أن تكفل إقدام واشنطن على تمديد إجازة استثناءات العقوبات لستة أشهر أخرى، والانفتاح على رفع بعض عقوبات قانون "قيصر"، كما قالت الوكالة.
ووفقا للمسؤولين الأميركيين والمصدرين في واشنطن، طلبت واشنطن أيضا من سوريا تعيين منسق اتصال لدعم الجهود الأميركية للعثور على أوستن تايس، الصحفي الأميركي الذي فُقد في سوريا منذ ما يزيد على 10 سنوات.
ويوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي أن "المطالب الأميركية" منها ما يغلب عليه الطابع الأمني ويندرج ضمنها؛ مكافحة الإرهاب، أسلحة الدمار الشامل، المقاتلين الأجانب، النفوذ الإيراني، والتعاون الأمني لحل ملف الأمريكان المختفين في سوريا، وضبط الحدود.
ومنها ما هو ذو طابع سياسي كتشكيل حكومة انتقالية موسعة، والموقف تجاه السلام مع إسرائيل.
ويعتقد الدسوقي في حديثه لموقع "الحرة" أن "الإدارة السورية الجديدة تدرك الأثر الحيوي للموقف الأميركي على جهودها لترسيخ حكمها ولاستقرار سوريا".
كما أنها تدرك تحديات التعامل مع الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، كعدم تبلور سياسة واضحة لها بعد تجاه سوريا في ظل تواجد تيارين أساسيين.
أحد هذه التيارات، وفق الباحث السوري "داعم للانخراط الحذر مع الإدارة السورية على مبدأ "خطوة بخطوة"، لاختبار جديتها وإمكانية تعديل سلوكها".
وفي المقابل ما يزال هناك تيار ثانٍ يلتزم بسلوك رافض للتعامل مع إدارة الشرع، مدفوعا بموقفه المناهض للإسلام السياسي، والخوف على أمن إسرائيل لكيلا تتكرر أحداث 7 أكتوبر مجددا انطلاقا من سوريا، بحسب الدسوقي.
كما يشير الباحث أيضا أيضا إلى تحديات أخرى تواجه الإدارة السورية الجديدة في التعامل مع الجانب الأميركي، وتكمن بعدم معرفة التموضع السوري بعد، ضمن الإطار الجيوإستراتيجي المفكر به أميركيا، والذي يأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية.
ما قدرة الشرع على تلبيتها؟
وسوريا في أمس الحاجة إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصادها المنهار من جراء الحرب التي استمرت لما يقرب من 14 عاما.
وقبل سقوط نظام الأسد كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا فرضت عقوبات صارمة على الأفراد والشركات وقطاعات كاملة من الاقتصاد السوري، في محاولة للضغط على الرئيس الهارب، بشار الأسد.
وجرى تعليق بعض هذه العقوبات بصورة مؤقتة، مؤخرا، لكن تأثير ذلك كان محدودا.
كما أصدرت الولايات المتحدة ترخيصا عاما لمدة ستة أشهر، في يناير الماضي، لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية، لكن هذه الخطوة لم تعتبر كافية لعدة دول تريد مساعدة سوريا على النهوض، وبينها قطر التي انتشرت تقارير تفيد بنيتها دفع رواتب القطاع العام، من خلال مصرف سوريا المركزي.
ويرى الباحث في مؤسسة "سنتشوري إنترناشونال"، آرون لوند أن "بعض المطالب الأميركية المبلغ عنها أسهل في الامتثال من جانب إدارة الشرع من غيرها".
فمثلا يقول لوند لموقع "الحرة" إنه من المرجح ألا تواجه إدارة الشرع صعوبة في التعاون مع الجهود الأميركية لمعرفة ما حدث لأوستن تايس. وحتى لو باءت تلك الجهود بالفشل في النهاية.
وفي المقابل يضيف أن "مطلب إبعاد الجهاديين الأجانب عن الدولة السورية الجديدة وجيشها قد يكون صعبا على نحو أكبر، دون أن تكون عملية إدارته مستحيلة".
"سيكون تسليم المتشددين أو سجنهم طلبا أكثر صعوبة في التعامل معه"، يتابع الخبير في "سنتشوري إنترناشونال".
ويوضح من جانب آخر أنه وفي ظل كل السيناريوهات والاحتمالات "سيكون من الأفضل على إدارة الشرع أن تتحرك بسرعة بشأن هذه القضايا، من أجل إقامة علاقة إيجابية وعلاقات عمل".
وزاد: "وقد تتشدد سياسة البيت الأبيض بمرور الوقت، مما يضيف مطالب أكثر صعوبة".
"خطوة مقابل خطوة"
وعلى مدى الأشهر الماضية من سقوط نظام الأسد انتشرت عدة تقارير على وسائل إعلام أميركية، وكشفت في غالبيتها عن دور تلعبه الولايات المتحدة في سوريا.. "لكن من وراء الكواليس".
في الخامس عشر من مارس الحالي مثلا نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن ضباط أميركيين قولهم إن أن القوات الأميركية المنتشرة في سوريا توسطت في محادثات جمعت بين الحكومة السورية الجديدة والمقاتلين الأكراد.
وقبل ذلك قالت صحيفة "واشنطن بوست"، في 25 من يناير الماضي، إن الولايات المتحدة شاركت معلومات استخباراتية سرية مع الإدارة الجديدة في سوريا أدت لإحباط مخطط لاستهداف مرقد السيدة زينب في دمشق من قبل تنظيم داعش.
ورغم أن ما نشرت عنه الصحافة الأميركية يعتبر مؤشرا على "تواصل" غير معلن بين الجانبين لا يمكن أن يعطي في المقابل انطباعا إيجابيا، على صعيد حدوث اندفاعة باتجاه بدء العلاقة أو حتى على مستوى تخفيف العقوبات المفروضة.
من جهته يعتقد الباحث الدسوقي أن أن الإدارة السورية أظهرت براغماتية في محطات سابقة في تعاملها مع الداخل والخارج، وهذا يعزز مواصلتها لهذا النهج في التعامل مع المطالب الأميركية.
لكن في المقابل يقول الباحث إن الإدارة السورية الجديدة تدرك بأن المطالب الأميركية مرتفعة والثمن المقابل قليل (تمديد استثناءات أو رفع جزئي وليس كلي للعقوبات)، بما يفوق قدراتها ويحملها كلف سياسية وأمنية عالية تؤثر على صورتها، وربما استقرارها.
ولذلك يتوقع الباحث حصول "انخراط حذر من كل الطرفين، وفق مقاربة حطوة بخطوة".
ويوضح أن هذه المقاربة من شأنها أن تقلل الكلف على كليهما، وترسم مسارا لتفاوض ممتد، يلبي مصالح كلا الطرفين. و"ما يعزز هذه القراءة من منظوري طبيعة الملفات المعقدة والمتشابكة، والتي تتطلب وقتا وأطرا فنيا ودبلوماسية وأمنية للتعامل معها"، وفقا للدسوقي.