الشرع متوسطا أعضاء المجلس الأعلى للإفتاء (وكالة سانا)
الشرع متوسطا أعضاء المجلس الأعلى للإفتاء (وكالة سانا)

من أجل أن "تتحول الفتوى إلى مسؤولية جماعية"، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مرسومين يقضي أحدهما بتشكيل مجلس أعلى للإفتاء، في حين ينص الآخر على تعيين، أسامة الرفاعي، مفتياً عاماً للجمهورية، وفقا لما ورد في وكالة الأنباء الرسمية "سانا".

وفي كلمة  له خلال مؤتمر تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى وتعيين مفتي الجمهورية، قال الرئيس السوري: "لطالما كانت الشامُ منبراً علمياً وحضارياً ودعوياً، يصدر منه الخيرُ لعامة الأمة، حتى وقعت سوريا بيد العصابة الفاسدة، فظهر الشر وعمت البلوى، وعُمل على هدم سوريا سارية سارية".

وأضاف الشرع "نسعى جميعاً لإعادة بناء سوريا بكوادرها وعلمائها وأبنائها، ولا يخفى على أحد مسؤوليةُ الفتوى وأمانتُها ودورُها في بناء الدولة الجديدة، وخاصةً بعدما تعرض جناب الفتوى للتعدي من غير أهله، وتصدى له من ليس بكفء.

"مغزى التوقيت"

واعتبر الشرع أنه  كان لزاماً علينا أن نعيد لسوريا ما هدمه النظامُ الساقط في كل المجالات، ومن أهمها إعادةُ منصبِ المفتي العام للجمهورية العربية السورية ويتولى هذا المنصبَ اليومَ رجلٌ من خيرةِ علماء الشامِ ألا وهو الشيخُ الفاضلُ أسامة بن عبد الكريم الرفاعي حفظه الله.

وتابع : "كما ينبغي أن تتحول الفتوى إلى مسؤوليةٍ جماعيةٍ من خلال تشكيلِ مجلسٍ أعلى للإفتاء، تَصدر الفتوى من خلاله، بعد بذل الوسعِ في البحث والتحري، إذ الفتوى أمانةٌ عظيمة".

ويتألف مجسل الإفتاء الأعلى من أسامة الرفاعي رئيسا وبعضوية 14 شخصا من رجال الدين من الطائفة السنية يتبعون لمذاهب فقهية مختلفة، وهم: محمد راتب النابلسي، ومحمد أبو الخير شكري، ومحمد نعيم عرقسوسي وعبد الفتاح البزم، وخير الله طالب، وعبد الرحيم عطون، ومظهر الويس.

ويضم المجلس أيضا، أنس عيروط، وأنس الموسى، و إبراهيم شاشو، و إبراهيم الحسون، وعلاء الدين قصير، و محمد وهبي سليمان، وسهل جنيد.

الرفاعي..  رمز معارض  عاد من المنفى

اختيار أسامة الرفاعي (79 عامًا) لرئاسة المجلس يحمل دلالات عميقة. الرجل الذي تعرّض للضرب والاعتقال عام 2011 بسبب مواقفه المناهضة للنظام، ثم نفي إلى تركيا، عاد إلى دمشق مطلع هذا العام وسط استقبال شعبي. س

وسيرته الذاتية، حسب بعض المحللين، تُمثل جسرًا بين التيار التقليدي والثوري:

-ابن  الشيخ الراحل عبد الكريم الرفاعي (أحد أبرز علماء دمشق).

-مؤسس "المجلس الإسلامي السوري" في المنفى، الذي انتخبه مفتيًا عامًا عام 2021.

-معروف بمواقفه المعتدلة ورفضه الفكر التكفيري.

"فتاوى للسلطة"

رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، كان قد ألغى منصب مفتي الجمهورية، في العام 2021، والذي كان يشغله وقتها، أحمد حسون، الذي عرف عنه العديد من الفتاوى المثيرة للجدل، والتي اعتبرها معارضون وقتها أن محاولة منه لتبرير الجرائم والانتهاكات الإنسانية التي شهدته البلاد على مدى 14 عاما. 

وكان الأسد قد أصدر في نوفمبر من العام 2005 مرسوما حمل رقم 302، عين من خلاله حسون مفتيا عاما لسوريا.

واعتبر حسون في إحدى تصريحاته أن "سوريا تتعرض لأكبر حرب كونية من عناصر تنظيمات إرهابية ومجموعات تكفيرية قدمت من 83 دولة، بهدف النيل من مبادئها واستقلالها ودورها الريادي في المنطقة".

وبعد الإشكالية التي فجرها حسون قبل عزله،  أثناء تفسير "سورة التين" خلال مراسم عزاء الفنان صباح فخري في مدينة حلب، اعتبر "المجلس العلمي الفقهي" في بيان له أن التفسير مغلوط وتحريف للتفسير الصحيح، ولجأ قائله (في إشارة مبطنة لحسون) إلى "خلط التفسير بحسب أهوائه ومصالحه البشرية".

وجاء في البيان أن "منهج المتطرفين والتكفيريين يعتمد على تحريف تفسير آيات القرآن لأغراض شخصية، لتنسجم مع أهدافهم التكفيرية".

وتولى وقتها المجلس الفقهي برئاسة وزير أوقاف النظام، عبد الستار السيد، مسؤولية مهام الفتوى في سوريا، والذي كان يضم شخصيات من كل الطوائف في البلاد، ومن بينهم شخصيات مسيحية.

وفي هذا الصدد، رأت الباحثة السورية في الشؤون الدينية، ليلى الرفاعي أن "رمزية المفتي السني قد أُلغيت بإلغاء منصبه، وأوكلت الفتوى للفيف من رجال دين ذوي مشارب ومذاهب وأديان مختلفة".

واعتبرت في حديث سابق إلى "موقع الحرة"، أن "الفتاوى الصادرة عن المجلس لن تراعي السنة بوصفهم أكثرية، إنما ستتخذ، مستندة على فقه الواقع الذي يجد الحلول المناسبة لمشكلات الناس على الصعد المختلفة، وترسيخا لفقه المواطنة والحوار ونشره في المجتمع عبر الوسائل المتنوعة".

الدكتور محمد حبش، مؤسس ومستشار مركز "الدراسات الإسلامية"، أكد في حديث لموقع "الحرة"، أن تعيين مفتي عام للجمهورية العربية السورية يمثل خطوة إيجابية، لا سيما بعد إلغاء هذا المنصب خلال الفترة الماضية. وأشار إلى أن غياب المفتي العام ترافق مع فرض مجلس للإفتاء كان يهدف إلى التحكم برجال الدين وإجبارهم على خيارات مؤيدة للسلطة. 

وأضاف حبش أن السوريين اليوم يستعيدون منصبًا كان على مدار تسعين عامًا رمزًا لوحدتهم واجتماعهم، حيث لعب دورًا إيجابيًا في تعزيز الإسلام المعتدل. 

كما رحّب بوجود مجلس أعلى للإفتاء إلى جانب المفتي، لكنه أشار إلى أن الأفضل كان اعتماد الهيكلية المنصوص عليها في قانون عام 1961، والتي تشمل مفتيي المحافظات ومديري الأوقاف والقاضي الشرعي وعميد كلية الشريعة، بالإضافة إلى هيئة ناخبة تضم 37 عضوًا، بدلاً من تعيين المفتي بقرار من رئيس الجمهورية. ومع ذلك، شدد على أن البلاد تمر بظروف استثنائية، متمنيًا النجاح لهذه الخطوة. 

وأعرب حبش عن أمله في أن يضم المجلس شخصيات معروفة بتماسكها وأن يقدم أعضاؤه خطابات تصالحية تعزز التسامح، مع ضرورة بناء علاقات جيدة مع مختلف المذاهب الإسلامية، سواء السنة أو الشيعة أو العلويين أو الدروز.

قتل الآلاف في سوريا نتيجة للألغام المنتشرة في البلاد
قتل الآلاف في سوريا نتيجة للألغام المنتشرة في البلاد

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره، السبت، إن 673 شخصا قتلوا وجرحوا منذ بداية العام الحالي في مناطق متفرقة نتيجة الألغام ومخلفات الحرب.

وأوضح "خلال 100 يوم، بلغ عدد المدنيين الذين قتلوا منذ بداية عام 2025 نتيجة انفجار أجسام من مخلفات الحرب 335 شخصا، بينهم 71 طفلا و17 امرأة، بالإضافة إلى إصابة 338 آخرين بجراح بينهم 140 طفلا و3 سيدات".

وما تزال الألغام والمخلفات والذخائر غير المنفجرة التي خلفتها الحرب تشكل تهديدا مباشرا وآنيا لحياة المدنيين، وتمثل كابوسا بالنسبة لكثيرين.

ويسجل المرصد السوري باستمرار حالات جديدة من الانفجارات المميتة التي تؤكد حجم الخطر المستمر الذي يهدد حياة السكان بالمناطق التي تعرضت للقصف والتدمير من قبل نظام بشار الأسد وحلفائه.

وتنتشر مخلفات الحرب في عموم المناطق السورية التي شهدت عمليات عسكرية خلال السنوات السابقة، وتشكل هاجسا لدى المواطنين الراغبين بالعودة إلى منازلهم ومتابعة أعمالهم.

ويتهم المرصد السلطات المحلية والمنظمات المعنية بالتقاعس عن إزالة الذخائر غير المنفجرة والألغام بمختلف أنواعها وأشكالها.

وفي ظل استمرار سقوط الضحايا، يدعو المرصد المنظمات الدولية والجهات المعنية إلى التحرك العاجل لإزالة مخلفات الحرب في سوريا. كما يحث الحكومة الجديدة على التعاون وتقديم التسهيلات اللازمة لإنجاز هذه العمليات، بما يضمن توفير بيئة آمنة تُمكّن الأهالي من العودة إلى مناطقهم دون مخاطر تهدد حياتهم أو تعيق استقرارهم.