هذا الأسبوع ومن داخل البيت الأبيض طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه كوسيط بين إسرائيل وتركيا في سوريا، وذلك بهدف خفض التوتر وإبعاد خطر المواجهة بينهما على الساحة السورية، فما الذي يمكن أن تشكله هكذا خطوة؟ وما الأصداء التي انعكست عنها؟ وهل من أية مؤشرات عن المشهد الذي قد ترسمه على أرض الواقع؟
وأبدى ترامب موقفه خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض، إذ قال أمام الصحفيين موجها كلماته لبنيامين نتانياهو: "أعتقد أنني أستطيع حل أي مشكلة لديكم مع تركيا".
وأردف: "كما تعلم لدي علاقة جيدة جدا مع تركيا ومع زعيمها (رجب طيب إردوغان)، وأعتقد أننا سنتمكن من حلها. لذا آمل ألا تكون هذه مشكلة. لا أعتقد أنها ستكون مشكلة".
الرئيس الأميركي أكد أيضا أنه يتمتع بعلاقات "رائعة" مع نظيره التركي، واصفا إياه بأنه "رجل قوي، وذكي للغاية، وقد فعل شيئا لم يتمكن أحد من فعله"، في إشارة إلى دور تركيا في إسقاط نظام الأسد و"أخذ سوريا"، على حد تعبيره.
ورغم أن كلا من ترامب ونتانياهو ناقشا ملفات بارزة وهامة أخرى، من قبيل المسار المتعلق بالمفاوضات مع إيران والحرب في غزة وقضية الرسوم الجمركية، نظر مراقبون إلى ما تطرق إليه الاثنان بشأن سوريا وتركيا بعين الأهمية، وذلك بناء على التوقيت.
وجاء طرح الوساطة من جانب ترامب بين تركيا وإسرائيل في وقت كان المشهد بين الطرفين في سوريا يسير باتجاه التصعيد. وهذا التصعيد فرضته رسائل تحذيرية جاءت بصيغة ضربات نفذها الجيش الإسرائيلي داخل سوريا، وقيل إنها استهدفت مواقع وقواعد عسكرية تنوي تركيا التمركز بها، بناء على اتفاق وتفاهمات مع دمشق.
ما أصداء الوساطة؟
على المستوى الرسمي في تركيا لم يصدر أي تعليق على ما طرحه الرئيس الأميركي ترامب (الوساطة)، دون أن يشمل ذلك التقارير التي نشرتها وسائل إعلام مقربة من الحكومة، إذ حملت في غالبيتها نبرة إيجابية على اعتبار أن نتانياهو "لم يحصل على ما يريد من الرئيس الأميركي".
وركزت وسائل إعلام تركية أخرى، بينها "حرييت" و"صباح"، على العلاقة القوية التي تربط كل من إردوغان وترامب، واعتبرتها نقطة انطلاق لتوافق أكبر في عدة ملفات إقليمية ودولية، بينها سوريا.
وفي حين وضعت وسائل إعلام إسرائيلية، خلال اليومين الماضيين، ما تم التطرق إليه حول علاقة تركيا بإسرائيل في سوريا كجزء صغير من قائمة الملفات الأوسع التي ناقشها ترامب ونتانياهو اعتبرت في المقابل أن الأخير"عاد خالي الوفاض من البيت الأبيض"، على حد وصف صحيفة "يديعوت أحرنوت"، يوم الثلاثاء.
ولم يتطرق ترامب بدقة إلى الشكل الذي ستكون عليه الوساطة بين تركيا وإسرائيل في سوريا، ومع ذلك وبمجرد دخوله على الخط بينهما يكون قد أسس لمشهد جديد لا يعرف ما إذا كانت تفاصيله ستترجم فورا على أرض الواقع أم لا، وفق مراقبين.
ويعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل أن "ترامب يحاول مجددا لعب دور صانع السلام"، إذ يُعتبر ذلك "جزءا لا يتجزأ من إرثه كرئيس لولاية ثانية".
ويدرك ترامب أيضا، بحسب حديث الباحث لموقع "الحرة" أن أي تصعيد بين شريك في الناتو (تركيا) وحليف من خارجه "سيشكل خطرا بالغا على استراتيجية أميركا الإقليمية، ووحدتها في مواجهة إيران".
"الموقف الأميركي مهم جدا في القضية المتعلقة بتركيا وإسرائيل في سوريا، لكن حتى الآن لا يعرف ما إذا كانت هناك خطوات فعلية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين"، يضيف الباحث السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن.
ويرى شتيرن في حديثه لموقع "الحرة" أنه لا يمكن استشراف الخطوات التي قد تعكسها الوساطة الأميركية، وخاصة أن "الأمور في بدايتها وتحتاج لاهتمام ترامب المنشغل في أمور وملفات عديدة".
"خيار صعب.. لكنه وحيد"
وتُعتبر تركيا في الوقت الحالي أبرز حلفاء الإدارة السورية الجديدة، التي يرأسها أحمد الشرع، وفي ذات الوقت هي حليفة الولايات المتحدة الأميركية في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في المقابل تنظر إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة من خارج "الناتو"، للإدارة السورية الجديدة في دمشق كـ"تهديد"، وبالإضافة إلى ذلك تقول إنها ستمنع أي تمركز قد يهدد حرية عملها الجوي في سوريا، في إشارة إلى تركيا.
ويوضح الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش أن "الولايات المتحدة لديها تأثير كبير على السياسات التركية والإسرائيلية في سوريا، ولا يُمكن لأي من تركيا وإسرائيل تجاهل هذا التأثير بالمُطلق".
ويقول علوش لموقع "الحرة" إن "ظروف التوافق بين إسرائيل وتركيا صعبة، لكن تبقى الخيار الوحيد المطروح على الطاولة. ليس فقط بالنسبة لإسرائيل وتركيا ولترامب".
الباحث يشير من جانب آخر إلى المحادثات التي تجريها تركيا وإسرائيل بالفعل لإنشاء آلية تمنع وقوع اشتباك بينهما، ويضيف أنه وفي حال نجحت هذه الآلية "ستمهد الظروف للمستوى السياسي للتوافق على وضع يدير مصالحهما المتناقضة على المدى البعيد".
ولا تتأثر قنوات التواصل العسكري والاستخباراتي بين البلدين في العادة بالتوترات السياسية، وتنشط بشكل أكبر في مثل هذه الظروف ووظيفتها في سوريا حاليا إدارة المخاطر الفورية، بحسب الباحث.
ولا تعتبر الضربات المتزايدة التي تنفذها إسرائيل في سوريا على القواعد والمطارات التي يعتقد أن تركيا ستتمركز بها بموجب اتفاق مع دمشق المسار الوحيد الذي يسير عليه الجيش الإسرائيلي في سوريا.
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية نفذ الجيش الإسرائيلي سلسلة توغلات في جنوب سوريا. وبينما شدد لأكثر من مرة على هدفه المتعلق بنزع السلاح في جنوب سوريا أضاف قبل أيام هدفا آخر يتعلق بمنع أي تهديد على حرية العمل الإسرائيلية، بمعنى أنه يريد ضمان الأرض والجو في آن واحد.
ويقول الباحث شتيرن إن "إسرائيل تواصل توجيه الضربات في سوريا على منشآت عسكرية، خوفا من أن تستولي عليها أو تتمركز بها تركيا".
ويضيف أن "الوساطة التي عرضها ترامب لا يعرف اتجاهها حتى الآن"، وأن "عملية ترجمتها ستكون مبنية على ما يجري على الأرض من تطورات".
"منظور شرق أوسطي"
وعبّر شتيرن عن تفاؤله لاحتواء الخلافات بين تركيا وإسرائيل في سوريا، في وقت طرح سؤالا مفتوحا بقوله: "هل سيكون لترامب الوقت الكافي ليستثمره في هذه القضية؟".
وكان الباحث الإسرائيلي يقصد الملفات التي تولي لها واشنطن أهمية أكبر، مثل المفاوضات مع إيران والحرب في غزة، وتابع: "ملف سوريا سيكون في آخر قائمة المهام التي من المقرر أن تناقشها الإدارة الأميركية".
وبدوره أوضح الباحث الأميركي راين بوهل أن "سياسة ترامب في سوريا الآن هي سياسةٌ يسعى فيها إلى خروج القوات الأميركية من البلاد، وتحويلها إلى دولةٍ محايدة، إن لم تكن موالية لأميركا".
لكن ليس من الواضح مدى رغبته في استخدام نفوذ أميركا بقواتها على الأرض هناك لتشكيل هذه النتيجة، وفقا للباحث الأميركي.
ويضيف في هذا الصدد أنه في حال استمرت دمشق في إظهار وجهٍ معتدلٍ نسبيا للغرب، فسيزداد احتمال سحب الولايات المتحدة لقواتها والسماح لتركيا وسوريا بتشكيل مرحلة ما بعد الأسد، أما إذا اعتقدت واشنطن أن الحكومة الجديدة تميل إلى الإسلاميين، فستُمكّن الولايات المتحدة إسرائيل من القيام بمزيد من العمل العسكري، و"ستدعم ضمنيا زعزعة استقرار الحكومة المؤقتة".
ويرى الباحث علوش أن أولويات ترامب في سوريا أصبحت واضحة، وأهمها "توفير ظروف مناسبة لقرار الانسحاب دون قلق من الفراغات المُحتملة".
ويقول في المقابل إن "مخاطر الصدام التركي الإسرائيلي تُشكل تهديدا كبيرا لاستراتيجية ترامب وآخر ما يرغب به"، وإن "الأميركيين لديهم رهانات عالية على تركيا في سوريا، لمنع ظهور تحديات أمنية وجيوسياسية تُهدد مصالحهم في سوريا، وفي المنطقة انطلاقا منها".
"ترامب ينظر إلى تركيا من منظور شرق أوسطي قبل سوريا"، يتابع علوش.
ويعتبر أن "تركيا دولة حليفة مُهمة للولايات المتحدة في المنطقة وقادرة على ملء الفراغات"، وأن "الأميركيين يطمحون في نهاية المطاف إلى تشكيل نظام إقليمي جديد يجمع تركيا وإسرائيل".
"شكوك"
وتركيا هي واحدة من الدول القليلة ذات الأغلبية المسلمة التي تعترف بإسرائيل.
لكن في المقابل تركيا فرضت في أبريل 2024، قيودا على صادرات إلى إسرائيل، شملت 54 منتجا من الحديد والصلب إلى وقود الطائرات.
وقبل حرب غزة كانت العلاقة بين تركيا وإسرائيل تسير على مسار إيجابي.
لكن بعد اندلاع الحرب توترت العلاقة إلى مستوى وصل إلى حد إيقاف التجارة من جانب تركيا، والانخراط في مسارات مناهضة لإسرائيل في الأروقة الدبلوماسية.
ويعتقد الباحث الأميركي بوهل أن "الإسرائيليين سيكبحون جماح أنفسهم في ظل ظروف تصعيدية أكثر، خوفا من زعزعة علاقاتهم مع ترامب"، دون أن يستعبد أن "تدعم إدارة ترامب محاولات إسرائيل السرية لعرقلة تمركز تركيا في سوريا".
وبينما يميل الباحث أيضا إلى الاعتقاد "بوجود بعض الشكوك داخل الإدارة الأميركية بشأن الدور البنّاء لتركيا في سوريا" يستبعد في المقابل أن يكون لواشنطن "رأي استراتيجي حازم بشأن ما إذا كانت سوريا تميل إلى تركيا أم أنها دولة محايدة ما دامت لا تُشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل".