عناصر من تنظيم داعش في سوريا - صورة أرشيفية.
عناصر من تنظيم داعش في سوريا - صورة أرشيفية.

رغم التغير الذي طرأ في سوريا على صعيد الواقع الأمني والعسكري في سوريا وحتى على مستوى الحكام الجدد إلا أن ذلك لم يكن كفيلا بإنهاء "الخطر الكامن"، الذي لطالما حذرت منه دول العالم ودول الجوار المحيطة بالبلاد، وفق تقارير وخبراء ومراقبين.

يرتبط هذا "الخطر الكامن" بداعش على وجه الخصوص، وهو التنظيم الذي تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إنه أظهر نشاطا متجددا في سوريا، واستعاد قوته، حيث استقطب مقاتلين جددا وزاد من عدد هجماته.

الصحيفة، وفي تقرير لها الأربعاء، ذكرت أيضا أن داعش وإن كان بعيدا عن قوته التي كان عليها قبل عقد من الزمان، عندما كان يسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، إلا أن الخبراء يحذرون من أنه قد يجد طريقة لتحرير آلاف من مقاتليه المتمرسين المحتجزين في سجون "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

وقبل سقوط نظام الأسد كان التنظيم يشن هجماته في صحراء البادية السورية، وبينما كان يستهدف الأرتال العسكرية التابعة لـ"الجيش السوري" هناك كان ينفذ ضربات أمنية داخل مناطق النفوذ المختلفة.

فمثلا أعلنت "قسد" لأكثر من مرة أن قواتها تعرضت في شمال وشرق سوريا لهجمات نفذتها خلايا تتبع لداعش، وكذلك الأمر بالنسبة للفصائل المسلحة التي كانت تسيطر على مواقع في شمال غرب سوريا، إذ أشارت لأكثر من مرة عن تنفيذها حملات استهدفت بها "خلايا تتبع للتنظيم".

ولم تكن قوات نظام الأسد المخلوع بعيدة عن تلك الهجمات أيضا، وخاصة عندما كانت تمر من حمص باتجاه مواقع انتشارها في محافظة دير الزور شرقي البلاد.

والآن وبعد سقوط نظام الأسد، وفي حين لا يبدو لداعش أي كتلة واحدة تتموضع في بقع جغرافية بعينها على الخريطة السورية إلا أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة، وفق مراقبين أن خطره غاب تماما، وبالتالي أصبح من الماضي.

ويذكر أن تنظيم داعش سيطر في العام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسوريا، وأعلن قيام ما يسميه "الخلافة" وأثار رعبا في المنطقة والعالم. وفي العام 2017، أعلن العراق دحر التنظيم بمساندة من تحالف دولي بقيادة واشنطن.

ثم اندحر التنظيم المتطرف في سوريا في العام 2019 أمام "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.

وبعد اندحاره في آخر معقل بالباغوز بريف محافظة دير الزور اعتقلت "قسد" الكثير من قادته وعناصره مع عوائلهم، ووضعتهم في مخيمات بمناطق سيطرتها، وضمن سجون، لم تستبعد "نيويورك تايمز" أن يكون لداعش القدرة على مهاجمتها لكسر بواباتها من جديد.

"3 مراحل"

ويوضح الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عرابي عرابي أنه وبناء على العمليات التي يتبناها تنظيم داعش يمكن القول إن نشاطه مر بعد سقوط نظام الأسد بثلاثة مراحل.

المرحلة الأولى هي "الكمون" بمعنى عدم إقدام داعش على تنفيذ أي عمليات، وإن حصل ذلك بشكل بسيط.

ويضيف عرابي لموقع "الحرة" أن المرحلة الثانية كانت على مستوى تصاعدي ليس بالكبير، في وقت بدت الثالثة "متذبذبة" ما بين التصاعد المفاجئ والهبوط المفاجئ.

وعند دراسة هذه الأنماط الثلاثة يتضح أن داعش له وجود فعلي على الأرض "لكن ليس على مستوى قدرته تهديد السلم المجتمعي والقيادة الأمنية والعسكرية"، بحسب الباحث السوري.

ويتابع: "حتى تفرض حالات التهديد هذه يحتاج داعش لتواجد عناصره في منطقة واحدة بعينها، وهو ما يفتقده الآن".

وقال كولين كلارك، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة صوفان، وهي شركة عالمية للاستخبارات والأمن لنيويورك تايمز: "لا تزال السجون والمعسكرات جوهرة تاج تنظيم داعش".

وأضاف كلارك: "هناك يوجد المقاتلون ذوو الخبرة والمتمرسون في المعارك، وبالتالي فإن فتح هذه السجون سيُسهم في تعزيز جهود التجنيد التي يبذلها التنظيم لأشهر".

وفي غضون ذلك أشارت الصحيفة الأميركية إلى أن كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركية قدموا، في مارس الماضي، إلى الكونغرس تقييمهم السنوي للتهديدات العالمية، وخلصوا إلى أن تنظيم داعش سيحاول استغلال سقوط نظام الأسد لتحرير السجناء وإحياء قدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات.

"لا يمتلك الأدوات"

وتأمل الولايات المتحدة الأميركية أن تُصبح الحكومة السورية الجديدة، شريكة في محاربة تنظيم داعش، بحسب نيويورك تايمز.

وكانت المؤشرات الأولية إيجابية، حيث تحركت وزارة الدفاع السورية الجديدة، بناء على معلومات استخباراتية قدمتها الولايات المتحدة، لإحباط ثماني هجمات للتنظيم في دمشق، وفقا لمسؤولين عسكريين أمريكيين كبيرين تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما للصحيفة.

وأضافت أنه ورغم تراجع سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من الأراضي السورية، لا يزال ينشر أيديولوجيته المتطرفة عبر خلايا سرية وفروع إقليمية خارج سوريا وعبر الإنترنت.

ويرى الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان أن "داعش تحول لجسم لا يستطيع العمل إلا في بيئة غير مستقرة على الصعيد الأمني. أي أنه غير قادر على التحرك ويفتقد الأدوات، وبالتالي من السهل ضبطه".

ويقول شعبان لموقع "الحرة" إن "الحديث عن امتلاك داعش لأدوات كثيرة للتحرك بالخفاء والقيام بعمليات ضخمة مثل فك سجنائه في شرق سوريا هو استخفاف بالقوى الاستخباراتية الموجودة هناك".

كما يعتبر الباحث أن الإدارة السورية الجديدة كانت تمكنت في السابق من التعامل مع ملف داعش في إدلب، ويضيف أن ذلك "قد يكون واقعيا الآن".

"قدرته أمنية"

ووفقا لمسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن 294 هجوما في سوريا عام 2024، بزيادة على 121 هجوما أعلن مسؤوليته عنها في 2023.

وفي غضون ذلك قدّرت "لجنة مراقبة تنظيم الدولة" التابعة للأمم المتحدة، عدد الهجمات بنحو 400 هجمة العام الماضي، بينما قال مراقبو حقوق الإنسان في سوريا إن العدد أعلى من ذلك.

ويشير الباحث عرابي إلى أن المخاوف والتحذيرات المتعلقة بنشاط داعش في سوريا الآن "أمنية لا عسكرية"، ويعتقد أن التنظيم له قدرة على النشاط الأمني داخل المدن.

وتذهب التقديرات غير الرسمية إلى أن عدد عناصر داعش في سوريا الآن، وخاصة في منطقة البادية السورية الصحراوية لا يتجاوز ألف عنصر. وعلى أساس ذلك يضيف عرابي أن "الحكومة الجديدة تعمل على مواجهة هذا الأمر عن طريق حماية مفاصل الطرق، كونها تعرف طريقة تفكير وتحرك التنظيم".

هل تتغير طريقة المواجهة؟

وتقود الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات الحملات المتعلقة بمحاربة داعش في سوريا والعراق.

وبعد سقوط نظام الأسد ومع استمرار الحديث عن مخاطر التنظيم اتجهت كلا من تركيا والعراق والأردن وسوريا لإطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة داعش.

وقيل قبل شهرين إن الهدف من وراء مركز العمليات هذا هو "دعم الجهود ومنابر العمل الإقليمية والدولية القائمة، للقضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم، والتعامل مع سجون عناصره".

وفي تصريحات له الأربعاء أشار وزير خارجية تركيا، حقان فيدان إلى أن مركز العمليات سيكون داخل الأراضي السورية، دون أن يقدم أي تفاصيل أخرى عن آلية التنسيق والعمل وطريقة المواجهة.

ويعتقد الباحث عرابي أن "داعش في سوريا الآن لا يمتلك سلسلة قيادة متكاملة ويحتاج لإعادة هيكلة"، ويضيف: "هناك خلافات ضمن القيادة العليا تجاه آلية العمل في سوريا، وبناء على ذلك فإن مؤشرات تحركه لا تبدو واقعية الآن بل في الأشهر المقبلة".

قتل الآلاف في سوريا نتيجة للألغام المنتشرة في البلاد
قتل الآلاف في سوريا نتيجة للألغام المنتشرة في البلاد

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره، السبت، إن 673 شخصا قتلوا وجرحوا منذ بداية العام الحالي في مناطق متفرقة نتيجة الألغام ومخلفات الحرب.

وأوضح "خلال 100 يوم، بلغ عدد المدنيين الذين قتلوا منذ بداية عام 2025 نتيجة انفجار أجسام من مخلفات الحرب 335 شخصا، بينهم 71 طفلا و17 امرأة، بالإضافة إلى إصابة 338 آخرين بجراح بينهم 140 طفلا و3 سيدات".

وما تزال الألغام والمخلفات والذخائر غير المنفجرة التي خلفتها الحرب تشكل تهديدا مباشرا وآنيا لحياة المدنيين، وتمثل كابوسا بالنسبة لكثيرين.

ويسجل المرصد السوري باستمرار حالات جديدة من الانفجارات المميتة التي تؤكد حجم الخطر المستمر الذي يهدد حياة السكان بالمناطق التي تعرضت للقصف والتدمير من قبل نظام بشار الأسد وحلفائه.

وتنتشر مخلفات الحرب في عموم المناطق السورية التي شهدت عمليات عسكرية خلال السنوات السابقة، وتشكل هاجسا لدى المواطنين الراغبين بالعودة إلى منازلهم ومتابعة أعمالهم.

ويتهم المرصد السلطات المحلية والمنظمات المعنية بالتقاعس عن إزالة الذخائر غير المنفجرة والألغام بمختلف أنواعها وأشكالها.

وفي ظل استمرار سقوط الضحايا، يدعو المرصد المنظمات الدولية والجهات المعنية إلى التحرك العاجل لإزالة مخلفات الحرب في سوريا. كما يحث الحكومة الجديدة على التعاون وتقديم التسهيلات اللازمة لإنجاز هذه العمليات، بما يضمن توفير بيئة آمنة تُمكّن الأهالي من العودة إلى مناطقهم دون مخاطر تهدد حياتهم أو تعيق استقرارهم.