في العديد من النواحي، تبدو عملة "ليبرا" التي روجت لها فيسبوك مؤخرا لمحة من المستقبل، فهي عملة عالمية ثابتة يمكن للناس استخدامها والتداول بها عبر هواتفهم الذكية وإرسال الأموال حول العالم بأسعار رخيصة، ويمكنها فتح الأبواب لاستخدام الخدمات المالية لمن لا يمكنه تحمل نفقات البنوك.
لكن هذه الصورة المثالية المرسومة لعملة "ليبرا" يشوبها شك كبير، يكمن في أن فيسبوك هي من تديرها.
وهذا الشك ينبثق من انتقادات من اللجنة المالية التابعة للكونغرس الأميركي نحو فيسبوك، والتي انعكست خلال جلسة للجنة حول "ليبرا"، طالت الانتقادات كون فيسبوك عقبة أمام نشوء عملة "ليبرا".
وقال عضو اللجنة السيناتور شيرود براون: "انعدام الثقة بفيسبوك هو شعور عالمي للغاية"، مشيرا إلى تسرب بيانات مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي والتلاعب بالانتخابات الأميركية بالإضافة إلى توفير المعلومات الخاطئة.
ويعكس الخبراء وجهة النظر هذه، إذ ستعمل "ليبرا" على تركيز كامل سلطتها بين يدي "فيسبوك"، بينما تلعب شركات أخرى دورا ضئيلا نسبيا ضمن هيئة لإدارة العملة الرقمية في سويسرا.
لماذا الخوف من إدارة فيسبوك للعملة؟
يتخوف المشرعون من اندفاع جمهور "فيسبوك العملاق لاستخدام العملات الرقمية، ما قد يؤدي لإزاحة دور الدولار كعملة احتياطية للعالم.
ورغم أن العملات الرقمية الأخرى تملك حدا صغيرا من المستخدمين وتحتاج معرفة تقنية لاستخدامها، فإن فيسبوك ستوفر أدوات بسيطة لاستخدام "ليبرا" أمام مليارات المستخدمين يوميا، وضمن التطبيقات التي تملكها الشركة والتي تتضمن: فيسبوك وماسنجر وواتساب، بالأخص مع باع فيسبوك الطويل في تبسيط الخدمات لمستخدميها.
وهذا التوسع يمكنه أن يؤثر تدريجيا على قدرة البنوك المركزية على التلاعب بمصادره لتطبيق السياسات المالية عليه، وهذا قد يؤدي بامتلاك "ليبرا" سياسات اقتصادية خاصة بها، ويقول المحلل الاقتصادي لشركة "CB Insights"، نيك باباجورج: "العديد من الدول تستخلص سلطاتها المالية بالتلاعب بعملها.. ولكن إن ظهر بديل ثابت خلال فيسبوك، فإن ذلك سيساهم في التقليل من سلطتك"، والمشرعون لا يثقون بفيسبوك حتى تتحكم بقرارات قد تؤثر على الاقتصاد العالمي.
وقال السيناتور براون خلال جلسة الاستماع: "الرئيس التنفيذي لفيسبوك مارم زوكربيرغ يقول إن فيسبوك قد تشبه حكومة أكثر منها بلدا، لكن لم ينتخب أحد السيد زوكربيرغ.. إنهم لا يديرون حكومة بل يديرون مختبرا لكسب المال".
لكن غيسبوك ذكرت أنها أسسبت "اتحاد ليبرا" لإدارة العملة، حتى لا تكمن السلطة بيد شركة واحدة، وفقا لما قاله ديفيد ماركوس، المدير التنفيذي لقسم "ليبرا"، في جلسة الاستماع، وأضاف أن الاتحاد سيعمل بالتعاون مع البنوك المركزية لتجنب التنافس مع العملات السيادية.
لا وجود لليبرا دون فيسبوك؟
قالت فيسبوك إنها لن توفر "ليبرا" دون الحصول على الموافقة القانونية، أي أنها لن توفر المحفظة الرقمية أو أي أدوات أخرى تتيح للمستخدمين التداول بالعملة، وفقا لما ذكره متحدث باسم الشركة.
لكن يمكن للعملة الرقمية الانطلاق دون وجود فيسبوك، بالأخص إن قرر "اتحاد ليبرا" المضي بالأمر، لكن إن لم يتمكن مستخدمو فيسبوك البالغ عددهم 2.4 مليارا حول العالم استخدام هذه العملة فإنه من الأرجح ألا يتمكن المشروع من تحقيق الفوائد المتوقعة.
ويشير الخبراء إلى أن المشروع قد يتوقف في حال عدم إدخال فيسبوك في الأمر، وفي الوقت ذاته لا يمكن لفيسبوك إطلاق هذه الخدمة داخل الولايات المتحدة دون الحصول على الموافقة القانونية من المشرعين.
كما أن بعض المشرعين اقترح منع العملة كليا، وقدم رئيسة اللجنة ماكسين واترز من تقديم مشروع لمنع منصات الإنترنت من تشغيل العملات الرقمية.
لكن سيصعب على السلطات منع "ليبرا" خاصة وأنها لن توقف "اتحاد ليبرا" لأنها ليست قائمة عبر الإنترنت، بل وضعت قانونية المشروع محل تساؤل خلال الجلسة.
وقال الممثل عن ولاية مينيسوتا، توم إيمر، موجها حديثه للمدير في فيسبوك: "إن مشروع القانون لحظر تصرفاتكم ليس لديه أي أساس دستوري أو حتى أساس منطقي.. لا أعتقد أنه سيحظى بموافقة بل هو تعبير عن غضب الكونغرس من غطرسة سيليكون فالي".