الكفاءة التكنولوجية للدول تنقذ من تداعيات الوباء اجتماعيا واقتصاديا
الكفاءة التكنولوجية للدول تنقذ من تداعيات الوباء اجتماعيا واقتصاديا

تستمر معاناة دول العالم جراء ارتفاع أعداد وفيات وباء كورونا، فضلا عن الركود الاقتصادي الذي فاق أرقام عجزه أزمة 2008 المالية. 

في الولايات المتحدة، يقول صحافيون ومسؤولون في البلد إن "المرحلة الأولى لحصار الوباء مرت ولم يتعامل معها النظام بالفعالية المطلوبة، لكن أمامه مرحلة أخرى لا يجب أن يفوتها كسبيل انقاذ أرواح مواطنيه واستئناف اقتصاده".

لكن ما هي العوامل التي سيتم الرهان عليها في المرحلة المقبلة لاحتواء الوباء في الدول المتضررة من الجائحة؟ 

الجواب بحسب تقرير لمجلة "foreign affairs" الأميركية، يقوم تحديدا على تطوير القدرات التكنولوجية للبلد لحسم جهود تفشي الوباء، بعد نقاش حقوقي يضمن من جهة الدولة عدم المساس بالمعلومات الشخصية والحريات الفردية للمواطنين. 

وأفادت المجلة أن دولا أسيوية عديدة نجحت في التصدي للوباء باستخدام التطبيقات التكنولوجية سواء للتحذير من المرض وانتقال العدوى من خلالهم أو من خلال تتبع المخالفين للحجر الصحي ومراقبتهم، لكن الأمر في معظمها استخدم هذه التكنولوجيا في كثير من الأحيان على حساب المعلومات والحريات الشخصية للأفراد. 

وفي الولايات المتحدة، بعد أن وصلت أعداد الوفيات إلى الذروة، بدأ مجلس الشيوخ في الـ9 من أبريل الجاري، يناقش إمكانية استعمال بنك المعلومات المتوفر لدى الدولة عن مواطنيها ومقيميها لمكافحة فيروس كورونا. لكن استخدام الأدوات الرقمية لأغراض الصحة العامة يثير أسئلة معقدة لم يستعد واضعوا السياسات الأميركية لمعالجتها بعد.

وجوابا على كيفية مساعدة التكنولوجيا للدول الآسيوية في مكافحة الوباء والحد من الإصابات فيها، ضربت المجلة مثالا بكوريا الجنوبية وسنغافورة، وهونغ كونغ (إقليم حكم ذاتي تحت سيادة الصين) وتايوان وتايلاند وأستراليا، وقالت إن هذه الدول أدارت بكفاءة اعتمادها على تكنولوجيا المراقبة الرقمية للمساعدة في تتبع المرض واحتوائه وإدارته، واستئناف بعض الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية. 

وأفادت ان في هونغ كونغ وتايوان وتايلاند وأستراليا، راقبت المسافرين الوافدين لاحتواء انتشار الفيروس، وضمت تايوان بيانات (داتا) الرعاية الصحية والجمارك لتصنيف سكانها إلى مجموعات عالية ومنخفضة المخاطر.

كما استخدمت كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وتايوان، أجهزة تتبع المواقع (GPS) لفرض الحجر الصحي الإلزامي للمرضى. 

وتقف المجلة على مقارنة هذه الدول الأسيوية التي نجحت في استخدام التطبيقات التكنولوجيا لمكافحة الوباء، مع الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر حاضنة وبلد أكبر عمالقة صناعات التكنولوجيا عبر العالم، وهما Google و Apple. 

وترى ان للولايات المتحدة لديها الشروط والمتطلبات لسن خطة تكنولوجية ناجعة تمكنها من تتبع ومراقبة إصابات الوباء في مرحلة مكافحته الثانية والثالثة بعد الحجر. لكن ذلك يظل مشروطا بنقاش برلماني وحقوقي يبرر ويوضح حدود المساس بالحريات والمعلومات الشخصية للأفراد، تورد المجلة في تقريرها. 

وأعلنت شركتي Google و Apple، مؤخرًا أنهما وضعتا التنافس جانباً، للتعاون على تطبيق من شأنه تتبع تفاعلات المرضى المصابين، الذين يختارون المشاركة. ويستخدم التطبيق إشارات بلوتوث مجهولة المصدر لتنبيه المستخدمين إذا كانت هواتفهم قريبة من هواتف الأشخاص المصابين. 

وهو الإعلان الذي تقول المجلة انه جاء متأخرا في وقت فوتت فيه واشنطن بالفعل، الفرصة لاستخدام الأدوات الرقمية التي كان من الممكن أن تنقذ الأرواح في الأشهر الأولى من الأزمة.

وخلصت إلى ان الكفاءة التكنولوجية الأميركية في المرحلة المقبلة من إدارة الوباء، يمكن أن تحدث فرقًا بين انتعاش اقتصادي معتدل على شكل حرف U ومستقبل على شكل حرف L يتوقف فيه الاقتصاد، في وقت تعود فيه الاقتصادات الأسيوية إلى الصعود. 

وكلاء الذكاء الاصطناعي

في عالم يتسابق باتجاه التحول الرقمي الكامل، لم يعد الذكاء الاصطناعي خيالا علميا، بل محركا صامتا يعيد تشكيل وجودنا في العمل وفي التفاعل الاجتماعي وأنماط العيش.

 من الصوت داخل هاتفك، إلى الروبوت على خط الإنتاج، أصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي جزءا أساسيا من حياتنا اليومية.

من هم هؤلاء الوكلاء؟ 

كيف يعملون؟ 

ولماذا التحذيرات من أننا قد نفقد السيطرة عليهم؟

وكيل الذكاء الاصطناعي

افترض أنك تستيقظ صباحا وتطلب من هاتفك ترتيب جدول أعمالك، أو أن تقودك سيارتك إلى العمل بينما تتصفح أنت كومبيوترك اللوحي، أو أن يقترح عليك تلفزيونك الذكي مشاهدة فليم يناسب مزاجك.

هذه المهام تعتمد كلها على وكلاء الذكاء الاصطناعي.

في اللغة الرقمية، وكيل الذكاء الاصطناعي هو نظام برمجي ذكي قادر على إدراك البيئة المحيطة، وتحليل البيانات، واتخاذ قرارات لتحقيق أهداف محددة، وغالبا دون تدخل بشري مباشر. 

مرة أخرى، يمكن أن يكون الوكيل مساعدا صوتيا مثل "سيري" أو "أليكسا"، أو نظام تخصيص "أو توصيات" مثل نتفليكس وأمازون، أو روبوتا صناعيا يعمل على خطوط الإنتاج.

يتفاعل بعض الوكلاء مع المحفزات الآنية، بينما يعتمد البعض الآخر على أهداف محددة أو قرارات مبنية على تعظيم الفائدة. وهناك من يتعلم باستمرار من تجاربه — ليحسن أداءه مع الوقت.

مشهد الابتكار... والقلق

يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة. ففي التصنيع، تعمل الروبوتات بدقة وكفاءة. في الطب، تساعد الأنظمة الذكية في التشخيص. وفي عالم الأموال، تقود أنظمة الكشف عن الاحتيال وتقدم مقترحات بشأن الاستثمارات.

يساهم وكالاء الذكاء الاصطناعي في، زيادة الإنتاجية، وتقليل التكاليف التشغيلية، ودعم اتخاذ قرارات أكثر ذكاء، وفي تقديم خدمات يمكن توسيعها وتكييفها.

لكن فوائد الوكلاء تسير يدا بيد مع مخاطر موازية. يمكن التلاعب بوكلاء الذكاء الاصطناعي أو اختراقهم. وقد يرثون الانحياز البشري بناء على بيانات غير موضوعية. ويمكن أن يؤدي الإفراط في الاعتماد على الوكلاء إلى تآكل المهارات البشرية الأساسية. 

والأسوأ، إن لم نضبطهم بشكل صحيح، قد يتصرفون بطريقة مفاجئة وربما ضارة.

تحذير الأب الروحي

"أسرع مما توقعه كثيرون،" يقول جيفري هينتون، المعروف بـ"الأب الروحي للذكاء الاصطناعي،" الحائز على جائزة نوبل، في مقابلة مع شبكة CBS News، تعبيرا عن قلقه من سرعة تطور وكلاء الذكاء الاصطناعي.

"علينا أن نبدأ الآن في التفكير بكيفية تنظيم هذه الأنظمة،" يضيف، "الخطر لا يقتصر على استبدال الوظائف، بل يشمل إمكانية أن تتجاوز قدراتنا الفكرية".

وأشار إلى هينتون إلى أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت باتخاذ قرارات ذاتية دون رقابة بشرية، وذكر تطبيقات عسكرية واستخدامات مثيرة للجدل مثل اختيار الأجنة.

ويحذر هينتون من أن القوانين الخاصة بالذكاء الاصطناعي غير كافية حتى الآن، وخطيرة.

التحدي الأكبر: السيطرة

الخوف لم يعد نظريا فقط. فبعض النماذج الحالية قادرة على التعلم الذاتي وحل المشكلات بشكل مستقل ما يعقد محاولات السيطرة عليها.

وفي الحديث عن علاقتنا بالذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال أساسي : هل يمكننا ضمان توافق هؤلاء الوكلاء مع القيم الإنسانية؟ وماذا إذا لم نتمكن من ذلك؟

تبقى المخاطر باهظة الكلفة. إذ يؤدي غياب التوافق الأخلاقي إلى مراقبات جماعية، ونشر معلومات مضللة، بما يهدد السلامة العامة والديمقراطيات في الدول الديمقراطية. 

ويزعم نقاد الآلة أن الشركات الكبرى تنشر نماذج قوية دون رقابة كافية، وتُفضل الربح على السلامة العامة.

الموازنة بين التقدم والأخلاق

وللمضي في هذا المسار، يدعو خبراء إلى تأسيس أطر تنظيمية عالمية تتضمن المبادئ الأخلاقية والشفافية والمساءلة لتطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي.

ويرى الخبراء ألا غنى عن السياق الثقافي. ففي بعض المجتمعات، قد تلعب قيم راسخة في خلق فجوة في الوعي الرقمي. لذلك، لا يكفي التطور التقني، بل يتطلب أيضا بناء الثقة المجتمعية.

الطريق إلى الأمام

الذكاء الاصطناعي سيف ذو حدين. إنه مفتاح لحل بعض أعقد مشكلات البشرية، إذا تمت إدارته بحكمة.

ومع تزايد المخاوف بشأن استقلالية وكلاء الذكاء الاصطناعي، تصبح الحاجة لتطويرهم وتوجيههم أكثر إلحاحا.