شعار تشات جي بي تي. صورة تعبيرية
شعار تشات جي بي تي. صورة تعبيرية

في ظل "تشات جي. بي. تي" وما يشابهها من مواقع ذكاء اصطناعي، الإنسان أمام خيارين، إما أن يعاند ويرفض فيسبقه الآخرون، أو أن يراقب ويفهم ويواكب التطور. هذا ما نستنتجه من آراء خبراء وتقارير تحدثت عن إمكانية استبدال عمل الإنسان بالذكاء الاصطناعي.

فروبوت المحادثة "تشات جي. بي. تي"، الذي أنتجته الشركة الناشئة في كاليفورنيا، "أوبن إيه آي"، صمم كي يقلد الإنسان بالمحادثات ويمكنه أن يكتب الشعر في حال طلب منه، أو الإجابة على أسئلة معقدة تطرح ضمن مجموعة متنوعة من الأساليب. ويقول مبتكروه إن أكثر من مليون شخص استخدموه خلال الأسبوع الأول من إطلاقه.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالتطبيق استخدم في الميدان القضائي وساعد في إصدار أحكام، وفي الإعلام والتعليم.

لكن، ما مدى جدية المخاوف من فقدان الأشخاص لوظائفهم؟ يجاوب المستشار في أمن وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، رولان أبي نجم، في حديث لموقع "الحرة" عن هذا التساؤل قائلا إنها "ليست المرة الأولى التي يتخوف فيها الإنسان من استبداله في العمل، فمع كل اختراع، خصوصا بعد الثورة الصناعية بدأت العديد من الوظائف تختفي".

وفي السياق، ذكر أبي نجم أن كل "اختراع صناعي أو تكنولوجي يولد بدوره مجالات عمل جديدة. فعلى سبيل المثال وظائف المبرمجين والمحللين المعلوماتيين لم تكن موجودة في السابق، لكن الآن زاد الطلب عليها بشكل كبير".

أي وظائف مهددة؟

اعتبر أبي نجم أنه يمكن للذكاء الاصطناعي استبدال:

  • بعض وظائف البرمجة
  • وظائف اكتشاف وتحديد الخلل الأمني في البرنامج الإلكتروني، فبعض الوظائف في الميدان التكنولوجي باتت بخطر، حسب أبي نجم.
  • وظائف كتابة المحتوى والتقارير وتقسيمها.
  • وفي المجال القانوني، فإن القضاء يمكنه الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للحكم بقضية، ضمن حدود القوانين والمعلومات المدخلة على برنامج الذكاء الاصطناعي.
  • ظائف دراسات السوق
  • دراسات الجدوى
  • التعليم الإلكتروني
  • التمويل وتنويع المحفظة المالية
  • التصميم
  • خدمة العملاء

إلا أنه بحسب أبي نجم، فإنه "لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخالف الذكاء الإنساني"، ويتابع: "يبقى العقل البشري هو المحرك الأول لكل الابتكارات والمحتويات التي يمكن للذكاء الاصطناعي تطويرها بطرق مختلفة".

ويشدد أبي نجم على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يجتهد إذا غابت القوانين، ولا أن يكيف المحتوى مع الاتجاه المناسب لناشر المحتوى، فمن هنا ضرورة التدخل البشري. 

ويوضح أن "تشات جي بي تي" هي إحدى الوسائل التي تستخدم الذكاء الاصطناعي كي تتمكن من المساعدة، وهناك العديد من البرامج الأخرى التي تدمج الذكاء الاصطناعي مع الطب والتعليم، وغيرها العديد من المجالات.

ويؤكد "وجوب تأقلم المجالات المهنية مع الذكاء الاصطناعي ومواكبته بدلا من مهاجمته".

وضمن الإطار، قال خبير التحول الرقمي، والأستاذ الجامعي، بول سمعان، في حديث سابق لموقع "الحرة" إنه "في الوقت الحالي لا يمكن لـ"شات جي بي تي" أن يستبدل الإنسان، لكنه يساعد الموظفين في العديد من المجالات مثل كتابة المحتوى، وخدمة العملاء".

وتابع أن "الإثبات على أهمية هذا التطبيق، هو أن عدد الأشخاص الذين بدأوا استخدامه منذ الأسبوع الأول فاق المليون، ففايسبوك استغرق 10 أشهر حتى بات لديه 5 ملايين مستخدم، وإنستغرام شهرين ونصف الشهر، ونتفليكس أكثر من 41 شهرا، أما تشات جي بي، فلم يأخذ أكثر من 5 أيام".

ويذكر أن شركة Codeword، وهي شركة تسويق للتكنولوجيا، قررت الاستعاضة عن المتدربين واللجوء إلى الذكاء الاصطناعي، وفقا ما ذكره موقع "أكسيوس". 

وأشار الموقع إلى أنه مع اشتداد الأزمة الاقتصادية تتجه قطاعات كثيرة للبحث عن وسائل للاستعانة بأدوات مثل تشات جي بي تي، وبرامج توليد الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي مثل "Dall-E2"، لاستبدال البشر في مهام ثانوية.

أما "المتدربون الاصطناعيون" لدى "Codeword" فهم في الواقع برامج رقمية، تمكنت من تطوير هويات وصور خاصة بها مثل "آيكو" و"إيدن"، اللذين يعملان في قسم التصميم الغرافيكي وسيعملان على البحث عن محتوى تحريري وإجراء البحث المطلوب عنه.

ويمكن ملاحظة أهمية تدخل الإنسان، وأن مكانه العمل محفوظ، فقد أوردت وكالة أسوشيتد برس٫ نهاية يناير الفائت، أن الذكاء الاصطناعي بات قادرا على كتابة قصص خيالية ورسم لوحات مستوحاة من فان خوخ، بل ومكافحة حرائق الغابات.

وتابعت أنه الآن أصبح قادرا على المنافسة في مضمار كان قاصرا على البشر فيما سبق.

ووفق الوكالة، فإنه عندما طلب الباحثون من "تشات جي بي تي" كتابة منشور لمدونة أو قصة إخبارية أو مقال لإثبات صحة ادعاء كاذب يفيد مثلا بأن لقاحات كورونا غير آمنة، غالبا ما كان البرنامج يمتثل للطلب ويخرج بنتائج لا يستطيع أحد أن يميزها عن مزاعم مشابهة من أفكار أشخاص يعملون في مجال كتابة المحتوى إلكتروني منذ سنوات.

وحسب الوكالة، فإنه استجابة لطلب كتابة فقرة من منظور ناشط مناهض لتلقي اللقاحات يساوره القلق إزاء المكونات الصيدلانية السرية لتلك اللقاحات، كتب تشات جي بي تي: لن تتوقف شركات الأدوية عند أي شيء للترويج لمنتجاتها، حتى لو كان ذلك يعني تعريض صحة الأطفال للخطر".

وبحسب النتائج التي خلص إليها محللون من شركة "نيوز غارد" المعنية برصد المعلومات المضللة عبر الإنترنت ودراستها، فإن الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي بإمكانها إعادة تشكيل الصناعات، لكن السرعة والقوة والإبداع التي تتمتع بها توفر أيضا فرصا جديدة لأي شخص يرغب في استخدام الأكاذيب والدعاية لتحقيق غاياته الخاصة.

وقال غوردون كروفيتز الرئيس التنفيذي لشركة "نيوغارد": "هذه تقنية جديدة، وأعتقد أن الأمر الواضح هو أن كثيرا من المتاعب ستظهر، إذا ما وقعت (تلك التقنية) في الأيدي الخطأ".

 تحويل الأفكاره إلى حركات ذراع روبوتي، تقنية ستدعم الأشخاص ذوي الإعاقة في مجموعة واسعة من الأنشطة
تحويل الأفكاره إلى حركات ذراع روبوتي، تقنية ستدعم الأشخاص ذوي الإعاقة في مجموعة واسعة من الأنشطة

تمكن نظام جديد يجمع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات من مساعدة رجل مصاب بالشلل الرباعي في تحويل أفكاره إلى حركات ذراع ميكانيكية، مع استمرار عمل النظام لمدة سبعة أشهر دون الحاجة إلى تعديلات كبيرة.

وهذا يتجاوز بكثير الأيام القليلة التي تدوم فيها هذه الأنظمة عادة قبل أن تحتاج إلى إعادة معايرة، مما يبرز إمكانات هذه التكنولوجيا، وفقًا لفريق البحث في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو.

وبحسب البحث الجديد، ما هو حاسم في نظام واجهة الدماغ مع الكمبيوتر (BCI) هو الخوارزميات الذكية المستخدمة لمطابقة إشارات الدماغ مع الحركات.

كان الرجل قادرًا على مشاهدة حركات الذراع الروبوتية في الوقت الفعلي أثناء تخيلها، مما يعني أن الأخطاء يمكن تصحيحها بسرعة، ويمكن تحقيق دقة أكبر في الحركات الروبوتية.

يقول الدكتور كارونش جانغولي، أستاذ الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو "إن دمج التعلم بين البشر والذكاء الاصطناعي هو المرحلة التالية لهذه الواجهات بين الدماغ والكمبيوتر لتحقيق وظائف متقدمة وواقعية."

بتوجيه الذراع الروبوتية من خلال الأفكار فقط، كان الرجل قادرًا على فتح خزانة، أخذ كوب، ووضعه تحت جهاز صنع المشروبات.

لهذه التقنية إمكانات كبيرة لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة في مجموعة واسعة من الأنشطة.

من بين الاكتشافات التي تم التوصل إليها خلال البحث، وجد الفريق أن شكل الأنماط الدماغية المتعلقة بالحركة ظل كما هو، لكن موقعها انحرف قليلاً مع مرور الوقت، وهو أمر يُعتقد أنه يحدث مع تعلم الدماغ واكتسابه معلومات جديدة.

تمكنت الخوارزميات الذكية من حساب هذا الانحراف، مما يعني أن النظام لم يكن بحاجة إلى إعادة معايرة متكررة.

وما هو أكثر من ذلك، فإن الباحثين واثقون من أن سرعة ودقة النظام يمكن تحسينهما مع مرور الوقت.

هذا ليس نظامًا بسيطًا أو رخيصًا لإعداده، حيث يستخدم الزرعات الدماغية وتقنية تُعرف باسم "التخطيط الكهربائي للقشرة الدماغية" (ECoG) لقراءة النشاط الدماغي، وحاسوب يمكنه ترجمة هذا النشاط وتحويله إلى حركات ميكانيكية للذراع.

ومع ذلك، فإن هذا دليل على وجود التكنولوجيا الآن لرؤية الأنماط العصبية المرتبطة بالأفكار حول الحركات الجسدية، وامكانية تتبع هذه الأنماط حتى مع تحركها في الدماغ.

هذه التكنولوجية ليست بالجديدة، إذ استخدمت أنظمة مشابهة تمنح الأصوات لأولئك الذين لم يعودوا قادرين على التحدث، وتساعد رجلًا مصابًا بالشلل الرباعي مثلا في لعب الشطرنج.

ومع استمرار تحسن التكنولوجيا، ستصبح الحركات الأكثر تعقيدًا ممكنة، ويقول جانغولي: "أنا واثق تمامًا أننا تعلمنا كيفية بناء النظام الآن، وأننا يمكننا جعله يعمل."