تقنيات التزوير الفائق إلى أين؟
تقنيات التزوير الفائق إلى أين؟

مع انتشار روبوتات دردشة تبثّ معلومات خاطئة، وتطبيقات تولّد مقاطع فيديو إباحية ملفقة، وأصوات مستنسخة تستخدم في عمليات احتيال، بدأت الحكومات تنظم صفوفها للتصدي لتصاعد تقنيات  التزوير الفائق الواقعيّة.

وبات انتشار "التزوير الفائق الواقعيّة" يطرح تحديا كبيرا على صعيد التضليل الإعلامي، إذ يستخدم الذكاء الاصطناعي للقيام بواسطة التلاعب الرقمي بتبديل وجه بوجه آخر في فيديو، أو تزوير كلام شخصية بصورة واقعيّة إلى حدّ مدهش.

وفي هذا السياق، أعلنت "ميتا"، الشركة الأم لفيسبوك، العام الماضي سحب فيديو ينطوي على "تزوير فائق الواقعية" للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي يدعو المواطنين إلى إلقاء السلاح والاستسلام للقوات الروسية.

وروت كايت آيزاكس، البريطانية الناشطة من أجل سحب المحتويات الإباحية المنتجة دون الحصول على موافقة من موقع "بورنهاب"، متحدثة لبي بي سي في أكتوبر، كيف أنها "انهارت" حين نُشر فيديو إباحي "فائق الواقعيّة" يستخدم وجهها على تويتر.

وحذّر خبراء هذا القطاع بأن مبتكري هذه المحتويات تخطّوا أدوات رصدها، موضحين أنهم يعملون دون كشف هوياتهم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي التي كانت تتطلب في ما مضى مهارات متخصصة غير أنّها باتت متاحة بصورة واسعة وبكلفة متدنية.

- "أسلحة بلبلة شاملة" -

ويثير شيوع التوليد التلقائي للمحتويات بالنص والتسجيل الصوتي والفيديو، وأخطار استخدامه بصورة ضارّة بهدف الاحتيال المالي أو انتحال الهوية مثلا، مخاوف كبرى عبر العالم.

ووصفت مجموعة "يوراجيا غروب" لتحليل أخطار هذه التقنيات بـ"أسلحة البلبلة الشاملة".

وأقرت الشركة البريطانية الناشئة "إيليفن لابز" التي تطوّر أداة لاستنساخ الأصوات بفضل الذكاء الاصطناعي، هذا الأسبوع بأنها ترصد "عددا متزايدا من الاستخدامات التعسّفية" لبرنامجها.

ونشر مستخدمون فيديو ولّدوه بواسطة هذه الأداة، يقرأ فيه صوت مستنسخ عن صوت الممثلة إيما واتسون مقطعا من كتاب هيتلر "ماين كامف" (كفاحي).

وقد يقود انتشار التزوير الفائق الواقعية إلى ما وصفته وكالة الشرطة الأوروبية "يوروبول" بـ"حرب نهاية العالم المعلوماتية"، وفق سيناريو يكون فيه العديد من الأشخاص عاجزين عن التمييز ما بين الواقع والتخييل ومعرفة ما هي مصادر الأنباء الموثوقة.

- "ناشر فائق للتضليل الإعلامي " -

وأعلنت، الصين التي تتصدر الدول على صعيد تنظيم التكنولوجيات الجديدة، مطلع يناير دخول قانون جديد حيز التنفيذ ينظم قطاع التزوير الفائق الواقعية، ويفرض على الشركات الصينية التي توفر هذا النوع من الأدوات الحصول على الهوية الحقيقية لمستخدميها.

كما يلزم القانون إدراج إشارة على المحتويات المنتجة بواسطة "التزوير الفائق الواقعية" لتفادي "أي التباس".

واعتبرت الهيئة الناظمة للانترنت الصينية أن التزوير الفائق الواقعية يطرح "أخطارا على الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي"، إذا لم يتم ضبطه وتنظيمه.

وفي الولايات المتحدة، يدعو عدد من أعضاء الكونغرس إلى تشكيل مجموعة عمل متخصصة في مراقبة هذا النوع من التزوير، غير أنهم يواجهون معارضة شديدة من ناشطين من أجل الحقوق الرقمية يحذرون من أن هذه التدابير قد تكبح الابتكار أو تحد من حرية التعبير.

أما في أوروبا، فأعلنت الحكومة البريطانية في نوفمبر أنها تعتزم حظر تشارك الفيديوهات الإباحية المنتجة بواسطة "التزوير الفائق الواقعية" التي تعدّ دون موافقة الضحايا.

من جهته، يعمل الاتحاد الأوروبي على مشروع قانون يعرف بـ"قانون الذكاء الاصطناعي" يهدف إلى تشجيع الابتكار وتفادي التجاوزات، على أن يتم إقراره قبل نهاية العام.

ويفرض القانون بصورة خاصة على المستخدمين الإشارة إلى أنّهم ينشرون محتوى يستخدم "التزوير الفائق الواقعية"، لكن البعض يعتبر أن القانون غير كاف.

وقال جيسون ديفيس الأستاذ في جامعة سرقوسة لوكالة فرانس برس "كيف يمكن ترميم الثقة الرقمية بواسطة الشفافية؟ هذا هو السؤال الحقيقي".

وتابع أن "أدوات (الرصد) آتية، وهي آتية بصورة سريعة على الأرجح. لكن التكنولوجيا تتقدم حتما بسرعة أكبر. وكما هي الحال بالنسبة إلى الأمن السيبراني، لن نتمكن أبدا من تسوية هذه المشكلة، كل ما يمكننا أن نأمل به هو الحفاظ على الوتيرة الحالية".

ويجد العديدون صعوبات في استخدام الأدوات الجديدة مثل برنامج الدردشة الآلي "تشات جي بي تي" الذي ابتكرته الشركة الناشئة "أوبن إيه آي" في كاليفورنيا، والذي يمكنه توليد نصوص ومقالات أو حتى قصائد بناء على الطلب وفي بضع ثوان.

ووصفته "نيوزغارد" التي تقيم مصادر المعلومات بحسب موثوقيتها، في دراسة صدرت أخيرا بأنه "الناشر الفائق الجديد للتضليل الإعلامي"، بعدما أعطى البرنامج أجوبة "خاطئة ومضللة" لأسئلة بشأن كوفيد-19 أو حوادث إطلاق النار في المدارس.

الذكاء الاصطناعي يزاحم الإنسان في سوق العمل. أرشيفية
الذكاء الاصطناعي يزاحم الإنسان في سوق العمل. أرشيفية | Source: REUTERS

مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، بدأت شركات في تسريح مئات الموظفين، آخرها منصة تيك توك للتواصل الاجتماعي.

وأعلنت تيك توك، الجمعة، تسريح مئات الموظفين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عدد كبير في ماليزيا، حيث قالت الشركة أن هذا القرار هو جزء من تحولها نحو استخدام المزيد من أدوات الذكاء الاصطناعي في تعديل المحتوى، مع التركيز على تحسين الكفاءة في عملياتها.

الخطوة التي اتخذتها تيك توك، ترفع منسوب المخاوف على مستقبل العامل البشري في مواجهة الذكاء الاصطناعي وتصاعد القلق من أن تتجه شركات عملاقة أخرى نحو ذات الاتجاه.

وظائف يستحوذ عليها الذكاء الاصطناعي

الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، أحمد بانافع قال إن ما فعلته تيك توك لم يكن مفاجئا، وهي واحدة من بين عدة شركات اتجهت للمسار ذاته، ولكن تيك توك أعلنت عنه صراحة.

وأوضح بانافع وهو مقيم في كاليفورنيا في حديث لبرنامج "الحرة الليلة" أن الوظائف التي تم الاستغناء عنها هي "مراقبة المحتوى" وهي من بين 10 وظائف على الأقل يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي القيام بها.

ويرى أن العامل الإنسان قد يكون دخل "في مرحلة ثانية من المعركة بين الذكاء الاصطناعي والموظفين".


وقال بانافع إن هناك شركات أميركية كبرى بدأت في تدريب الموظفين على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتستثمر فيها مليارات الدولارات، والتي تتيح لهم التعرف على المجالات "التي يمكن فيها الاستغناء عن العامل البشري"، وهنا "تحصل عمليات تسريح بناء على التقييم".

وكانت غوغل قد أعلنت مطلع العام الاستغناء عن مئات الموظفين ضمن فريق مبيعات الإعلانات العالمي التابع لها، في ظل استخدام الأنظمة الآلية في عدد متزايد من المهام الإدارية والإبداعية باستخدام الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي يولد فرصا كبيرة ومخاطر ضخمة. أرشيفية
"تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟
وصفت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، ما سيحدثه الذكاء الاصطناعي في سوق العمل حول العالم خلال العامين المقبلين بأنه مثل "تسونامي"، حيث سيؤثر على 60 بالمئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة و40 بالمئة من فرص العمل حول العالم.

واستغنت غوغل عن حوالي 12 ألف شخص في يناير 2023 حوالي 6 في المئة من قوتها العاملة في مواجهة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، ما يعني انخفاض إنفاق المعلنين. واضطر عملاق الإنترنت منذ ذلك الحين إلى الاستثمار بكثافة في الذكاء الاصطناعي التوليدي.

كيف تحمي وظيفتك من الذكاء الاصطناعي؟

ويوصي الخبير بانافع لأي موظف يعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يستبدل وظيفته، عليه التدرب على "استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، والابتعاد عن الوظائف التقليدية، مثل مراقبة المحتوى أو الترجمة أو خدمة العملاء أو التعرف على الاتجاهات".

ويرى أنه لا يجب أن ننظر إلى أن الذكاء الاصطناعي سيستولي على الوظائف، بقدر ما أنه يستطيع القيام بوظائف معينة بسرعة وكفاءة عالية، ولهذا على الشخص البحث عن وظائف غير تقليدية.

ولمواجهة المرحلة المقبلة، دعا الجميع إلى النظر لفرص التطوير التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءة عملك، وهو ما يمكنك أن تفعله بأن "تسأل تشات جي بي تي، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يطورك ويساعدك في عملك؟".

كثيرون يتوجهون إلى إلى موقع "لينكد إن" للبحث عن وظيفة
كيف تستغل الذكاء الاصطناعي في العثور على وظيفة أحلامك؟.. 8 نصائح مهمة
يسعى الكثير من الناس وعلى مختلف مشاربهم وتنوع اختصاصاتهم للحصول على أحسن فرص العمل الممكنة عبر مواقع  ومنصات التوظيف الكبرى مثل منصة لينكد إن LinkedIn، وإنديد دوت كوم Indeed، وZipRecruiter، وغيرها من المنافذ الأخرى داخل وخارج الولايات المتحدة.

وفي يونيو الماضي دعا صندوق النقد الدولي لاتخاذ تدابير ضريبية للحماية الاجتماعية لإحداث توازن حيال المخاطر التي يطرحها الذكاء الاصطناعي ولا سيما زيادة انعدام المساواة.

ومن دون تنظيم، فإن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى خسارة وظائف بين المهن المؤهلة، وفقا لما ذكر صندوق النقد الدولي في مذكرة.

ولمواجهة هذا الوضع على الحكومات أن تخصص إيرادات جديدة لتمويل شبكة الأمان الاجتماعي لأولئك الذين يخسرون وظائفهم، كما أوصى واضعو المذكرة.

وجاء في المذكرة أن "السياسة الضريبية لها دور رئيسي في دعم توزيع أكثر إنصافا للمكاسب والفرص المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي". وأضاف الصندوق "لكن هذا يتطلب تغييرات كبيرة في الأنظمة الضريبية والحماية الاجتماعية في جميع أنحاء العالم".

ويدعو صندوق النقد الدولي بشكل خاص إلى زيادة إعانات التأمين ضد البطالة والاستثمار في التدريب لإعداد العمال "للوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي".

ويعارض الصندوق فرض ضريبة محددة على الذكاء الاصطناعي التي اقترحها باحثون معتبرا أن هذا من شأنه أن يؤثر على نمو الإنتاجية. وعلى العكس يقترح التصدي للثغرات الضريبية التي تشجع على إلغاء وظائف.