كان "ألتا فيستا" أول موقع يسمح بالبحث في الشبكة العنكبوتية عام 1995، قبل أن يزيحه محرك البحث غوغل الذي سيطر على هذا المجال في معظم أنحاء العالم.
ولا يزال "غوغل" هو مركز أعمال "ألفابيت"، وهي واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم، إذ بلغت عائداتها 283 مليار دولار عام 2022، وتبلغ قيمتها السوقية 1.3 تريليون دولار.
لكن، وبعد أن كانت محركات البحث هي الباب الأمامي للإنترنت لأكثر من 25 عاما، يبدو أن لا شيء يدوم إلى الأبد، لا سيما في مجال التكنولوجيا، والدليل شركات مثل "أي بي أم"، التي كانت تحكم حوسبة الأعمال ذات يوم، أو "نوكيا"، التي كانت ذات يوم رائدة في مجال الهواتف المحمولة، واللتان لم تصمدا في مواجهة التحولات التكنولوجية الكبيرة.
ويشير تقرير لمجلة "إيكونوميست" إلى أن الجديد الذي تسيل له لعاب شركات التكنولوجيا الآن، يدور حول تطوير محركات البحث لتعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يشير إلى تحول كبير في هذا المجال.
وتتيح روبوتات الدردشة، المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمستخدمين، جمع المعلومات عبر المحادثات المكتوبة.
ويقود هذا المجال حاليا، موقع "تشات جي بي تي"، الذي أسسته شركة "أوبن أيه أي"، وهي شركة ناشئة، واستقطب أكثر من 100 مليون مستخدم بحلول نهاية يناير الماضي، أي بعد شهرين فقط من إطلاقه، مما يجعله "أسرع التطبيقات نموا في التاريخ"، وفقا لمجموعة "يو بي أس" الاستثمارية.
يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بالفعل خلف الكواليس في العديد من المنتجات، ولكن "تشات جي بي تي" جعله في مركز الصدارة، حيث سمح للمستخدمين بالدردشة معه مباشرة، ليشرح مفاهيم معقدة، أو يلخص نصا، أو يكتب مقالا، أو بحثا، أو حتى أشياء أخرى.
وبعد النجاح الساحق لهذا التطبيق، تحاول الشركات المنافسة الموجودة فعليا في السوق منذ زمن، اقتناص زمام المبادرة.
وفي السابع من فبراير كشفت شركة "مايكروسوفت"، التي استثمرت 11 مليار دولار في "أوبن أيه أي" عن إصدار جديد من محرك بحثها "بينغ" يتضمن "تشات جي بي تي".
وترى "مايكروسوفت" أن هذه فرصتها في منافسة "غوغل" من خلال إصدار "بينغ" الجديد.
من جانبها، أعلنت غوغل عن روبوت محادثة خاص بها، سمته "بارد"، ليعمل بجانب محرك البحث الخاص بها، كما استثمرت 300 مليون دولار في شركة "أنثروبيك" الناشئة التي أسسها موظفون سابقون في "أوبن أيه أي"، التي قامت ببناء روبوت محادثة يسمى "كلود".
وأعلن محرك البحث "بايدو"، المصنف رقم واحد في الصين والمعروف بأنه "غوغل الصين"، أنه سيطلق برنامج دردشة باسم "إيرين" في مارس المقبل.
ويثير تقرير "إيكونوميست" شكوكا بشأن الوثوق في برامج الدردشة الآلية التي تنتجها الشركات القائمة بالفعل، وإن كان الذكاء الاصطناعي سيضع تلك الشركات الناشئة في القمة.
فهناك تساؤل يدور عن كيفية جني شركات التكنولوجيا الأموال من هذه الابتكارات.
من جهتها، تطلق "أوبن أيه أي" إصدارا متميزا من "تشات جي بي تي"، يكلف 20 دولارا شهريا للوصول السريع، حتى في أوقات الذروة.
أما غوغل ومايكروسوف، اللتان تبيعان بالفعل الإعلانات على محركات البحث الخاصة بهما، فستعرضان الإعلانات جنبا إلى جنب مع ردود "تشات بوت".
وعلى سبيل المثال، إذا سألت عن نصائح للسفر، ستجد إعلانات لها صلة بهذا الموضوع، لكن نموذج العمل هذا قد لا يكون مستداما.
ويتوقع التحليل أن تظهر نماذج أخرى من عمليات جني الأرباح. على سبيل المثال، قد يتم فرض رسوم أكبر على المعلنين مقابل القدرة على التأثير في الإجابات التي تقدمها روبوتات المحادثة، أو تضمين روابط لمواقعهم الإلكترونية في الردود، أو تقديم توصية لمنتجات معينة إذا سألت مثلا عن كمبيوتر أو سيارة.
لكن في نفس الوقت، فإنه على الرغم من الضجة بشأن "تشات بوت"، فإن هناك تحذيرات من أن "الذكاء الاصطناعي" يقدم إجابات أحيانا غير دقيقة، أو متحيزة أيضا، بناء على ما يجده في شبكة الإنترنت.
ويعتقد التقرير أن روبوتات المحادثة قد تتحسن قدراتها وتتطور مع الوقت، وقد تصبح واجهة لجميع أنواع الخدمات ، مثل إجراء حجوزات الفنادق أو المطاعم، خاصةً إذا تم تقديمها كمساعدين صوتيين مثل "سيري" و"أليكسا" الخاصين بأبل وأمازون.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن الشركات الناشئة اليوم، مثل "أوبن أيه أي"، و"أنثروبيك"، تجذب الكثير من الاهتمام والاستثمار من غوغل ومايكروسوفت، تشير إلى أن الشركات الأصغر لديها فرصة للمنافسة في هذا المجال الجديد.
ويعتقد التحليل أن الشركتين الناشئتين ستتعرضان لضغوط كبيرة للبيع.
لكن ماذا لو تطور مجال الدردشة الآلية وظهرت تكنولوجيا فائقة ونموذج عمل جديد، وأصبحت هي محرك البحث والباب الأمامي للإنترنت.. "هذا ليس ببعيد، فهذا ما فعلته غوغل سابقا"، بحسب "إيكونوميست".