الذكاء الاصطناعي يجذب اهتمام العاملين في جميع القطاعات

انضم العالم البريطاني، جيفري هينتون، الملقب بالأب الروحي للذكاء الاصطناعي، إلى العديد من المنتقدين والمتخوفين من صراع كبرى شركات التكنولوجيا في مجال تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، معتبرًا أنه سباق نحو الخطر ويهدد البشرية بأكملها.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، الاثنين، تصريحات هينتون، الذي أكد فيها أن التطبيقات المشابهة لتطبيق روبوت المحادثة "تشات جي بي تي"، يمكن بالفعل أن تتحول إلى "أداة لنشر المعلومات المضللة، وربما تمثل في القريب العاجل خطرًا على الوظائف وعلى البشرية برمتها".

وأطلقت شركة "أوبن أيه آي"، في نوفمبر من العام الماضي تطبيق روبوت المحادثة "تشات جي بي تي"، ولاقى رواجًا كبيرًا بين المستخدمين، غير أن هناك مخاوف كبيرة ظهرت تتعلق بالخصوصية أو التحيز السياسي، أو مخاوف أخرى أمنية متعلقة بالبرنامج.

ورد المدير التنفيذي للشركة، سام ألتمان، بالقول إن التطبيق في بدايته وسيتم العمل على حل جميع المشكلات والمخاوف التي تظهر.

وكان هينتون قد طور عام 2012، رفقة اثنين من طلابه في جامعة تورنتو، شبكة عصبية اصطناعية تحاكي الشبكات العصبية البشرية، ويمكنها تحليل آلاف الصور وتعليم نفسها تحديد العناصر المشتركة في تلك الصور.

وقاد هذا الابتكار إلى تطوير تقنيات كثيرة بينها روبوتات المحادثة مثل "تشات جي بي تي" وتطبيق غوغل الشبيه به، الذي يحمل اسم "بارد".

وصرح هينتون أن تنافس شركات التكنولوجيا وتطويرها لأنظمة الذكاء الاصطناعي، بات أمرًا في غاية الخطورة، مطالبًا بالمقارنة بحجم التطور في تلك التقنيات قبل 5 أعوام، وفي الوقت الحالي.

وحذر من أن هذا التنافس "سيغرق الإنترنت بالصور والنصوص ومقاطع الفيديو المزيفة، والشخص العادي لن يمكنه معرفة الحقيقة مجددًا"، بجانب أن روبوتات المحادثة مثل "تشات جي بي تي" ستهدد البشر وتحل محلهم في وظائف مثل المترجمين والمساعدين القانونيين وغيرهم.

يأتي ذلك في ظل تهافت شركات في الولايات المتحدة وأوروبا على استخدام تقنية "تشات جي بي تي" في أعمالها، وتفكر إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في صياغة قوانين جديدة لتنظيم عمل أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي بي تي"، وسط الانتقادات الموجهة لها بسبب التمييز والمعلومات المضللة.

ومن المتوقع أيضًا أن يصوت المشرعون الأوروبيون، خلال الأشهر المقبلة، على تشريع متعلق بتنظيم عمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والحد من خطورتها المتعلقة ببيانات العملاء.

كما فرضت إيطاليا حظرًا على "تشات جي بي تي"، قبل أن ترفعه هيئة حماية البيانات الإيطالية، السبت، بعد معالجة مخاوف متعلق بالخصوصية.

وأوضحت الهيئة الإيطالية، في بيان، أن شركة "أوبن أيه آي" امتثلت لشروط طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي تم فرضه في مارس الماضي.

وكلاء الذكاء الاصطناعي

في عالم يتسابق باتجاه التحول الرقمي الكامل، لم يعد الذكاء الاصطناعي خيالا علميا، بل محركا صامتا يعيد تشكيل وجودنا في العمل وفي التفاعل الاجتماعي وأنماط العيش.

 من الصوت داخل هاتفك، إلى الروبوت على خط الإنتاج، أصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي جزءا أساسيا من حياتنا اليومية.

من هم هؤلاء الوكلاء؟ 

كيف يعملون؟ 

ولماذا التحذيرات من أننا قد نفقد السيطرة عليهم؟

وكيل الذكاء الاصطناعي

افترض أنك تستيقظ صباحا وتطلب من هاتفك ترتيب جدول أعمالك، أو أن تقودك سيارتك إلى العمل بينما تتصفح أنت كومبيوترك اللوحي، أو أن يقترح عليك تلفزيونك الذكي مشاهدة فليم يناسب مزاجك.

هذه المهام تعتمد كلها على وكلاء الذكاء الاصطناعي.

في اللغة الرقمية، وكيل الذكاء الاصطناعي هو نظام برمجي ذكي قادر على إدراك البيئة المحيطة، وتحليل البيانات، واتخاذ قرارات لتحقيق أهداف محددة، وغالبا دون تدخل بشري مباشر. 

مرة أخرى، يمكن أن يكون الوكيل مساعدا صوتيا مثل "سيري" أو "أليكسا"، أو نظام تخصيص "أو توصيات" مثل نتفليكس وأمازون، أو روبوتا صناعيا يعمل على خطوط الإنتاج.

يتفاعل بعض الوكلاء مع المحفزات الآنية، بينما يعتمد البعض الآخر على أهداف محددة أو قرارات مبنية على تعظيم الفائدة. وهناك من يتعلم باستمرار من تجاربه — ليحسن أداءه مع الوقت.

مشهد الابتكار... والقلق

يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة. ففي التصنيع، تعمل الروبوتات بدقة وكفاءة. في الطب، تساعد الأنظمة الذكية في التشخيص. وفي عالم الأموال، تقود أنظمة الكشف عن الاحتيال وتقدم مقترحات بشأن الاستثمارات.

يساهم وكالاء الذكاء الاصطناعي في، زيادة الإنتاجية، وتقليل التكاليف التشغيلية، ودعم اتخاذ قرارات أكثر ذكاء، وفي تقديم خدمات يمكن توسيعها وتكييفها.

لكن فوائد الوكلاء تسير يدا بيد مع مخاطر موازية. يمكن التلاعب بوكلاء الذكاء الاصطناعي أو اختراقهم. وقد يرثون الانحياز البشري بناء على بيانات غير موضوعية. ويمكن أن يؤدي الإفراط في الاعتماد على الوكلاء إلى تآكل المهارات البشرية الأساسية. 

والأسوأ، إن لم نضبطهم بشكل صحيح، قد يتصرفون بطريقة مفاجئة وربما ضارة.

تحذير الأب الروحي

"أسرع مما توقعه كثيرون،" يقول جيفري هينتون، المعروف بـ"الأب الروحي للذكاء الاصطناعي،" الحائز على جائزة نوبل، في مقابلة مع شبكة CBS News، تعبيرا عن قلقه من سرعة تطور وكلاء الذكاء الاصطناعي.

"علينا أن نبدأ الآن في التفكير بكيفية تنظيم هذه الأنظمة،" يضيف، "الخطر لا يقتصر على استبدال الوظائف، بل يشمل إمكانية أن تتجاوز قدراتنا الفكرية".

وأشار إلى هينتون إلى أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت باتخاذ قرارات ذاتية دون رقابة بشرية، وذكر تطبيقات عسكرية واستخدامات مثيرة للجدل مثل اختيار الأجنة.

ويحذر هينتون من أن القوانين الخاصة بالذكاء الاصطناعي غير كافية حتى الآن، وخطيرة.

التحدي الأكبر: السيطرة

الخوف لم يعد نظريا فقط. فبعض النماذج الحالية قادرة على التعلم الذاتي وحل المشكلات بشكل مستقل ما يعقد محاولات السيطرة عليها.

وفي الحديث عن علاقتنا بالذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال أساسي : هل يمكننا ضمان توافق هؤلاء الوكلاء مع القيم الإنسانية؟ وماذا إذا لم نتمكن من ذلك؟

تبقى المخاطر باهظة الكلفة. إذ يؤدي غياب التوافق الأخلاقي إلى مراقبات جماعية، ونشر معلومات مضللة، بما يهدد السلامة العامة والديمقراطيات في الدول الديمقراطية. 

ويزعم نقاد الآلة أن الشركات الكبرى تنشر نماذج قوية دون رقابة كافية، وتُفضل الربح على السلامة العامة.

الموازنة بين التقدم والأخلاق

وللمضي في هذا المسار، يدعو خبراء إلى تأسيس أطر تنظيمية عالمية تتضمن المبادئ الأخلاقية والشفافية والمساءلة لتطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي.

ويرى الخبراء ألا غنى عن السياق الثقافي. ففي بعض المجتمعات، قد تلعب قيم راسخة في خلق فجوة في الوعي الرقمي. لذلك، لا يكفي التطور التقني، بل يتطلب أيضا بناء الثقة المجتمعية.

الطريق إلى الأمام

الذكاء الاصطناعي سيف ذو حدين. إنه مفتاح لحل بعض أعقد مشكلات البشرية، إذا تمت إدارته بحكمة.

ومع تزايد المخاوف بشأن استقلالية وكلاء الذكاء الاصطناعي، تصبح الحاجة لتطويرهم وتوجيههم أكثر إلحاحا.