لم يلق المصارع الشهير، جون سينا، التحية على عائلة فلسطينية للتعبير عن دعمه لسكان غزة في مواجهة إسرائيل، كما أن انتشار فيديو لفلسطيني في كفن مغمض العينين ثم يفتحهما، ليس دليلا على تزييف الموت في مستشفيات القطاع من أجل تشويه صورة إسرائيل.
مع إعلان إسرائيل الحرب على غزة في أعقاب هجمات حركة "حماس" في السابع من أكتوبر، انتشرت المواد المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، ولعبت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يمكن الوصول إليها بسهولة حاليا، دورا كبيرا في محاولة تشويه الطرف الآخر من الحرب.
ووصل الأمر إلى قيام جماعات يمينية في الولايات المتحدة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتزييف مواد سمعية وبصرية على الإنترنت، بعضها معاد للسامية وبعضها الآخر معاد للفلسطينيين.
في السابع من أكتوبر، شنت حركة حماس هجوما على إسرائيل، أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وفقا للسلطات الإسرائيلية، وخطفت رهائن يقدر عددهم بأكثر من 240، بينهم أجانب.
وردا على ذلك، تشن إسرائيل غارات متواصلة على قطاع غزة، بالإضافة إلى توغل بري، أدى إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص، أغلبهم مدنيون، وفقا لوزارة الصحة في قطاع غزة.
الذكاء الاصطناعي سهّل التزييف
قال الخبير التقني، عمر قصقص، إن "تزييف الصور أو مقاطع الفيديو صار أمرا سهلا نسبيا في الآونة الأخيرة نظرا لتطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. فهناك "تقنيات كثيرة مثل التعلم الآلي التي يتم استخدامها بواسطة الذكاء الاصطناعي لصناعة مقاطع فيديو واقعية على غرار الديب فيك أو التزييف العميق".
وفي "التزييف العميق" يتم استبدال الوجه أو الصوت الأصلي بمحتوى غير حقيقي يتم صناعته بالاعتماد على تقنيات متنوعة، لإظهار شخص ما هو يتحدث أو يفعل شيئا ما.
وأوضح قصقص في تصريحات لموقع "الحرة" أن "هناك تقنيات معالجة الصور التي يتم استخدامها للتعديل على الصور أو مقاطع الفيديو، مثل إضافة خلفية أو حذف خلفية، وهي تقنية من الصعب التمييز بأنها غير حقيقية. كما أن هناك تعديل الإضاءة والمؤثرات بواسطة الذكاء الصناعي حيث يظهر المقطع أو الصورة أكثر واقعية أو تأثيرا".
ونشرت وكالة "فرانس برس"، منذ بداية الحرب الحالية، تقارير عن مواد مزيفة أو قديمة تم استخدامها في غير موضعها لدعم أحد طرفي الحرب على الآخر.
فقد انتشر مقطع فيديو ادعى ناشروه أنه للمصارع الأميركي، جون سينا، وهو يلقي التحية على عائلة فلسطينية بعد انتهائه من مباراته تعبيرا عن تضامنه مع سكان غزّة، لكنه في الحقيقة مقطع يعود لعام 2018 للمصارع الذي يلقي التحية على طفل من مؤسسة تُعنى بتحقيق أحلام الأطفال المرضى.
وانتشرت صورة قال ناشروها إنها لاختطاف قائد عسكري إسرائيلي كبير، لكن أسوشيتد برس أشارت بعد تحليل خاص بها أن خبر اختطاف القائد العسكري، نمرود ألوني، غير صحيح.
وتداول مستخدمون لوسائل التواصل مقاطع فيديو تزعم أن الفلسطينيين يمثلون مشاهد الموت، من خلال مقطع يظهر رجلا داخل كفن أبيض يفتح عينيه، لكن اتضح بعد ذلك أنه مقطع خلال دورة لتنظيم الجنازات في مسجد بماليزيا.
تشكيك في الفظائع
إمكانية الوصول المطلقة لأدوات الذكاء الاصطناعي سمح للجماعات المعادية للسامية أو للفلسطينيين باستخدام التكنولوجيا كسلاح، وإنشاء صور وتسجيلات صوتية تُستخدم لمضايقة المجتمع اليهودي أو المسلم في الغرب.
بدأت احتفالات على موقع "فور تشان" اليميني سيئ السمعة بالهجوم الذي نفذته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
وشرحت شبكة "سي أن أن" ذلك بأن نشطاء "فور تشان" قاموا بحفظ مقاطع الفيديو التي تمدح الهجمات، وأعادوا نشرها مجددا ومجددا على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونشر الموقع طرقا لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، في صناعة مواد بصرية معادية للسامية، بحسب ما نقلته شبكة "سي أن أن" عن موقع " Memetica".
وانتشر صورة زعم ناشروها أنها لرفاة طفل إسرائيلي أحرقته حماس، وتبين لاحقا إن الصورة من إنتاج الذكاء الاصطناعي.
ويرى المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية، أليساندرو أكورسي، في تصريحات لفرانس برس أن مثل هذا التزييف "أمر لاإنساني تماما"، وأضاف أنه حال التصديق بأن "الوفيات هي مسرحية، تصبح أقل حساسية أو أكثر تشكيكا حيال فظائع الحرب".
وأضاف "يهدف بشكل واضح لزرع الشكوك بشأن سقوط قتلى مدنيين بالمجمل وحشد الدعم لمزيد من العنف والهجمات". وعبر نزع المصداقية من تجربة الأشخاص المتواجدين على الأرض، تحدث اتهامات "تمثيل الأزمة" استقطابا في الرأي العام وتحمل خطر إثارة العنف.
ما الحل؟
يقول الخبير التقني، عمر قصقص، لموقع "الحرة"، إن على الشخص تحليل المحتوى الذي يظهر أمامه "فهناك أدلة كثيرة على أن المحتوى مزور".
ولفت إلى أن "التحليل البشري بعين الشخص يكشف التزوير بالبحث عن التفاصيل الدقيقة غير الموجودة في الصور المصنوعة بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن تكون الألوان أو الإضاءة غير واقعية".
وأضاف أن استخدام الذكاء الاصطناعي للتزييف تم بشكل كبير خلال حرب غزة، وأبرزها تقنية "الديب فيك" التي يظهر فيها مسؤولون يدلون بتصريحات، لكنهم في الحقيقة لم ينطقوا بكلمة منها.
ومن بين المقاطع التي انتشرت مع بداية الحرب، فيديو مسلحي حماس وهم يهبطون بالمظلات في ملعب رياضي قبل مهاجمتهم مواطنين إسرائيليين، لكن في حين أن حماس استخدمت طائرات شراعية لنقل عدد من مسلحيها عبر الحدود، إلا أن لقطات الملعب الرياضي هي لمظليين في مصر وقد كان الحدث في القاهرة.
كما انتشرت مقاطع فيديو يتم فيها تحريف الترجمة، كما حدث في مقطع فيديو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أشارت الترجمة إلى أنه يدعو الولايات المتحدة إلى عدم التدخل في الحرب، لكن بحسب أسوشيتد برس، كان المقطع قديم والترجمة المرفقة بهما على الشاشة غير صحيحة، وكان بوتين يتحدث فيهما عن حربه في أوكرانيا.
ويرى قصقص أن الحل الأهم يبرز في التحقق من مصدر المواد واستخدام أدوات تحقق منتشرة ومواقع على الإنترنت لهذا الغرض، بجانب بالطبع "التحقق من مصدر المعلومات وأن يعمل المصدر نفسه على التحقق من تلك المواد".