الجدل مستمر حول ما إذا كان حزب الله يسيطر على مطار رفيق الحريري الدولي - أرشيفية
مخاوف على سلامة الطيران المدني في مطار رفيق الحريري الدولي. أرشيفية

مع زيادة اعتماد سكان الشرق الأوسط على استخدام خرائط غوغل أو تطبيقات تحديد أنظمة المواقع الجغرافية، يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات لم يعهدوها من قبل، إذ قد يشير مكان تواجده في مدينة عربية غير التي يسكن فيها، أو يعطيه إحداثيات جغرافية خاطئة.

فكيف يحدث هذا؟ وما علاقته بالحرب في غزة؟ والتوترات في الشرق الأوسط؟

منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر الماضي، يشهد نظام الملاحة "التموضع العالمي" الذي يعرف اختصارا بـ"جي بي أس" الكثير من التعطيل، حيث يستخدم البعض أجهزة تشويش خاصة لتعطيل ترددات الملاحة القادمة من الأقمار الصطناعية في الفضاء.

وعادة ما يوفر نظام الملاحة "جي بي أس" تحديد الأماكن الجغرافية في أي وقت وفي أي ظرف جوي بحسب مكتب تنسيق تحديد مجال التموضع والملاحة والتوقيت التابع للحكومة الأميركية، والتي تعتمد عليها تطبيقات الخرائط المختلفة.

وتعمل أنظمة "التموضع العالمي" (جي بي أس) من خلال إشارات راديوية ترسلها الأقمار الصناعية إلى أجهزة استقبال، والتي تقوم بتحديد الموقع بدقة، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال.

نظام الملاحة "جي بي أس" يستطيع تحديد المكان الجغرافي بدقة. أرشيفية

وتعمل أجهزة التشويش ببساطة بإرسال إشارة أقوى من إشارات الأقمار الصناعية، والتي تكون إما لحجب الإشارة بشكل كلي أو بإعطاء بيانات بمعلومات خاطئة، بإرسال إشارات على أنها في مكان جغرافي مختلف بشكل متعمد.

وتواجه إسرائيل المزيد من الاتهامات بإرباكها وتعطيلها للترددات أنظمة الملاحة الجغرافية، والتي لا تقتصر على الأجواء فوق إسرائيل، بل حتى في دول مجاورة.

وأصبحت الجهود الإسرائيلية جزءا من "الحرب الإلكترونية" المرتبطة بالصراع في غزة، وفق تقرير نشرته الإذاعة الأميركية "أن بي آر"، وهو ما يؤثر على حركة الطيران والشحن المدني..

تود همفريز، أستاذ متخصص في أنظمة الشبكات والملاحة والاتصالات اللاسكلية في جامعة تكساس في أوستن، قال لـ"أن بي آر" إن إسرائيل تقوم بالتشويش في الشرق الأوسط حاليا.

وقام همفريز برفقة مجموعة من طلابه بفحص مصدر ترددات التشويش في الشرق الأوسط لتكشف البيانات أنها قادمة من قاعدة جوية يديرها الجيش الإسرائيلي.

وقال همفريز إن "التواجد على متن طائرة في الشرق الأوسط أو شرق أوروبا أصبح أكثر خطورة مما كان عليه في هذا الوقت من العام الماضي"، في إشارة إلى استخدام أنظمة التشويش في الحرب الأوكرانية أيضا.

ورصد فريق البروفسور همفريز اتجاها غريبا بعد 7 أكتوبر بـ"اختفاء الطائرات التي تقترب من إسرائيل من على الشاشات لفترة قصيرة".

ويعود ذلك إلى "تقنية الانتحال" وهو حين يتم التلاعب ببيانات نظام "جي بي إس" لإرسال إشارات كاذبة.

ارباك في أنظمة الملاحة والخرائط في الشرق الأوسط . أرشيفية

وقال همفريز في اتصال مع وكالة فرانس برس إنه "حلل" بيانات من "أقمار اصطناعية في مدار منخفض" حتى 2 يناير، وخلص إلى أن "إسرائيل تستخدم على ما يبدو تلك التقنية" للدفاع عن نفسها. وعلى سبيل المثال، خدعت "إشاراتها الكاذبة" الطائرات في شمال إسرائيل "بجعلها تعتقد أنها كانت في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت".

محمد عزيز، مستشار لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية، قال لإذاعة "أن بي آر" إن "الطيارين لم يعد بإمكانهم الاعتماد على أنظمة تحديد المواقع الجغرافي عبر الأقمار الصناعية".

وأشار إلى أنه لم يعد من المجدي أيضا الاعتماد على "أنظمة التحذير من التضاريس الجغرافية، إذ قد يحصلون على إشارة أن أمامهم قمة جبل وهم فوق البحر".

وخلال الأسابيع القليلة الماضية قامت إسرائيل بتفعيل التشويش على أنظمة "جي بي أس" حتى في تل أبيب، في خطوة لإرباك الهجمات الصاروخية الإيرانية التي تستهدف إسرائيل.

وخلال الأيام التي سبقت الهجمات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل، كانت الخرائط في تل أبيب تظهر للمدنيين على أنهم في القاهرة أو بيروت، في خطوة لإرباك أي استهداف بالمسيرات أو الصواريخ الموجهة بأنظمة "جي بي أس"، وفق تقرير نشرته "ديلي ميل".

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري في تصريحاته "نحن ندرك الاضطرابات والازعاجات التي يسببها (تعطيل أنظمة الخرائط)، لكنها أداة حيوية ضرورية للقدرات الدفاعية".

وأوصى الجيش الإسرائيلي أن يقوم الإسرئيليون على تحديد مناطقهم من دون تطبيقات الخرائط الشائعة، واستخدام التطبيق الرسمي للجبهة الداخلية لتلقي التنبيهات بشأن الصواريخ والمسيرات.

ييغال أونا، مسؤول إسرائيلي سابق لشؤون الإنترنت والأمن السيبراني، قال لـ"وول ستريت جورنال" إن إسرائيل "تعطل بشكل متقطع إشارات تحديد المواقع (جي بي أس) منذ بدء الحرب في أكتوبر، وحتى عندما بدأ حزب الله في إطلاق صواريخ على شمال إسرائيل، كما تم التشويش على إشارات الترددات في إيلات التي كانت هدفا لوكلاء إيران في اليمن والعراق".

أخطاء في تطبيقات الخرائط بسبب التشويش على أنظمة الملاحة. أرشيفية

ويشرح أونا أن إسرائيل تستخدم "ممارسة تعرف باسم (جي بي أس المخادع) والتي تتداخل مع أجهزة استقبال نظام تحديد المواقع العالمي مثل تلك الموجودة في الهواتف الخلوية وتزييف المواقع الفعلية للجهاز، وبما يمكنها من تحويل الأسلحة الموجهة بنظام (جي بي أس) مثل الطائرات المسيرة".

واستخدمت أوكرانيا هذه الممارسة ضد الطائرات الروسية المسيرة، إذ تخدع الإشارات المزيفة المسيرات والتي تشير لها أنها في منطقة جغرافية خاطئة أو منطقة حظر للطيران لتتحطم بعد ذلك.

وتشير الصحيفة إلى أن الـ"جي بي أس" المخادع قد يخدم أهدافا عسكرية، ولكنه إلى جانب كونه مصدر إزعاج للمواطني، إلا أنه يوجد تحديات كبيرة للطائرات المدنية والتجارية التي تستخدم نظام الملاحة.

وفي الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بالتشويش على الآخرين، يعمل فريق لديها بلا كلل لمنع اعتراض المسيرات الصغيرة التابعة للجيش الإسرائيلي في غزة، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

وتقوم المسيرات الإسرائيلية المعززة بالذكاء الاصطناعي بدوريات متواصلة فوق غزة لتحديد العديد من الأهداف التي يمكن الجنود استهدافها.

وتسمح أنظمة "جي بي إس" بتحديد موقع جسم ما من خلال إشارات مرسلة عبر أقمار اصطناعية. وعند اقترابها من الأرض، تكون الإشارة أضعف وبالتالي يسهل التشويش عليها.

وتستخدم حركة حماس أجهزة تشويش لمحاولة تعطيل مسيرات الاستطلاع الصغيرة، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى استخدام تقنيات من شأنها حماية إشارات نظام "جي بي إس" من التشويش.

وأفاد موقع "جي بي إس جام" المتخصص الذي يجمع بيانات حول انقطاع إشارات تحديد المواقع الجغرافية، عن مستوى منخفض من التعطيل في 7 أكتوبر حول غزة.

لكن في اليوم التالي، ازدادت عمليات التشويش حول غزة لكن أيضا على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية.

التشويش على نظام جي بي أس في الشرق الأوسط. أرشيفية

وفي أواخر مارس الماضي، قدمت لبنان شكوى لمجلس الأمن تتعلق بالإجراءات الإسرائيلية التي عطلت أنظمته الملاحية، معتبرا أنها تمثل "اعتداءات إسرائيليا على السيادة اللبنانية عبر التشويش على أنظمة الملاحة".

وقالت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان حينها أن الإجراء الإسرائيلي يؤثر على "سلامة الطيران المدني في أجواء مطار رفيق الحريري الدولي - بيروت؛ منذ بدء الحرب على غزة. وقد جاءت هذه الشكوى استكمالا لحملة توثيق الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية وتكملة لسلسلة الشكاوى المرفوعة سابقا".

وحملت لبنان إسرائيل "المسؤولية الدولية وتبعات أية حادثة أو كارثة تسببها سياسة إسرائيل المتعمدة بالتشويش على أنظمة الملاحة الجوية والأرضية، والتعطيل المتعمد لأجهزة استقبال وبث الإشارات".

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية حينها "إن لبنان يسمح لحزب الله بمهاجمة المدنيين الإسرائيليين انطلاقا من أراضيه".

وأضاف أن "لبنان هو آخر دولة تتحدث عن السيادة وهو يؤوي منظمة إرهابية شردت عشرات الآلاف من المواطنين".

وتتبادل جماعة حزب الله اللبنانية إطلاق النار مع إسرائيل عبر الحدود منذ اندلاع الحرب في غزة.

وكلاء الذكاء الاصطناعي

في عالم يتسابق باتجاه التحول الرقمي الكامل، لم يعد الذكاء الاصطناعي خيالا علميا، بل محركا صامتا يعيد تشكيل وجودنا في العمل وفي التفاعل الاجتماعي وأنماط العيش.

 من الصوت داخل هاتفك، إلى الروبوت على خط الإنتاج، أصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي جزءا أساسيا من حياتنا اليومية.

من هم هؤلاء الوكلاء؟ 

كيف يعملون؟ 

ولماذا التحذيرات من أننا قد نفقد السيطرة عليهم؟

وكيل الذكاء الاصطناعي

افترض أنك تستيقظ صباحا وتطلب من هاتفك ترتيب جدول أعمالك، أو أن تقودك سيارتك إلى العمل بينما تتصفح أنت كومبيوترك اللوحي، أو أن يقترح عليك تلفزيونك الذكي مشاهدة فليم يناسب مزاجك.

هذه المهام تعتمد كلها على وكلاء الذكاء الاصطناعي.

في اللغة الرقمية، وكيل الذكاء الاصطناعي هو نظام برمجي ذكي قادر على إدراك البيئة المحيطة، وتحليل البيانات، واتخاذ قرارات لتحقيق أهداف محددة، وغالبا دون تدخل بشري مباشر. 

مرة أخرى، يمكن أن يكون الوكيل مساعدا صوتيا مثل "سيري" أو "أليكسا"، أو نظام تخصيص "أو توصيات" مثل نتفليكس وأمازون، أو روبوتا صناعيا يعمل على خطوط الإنتاج.

يتفاعل بعض الوكلاء مع المحفزات الآنية، بينما يعتمد البعض الآخر على أهداف محددة أو قرارات مبنية على تعظيم الفائدة. وهناك من يتعلم باستمرار من تجاربه — ليحسن أداءه مع الوقت.

مشهد الابتكار... والقلق

يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة. ففي التصنيع، تعمل الروبوتات بدقة وكفاءة. في الطب، تساعد الأنظمة الذكية في التشخيص. وفي عالم الأموال، تقود أنظمة الكشف عن الاحتيال وتقدم مقترحات بشأن الاستثمارات.

يساهم وكالاء الذكاء الاصطناعي في، زيادة الإنتاجية، وتقليل التكاليف التشغيلية، ودعم اتخاذ قرارات أكثر ذكاء، وفي تقديم خدمات يمكن توسيعها وتكييفها.

لكن فوائد الوكلاء تسير يدا بيد مع مخاطر موازية. يمكن التلاعب بوكلاء الذكاء الاصطناعي أو اختراقهم. وقد يرثون الانحياز البشري بناء على بيانات غير موضوعية. ويمكن أن يؤدي الإفراط في الاعتماد على الوكلاء إلى تآكل المهارات البشرية الأساسية. 

والأسوأ، إن لم نضبطهم بشكل صحيح، قد يتصرفون بطريقة مفاجئة وربما ضارة.

تحذير الأب الروحي

"أسرع مما توقعه كثيرون،" يقول جيفري هينتون، المعروف بـ"الأب الروحي للذكاء الاصطناعي،" الحائز على جائزة نوبل، في مقابلة مع شبكة CBS News، تعبيرا عن قلقه من سرعة تطور وكلاء الذكاء الاصطناعي.

"علينا أن نبدأ الآن في التفكير بكيفية تنظيم هذه الأنظمة،" يضيف، "الخطر لا يقتصر على استبدال الوظائف، بل يشمل إمكانية أن تتجاوز قدراتنا الفكرية".

وأشار إلى هينتون إلى أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت باتخاذ قرارات ذاتية دون رقابة بشرية، وذكر تطبيقات عسكرية واستخدامات مثيرة للجدل مثل اختيار الأجنة.

ويحذر هينتون من أن القوانين الخاصة بالذكاء الاصطناعي غير كافية حتى الآن، وخطيرة.

التحدي الأكبر: السيطرة

الخوف لم يعد نظريا فقط. فبعض النماذج الحالية قادرة على التعلم الذاتي وحل المشكلات بشكل مستقل ما يعقد محاولات السيطرة عليها.

وفي الحديث عن علاقتنا بالذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال أساسي : هل يمكننا ضمان توافق هؤلاء الوكلاء مع القيم الإنسانية؟ وماذا إذا لم نتمكن من ذلك؟

تبقى المخاطر باهظة الكلفة. إذ يؤدي غياب التوافق الأخلاقي إلى مراقبات جماعية، ونشر معلومات مضللة، بما يهدد السلامة العامة والديمقراطيات في الدول الديمقراطية. 

ويزعم نقاد الآلة أن الشركات الكبرى تنشر نماذج قوية دون رقابة كافية، وتُفضل الربح على السلامة العامة.

الموازنة بين التقدم والأخلاق

وللمضي في هذا المسار، يدعو خبراء إلى تأسيس أطر تنظيمية عالمية تتضمن المبادئ الأخلاقية والشفافية والمساءلة لتطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي.

ويرى الخبراء ألا غنى عن السياق الثقافي. ففي بعض المجتمعات، قد تلعب قيم راسخة في خلق فجوة في الوعي الرقمي. لذلك، لا يكفي التطور التقني، بل يتطلب أيضا بناء الثقة المجتمعية.

الطريق إلى الأمام

الذكاء الاصطناعي سيف ذو حدين. إنه مفتاح لحل بعض أعقد مشكلات البشرية، إذا تمت إدارته بحكمة.

ومع تزايد المخاوف بشأن استقلالية وكلاء الذكاء الاصطناعي، تصبح الحاجة لتطويرهم وتوجيههم أكثر إلحاحا.