تخطط نحو 61 بالمئة من الشركات الأميركية الكبرى لاستخدام الذكاء الاصطناعي خلال العام المقبل في مهام يؤديها موظفون، وذلك وفق مسح لمديرين ماليين نشرت تفاصيله شبكة "سي إن إن".
وأضافت الشبكة أن المسح الذي أجرته جامعة "ديوك" ومصرفا الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا وريتشموند، وصدر الخميس، كشف أن تلك الوظائف أو المهام تشمل كل شيء بداية من دفع الأموال للموردين وإعداد الفواتير وحتى إتمام التقارير المالية.
كما ستتولى التقنية بعض المهام الإبداعية التي تعتمد بالفعل بعض الشركات عليها مثل "تشات جي بي تي" وروبوتات محادثة أخرى، مثل صياغة منشورات الوظائف وكتابة البيانات الصحفية وصناعة الحملات التسويقية.
وكشفت نتائج المسح أن الشركات تتوجه بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي لخفض التكلفة وزيادة الأرباح وجعل الموظفين أكثر إنتاجية.
وقال الأستاذ المتخصص في المالية بجامعة "ديوك" المدير الأكاديمي للبحث، جون غراهام، لشبكة "سي إن إن" في مقابلة عبر الهاتف، "لا يمكنك إدارة شركة مبدعة دون التفكير بجدية في هذه التقنيات. هكذا تخاطر بإمكانية التخلف عن الركب".
ووجد المسح أن نحو واحدة من كل ثلاث شركات (32 بالمئة) سواء صغيرة أو كبيرة، تخطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي بداية من العام المقبل لإتمام مهام يقوم بها البشر في العادة. وأجريت هذه الدراسة خلال الفترة من 13 مايو و3 يونيو.
وقال حوالي 60 بالمئة من الشركات (84 بالمئة من الشركات الكبيرة) التي شملتها الدراسة، إنها بالفعل اعتمدت خلال العام الماضي على التقنيات أو المعدات أو التكنولوجيا التي تشمل الذكاء الاصطناعي لأتمتة مهام كان يقوم بها موظفون في السابق.
وأشار التقرير إلى أن الشركات تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لعدة أسباب، مثل زيادة جودة المنتج وزيادة الإنتاج وخفض تكاليف العمالة.
لكن في خبر سار للعمال، أشار بعض الخبراء إلى أنهم لا يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سوف يتسبب في فقدان أعدادا كبيرة من الوظائف أو على الأقل بشكل فوري.
وقال غراهام: "لا أعتقد أنه سيكون هناك فقدان للكثير من الوظائف هذا العام. على المدى القصير، سيكون الأمر متعلقا بسد الفجوات أو عدم توظيف شخص ما، وليس بتسريح موظفين. والسبب في ذلك هو أن الموضوع برمته جديد".
كانت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، وصفت ما سيحدثه الذكاء الاصطناعي في سوق العمل حول العالم خلال العامين المقبلين بأنه مثل "تسونامي"، حيث سيؤثر على 60 بالمئة من الوظائف بالاقتصادات المتقدمة و40 بالمئة من فرص العمل حول العالم.
وأضافت خلال مؤتمر نظمه المعهد السويسري للدراسات الدولية المرتبط بجامعة زيوريخ في مايو الماضي: "لدينا القليل من الوقت لإعداد الناس والشركات لذلك".
وكانت مجموعة من خبراء صندوق النقد الدولي أعدت تحليلا مطلع العام الجاري، حول التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على أسواق العمل العالمية، أشارت فيه إلى أنه سوف يحدث تحولا في الاقتصاد العالمي والوظائف تحديدا حيث "يحل محل بعضها ويكمل بعضها الآخر".
كانت في السابعة والعشرين، حين ترجمت البريطانية، آدا لوفيليس، عن الإيطالية مقالا عن عمل "المحرك التحليلي".
الشروحات التي أضافتها للنص خلّدت اسمها في عالم الحوسبة.
طريقة توصيفها لعمل أول حاسوب ميكانيكي جعلتها أول مبرمجة في التاريخ، عن استحقاق.
قالت لوفيليس، إن هذه الآلة ـ التي صممها تشارلز باباج ـ يمكنها فعل شيء أكثر من الأرقام، فقد تصوغ أيضا فنا وموسيقى.
كان ذلك عام 1842.
لكن لم تحظ لوفيلبس بالاهتمام حتى القرن العشرين، حين افتتن المعاصرون من مبتكري الحاسبات والإلكترونيات بشروحاتها، فاعتبروها بمثابة الأم المؤسسة.
Talk about foresight: Ada Lovelace (1815-1852) was one of the first programmers and the first to recognize that the “Analytical Machine” could do more than crunch numbers. She even predicted its potential to create music. Happy #AdaLovelaceDay! #WomenInSTEMpic.twitter.com/akdhPNqX9q
اللافت في اختراع باباج وملاحظات لوفيليس بشأنه، التصوّر الإنساني الأول لإمكانية أن تفكّر الآلة مثلنا، نحن البشر.
في الوقت نفسه "لا يمكن للآلة عمل شيء من تلقاء نفسها، لكنها تتصرف بناء على الأوامر والمعرفة التي نمنحها إياها"، قالت لوفيليس.
وفي إحدى رسائلها لصديقة، أبدت لوفيليس رغبة في تطوير "حساب تفاضلي للجهاز العصبي،" وهو نموذج رياضي يوضح كيف ينتج الدماغ الأفكار وكيف تولد الأعصاب المشاعر.
طموحاتها كانت سابقة لعصرها، وموتها كذلك كان سابقا لأوانه.
قضت لوفيليس وهي في السادسة والثلاثين، بمرض السرطان.
في سيرتها الشخصية أمران يثيران الاهتمام.
ترعرعت في كنف أم مثقفة لديها اهتمام بالرياضيات وعلم المنطق. شجعت آدا لتحذو حذوها، ودعمتها بكل ما يلزم من موارد، فدرست آدا على يد عالمة.
الثاني - وفق مصادر عدة- همّشت البيئة الذكورية في عصرها أعمالها العلمية فتأخر ظهورها للنور أكثر من قرن.
التعليم، الدعم، الفرصة، وعدم التمييز، إذاً، هي خوارزميات النجاح في كل المجالات، بصرف النظر عن الجندر.
لكن هل تتمتع النساء، اليوم، بما يتمتع به الرجال من فرص في مجال العلوم؟
الحال في أميركا
يشمل اليوم الدولي لـ(STEM) العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا، إذ إن (STEM) اختصار لها بحروفها الأولى بالإنكليزية.
وتُظهر أرقام الأمم المتحدة، الواردة مع البيان، أن هناك امرأة واحدة فقط من بين كل 5 مهنيين في المجالات المتطورة كالذكاء الاصطناعي، ما يساوي نسبة 22 في المئة.
وتشكل النساء 40 في المئة من خرّيجي علوم الحاسوب والمعلوماتية.
هذه الأرقام تتعلق بمختلف أرجاء العالم.
داخل الولايات المتحدة، البلد الرائد تكنولوجيا، وفي أهم الشركات التي يستخدمها أغلب البشر، تمثل النساء في هذا القطاع أقل من 23 في المئة، وفقا لإعلان لجنة تكافؤ فرص العمل الأميركية (EEOC) في سبتمبر 2024.
كانت اللجنة رفعت دعاوى قضائية ضد شركات تكنولوجيا، من بينها شركة "أكتيفيجين بليزارد" لألعاب الفيديو.
دفعت الشركة 18 مليون دولار لتسوية دعوى تمييز ضد النساء، رغم نفيها الاتهامات.
وبحسب إحصاءات 2021، كانت نسبة النساء العاملات في وظائف البرمجة 21 في المئة، منهن 2 في المئة فقط من أصول أفريقية، و1في المئة من أصول لاتينية.
كتب كولن أم كاريغان، البروفيسور الأميركي في قسم الهندسة والمجتمع في جامعة فرجينيا، مقالا لافتا حول أنماط العمل في قطاع التكنولوجيا، متوقعا أن تلعب دوراً في تلاشي بريقه.
"في 2025، سيستمر تراجع بريق صناعة التكنولوجيا، إذ سيفشل المجال في استقطاب النساء والعاملين غير الثنائيين (لا يعرفون أنفسهم بذكر أو أنثى) واحترامهم،" قال مؤلف كتاب "تصدّع قانون الأخوة" "Cracking the Bro Code.
وأضاف كاريغان أن "قانون الإخوة يرسخ ثقافة التمييز، التحرش، والسلطوية، ما يؤدي إلى استبعاد النساء وتقويض الجهود الإيثارية (أي العمل للصالح العام)".
وأوضح كاريغان أن النساء، رغم ضعف تمثيلهن في هذه الصناعة، كنّ الأكثر تضرراً من تسريحات 2022.
واسترشد باحتجاجات وإضراب موظفي غوغل سنة 2018، وتوقع تسارع بناء التحالفات العمّالية، ما سيضع "لوردات التكنولوجيا،" كما وصفهم، أمام تحديات غير مسبوقة.
عربيا.. كيف الحال؟
في المنطقة العربية، 32 في المئة من النساء تعرضن للتمييز عند التقدم لوظيفة أو عند تعيينهن في مناصب معينة.
ذلك وفق استطلاع لصندوق النقد الدولي، بعنوان "المرأة في قطاع التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
أظهر الاستطلاع أيضا أن 69 في المئة من النساء يشعرن بأن القوالب النمطية المرتبطة بالجنس أثرت سلبا على حياتهن المهنية.
"امرأتان من بين كل خمس نساء تعرضن للتمييز في الرواتب"، وفق الاستطلاع.
كما أن41 في المئة من المستطلعة آراؤهن يرين أن الزواج يشكل عائقا أمام بناء مسيرة مهنية في التكنولوجيا.
"سأحمر خجلا لو استطعت،" كان عنوان تقرير لليونسكو عام 2019 بسبب "سيري" وغيرها من تقنيات المساعدة الصوتية الذكية.
قالت اليونسكو إن هذه العبارة هي "الرد القياسي الذي كانت تعطيه المساعدة الرقمية سيري (شركة آبل) عندما تتعرض لإهانة من المستخدمين".
ورأى التقرير أن البناء التلقائي لهذه النماذج أنثويا، هو "خلل صارخ في التوازن بين الجنسين في المهارات والتعليم وقطاع التكنولوجيا".
وقالت مديرة المساواة بين الجنسين في المنظمة الأممية:
"الآلات المطيعة والمسالمة التي تتظاهر بأنها نساء تدخل إلى منازلنا وسياراتنا ومكاتبنا. خضوعها المبرمج يؤثر على كيفية تحدث الناس إلى الأصوات الأنثوية ويشكل الطريقة التي تستجيب بها النساء للطلبات وتعبر عن أنفسهن"
أضافت "لتغيير هذا المسار، علينا أن نولي اهتماما أكبر لكيفيآليات إضفاء الطابع الجندري على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والأهم من ذلك، من يقوم بذلك".
خلال إعلان عن منتجات جديدة في مؤتمر سان خوسيه، كاليفورنيا. مسؤول في أبل يتحدث لسيري (2018)
بعدها بعامين، أعلنت شركتا آبل وأمازون عن توفر أصوات ذكور للمساعد الرقمي، كذلك بلكنات عديدة، تضمنت أيضا أصواتا لفنانين معروفين.
لكنه ليس خيارا متاحا بكل اللغات.
ولا يزال المساعد التلقائي لمستخدمي الهواتف الذكية الذي يُسمع مع بداية تشغيل الجهاز الجديد، صوتا نسائيا.
أكدت اليونسكو في حينه أن "سدّ الفجوة الرقمية بين الجنسين مسؤولية عالمية".
ومن أمثلة الشركات والدول التي بدأت بالعمل على سد الفجوة، "غوغل"، و"ومايكروسوفت" عبر برامج تعليمية وتدريبية لتمكين النساء من أجل العمل في قطاع العمل وزيادة فرصهن.
وكذلك منظمة "المرأة في التكنولوجيا" العالمية، التي تهدف إلى تمكين خمسة ملايين امرأة في قطاع التكنولوجيا بحلول عام 2030.
وتتعاون المنظمة مع دول عربية عديدة.
وفي السعودية والإمارات، تزداد البرامج والمؤتمرات والمنح الحكومية لتحسين فرص النساء في التعليم.
ومن خلال مؤتمر "لييب Leap" الجاري منذ أيام في السعودية، يتم منح فرص استثمارية لشركات ناشئة تقودها نساء.
ولكن، تبدو الحلول على أهميتها، مركزة في عمليات التمكين والتعليم، بينما لم تتقلص الفجوة الجندرية داخل كثير من مؤسسات وشركات التكنولوجيا.
لم تنته مشكلة عدم المساواة في الرواتب، ولم تتوقف التبليغات عن التحرش الجنسي، أو تتلاشى الصور النمطية التي تعاني منها النساء، وخصوصا صاحبات الشركات الناشئة، حيث لا يأخذهن العديد من المستثمرين على محمل الجد.
والثلاثاء، بعد 183 عاما على إنجاز آدا لوفيليس التاريخي، احتفت الأمم المتحدة باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم.
وقالت إن الفجوة الجندرية آخذة بالاتساع رغم التقدم الكبير الذي تحرزه النساء في مسيراتهن العلمية.