أصدرت ميتا بلاتفورمز، الثلاثاء، أكبر نسخة من نماذجها للذكاء الاصطناعي (لاما 3)، وهي مجانية في الغالب وتتميز بأنها متعددة اللغات وذات مقاييس أداء عامة تنافس نماذج مدفوعة لشركات منافسة، مثل أوبن أيه.آي.
وقالت ميتا المالكة لفيسبوك في منشور على مدونة وفي ورقة بحثية تعلن عن الإصدار إن نموذج (لاما 3) الجديد يمكنه التحدث بثماني لغات وكتابة أكواد كمبيوتر بجودة عالية وحل مسائل رياضية أكثر تعقيدا من الإصدارات السابقة.
ويتضاءل إصدار العام الماضي أمام هذا الإصدار الذي يضم 405 مليارات مقياس أو متغير تأخذها الخوارزميات في الاعتبار لتوليد ردود على استفسارات المستخدم رغم أنه لا يزال أصغر من النماذج الرائدة للمنافسين.
فثمة أنباء أن نموذج جي.بي.تي-4 لشركة أوبن أيه.آي يضم تريليون متغير، وتستثمر شركة أمازون في نموذج يحتوي على تريليونين.
سباق محموم
ويأتي هذا الإصدار في الوقت الذي تتسابق فيه شركات التكنولوجيا لإظهار أن محافظها المتنامية من نماذج اللغات الكبيرة المتعطشة للموارد يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة بما يكفي في مجالات تمثل إشكاليات مثل الاستدلال المتقدم لتبرير المبالغ الضخمة المستثمرة فيها.
وذكرت ميتا بلاتفورمز أنه بالإضافة إلى نموذجها الرائد لاما 3، فإنها ستطلق إصدارين محدثين لنموذجيها المختصرين اللذين يضم أحدهما ثمانية مليارات متغير والثاني يضم 70 مليارا وكانت قد طرحتهما في الربيع.
والنماذج الثلاثة الجديدة متعددة اللغات ويمكنها التعامل مع عدد أكبر من طلبات المستخدمين عبر "نافذة سياق" موسعة، قال أحمد الدحلة رئيس قسم الذكاء الاصطناعي التوليدي في ميتا إنها ستحسن على وجه الخصوص تجربة توليد كود كمبيوتر.
وقال الدحلة في مقابلة مع رويترز "كان هذا أول رد فعل حصلنا عليه من المجتمع"، مشيرا إلى أن نوافذ السياق الموسعة تعطي النماذج شيئا أقرب إلى ذاكرة على مدى أطول تساعد في معالجة الطلبات متعددة الخطوات.
وتسمح ميتا إلى حد بعيد للمطورين باستخدام نماذج لاما مجانا، وهي استراتيجية يقول الرئيس التنفيذي للشركة مارك زوكربيرغ إنها ستؤتي ثمارها في شكل منتجات مبتكرة ومشاركة أكبر على شبكات التواصل الاجتماعي الأساسية للشركة. ومع ذلك، أثارت التكاليف المترتبة على ذلك دهشة بعض المستثمرين.
كما ستستفيد الشركة إذا اختار المطورون استخدام نماذجها المجانية بدلا من النماذج المدفوعة، الأمر الذي من شأنه أن يحد من استخدام نماذج المنافسين.
وروجت ميتا في إعلانها للمكاسب التي حققتها في اختبارات الرياضيات والمعرفة الرئيسية التي قد تجعل هذا الاحتمال أكثر جاذبية.
ورغم صعوبة قياس التقدم المحرز في تطوير الذكاء الاصطناعي، يبدو أن نتائج الاختبارات التي قدمتها ميتا تشير إلى أن أكبر نماذجها (لاما) مطابق تقريبا لنموذج كلود 3.5 سونيت لشركة أنثروبك ولنموذج جي.بي.تي-O4 من أوبن أيه.آي بل وتفوق عليهما في بعض الحالات.
كانت في السابعة والعشرين، حين ترجمت البريطانية، آدا لوفيليس، عن الإيطالية مقالا عن عمل "المحرك التحليلي".
الشروحات التي أضافتها للنص خلّدت اسمها في عالم الحوسبة.
طريقة توصيفها لعمل أول حاسوب ميكانيكي جعلتها أول مبرمجة في التاريخ، عن استحقاق.
قالت لوفيليس، إن هذه الآلة ـ التي صممها تشارلز باباج ـ يمكنها فعل شيء أكثر من الأرقام، فقد تصوغ أيضا فنا وموسيقى.
كان ذلك عام 1842.
لكن لم تحظ لوفيلبس بالاهتمام حتى القرن العشرين، حين افتتن المعاصرون من مبتكري الحاسبات والإلكترونيات بشروحاتها، فاعتبروها بمثابة الأم المؤسسة.
Talk about foresight: Ada Lovelace (1815-1852) was one of the first programmers and the first to recognize that the “Analytical Machine” could do more than crunch numbers. She even predicted its potential to create music. Happy #AdaLovelaceDay! #WomenInSTEMpic.twitter.com/akdhPNqX9q
اللافت في اختراع باباج وملاحظات لوفيليس بشأنه، التصوّر الإنساني الأول لإمكانية أن تفكّر الآلة مثلنا، نحن البشر.
في الوقت نفسه "لا يمكن للآلة عمل شيء من تلقاء نفسها، لكنها تتصرف بناء على الأوامر والمعرفة التي نمنحها إياها"، قالت لوفيليس.
وفي إحدى رسائلها لصديقة، أبدت لوفيليس رغبة في تطوير "حساب تفاضلي للجهاز العصبي،" وهو نموذج رياضي يوضح كيف ينتج الدماغ الأفكار وكيف تولد الأعصاب المشاعر.
طموحاتها كانت سابقة لعصرها، وموتها كذلك كان سابقا لأوانه.
قضت لوفيليس وهي في السادسة والثلاثين، بمرض السرطان.
في سيرتها الشخصية أمران يثيران الاهتمام.
ترعرعت في كنف أم مثقفة لديها اهتمام بالرياضيات وعلم المنطق. شجعت آدا لتحذو حذوها، ودعمتها بكل ما يلزم من موارد، فدرست آدا على يد عالمة.
الثاني - وفق مصادر عدة- همّشت البيئة الذكورية في عصرها أعمالها العلمية فتأخر ظهورها للنور أكثر من قرن.
التعليم، الدعم، الفرصة، وعدم التمييز، إذاً، هي خوارزميات النجاح في كل المجالات، بصرف النظر عن الجندر.
لكن هل تتمتع النساء، اليوم، بما يتمتع به الرجال من فرص في مجال العلوم؟
الحال في أميركا
يشمل اليوم الدولي لـ(STEM) العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا، إذ إن (STEM) اختصار لها بحروفها الأولى بالإنكليزية.
وتُظهر أرقام الأمم المتحدة، الواردة مع البيان، أن هناك امرأة واحدة فقط من بين كل 5 مهنيين في المجالات المتطورة كالذكاء الاصطناعي، ما يساوي نسبة 22 في المئة.
وتشكل النساء 40 في المئة من خرّيجي علوم الحاسوب والمعلوماتية.
هذه الأرقام تتعلق بمختلف أرجاء العالم.
داخل الولايات المتحدة، البلد الرائد تكنولوجيا، وفي أهم الشركات التي يستخدمها أغلب البشر، تمثل النساء في هذا القطاع أقل من 23 في المئة، وفقا لإعلان لجنة تكافؤ فرص العمل الأميركية (EEOC) في سبتمبر 2024.
كانت اللجنة رفعت دعاوى قضائية ضد شركات تكنولوجيا، من بينها شركة "أكتيفيجين بليزارد" لألعاب الفيديو.
دفعت الشركة 18 مليون دولار لتسوية دعوى تمييز ضد النساء، رغم نفيها الاتهامات.
وبحسب إحصاءات 2021، كانت نسبة النساء العاملات في وظائف البرمجة 21 في المئة، منهن 2 في المئة فقط من أصول أفريقية، و1في المئة من أصول لاتينية.
كتب كولن أم كاريغان، البروفيسور الأميركي في قسم الهندسة والمجتمع في جامعة فرجينيا، مقالا لافتا حول أنماط العمل في قطاع التكنولوجيا، متوقعا أن تلعب دوراً في تلاشي بريقه.
"في 2025، سيستمر تراجع بريق صناعة التكنولوجيا، إذ سيفشل المجال في استقطاب النساء والعاملين غير الثنائيين (لا يعرفون أنفسهم بذكر أو أنثى) واحترامهم،" قال مؤلف كتاب "تصدّع قانون الأخوة" "Cracking the Bro Code.
وأضاف كاريغان أن "قانون الإخوة يرسخ ثقافة التمييز، التحرش، والسلطوية، ما يؤدي إلى استبعاد النساء وتقويض الجهود الإيثارية (أي العمل للصالح العام)".
وأوضح كاريغان أن النساء، رغم ضعف تمثيلهن في هذه الصناعة، كنّ الأكثر تضرراً من تسريحات 2022.
واسترشد باحتجاجات وإضراب موظفي غوغل سنة 2018، وتوقع تسارع بناء التحالفات العمّالية، ما سيضع "لوردات التكنولوجيا،" كما وصفهم، أمام تحديات غير مسبوقة.
عربيا.. كيف الحال؟
في المنطقة العربية، 32 في المئة من النساء تعرضن للتمييز عند التقدم لوظيفة أو عند تعيينهن في مناصب معينة.
ذلك وفق استطلاع لصندوق النقد الدولي، بعنوان "المرأة في قطاع التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
أظهر الاستطلاع أيضا أن 69 في المئة من النساء يشعرن بأن القوالب النمطية المرتبطة بالجنس أثرت سلبا على حياتهن المهنية.
"امرأتان من بين كل خمس نساء تعرضن للتمييز في الرواتب"، وفق الاستطلاع.
كما أن41 في المئة من المستطلعة آراؤهن يرين أن الزواج يشكل عائقا أمام بناء مسيرة مهنية في التكنولوجيا.
"سأحمر خجلا لو استطعت،" كان عنوان تقرير لليونسكو عام 2019 بسبب "سيري" وغيرها من تقنيات المساعدة الصوتية الذكية.
قالت اليونسكو إن هذه العبارة هي "الرد القياسي الذي كانت تعطيه المساعدة الرقمية سيري (شركة آبل) عندما تتعرض لإهانة من المستخدمين".
ورأى التقرير أن البناء التلقائي لهذه النماذج أنثويا، هو "خلل صارخ في التوازن بين الجنسين في المهارات والتعليم وقطاع التكنولوجيا".
وقالت مديرة المساواة بين الجنسين في المنظمة الأممية:
"الآلات المطيعة والمسالمة التي تتظاهر بأنها نساء تدخل إلى منازلنا وسياراتنا ومكاتبنا. خضوعها المبرمج يؤثر على كيفية تحدث الناس إلى الأصوات الأنثوية ويشكل الطريقة التي تستجيب بها النساء للطلبات وتعبر عن أنفسهن"
أضافت "لتغيير هذا المسار، علينا أن نولي اهتماما أكبر لكيفيآليات إضفاء الطابع الجندري على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والأهم من ذلك، من يقوم بذلك".
خلال إعلان عن منتجات جديدة في مؤتمر سان خوسيه، كاليفورنيا. مسؤول في أبل يتحدث لسيري (2018)
بعدها بعامين، أعلنت شركتا آبل وأمازون عن توفر أصوات ذكور للمساعد الرقمي، كذلك بلكنات عديدة، تضمنت أيضا أصواتا لفنانين معروفين.
لكنه ليس خيارا متاحا بكل اللغات.
ولا يزال المساعد التلقائي لمستخدمي الهواتف الذكية الذي يُسمع مع بداية تشغيل الجهاز الجديد، صوتا نسائيا.
أكدت اليونسكو في حينه أن "سدّ الفجوة الرقمية بين الجنسين مسؤولية عالمية".
ومن أمثلة الشركات والدول التي بدأت بالعمل على سد الفجوة، "غوغل"، و"ومايكروسوفت" عبر برامج تعليمية وتدريبية لتمكين النساء من أجل العمل في قطاع العمل وزيادة فرصهن.
وكذلك منظمة "المرأة في التكنولوجيا" العالمية، التي تهدف إلى تمكين خمسة ملايين امرأة في قطاع التكنولوجيا بحلول عام 2030.
وتتعاون المنظمة مع دول عربية عديدة.
وفي السعودية والإمارات، تزداد البرامج والمؤتمرات والمنح الحكومية لتحسين فرص النساء في التعليم.
ومن خلال مؤتمر "لييب Leap" الجاري منذ أيام في السعودية، يتم منح فرص استثمارية لشركات ناشئة تقودها نساء.
ولكن، تبدو الحلول على أهميتها، مركزة في عمليات التمكين والتعليم، بينما لم تتقلص الفجوة الجندرية داخل كثير من مؤسسات وشركات التكنولوجيا.
لم تنته مشكلة عدم المساواة في الرواتب، ولم تتوقف التبليغات عن التحرش الجنسي، أو تتلاشى الصور النمطية التي تعاني منها النساء، وخصوصا صاحبات الشركات الناشئة، حيث لا يأخذهن العديد من المستثمرين على محمل الجد.
والثلاثاء، بعد 183 عاما على إنجاز آدا لوفيليس التاريخي، احتفت الأمم المتحدة باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم.
وقالت إن الفجوة الجندرية آخذة بالاتساع رغم التقدم الكبير الذي تحرزه النساء في مسيراتهن العلمية.