حكومات عدة سبق أن منعت مسؤوليها من استخدام وتنزيل تطبيق تيك توك
حكومات عدة سبق أن منعت مسؤوليها من استخدام وتنزيل تطبيق تيك توك

في وقت يحتدم فيه النقاش بالولايات المتحدة ودول أخرى، بشأن مخاطر "تيك توك" وتداعياته على الأمن القومي وخصوصية المستخدمين، يبدو المشهد في بلدان المنطقة العربية مختلفا تماما، مع غياب شبه تام لنقاشات بشأن مخاطره المحتملة، رغم أن التطبيق الصيني يتصدر قائمة المنصات الأكثر استخداما من قبل يافعي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويكشف تقرير حديث لـ"داتا ريبورتال"، وهي منصة عالمية متخصصة في تحليل ونشر البيانات والإحصاءات المتعلقة بالإنترنت، عن تزايد متسارع لاستعمال "تيك توك" في المنطقة العربية، خاصة في أوساط الفئات الأصغر سنا.

وتبرز السعودية كأكبر سوق عربي للتطبيق، محتلة المركز 12 عالميا بعدد مستخدمين يصل إلى يصل إلى 35.1 مليون مستخدم نشط. تليها مصر في المركز 13 بـ 32.9 مليون مستخدم، ثم العراق في المركز 14 بـ 31.9 مليون مستخدم.

وعلى المستوى الإقليمي، يشير التقرير إلى أن منطقة غرب آسيا، التي تضم معظم دول الشرق الأوسط، تستحوذ على 110.2 مليون مستخدم، بينما تصل أعداد المستخدمين في دول شمال أفريقيا إلى 34.7 مليون مستخدم.

وفي مقابل هذا النمو المتسارع بالمنطقة العربية، يواجه تيك توك في الولايات المتحدة معركة وجودية، حيث يقف التطبيق الذي يستخدمه 170 مليون أميركي على مفترق طرق بين الحظر الكامل أو بيع عملياته لمستثمرين أميركيين، مع تنامي القلق من خضوع التطبيق للنفوذ الصيني.

بين الحظر والتقييد

وتوقف تطبيق تيك توك عن العمل في الولايات المتحدة في ساعة متأخرة السبت، قبل بدء سريان قانون إغلاقه الذي أقره الكونغرس لدواعٍ تتعلق بالأمن القومي، وكان مقررا تنفيذه الأحد، قبل أن يعود للعمل عقب إعلان الرئيس المنتخب دونالد ترامب، عزمه إصدار مرسوم لتجميد قانون الحظر فور تنصيبه.

وقبل الجدل المستجد بأميركا بشأن التطبيق، اتخذت العديد من الدول حول العالم قرارات لتقييد عمل تيك توك؛ إذ فرضت دول مثل الهند وباكستان وأفغانستان حظراً كاملاً على التطبيق، مستندة إلى مخاوف تتعلق بـ"الأمن القومي وحماية البيانات الشخصية ومكافحة المحتوى غير الملائم".

أما في أوروبا وعدد من الدول الغربية الأخرى، فقد اتخذ الإجراء شكلا أكثر تحفظاً، واقتصر الحظر على الأجهزة الحكومية. وشمل هذا القرار كلا من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والدنمارك.

كما اتخذت دول أستراليا ونيوزيلندا وكندا وتايوان إجراءات مماثلة، استجابة لتحذيرات أجهزتها الأمنية والاستخباراتية من مخاطر التطبيق على الأمن السيبراني وخصوصية البيانات.

وعربيا، تواصل الأردن حظر تطبيق تيك توك منذ ديسمبر 2022، حين فرضت السلطات حظرا مؤقتاً بعد مقتل ضابط شرطة خلال احتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود.

وبررت مديرية الأمن العام الأردنية قرار تعليق التطبيق بـ"إساءة استخدامه وفشله في التعامل مع المنشورات التي تحرض على العنف والفوضى".

وفي العديد من الدول العربية، تتعالى، بين الفينة والأخرى، أصوات تنادي بحظر تطبيق تيك توك، مستندة إلى مبررات تتعلق بتأثيراته الاجتماعية والنفسية.

تيك توك
انحراف وتسول رقمي.. ماذا يريد المغرب من تطبيق "تيك توك"؟
لا يزال تطبيق "تيك توك" يثير الجدل في المغرب مع تصاعد الأصوات المطالبة بوضع حد للآثار السلبية المرتبطة به، وعلى رأسها ظاهرة "التسول الرقمي" والمحتويات المسيئة للقيم الدينية والثقافية بالبلاد، والتي خلفت موجة استنكار واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.

وتتمحور هذه المخاوف أساسا حول بعض التحديات الخطيرة التي يطبقها الأطفال والمراهقون.

وقد سُجلت العديد من الحوادث المأساوية التي راح ضحيتها أطفال خلال محاولتهم تنفيذ تحديات متهورة، بحثا عن الشهرة والانتشار عبر المنصة. 

كما تنطلق دعوات المنع أيضا من ذرائع انتشار محتوى يوصف بـ"غير الأخلاقي" على المنصة. ومع ذلك، لم تتخذ أي دولة عربية أخرى خطوات فعلية نحو الحظر الكامل.

وردا على سؤال بشأن احتمال اتخاذ أي قرارات في هذا الاتجاه، عقب الجدل المثار بشأن تيك توك في الولايات المتحدة، يرى خبير الأمن الرقمي، رولان أبي نجم، أن معظم الدول العربية "تتجنب اتخاذ موقف حاسم من مسألة حظر التطبيق، وذلك لرغبتها في النأي بنفسها عن الصراع الأميركي-الصيني".

ويوضح أبي نجم في تصريح لموقع "الحرة"، أن المخاطر الموجودة على تيك توك "حاضرة على منصات أخرى مثل واتساب وإنستغرام وإكس وفيسبوك"، مشيراً إلى أن جدل تيك توك، "جزء من صراع مصالح كبرى بين دولتين عظميين".

في السياق ذاته، يستبعد الباحث في منصات التواصل الاجتماعي، فادي رمزي، إمكانية التوجه نحو حظر تيك توك في المنطقة العربية، معتبرا بدوره أن الأزمة في جوهرها "صراع سياسي ـ اقتصادي بين بكين وواشنطن".

ويربط رمزي في حديثه لموقع "الحرة"، بين الموقف الحالي من تيك توك وأزمة شركة هواوي السابقة، موضحاً أن "المخاوف الأميركية تتركز بشأن وجود بيانات المستخدمين الأميركية تحت سيطرة الصينيين".

ويرى الباحث أن الوضع في المنطقة العربية "مختلف تماماً.. لغياب النزاع المباشر مع الصين"، مضيفاً أن قضية خصوصية البيانات "تتجاوز تيك توك لتشمل جميع منصات التواصل الاجتماعي".

ويشير إلى أن هذه المنصات تجمع كمّاً هائلاً من المعلومات عن المستخدمين من خلال 3 مصادر رئيسية: البيانات المشاركة مباشرة، وتحليل المحتوى، والمعلومات التي تجمعها التطبيقات عبر الهواتف النقالة.

غير أن أبي نجم يذكر في المقابل، أن تيك توك "أكثر تطبيق يجمع بيانات المستخدمين، ليس فقط خلال استخدامه، بل أيضاً من خلال سجل التصفح والبحث، وغيرها من المعلومات التي لا يفترض حصوله عليها".

وبينما يشير إلى أن خطر تيك توك يبقى الأبرز على المستخدمين، يقول إن قضية الخصوصية تبقى "تحديا مستمرا في العصر الرقمي، ينبغي على الدول والسلطات في الدول العربية إيلاءه الأهمية اللازمة".

الحرة تتحرى
تيك توك.. كيف يهدد قيم المجتمعات وأمن الدول الكبرى؟
في تحقيق من حلقتين من الحرة تتحرى نقلّب في صفحات تيك توك ونبحث في خفاياه.
في الحلقة الثانية، نواصل بحثنا في خفايا تيك توك، مستعرضين كيف أصبحت قيم وأعراف المجتمعات العربية في مرمى تأثير هذا التطبيق. كما نتساءل إن كان التطبيق الصيني قد تحول إلى تهديد لأمن بعض الدول الكبرى، مما دفعها لاتخاذ إجراءات لحظر استخدامه.

ترقب لمصير "تيك توك"

وكانت المحكمة العليا بالولايات المتحدة قد أيدت قانون حظر التطبيق، معتبرة أن مخاوف الحكومة الأميركية مشروعة فيما يتعلق بالأمن القومي وممارسات جمع البيانات.

ورغم إقرار المحكمة بأن المنصة تمثل "منفذاً مميزاً وواسعاً للتعبير" لملايين الأميركيين، فإنها اعتبرت أن بيع المنصة "ضروري لمعالجة المخاوف الأمنية"، في حين تواصل شركة تيك توك نفي أي نقل للمعلومات إلى الحكومة الصينية، مؤكدة أنها "سترفض أي طلب من هذا النوع في حال تلقته".

وبشأن موقف الدول العربية، يلفت رمزي إلى أنها تترقب نتائج "المحادثات الأميركية-الصينية، بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض".

وبينما يشير رمزي إلى أن حماية الخصوصية بشكل كامل في العصر الرقمي أصبحت مستحيلة، يقول إنه "لتحقيق خصوصية 100 بالمئة، علينا التخلي عن الهواتف الذكية والعودة إلى عصر النوكيا القديم"، في إشارة إلى الهواتف "غير الذكية".

ويؤكد أنه طالما استمر استخدام الهواتف الذكية والتطبيقات المتصلة بالإنترنت، فإن أقصى ما يمكن تحقيقه هو "مستوى محدود من التحكم في الخصوصية"، مشددا على ضرورة التركيز على رفع الوعي بمخاطرها، عوض التوجه نحو قرارات المنع والحظر.

كيف يمكن حماية بيانات المستخدمين رقميا؟

وفي مقابل هذا التشخيص الذي يرسم صورة قاتمة لمستقبل الخصوصية الرقمية، يقترح الخبير في مجال الأمن الرقمي، عمر قصقص، حلولا تتمحور حول "بناء منظومة تشريعية ورقابية متكاملة، للعمل على مواجهة الانفلات الأمني الرقمي".

ويرى في تصريح لموقع "الحرة"، أن حماية البيانات الشخصية، رغم صعوبتها في العصر الرقمي، "تبقى ممكنة إذا تم تبني إجراءات على مستويات مختلفة، بدءاً من سن القوانين الصارمة.. وصولاً إلى إنشاء هيئات رقابية متخصصة".

ويشدد المتحدث ذاته على ضرورة "إنشاء هيئات رقابية في كل دولة عربية، لمراقبة كيفية جمع المنصات للبيانات واستخدامها، على غرار ما هو معمول به في أميركا وأوروبا".

ويوضح قصقص أن المستوى الأول للحماية، "يتمثل في سن قوانين مناسبة وحديثة، يرافقها تأسيس لجان متخصصة ووزارات معنية بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في كل دولة عربية، تكون مسؤولة عن إلزام الشركات بالامتثال للقوانين المحلية".

ويؤكد أن هذا الأمر "يقع على عاتق الحكومات والوزارات، التي ينبغي عليها التحرك لحماية مواطنيها من مخاطر متعددة، تشمل التجسس والتلاعب بالانتخابات والتأثير على الرأي العام عبر المعلومات المضللة".

وكلاء الذكاء الاصطناعي

في عالم يتسابق باتجاه التحول الرقمي الكامل، لم يعد الذكاء الاصطناعي خيالا علميا، بل محركا صامتا يعيد تشكيل وجودنا في العمل وفي التفاعل الاجتماعي وأنماط العيش.

 من الصوت داخل هاتفك، إلى الروبوت على خط الإنتاج، أصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي جزءا أساسيا من حياتنا اليومية.

من هم هؤلاء الوكلاء؟ 

كيف يعملون؟ 

ولماذا التحذيرات من أننا قد نفقد السيطرة عليهم؟

وكيل الذكاء الاصطناعي

افترض أنك تستيقظ صباحا وتطلب من هاتفك ترتيب جدول أعمالك، أو أن تقودك سيارتك إلى العمل بينما تتصفح أنت كومبيوترك اللوحي، أو أن يقترح عليك تلفزيونك الذكي مشاهدة فليم يناسب مزاجك.

هذه المهام تعتمد كلها على وكلاء الذكاء الاصطناعي.

في اللغة الرقمية، وكيل الذكاء الاصطناعي هو نظام برمجي ذكي قادر على إدراك البيئة المحيطة، وتحليل البيانات، واتخاذ قرارات لتحقيق أهداف محددة، وغالبا دون تدخل بشري مباشر. 

مرة أخرى، يمكن أن يكون الوكيل مساعدا صوتيا مثل "سيري" أو "أليكسا"، أو نظام تخصيص "أو توصيات" مثل نتفليكس وأمازون، أو روبوتا صناعيا يعمل على خطوط الإنتاج.

يتفاعل بعض الوكلاء مع المحفزات الآنية، بينما يعتمد البعض الآخر على أهداف محددة أو قرارات مبنية على تعظيم الفائدة. وهناك من يتعلم باستمرار من تجاربه — ليحسن أداءه مع الوقت.

مشهد الابتكار... والقلق

يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة. ففي التصنيع، تعمل الروبوتات بدقة وكفاءة. في الطب، تساعد الأنظمة الذكية في التشخيص. وفي عالم الأموال، تقود أنظمة الكشف عن الاحتيال وتقدم مقترحات بشأن الاستثمارات.

يساهم وكالاء الذكاء الاصطناعي في، زيادة الإنتاجية، وتقليل التكاليف التشغيلية، ودعم اتخاذ قرارات أكثر ذكاء، وفي تقديم خدمات يمكن توسيعها وتكييفها.

لكن فوائد الوكلاء تسير يدا بيد مع مخاطر موازية. يمكن التلاعب بوكلاء الذكاء الاصطناعي أو اختراقهم. وقد يرثون الانحياز البشري بناء على بيانات غير موضوعية. ويمكن أن يؤدي الإفراط في الاعتماد على الوكلاء إلى تآكل المهارات البشرية الأساسية. 

والأسوأ، إن لم نضبطهم بشكل صحيح، قد يتصرفون بطريقة مفاجئة وربما ضارة.

تحذير الأب الروحي

"أسرع مما توقعه كثيرون،" يقول جيفري هينتون، المعروف بـ"الأب الروحي للذكاء الاصطناعي،" الحائز على جائزة نوبل، في مقابلة مع شبكة CBS News، تعبيرا عن قلقه من سرعة تطور وكلاء الذكاء الاصطناعي.

"علينا أن نبدأ الآن في التفكير بكيفية تنظيم هذه الأنظمة،" يضيف، "الخطر لا يقتصر على استبدال الوظائف، بل يشمل إمكانية أن تتجاوز قدراتنا الفكرية".

وأشار إلى هينتون إلى أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت باتخاذ قرارات ذاتية دون رقابة بشرية، وذكر تطبيقات عسكرية واستخدامات مثيرة للجدل مثل اختيار الأجنة.

ويحذر هينتون من أن القوانين الخاصة بالذكاء الاصطناعي غير كافية حتى الآن، وخطيرة.

التحدي الأكبر: السيطرة

الخوف لم يعد نظريا فقط. فبعض النماذج الحالية قادرة على التعلم الذاتي وحل المشكلات بشكل مستقل ما يعقد محاولات السيطرة عليها.

وفي الحديث عن علاقتنا بالذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال أساسي : هل يمكننا ضمان توافق هؤلاء الوكلاء مع القيم الإنسانية؟ وماذا إذا لم نتمكن من ذلك؟

تبقى المخاطر باهظة الكلفة. إذ يؤدي غياب التوافق الأخلاقي إلى مراقبات جماعية، ونشر معلومات مضللة، بما يهدد السلامة العامة والديمقراطيات في الدول الديمقراطية. 

ويزعم نقاد الآلة أن الشركات الكبرى تنشر نماذج قوية دون رقابة كافية، وتُفضل الربح على السلامة العامة.

الموازنة بين التقدم والأخلاق

وللمضي في هذا المسار، يدعو خبراء إلى تأسيس أطر تنظيمية عالمية تتضمن المبادئ الأخلاقية والشفافية والمساءلة لتطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي.

ويرى الخبراء ألا غنى عن السياق الثقافي. ففي بعض المجتمعات، قد تلعب قيم راسخة في خلق فجوة في الوعي الرقمي. لذلك، لا يكفي التطور التقني، بل يتطلب أيضا بناء الثقة المجتمعية.

الطريق إلى الأمام

الذكاء الاصطناعي سيف ذو حدين. إنه مفتاح لحل بعض أعقد مشكلات البشرية، إذا تمت إدارته بحكمة.

ومع تزايد المخاوف بشأن استقلالية وكلاء الذكاء الاصطناعي، تصبح الحاجة لتطويرهم وتوجيههم أكثر إلحاحا.