جلسة سابقة للمجلس الوطني التأسيسي التونسي
جلسة سابقة للمجلس الوطني التأسيسي التونسي

عرضت الحكومة التونسية الأحد خطتها لمكافحة الفساد في جلسة عامة عقدها المجلس الوطني التأسيسي، وفق ما أفاد مصدر حكومي.

وقال وزير الحكومة ومقاومة الفساد عبد الرحمن الادغم إن "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تقوم على تعزيز الوقاية وإنفاذ القانون ورفع الوعي في المجتمع والتنسيق مع المجتمع الدولي".

ودعا الادغم أعضاء المجلس التأسيسي إلى المصادقة "في أقرب وقت" على الاتفاقات الدولية المتصلة بتبادل المعلومات ومكافحة التزوير بهدف "السماح لتونس باستعادة الأموال التي تم الاستيلاء عليها"، وخصوصا من جانب عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وأكد المتحدث أن "استعادة هذه الأموال هي أولويتنا الأولى".

ويلاحق بن علي وقريبون منه ومن زوجته ليلى الطرابلسي في العديد من قضايا الفساد. وقدرت الحكومة قيمة الممتلكات والأموال التي صودرت من الرئيس التونسي السابق وحزبه التجمع الدستوري الديموقراطي  بـ 13 مليار دولار.

وحضر جلسة المجلس الوطني التأسيسي الرئيس التونسي منصف المرزوقي ورئيس الحكومة حمادي الجبالي وغاب عنها نواب المعارضة وممثلو الاتحاد العام التونسي للشغل.

وتأتي هذه الخطة الجديدة في الوقت الذي هدد فيه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه الرئيس التونسي منصف المرزوقي بالانسحاب من الحكومة التي تهيمن عليها حركة النهضة إذا "لم تؤخذ اقتراحاته واقتراحات رئيسه الفخري منصف المرزوقي في الاعتبار".

وكان الحزب قد توعد بالانسحاب من الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي يضم أيضا حركة النهضة وحزب التكتل برئاسة رئيس الجمعية التأسيسية مصطفى بن جعفر.

السلطات التونسية تنتشل عشرات الجثث من ضحايا محاولات الهجرة الفاشلة ـ صورة أرشيفية.
السلطات التونسية تنتشل عشرات الجثث من ضحايا محاولات الهجرة الفاشلة ـ صورة أرشيفية.

أعادت فاجعة غرق مركب على سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية الأربعاء، كان يقل مهاجرين غادروا السواحل التونسية وأسفر عن فقدان كافة راكبيه باستثناء طفلة وحيدة، الجدل في تونس بشأن اتفاقيات الهجرة بين هذا البلد المغاربي وأوروبا. 

في اليوم ذاته، أعلنت منظمة "ميديتيرانيا" Mediterranea Saving Human في بيان لها أنها أبلغت عن وجود حطام 3 قوارب هجرة على طول الطريق بين الساحل التونسي ولامبيدوزا كما طلبت من السلطات الإيطالية إجراء عملية بحث واسعة النطاق.

وذكر البيان أن منظمة "آلارم فون" Alarm Phone(تضم ناشطين من المجتمع المدني في أوروبا) أبلغت منذ 2 ديسمبر الجاري عن اختفاء قاربين انطلق الأول على متنه 45 شخصا في 27 نوفمبر والثاني على متنه 75 شخصا في 30 نوفمبر من تونس، قبل أن تبلغ في 4 ديسمبر عن فقدان قارب ثالث يقل 45 شخصا.

ولفت المصدر ذاته إلى أن "المنظمة قامت بإرسال جميع المعلومات التي كانت بحوزتها إلى السلطات المختصة في المنطقة، بما في ذلك مراكز الإنقاذ في تونس ومالطا وإيطاليا، ولكن لم يتم تقديم أي تعليقات منها".

من جانبها، أعلنت الإدارة العامة للحرس الوطني بتونس الخميس، عن إنقاذ 27 مهاجرا وإجلاء جثامين 9 آخرين بعد تعطب مركب قبالة سواحل الوسط، نافية الأخبار المتداولة بشأن وصول 300 مهاجر إلى جزيرة لامبيدوزا انطلاقا من السواحل التونسية، مؤكدة أن العدد لا يتجاوز 61 مهاجرا غير نظامي.
وتثير حوادث غرق مراكب المهاجرين غير النظامين في عرض البحر الأبيض المتوسط انتقادات المنظمات الحقوقية في تونس للاتفاقيات المبرمة بين هذا البلد المغاربي وأوروبا.

إلغاء الاتفاقيات

تعليقا على هذا الموضوع، يقول رئيس جمعية "الأرض للجميع" (غير حكومية) عماد السلطاني إن المنظمات الحقوقية في تونس تطالب بإلغاء الاتفاقيات المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة غير النظامية والتي لا تتماشى مع المواثيق الدولية وحقوق الانسان في حرية التنقل.
ويضيف السلطاني لـ"الحرة" بأن المقاربات الأمنية التي تقوم عليها هذه الاتفاقيات لا يمكن أن تكون حلا في مجابهة الهجرة غير النظامية لأنها في الغالب تفتقد إلى الجانب الإنساني في معالجة وضعية المهاجرين وتزيد في نزيف المآسي في عرض البحر الأبيض المتوسط.
ويلفت في السياق ذاته إلى أن جل الاتفاقيات المبرمة بين الجانب التونسي والاتحاد الأوروبي تكون سرية ولا يطّلع الرأي العام في البلاد على تفاصيلها مشيرا إلى أنها تخدم المصالح الأوروبية في مقابل حصول تونس على دعم مادي ولوجيستي بسيط.

وبخصوص مطالب إلغاء الاتفاقيات، يشدد المتحدث على أن الجمعيات الحقوقية التي تعنى بقضايا الهجرة في تونس ستنفذ وقفات احتجاجية في 18 ديسمبر 2024 تزامنا مع إحياء اليوم العالمي للهجرة وذلك لتجديد المطالبة بوضع حد للانتهاكات المتعلقة بحقوق المهاجرين غير النظاميين وإلغاء الاتفاقيات التي تجعل من تونس حارس بوابة لأوروبا.

وفي سبتمبر الماضي، قال وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتدوزي في تغريدة له على منصة إكس، إنّ السلطات التونسية منعت منذ بداية السنة الحالية وإلى غاية 25 سبتمبر، أكثر من 61 ألف مهاجر غير نظامي من الوصول إلى السواحل الأوروبية.

وأشار الوزير إلى أن "الرقم يظهر التزام دول الانطلاق والعبور في مكافحة الهجرة غير النظامية"، وفق قوله.

في مقابل ذلك، ينتقد رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان (غير حكومي) مصطفى عبد الكبير ما اعتبره صمت السلطات التونسية في الأشهر الأخيرة وعدم تقديم أي معلومات تجاه عمليات اعتراض ومنع المهاجرين غير النظاميين في البحر الأبيض المتوسط مؤكدا أن هذا التوجه يعكس انخراط النظام التونسي في المقاربة الأمنية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.

تواصل العوامل الطاردة

وبخصوص تواصل نزيف الهجرة غير النظامية وما تخلفه من مآسي فقدان المئات من المهاجرين في عرض المتوسط، يقول مصطفى عبد الكبير لـ"الحرة" إن تواصل العوامل الطاردة المتمثلة في غياب الاستقرار في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء والحرب في السودان فضلا عن التوتر الأمني الذي تعيشه ليبيا تساهم في تزايد أعداد المهاجرين ويرفع في منسوب الضغط على السلطات التونسية في هذا المجال.

ويتابع مفسرا بأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس يدفع بعائلات بأكملها إلى ركوب قوارب الموت والمجازفة بالأرواح من أجل بلوغ الفضاء الأوروبي، لافتا إلى عودة هذه الظاهرة بقوة خلال الأشهر الأخيرة.

ويشير الحقوقي إلى أن السلطات التونسية كثفت من جهودها في تفكيك شبكات الاتجار بالبشر وإيقاف العديد من المهربين وإحالتهم على القضاء فضلا عن محاصرة المهاجرين من دول جنوب الصحراء ومنعهم من التنقل بين المدن وتشديد الرقابة على حدودها البرية والبحرية وذلك في إطار تنفيذ برنامج الاتفاق المبرم مع دول الاتحاد الأوروبي.

وفي يوليو 2023، وقّع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع تونس يقدم بمقتضاها مساعدات مالية للاقتصاد التونسي المتعثر إضافة إلى حزمة مالية لمكافحة الهجرة غير النظامية. 

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن نفى وجود مساع من السلطة لتحويل البلاد إلى منصة لاستقبال المهاجرين وتوطينهم، واصفا تدفقهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء على تونس بـ "غير الطبيعي".

وجدد سعيد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي في مايو الماضي على أن " تونس لن تكون أرضا لتوطين هؤلاء المهاجرين كما أنها تعمل على ألا تكون أيضا معبرا لهم".

يشار إلى أن تونس تشهد منذ قرابة الثلاث سنوات، تدفقا لافتا للمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بنية العبور إلى سواحل الجزر الإيطالية ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي بحثا عن فرص أفضل للحياة، فيما يواجه هذا الملف انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية في البلاد.