صورة لمفجر الربيع العربي محمد البوعزيزي
صورة لمفجر الربيع العربي محمد البوعزيزي

قبل عامين تماما، في مثل هذا اليوم 17 من ديسمبر/كانون الأول،  انطلقت شرارة ما بات يعرف بثورات الربيع العربي. ثورات شعبية لم يعرف العرب مثيلها في تاريخهم.

مفارقات عديدة صاحبت ولا تزال هذه الثورات، أهمها أنها لم تنطلق مما يعرف بالدول " المركز" في العالم العربي وهي "مصر، العراق، سورية" ولكنها انطلقت من  الدول " الأطراف" وتحديدا الطرف "المغاربي".

المفارقة الأخرى أنها لم تنطلق من مركز الأطراف وإنما من أطراف الأطراف، فمدينة " سيدى بوزيد"، مدينة هامشية في أقصى الجنوب التونسي، المفارقة الثالثة هي أن مشعل هذه الثورات، الذي أُعيد بواسطته كتابة التاريخ العربي بل أُعيد بواسطته تموضع العرب في التاريخ الإنساني برمته، لم يرد ذلك و لم يكن معنيا لا بالثورة ولا بالسياسة ولا بالتغيير.

كان محمد البوعزيزي، الذي لم يكمل تعليمه،  شابا بسيطا،  لا اهتمامات كثيرة في حياته، عدا تدبير  قوت يومه، والعيش على الكفاف، كريما معافى، لكن المفارقة الأهم هي أن من يمكن  اعتباره البطل الحقيقي لثورات الربيع العربي شاب تونسي آخر من مدينة سيدي بوزيد التقط الخيط، سله في عين الإبرة وألقى بها إلى عين الشعوب لترى ... فيما توارى هو عن الأنظار.

كيف حدث ما حدث؟ ولماذا حدث ما حدث؟

الإجابة بسيطة: التاريخ كان يجلس على رصيف الباعة الجوالين أمام قصر الولاية في سيدي بوزيد، في الوقت ذاته – ظهيرة يوم الجمعة 17 من ديسمبر/كانون الأول 2010 – حين أضرم البوعزيزي النار في جسده.

كان يمكن أن لا يكون التاريخ حاضرا وبالتالي تمر الحادثة كما مرت حوادث أخرى كثيرة مشابهة، بل كان يمكن أن يحترق البوعزيزي دون أن يتحول جسده إلى كرة لهب التهمت، حتى الآن، أربعة أنظمة وصفت بالتسلطية وضعضعت أنظمة أخرى، تماما كما احترق جسد رفيقه في المهنة والوطن " عبدالسلام تريمش"، البائع المتجول، الذي أشعل النار في نفسه أمام مبنى البلدية في مدينة "المنستير" يوم الخميس 11 من مارس/آذار 2010 ولنفس الأسباب المتعلقة بإهانة الكرامة من قبل موظفي البلدية التي دفعت البوعزيزي لإحراق نفسه. التاريخ لم يكن حاضرا ولم يكن شاهدا في حادثة تريمش لكنه كان في حادثة البوعزيزي.

لحكاية الثورة التونسية والثورات العربية التي استلهمها بطل أو جندي مجهول لا يعرفه إلا قلة من الناس يدعى علي البوعزيزي.

التاريخ اختار محمد البوعزيزي رسالة ورسولا إلى شعوب تحول الخوف لديها إلى مقدس، لكن من صاغ رسالة التاريخ ومن وضع العنوان الصحيح ومن مهرها بطابع البريد الصحيح ومن وضعها في صندوق البريد الصحيح ومن دفع بها ليقرأها التونسيون أولا والعرب ثانيا وشعوب العالم ثالثا هو "علي البوعزيزي".

من هو علي البوعزيزي؟

شاب تونسي، ناشط حقوقي ونقابي، من أبناء سيدي بوزيد ، يحلم بالتغيير ويعمل من أجله، متعلم ومتمرد.

عندما خرج خبر إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده أمام قصر الولاية، كان علي أول من التقط شرارة النار المنبعثة من جسد محمد البوعزيزي وأول من أطلق نداء الاحتجاج والتظاهر وأول من نشر خبر "إحراق البوعزيزي نفسه" على "الفيسبوك" وأول من صور الاحتجاجات بواسطة هاتفه النقال وواصل وضعها على "الفسيبوك" وأول من دفع عربة الاحتجاجات إلى المدن المجاورة كـ"لرقاب" و " أبوزيان" وأول من تعرض للاعتقال والضرب من قبل الأمن التونسي وأول من انسحب إلى الصفوف الخلفية وتوارى بعيدا عن الأنظار والأضواء مفسحا الطريق لمحمد البوعزيزي وعائلته ولكثير ممن التحقوا بقطار الثورة وممن قفزوا إلى عرباته في محطته الأخيرة.

عندما كنت في سيدي بوزيد بُعيد سقوط نظام بن علي في يناير/كانون الثاني 2011 لإنتاج  الفيلم الوثائقي " تونس: ثورة الكرامة" كان منزل عائلة محمد البوعزيزي وكانت والدته وأخوه وأخواته الثلاث مركز استقطاب كاميرات الصحافيين والمصورين ومراسلي الفضائيات، بالطبع كنت بين أولئك الذين تزاحموا بكاميراتهم على البيت وعلى من فيه، لكني أيضا كنت أبحث عن التفاصيل في مكان آخر، وفي سياق البحث ظهر علي البوعزيزي، ظهر في مكان آخر من صورة الحدث ومن تفاصيل الحكاية.

علي روى حكايته وعلاقته بالثورة وما تعرض له في الفيلم الوثائقي "تونس: ثورة الكرامة" الذي بث على قناة "الحرة" لأول مرة في 26 فبراير/شباط 2011 والذي يعاد بثه اليوم الاثنين .

علي البوعزيزي الذي يمكن القول إنه أول من وجه الضربة الأولى لصنم الاستبداد العربي، يجلس اليوم وقد مضى عامان على الحادثة التي أطلقت شرارة ثورات الربيع العربي، يجلس بعيدا عن الأضواء وعن صخب السياسة وجدل وصراع السلطة في بلده تونس.

هل أكمل علي البوعزيزي مهمته؟ ربما. هل اختار الوقوف خلف الصورة عوضا عن الوقوف أمامها؟ ربما ، وربما نروي خيارات واختيارات "جندي الثورات العربية المجهول "صوتا وصورة قريبا.

هناك دائما من يصنع التاريخ، وهناك أيضا من يصنعه التاريخ، وهذا هو تماما الفرق بين "البوعزيزيين" علي ومحمد.

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.