الرئيس السبسي مع بشرى بلحاج حميدة
الرئيس السبسي مع بشرى بلحاج حميدة

"موقع الحرة"/ كريم مجدي

نقاش واسع في تونس بعدما صادقت الحكومة الجمعة على مشروع قانون الإرث، والذي يقضي بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، مخالفة بذلك قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين" المعمول بها في الدول الإسلامية.

ومن المنتظر إحالة مشروع القانون حول المساواة في الإرث إلى البرلمان من أجل المصادقة عليه حتى يدخل حيّز التنفيذ، وذلك في حال حصوله على تأييد أغلبية الأعضاء.

وكان الرئيس الباجي قائد السبسي قد أعلن في 13 آب/أغسطس الماضي عزمه التقدم بمشروع قانون يضمن المساواة بين المرأة والرجل في الإرث، وكلف لجنة الحريات الفردية والمساواة الرئاسية، بتقديم توصيتها حول الموضوع.

وأصدرت اللجنة تقريراً من جزأين؛ الأول كان مخصّصا لـ "الحقوق والحريات الفردية"، ويشمل مقترحات بإلغاء تجريم المثلية، وإسقاط عقوبة الإعدام، ورفع القيود الدينية على الحقوق المدنية، أما الثاني فيتناول مسألة المساواة التامة بين الجنسين، خاصة في مسألة الميراث، والمساواة بين جميع الأطفال، بمن فيهم الذين ولدوا خارج إطار الزواج.

"لا عقوبة"

بشرى بلحاج حميدة، رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة، التي كلفها الرئيس السبسي بتقديم مقترحات لمراجعة قانون الميراث، قالت في حديث لـ"موقع الحرة"، إنه لا يوجد عقوبة لمن يتبع التقسيمة التقليدية للميراث، فالمورِث من حقه الاختيار ما بين المساواة في التقسيم أو التقسيمة التقليدية.

وتتوقع بلحاج أن يواجه القانون صعوبات من أجل تمريره في البرلمان، "لكن الأمل كبير، فبعض الكتل مثل الجبهة الشعبية، كتلة المشروع، وجزء كبير من حركة نداء تونس، موافقة على مشروع القانون".

وتوضح بلحاج أن "هناك أعضاء بحزب نداء تونس الحاكم (الذي أسسه السبسي ويرأسه شرفيا) من عبر عن اعتراضه على القانون، سواء إعلاميا أو عبر الشبكات الاجتماعية".

وتضيف أن "القانون قد يسبب الاختلاف، لكننا عشنا 60 عاما في ظل الرأي الواحد والحكم الواحد ... الاختلاف ليس مضرا في المجتمع".

​​​من جانبها، قالت الناشطة النسوية وأستاذة علم الاجتماع بجامعة تونس، فتحية السعيدي، إن "القانون يعتبر خطوة هامة لتكريس المساواة بين الرجال والنساء".

وأشارت السعيدي في حديث لـ"موقع الحرة"، إلى أن للمورث حق الاختيار أثناء حياته، بين المساواة في تقسيم الميراث أو اتباع قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين.

"لكن إذا سكت المورث في حياته، ولم يحدد طريقة التوريث ثم مات، فإن مبدأ المساواة يطبق حسب القانون، فالقاعدة هي المساواة"، توضح السعيدي.

ويلقى قانون المساواة في الإرث معارضة من بعض الحركات الدينية مثل "التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور"، والتي دعت مفتي الجمهورية عثمان بطيخ إلى عدم التزام الصمت إزاء القانون.

وكان ديوان الإفتاء التونسي، قد أصدر بيانا في آب/أغسطس 2017، يؤيد مقترحات "السبسى" للمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، بدون أن يتطرق بشكل تفصيلي في مسألة المساواة في الميراث بين الجنسين.

​​لكن في عام 2016، كان مفتي الجمهورية عثمان بطيخ قد صرح بأنه لا يجوز شرعا المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، مبررا ذلك بأنه لا يجوز الاجتهاد في هذه المسألة مادام يوجد نص قرآني قد حسمها.

موقف النهضة

على الناحية الأخرى، فإن حركة وحزب النهضة الإسلامي مترددان حيال القانون، فعندما نشرت "لجنة الحريات الفردية والمساواة" تقريرها الذي أوصت فيه بإقرار المساواة في الإرث وإلغاء تجريم المثلية الجنسية وعقوبة الإعدام، أثنت حركة النهضة على التقرير واصفا إياه بأنه "منطلق لحوار مجتمعي".

لكن في بيانه الذي صدر في 26 آب/أغسطس الماضي، رفض الحزب بوضوح توصيات اللجنة واقتراح الرئيس، ووصف مبادرة المساواة بين الجنسين، ويتعارض مع تعاليم الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية.

يقول عضو المكتب السياسي لحركة النهضة محمد القوماني إن "الحزب لم يتخذ موقفا رسميا حيال القانون سواء بالرفض أو القبول حتى الآن، وحين يصل القانون إلى البرلمان سنبدأ مناقشته".
 
وأضاف القوماني لـ"موقع الحرة"، أن "حزب النهضة سيتفاعل إيجابيا مع مشروع القانون، بما يتناسب مع مقتضيات الدستور التونسي برمته، مثل الفصل الأول والثاني اللذين ينصان على أن تونس دولة حرة مستقلة والإسلام دينها".

وأشار إلى أن "القانون في صيغته الحالية لا يكرس للمساواة في موضوع الميراث لأنه لا يقترح منظومة جديدة، ولا يطرح تعديلات تنسجم مع الاعتبارات القانونية الأخرى".

وتابع القوماني: "إذا طرح القانون في البرلمان، فمعنى هذا أنه قابل للتعديل، وقد حدث مثل هذا مع قوانين أخرى سابقة مثل قانون المصالحة المالية مع نظام الرموز السابق بعد أن ظل في رواق المجلس لمدة سنتين، وكان في النهاية أشبه بعفو إداري".

يذكر أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد طلب إيجاد صيغة قانونية تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث، من دون أن تتنافى مع الدين والدستور.

مزارعون في تونس يجنون محصول زيتون - AFP
مزارعون في تونس يجنون محصول زيتون - AFP

مُحاطا بالحرّاس والعمال والمسؤوليين المحليين والمصورين، ظهر الرئيس قيس سعيد، الخميس الفائت، في "هنشير الشعال" وسط أشجار زيتون فقدت نضارتها بفعل سنوات الجفاف الطويلة التي عاشتها تونس.

لم يتأخر الرئيس سعيد كثيرا في الإفصاح عن أسباب زيارته إلى "هنشير الشعال"بمحافظة صفاقس (جنوب) الذي تصفه تقارير إعلامية بأنه "أكبر غابة زيتون" في إفريقيا، ليقول في مطلع مقطع فيديو نشرته الرئاسة  إن "هناك استياء عميقا من طرف المافيا من الغيث النافع لأن نيتهم كانت التفريط فيه". 

 

وأعادت زيارة الرئيس إلى "هنشير الشعال"، الذي يضم حوالي 400 ألف شجرة زيتون، إلى الواجهة النقاشات حول وضعية ما يعرف محليا بـ"الأراضي الدولية"، المصطلح الذي يطلقه التونسيون على الأراضي التي تمتلكها الدولة.

شبهات وتحقيقات

وعقد الرئيس سعيد، أثناء زيارته إلى "هنشير الشعال"، اجتماعا مع مسؤولين محليين أشار فيه إلى "إهمال طال الأراضي الزراعية والمعدات الفلاحية والآبار وقطعان الأغنام والأبقار"، قائلا "سنواصل حرب تحرير تونس من كل اللوبيات.. دخلنا مرحلة جديدة وكل من استولى على مليم واحد من أموال الشعب سيتحمل مسؤوليته".

ساعات بعد انتهاء زيارة الرئيس، باشر القضاء تحقيقات في شبهات فساد بـ"هنشير الشعال"،  ليتم استدعاء ثم توقيف رجل الأعمال المعروف في قطاع تصدير زيت الزيتون، عبد العزيز المخلوفي، الذي يرأس أيضا النادي الرياضي الصفاقسي، أحد أكبر الأندية الرياضية تونس.

 

ومع استمرار التحقيقات، أمرت النيابة العامة، الأحد، بتوقيف وزير الفلاحة الأسبق، سمير بالطيب، وعدد من معاونيه على خلفية الملف ذاته.

وشغل بالطيب، وهو أستاذ جامعي، منصب وزير الفلاحة في حكومة يوسف الشاهد التي خلفت حكومة الحبيب الصيد عام 2016.

ومع توقيف المخلوفي وبالطيب وعدد من معاونيه، طالب نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي بفتح "جميع" ملفات "الأراضي الدولية" الممتدة في معظم محافظات البلاد.

ما الأراضي الدولية؟

تتكون "الأراضي الدولية" الفلاحية في تونس قرابة 500 ألف هكتار، وهي مساحات متأتية أساسا من  من تصفية الأحباس والأراضي المسترجعة من المعمرين بعد استقلال تونس عن فرنسا ربيع العام 1956.

وللإشراف على هذه المساحات الشاسعة، أنشأت الديوان الوطني للأراضي الفلاحية، وهو مؤسسة حكومية تدير أزيد من 150 ألف هكتار من الأراضي بمختلف مناطق البلاد، تستغل أساسا في مجال غراسة الزّياتين والأشجار المثمرة والزراعات الكبرى والمراعي. 

ويخول القانون للديوان تأجير مساحات زراعية للقطاع الخاص بهدف إقامة استثمارات داخلها في قطاع زراعات الحبوب أو تربية الماشية أو الأشجار المثمرة.

لكن عادة ما تواجه العقود المبرمة بين الطرفين أسئلة على وسائل الإعلام حول قيمتها المالية وشفافية معطياتها وطرق وإدارتها.

 

وبالفعل، تعلن السلطات باستمرار عن استرجاع أراضي وعقارات فلاحية من خواص بسبب تجاوزات قانونية أو إشكاليات إدارية.

وفي تقرير سابق لها، ذكرت صحيفة "الصباح" المحلية أن وزارة أملاك الدولة تمكنت، خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى الربع الأول من العام 2021، من استرجاع أكثر من 86 ألف هكتار  من خلال قرارات إخلاء وتنفيذ أحكام قضائية غيرها من الآليات القانونية..

وتستأثر محافظات باجة وسليانة، وهي مناطق متخصصة أساسا في زراعة الحبوب، بالنصيب الأكبر من الأراضي الدولية المسترجعة.